الجزائر وبلدان الجوار

تاريخ الإضافة الأحد 25 تشرين الأول 2015 - 6:55 ص    عدد الزيارات 662    التعليقات 0

        

 

الجزائر وبلدان الجوار
Middle East and North Africa Report N°164 22 أكتوبر 2015
الملخص التنفيذي
الجزائر/بروكسل، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2015
تبرز الجزائر اليوم كوسيط لا غنى عنه من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا والساحل؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة أكثر فأكثر من انعدام الأمن، والتدخل الخارجي والاستقطاب، ما فتئت الجزائر، وفي فترات مفصلية، تشجع على الحوار وبناء الدولة كأفضل السبل لإخراج جيرانها من أزماتهم، ومن ثم ضمان أمنها على المدى البعيد. لقد شكل ما يسميه البعض "عودة" الجزائر إلى معترك السياسة الإقليمية، بعد غياب طال على مدى سنوات الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، التي أطلق عليها وصف "العِقد الأسود"، شكل  تحوّلاً إيجابياً على أكثر من صعيد؛ فمقاربتها الداعية إلى إشراك كل الأطراف وإلى التوافق لتحقيق الاستقرار في بلدان الجوار، والتي تحركها المصلحة الذاتية المستنيرة، تعد بمثابة فرصة للنظام الدولي الذي يواجه صعوبات جمة للتعامل مع التحدّيات التي أفرزتها الثورات العربية. إلاّ أن طموحات الجزائر تخضع لقيود يفرضها وضعها الداخلي؛ حيث يسهم المشهد السياسي المتهالك والنظام الذي تمزقه الفئوية والشكوك حول من سيخلف الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، تسهم في ضبابية الأفق السياسي، علاوة على ضرورة تحسين علاقاتها مع القوى الأخرى ذات النفوذ في المنطقة، خاصةً المغرب وفرنسا.
وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على منحها الأولوية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعيد الجزائر ضبط سياستها الخارجية. فقد أعاد وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، وهو دبلوماسي محترف يحظى باحترام واسع ويسعى لبناء علاقات أفضل مع القارة الأفريقية، أعاد الحياة إلى التوجه الدبلوماسي نحو القارة السمراء ومحيطها، وأظهر رغبة بلاده في أن تصبح قطب الرحى في جوار مضطرب، لكن دون التخلي عن انخراطها الوثيق إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا. وقد شكل هذا التحرك رداً جزئيا وضرورياً على الاضطرابات غير المسبوقة على حدودها؛ فعلى طول جزء كبير من حدودها الشرقية والجنوبية البالغ طولها 6,500 كيلو متر، تواجه الجزائر مشكلة التعامل مع دول فقدت الكثير من سلطتها ومع تهديدات الجماعات الجهادية. فالثورات العربية والأزمة في مالي حوّلت ليبيا وتونس ومالي نفسها، ومن تم منطقة الساحل برمتها، إلى مصدر تهديد عابر للحدود للمرة الأولى في تاريخها. وقد شكّل الهجوم الذي شنه الجهاديون في كانون الثاني/يناير 2013 على مجمّع للغاز الطبيعي في عين أميناس دليلاً واضحاً على ذلك.
ومنذ انطلاق شرارة الاضطرابات الإقليمية عام 2011، لعبت الجزائر دوراً مهماً، وفي بعض الأحيان محورياً، في الأزمات السياسية والأمنية التي تعاني منها ثلاث من دول الجوار. ففي ليبيا، دعمت مفاوضات الأمم المتحدة وقامت بتحركات دبلوماسية غير معلنة منذ منتصف عام 2014 لتحقيق المصالحة بين أطراف النزاع. وفي مالي، لعبت دور الوسيط واستضافت المفاوضات بين الحكومة وفصائل المعارضة الشمالية، بهدف تحقيق الاستقرار في البلاد ومنع انفصال الشمال. وفي تونس، كانت