سياسة الاستقطاب الديني توغل في الإساءة إلى تعددية الهند

تاريخ الإضافة الإثنين 19 تشرين الأول 2015 - 7:25 ص    عدد الزيارات 692    التعليقات 0

        

 

سياسة الاستقطاب الديني توغل في الإساءة إلى تعددية الهند
د. م. الرحمن 
في حادث فظيع وقع قبل أسبوعين في قرية «بيساهرا» في ولاية أوترا براديش والواقعة على مسافة 40 كيلومتر من عاصمة الهند نيودلهي، قُتل مواطن مسلم اسمه أخلاق أحمد وأصيب ابنه بجروح خطيرة بأيدي جماعة من الهندوس بتهمة ذبح بقرة وتناول لحمها وتخزينه في الثلاجة، ما أثار ضجة كبيرة في الإعلام الهندي وسط تنديد شديد من المجتمع المدني والأحزاب المعارضة. ووصف صحافيون في جرائد بريطانية الحادث بالأبشع بعد حادث هدم المسجد البابري الذي مات ضحية الحوادث اللاحقة به ألوف من المسلمين وغيرهم.
أثار الحادث الخوف والذعر والإحساس باللاأمن في نفوس المواطنين المسلمين لأنه وقع في ملابسات وظروف تجعله يختلف تماماً عن حوادث القتل العادية، فهناك قرية غالبية سكانها من الهندوس، عاش فيها المسلمون والهندوس بوئام كامل منذ سبعين سنة ولم يحدث في هذه المدة الطويلة ما يعكر صفو الحياة الاجتماعية، وذات ليلة بعد يومين من عيد الأضحى يُنشر إعلان من مكبر صوت المعبد الهندوسي في القرية يفيد أن المسمّى أخلاق أحمد ذبح بقرة وتناول لحمها، وسرعان ما تجمع في القرية حشد غفير من الناس واقتحموا منزله وضربوه بالعصي والحجارة حتى مات وأصابوا ابنه بجروح خطيرة. وقد فعلوا ذلك بناء على شائعة، وانقلب أصدقاء الجوار إلى أعداء في طرفة عين.
وقد ظهر لاحقاً أن عدداً من المتهمين بتدبير القتل هم من الشباب الذين لهم علاقة بحزب بهارتيا جاناتا (الحزب الحاكم في نيودلهي). أليس من الغريب أن تستفز شائعة الجيران وتدفعهم إلى قتل جارهم بهذه الهمجية والوحشية؟ هل من المعقول أن نعتبر الواقعة مجرد حادث كما يزعم بعض الساسة البارزين من الحزب الحاكم؟ وفي الحقيقة، وكما تحدث الكثيرون، وكما يعتقد عامة الناس، أن الحادث جزء من اللعبة السياسية من أجل الاستقطاب الديني بهدف كسب المنافع السياسية. وليس الحادث وحيداً من نوعه، فقد تصاعدت وتيرة حوادث الاعتداء على المسلمين بتهمة قتل بقرة وتناول لحمها، لا سيما في غرب ولاية أوترا براديش، كبرى الولايات الهندية، التي شهدت أحد أسوأ الاضطرابات الطائفية في مدينة مظفر نغار قبل عامين وتسبب في تشريد ألوف المسلمين ودمار شامل لممتلكاتهم وأرواحهم، وأدى الأمر إلى استقطاب ديني شديد أفاد كثيراً حزب بهارتيا جاناتا في الانتخابات البرلمانية العامة في العام الماضي، والتي سوف تشهد الانتخابات العامة للمجلس التشريعي في نهاية العام المقبل.
الأحزاب المعارضة في الهند تلقي باللائمة على المنظمات الهندوسية المتطرفة، بدعم مستتر من الحزب الحاكم، التي تسعى إلى الاستقطاب الديني للمواطنين، وتحذر الحزب الحاكم بأنه إذا لم يتم اتخاذ تدابير وخطوات صارمة لمنع الحوادث فإن ذلك سيلحق أضراراً فادحة بالتعددية الهندية ويدمر النسيج الاجتماعي في البلد.
أعرب رئيس جمهورية الهند ووزيرا الداخلية والمالية عن إدانتهم الشديدة لهذا الحادث وطالبوا المواطنين بالحفاظ على الانسجام الطائفي. ولاحقاً خرج رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن صمته معرباً عن أسفه لما حصل، وقال إن حزبه «لم يؤيد يوماً مثل هذه الأفعال». ولكن، يبقى السؤال الجوهري: لماذا لا تُتخذ إجراءات صارمة لمنع تكرار هذه الحوادث؟، ولماذا لا يُمنع الزعماء من إطلاق تصريحات تنشر الحقد والكراهية في المجتمع وتعرّض التعددية الهندية - التي يُضرب بها المثل في العالم - للخطر؟
