"وعد" تعيد البناء بأفضل المواصفات لكن..الهجرة المعاكسة..

تاريخ الإضافة الأحد 7 آذار 2010 - 6:17 ص    عدد الزيارات 1067    التعليقات 0

        

منال صقر، السبت 6 آذار 2010
\"\"
   
\"\"
 

\"\"

\"\"

خلال عدوان تموز جرى  تدمير نحو 300 مبنى سكني في الضاحية الجنوبية، وكان نصيب منطقة حارة حريك وبئر العبد والرويس من الدمار هو الأكبر،  ووصل عدد المباني التي أتى عليها العدوان في هذه المناطق الى نحو 200 مبنى.. وتعتبر هذه الأحياء مناطق النفوذ المطلق لـ"حزب الله"، وفيها يقوم ما كان يعرف بـ"المربع الأمني" الذي كان يضم مقر الأمانة العامة وشورى الحزب واللجنة الأمنية، إضافة الى مقر المجلس السياسي والإعلام المركزي ومكاتب النواب والجمعيات التابعة للحزب.

والمعروف أن جميع هذه المراكز والمقار كانت قائمة في مبان سكنية عادية يقيم فيها، إلى شاغليها الحزبيين في مكاتبهم ومراكزهم، مواطنون مدنيون، بمن فيهم العائلات والأطفال. ولم يكن ثمة مبانٍ مخصصة لهيئة او للجنة في الحزب، انما كانت مكاتب الحزب تشغل طبقة أو أكثر في المبنى، ويشغل مواطنون عاديون وأسر مدنية بقية طبقاته. 

محمد ص. وهو أحد المواطنين الذي كان يقيم مع عائلته في مبنى يشغل فيه "حزب الله" عدة شقق، قال: "لقد دُمِّر بيتي خلال عدوان تموز، وعانينا كثيراً، كانت شقتنا في المبنى ذاته الذي كان يشغله الإعلام المركزي للحزب. وعلى الرغم من ان مشروع "وعد" أعاد إعمار المبنى أحسن مما كان، إلا أنني وعائلتي لم نعد نتجرّأ على السكن بجوار مراكز لـ"حزب الله"، بعد أن ذقنا الأمرّين جرّاء ذلك خلال عدوان تموز المشؤوم، حيث كُتبت لنا النجاة بأرواحنا بمشيئة ربّانية هي أشبه بالمعجزة. صحيح أننا لم نمت، لكننا جاورنا الموت وتذوقناه بأعيننا وأعصابنا ورعبنا، وصرنا محكومين بعقدة الخوف على الحياة، على الرغم من إدراكنا أن الأعمار بيد الله. ونتيجة الخوف وعدم الاستعداد لدخول التجربة مرة أخرى، ارتأينا التخلّي عن شقّتنا الجديدة والفخمة التي أنجزها مشروع "وعد"، وقمنا بعرضها للبيع، مفضّلين الانتقال إلى شقة أخرى حتى لو كانت بمواصفات أدنى. وعليه فقد اخترنا الإقامة  في منطقة "الجاموس"، لأنها بعيدة قليلاً عن مراكز الحزب. والحقيقة أننا كنّا استأجرنا شقة في تلك المنطقة وأقمنا فيها بعد العدوان بعد أن قدّم لنا الحزب المال الضروري لذلك، كما قدّم لكل الذين كانوا في مثل وضعنا، وما زلنا اليوم مقيمين فيها ننتظر أن يتيسّر لنا بيع شقتنا الجديدة التي أنجزها مشروع "وعد".

أما عن العودة الى حارة حريك فيضيف محمد: "لا نفكر أبداً بالعودة للسكن في تلك المنطقة إذ صرنا لا نشعر فيها بالأمان، خصوصاً بعد حرب تموز التي زادت من هذا الشعور لدينا ولدى الكثيرين الذين كانوا يعيشون فيها، والمثل يقول: "بعود عن الشر وغنّيلو".