داعماً هادئاً لكن محورياً للتوافق بين الإسلاميين والعلمانيين والذي شكل عنصر استقرار هناك منذ عام 2014. وفي كل محطة من هذه المحطات، دعا لعمامرة وغيره من كبار المسؤولين في الجزائر إلى إيجاد حلول سياسية لمعالجة الاستقطاب والاضطرابات الاجتماعية والصراعات المسلحة. وبالنظر إلى ندرة الأطراف القادرة على لعب دور بنّاء في المنطقة والراغبة في ذلك، خاصة في منطقة الساحل - التي قد تكون أكبر منطقة في العالم خارج سيطرة الدولة، جزئياً على الأقل – فإن التحرك الجزائري يشكل بادرة إيجابية جداً.
غير أن هناك قيوداً تكبح طموح الجزائر للعب دور رائد على المستوى الإقليمي وعلى رأسها غياب المرونة الذي أبان عنه النظام في تعامله مع المشهد السياسي الداخلي، علاوة على المخاوف الكبيرة حيال عملية خلافة بوتفليقة، حيث يمكن أن يؤدي التنافس داخل النخبة الحاكمة نفسها إلى اضطرابات شعبية. فقد تم رفض كل الدعوات للتحضير لعملية انفتاح سياسي سلس، وهو ما دفع البعض في المعارضة إلى اتهام الرئيس وحاشيته بالتصلب والجمود. وتعزز هذه المخاوف مجريات الأحداث على الصعيد الإقليمي والتي قد تزيد من خطورة عملية الانتقال الحساسة أصلاً، في ظل تركيز المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، التي تلعب دوراً أكبر مما ينبغي في السياسة الداخلية وتدبير شؤون الدولة، على ما وراء الحدود. كما أن الأوضاع الأمنية الإقليمية التي ما فتئت تزيد تدهوراً لا يخلو من تأثير على السياسة الداخلية، حيث باتت من الجبهات التي تغذي الانقسامات المعلنة وغير المسبوقة بين الرئاسة و "الدولة العميقة" القوية المتمثلة في أجهزة المخابرات.
بالمقابل، فإن السياسة الداخلية ووتيرة إصلاحها البطيئة جدا تقف حجر عثرة أمام أي محاولة لجعل توجهات السياسة الخارجية (وما يقابلها من نظرية عسكرية) تواكب التحولات التي يعيشها العالم اليوم. فالجزائر، التي كانت دائما تركز على العلاقات الثنائية بين الدول، شرعت - وعليها أن تستمر في هذا النهج - في تعزيز علاقاتها الدبلوماسية التقليدية من خلال بناء علاقات مع العدد المتزايد من الفاعلين الإقليميين من غير الدول. وبينما كان للجزائر ومنذ وقت طويل حضور وازن في الشأن الأفريقي، ظل دورها هامشياً نسبياً في العالم العربي، مما يحتم عليها تعزيز علاقاتها مع دول الخليج التي باتت حاضرة بقوة في منطقة شمال أفريقيا، وأن تمرر مواقفها من خلال الإقناع وليس فقط بالتعبير عن غضبها. كما تعاني علاقات الجزائر مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، ومع جارتها المغرب من توترات وخصومات غير ضرورية في كثير من الأحيان ولا تزال رهينة ماض لم يعد يتذكره معظم الجزائريين.
وستستفيد البلاد بشكل كبير من تسوية هذه التوترات، أو على الأقل التخفيف من حدتها كلما كان ذلك ممكناً. ويشكل التغيير الجاري على مستوى القيادات والانتقال من جيل إلى جيل آخر، إن على صعيد السياسات أو المؤسسات، يشكل فرصة للانخراط في هذا المسار، شريطة وجود نظراء على الجانب الآخر يبدون تفهمهم لهذا الواقع. ومع تصاعد انعدام الأمن والاستقطاب الأيديولوجي على المستوى الإقليمي، فلا يمكن لانخراط أكبر للجزائر كوسيط براغماتي يسعى لتحقيق الاستقرار وإلى التوصل إلى تسويات سياسية للصراعات داخل منطقة المغرب العربي والساحل إلاّ أن يكون موضع ترحيب.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,721,184

عدد الزوار: 6,962,795

المتواجدون الآن: 70