أما مسألة البقرة فكانت وما زالت حساسة للغاية، وتسببت باشتباكات طائفية كثيرة في الهند. البقرة مقدسة لدى الهندوس ويعتبرونها أماً لهم. وفي الهندوسية البقرة رمز للثروة والقوة والوفرة والعطاء والفداء والتضحية ولذلك فذبحها محرم في معظم الولايات الهندية. مع ذلك هناك ولايات كولايات شمال شرقي الهند، وكيرالا، وجوا، وبنغال الشرقية، تتوافر فيها لحوم البقر دونما مانع. وفي ولاية جوا، حيث يشكّل المسيحيون 25.1 في المئة والمسلمون 8.3 في المئة من السكان وحيث يحكم حزب بهارتيا جاناتا، ليس تناول لحم البقرة ممنوعاً، ويعلن كبير وزراء الولاية أنه لا يستطيع تحريم لحم البقرة لأن تناول لحمها جزء من العادات الغذائية لأهل جوا.
الجدير ذكره أن الهند أصبحت الدولة الكبرى في العالم في تصدير «اللحم الأحمر»، وقد بلغت قيمة الإيرادات السنوية من تصدير لحوم الجاموس 4.8 بليون دولار، ويملك الهندوس عدداً من الشركات الكبرى لتصدير اللحوم.
وبالنسبة إلى المسلمين، أعلن قادتهم السياسيون والدينيون أنهم يحترمون المشاعر الدينية لإخوانهم الهندوس، ولا مانع عندهم أبداً من تحريم ذبح البقر في الهند كلها، لأن تناول لحم البقر ليس واجباً دينياً وإنما هو مبـــاح. وبالــــفعل باشر بعض المسلمين في ولاية هاريانا وأوترا براديش حملة واسعة لحماية البقرة.
وفـــي الماضي قام الحكّام المسلمون بمنـــع ذبح البقرة مراعاة لمشاعر الرعايا الهندوس الذين يقدسونها. يُروى عن مؤسس الحكم المغولي بابر (الذي حكم الهند بين 1526 و1530) قوله: «إما أن تحرم ذبح البقرة في الهند وتحكمها أو تذبح البقرة ولا تحكمها»، وسار على هذا النهج معظم الحكام المغول. وكذلك حرم الملك حيدر علي خان (1721-1782) وابنه الملك تيبو سلطان (1750-1799) ذبح البقرة في ولاية مايسور (الواقعة حالياً في ولاية كارناتاكا) احتراماً للمشاعر الدينية للرعايا الهندوس.
وعوداً إلى الحادث، فهو ليس تعبيراً عن غيظ عفوي للهندوس لسماعهم خبر ذبح البقرة، بقدر ما هو تعبير عن قدرة البعض على تأجيج المشاعر الدينية واستغلالها للمصالح السياسية ضد المسلمين، فقبل أن يتأكدوا من وقوع ذبح البقرة - وقد أثبتت نتائج فحص الطب الشرعي لاحقاً للحم المعثور عليه في ثلاجة المقتول أنه لم يكن لحم بقر وإنما كان لحم غنم - أسرعوا إلى خلق الهستيريا والبلبلة. وحتى إذا كان المقتول مذنباً بذبح البقرة وتناول لحمها فليس ثمة مبرر لتطبيق القانون بأيديهم. ألا نعيش في عصر وفي مجتمع يُفترض أن يسوده حكم القانون لا قانون الغابات أو الغوغائية؟ وإذا أرادت الهند أن تحتفظ بثروة تعدديتها فعليها أن تضمن سيادة القانون والمساواة أمام القانون وتعزيز ثقافة احترام الآخر والتسامح، فذلك بالتحديد ما عرفت به عبر العصور. وإلى جانب ذلك يجب على الحكام الهنود العمل بجدية على كبح جماح العناصر التي تسعى إلى تقسيم الناس ونشر الكراهية ضد بعض الفئات وتأجيج المشاعر الدينية، مهما كانت دواعيها سياسية أم دينية. ومن واجبهم أيضاً الترفُّع عن المصالح السياسية من أجل الحفاظ على الديموقراطية والتعدُّدية الدينية في الهند. وعلى حدّ قول مفتي محمد سعيد، كبير وزراء ولاية جامو وكشمير «لا مكان للكراهية والتطرف في المجتمع المتحضّر».
والجدير بالذكر أن عدداً من الأدباء الهنود ردوا الجوائز الأدبية إلى الحكومة تعبيراً عن سخطهم من تفاقم اللاتسامح في المجتمع وعدم قدرة الحكومة على منعه، ومن أبرزهم سارة جوزف وتارا ساهجل الحائزتان على جائزة «ساهتيا أكاديمي» (أكاديمية الأدب)، وأشوك باجباي الحائز على الجائزة نفسها، كما استقال الكاتب والشاعر كيه ساتشيناندان والكاتب شاشي ديشبانداي من عضوية أكاديمية الفنون الجميلة في نيودلهي ومن المناصب التي كانا يشغلانها في الأكاديمية احتجاجاً على اغتيال الكاتب والعالم العقلاني أم أم كالبورغي ومقتل السيد أخلاق أحمد بتهمة تناول لحم بقرة. وسبق أن اغتيل الناشط الاجتماعي والمناضل ضد الأوهام والخرافات جوويند بارسادي، وكذلك العالم العقلاني ناريندرا دهابولكار قبل سنتين في بونة قرب مومباي. كل هذه الأحداث، كما يراها المجتمع المدني، لا تبشر بخير للديموقراطية الهندية.
* كاتب هندي
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,718,220

عدد الزوار: 6,962,654

المتواجدون الآن: 69