\"\"

بعد ان التزمت مؤسسة "وعد" إعادة إعمار 240 مبنى في الضاحية الجنوبية، اشترطت على كل واحد من اصحاب الوحدات السكنية المدمرة، إيداعها التوكيل الرسمي للمباشرة بعملية إعادة الإعمار، وبالتالي أضحت "وعد" الجهة الوحيدة المخولة بهذه العملية، عدا عن أن بيع أي عقار في الأبنية التي تكفلت إعادة إعمارها، يتم فقط عبر القيمين على هذا المشروع. ويمكن لأي راغب بشراء شقة أو محل للتجارة في المباني الـ240، أن يقصد مكاتب "وعد" في حارة حريك ليطلع على لوائح بالشقق والمحال التجارية المعروضة للبيع، اضافة الى الثمن المطلوب والمميزات. وبحسب مصادر "وعد" فإن المؤسسة لا تتدخل في عمليات البيع، بل إن دورها يقتصر على إطلاع الراغبين بالشراء على اللوائح، وأن مدير المشروع المهندس حسن جشّي يمنع أي موظف في "وعد" من التدخل في عمليات البيع. (وفي المعلومات أنه سبق لجشي أن وجّه تأنيباً شديد اللهجة لأحد المهندسين في "وعد" لأنه اتصل بأحد الراغبين بشراء شقة في حارة حريك، وتحدث معه في تفاصيل العملية).

وقد ذيلت لوائح الشقق المعروضة للبيع بالتمني على المشترين مراجعة دائرة "شؤون المالكين" في مشروع "وعد".

اما عن هذه الشقق المعروضة للبيع، فمعظمها يقع ضمن ما يُعرف بالمربع الأمني (السابق)، اي في المنطقة الممتدة من شارع دكاش في حارة حريك وصولاً الى "مجمع سيد الشهداء" في الرويس. وحسب لوائح "وعد" فإن هناك نحو 140 شقة يرغب أصحابها ببيعها (يتراوح سعر الشقة بين 100 ألف و150 ألف دولار اميركي)، وهي بطبيعة الحال في المباني الـ40 التي تم تسليمها لأصحابها بعد اعادة إعمارها، ما يعني ان نسبة الراغبين في الابتعاد عن منطقة حارة حريك يصل اليوم  الى أكثر من 20 في المئة من السكان، وهي نسبة مرشحة للارتفاع بالطبع، خصوصاً بعد عودة أحاديث الحرب بفعل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة. وهنا لا بد من ملاحظة كل هذا "الزهد" بالشقق الجديدة والاتجاه لبيعها، مع إهمال الاعتبار للنوعية الممتازة لتلك الشقق التي أنجزتها "وعد". ذلك أن الناس باتوا أكثر اهتماماً بالسلامة إذ إنّ "الذين اكتووا بالحليب، باتوا ينفخون في اللبن" كما يقول المثل.

\"\" 

بات من المتعارف عليه في مختلف الأوساط في الضاحية أن الدافع الرئيسي لعمليات البيع المتزايدة يكمن في الهاجس الأمني لدى سكان المنطقة بعد عدوان تموز، لأنه لا يعقل ان يتخلى صاحب شقة جديدة عن مقر سكنه الذي أُعيد بناؤه، مع كل المميزات الحديثة لمباني "وعد"، ما لم يكن الدافع هو الخوف من جهة، وطلب السلامة والأمن من جهة ثانية.

وبحسب محمد فواز من بلدة الغسانية (صور) الذي كان يقيم في بناية الهدى في شارع السيد عباس الموسوي (حارة حريك) فإن ما عاناه خلال وبعد  عدوان تموز "لا يمكن لأي إنسان تحمله"، ويقول: "بعد انتهاء العدوان عدت لتفقد المبنى الذي كنت أقيم فيه، فوجدته ركاماً، وأُجبرت على استئجار شقة في المريجة. وفي ما بعد رفض أولادي وزوجتي العودة إلى حارة حريك بعد إنجاز إعمار المبنى الذي كنّا نقيم فيه، وفضلوا بيع الشقة الجديدة وشراء اخرى في حي الجاموس أو (الأميركان) ضمن بلدية الحدث، لاعتبارهم أن الحي هناك بعيد عن مناطق نفوذ الحزب ومراكزه التي يمكن أن يستهدفها العدو الإسرائيلي في أيّ عدوان جديد.

\"\"

أعاد "حزب الله" إعمار "مجمع سيد الشهداء" الذي استهدفه العدوان الإسرائيلي بأطنان من القنابل والصواريخ المدمرة. عملية إعادة الإعمار أُنجزت بشكل فعّال وسريع أثار تعجّب الجميع. وخلال أشهر معدودة قام البناء مجدداً أفضل مما كان، واستعاد المجمع مركزيته وسط منطقة الضاحية الجنوبية. وقد دشن الحزب نشاطاته في المجمع في أيار 2007 عبر اقامة أول معرض ضخم للكتاب، وأضحى  المجمع المنبر الأكثر شهرة للحزب، وفيه تتكرر الأنشطة لمختلف المؤسسات الحزبية مثل "جمعية جهاد البناء" عبر معرض "أرضي" الزراعي، وكشافة المهدي والهيئة الصحية الإسلامية وسواها...

وبالطبع فقد أحاط الحزب هذا المجمع بطوق أمني غير مرئي ووضعه تحت  المراقبة الدقيقة على مدار الساعة، حفاظاً على أمن المواطنين من أتباع الحزب والسكان المقيمين في المحيط. وكانت معظم المباني المحيطة بالمجمع قد طالها الدمار خلال عدوان تموز، فأعاد مشروع "وعد" إعمارها جميعها وباتت جاهزة للسكن، إلا أن كثيرين من أصحاب الشقق هناك فضلوا أيضاً التخلّي عنها وبيعها، لشراء شقق أخرى يقيمون فيها على أطراف الضاحية، بعيداً عن المجمع وعن سائر المراكز العائدة لـ"حزب الله"، تخوّفاً مما يمكن أن يطال المناطق الحزبية وجوارها من اعتداءات في حال نشوب حرب جديدة.. وبات مثلاً "حي الأميركان" الأكثر جذباً لهؤلاء، ويقول حسين: "اشترينا شقة في "حي الأميركان" وانتقلنا اليها منذ بضعة أشهر مفضلين الإبتعاد عن مناطق نفوذ الحزب. فقد خسرنا بيتنا في الحرب الماضية، وقد نخسر أرواحنا في الحرب المقبلة. ويضيف: "هنا المنطقة أكثر أماناً حيث لا توجد مراكز لحزب الله، نريد أن يشعر أولادنا بالطمأنينة".

هكذا ويوماً بعد يوم، يتزايد اتساع الهوّة بين المشروعين اللذين أراد لهما "حزب الله" أن يتعايشا على أرض واحدة، مشروع الحرب حتى دحر العدو، ومشروع الحياة وسعي الناس وراء السلامة ولقمة العيش. وبالطبع فإن بطولات مقاومي الحزب خلال حرب تموز وقبلها وبعدها لا يمكن أن تكون موضع شك، لكن التشكيك "واجب شرعاً" في كل مشروع يعمل على زجّ المجتمع المدني في سلسلة حروب تخضع لأجندات الكبار الذين لا يرون الصغار أكثر من وقود للمسيرة الدائمة.

هي الهجرة المعاكسة في زمن السلم المزدحم بالترقب والخوف... الخوف من حرب محتملة تعيد وضع مناطق تواجد "حزب الله" على لائحة الأهداف الإسرائيلية، وهذا الخوف البديهي لم يعد يقتصر على المواطنيين غير الحزبيين وإنما بات يؤرق جزءاً من جمهور الحزب بالذات بعد أن ذاق الأمرّين خلال عدوان تموز 2006، ولسان حاله يردد المثل الشائع: "لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات موحشة".

\"\"

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,252,122

عدد الزوار: 6,942,196

المتواجدون الآن: 120