العصبية السياسية «الشيعية» حين تشهد أفولها في العراق

تاريخ الإضافة الخميس 27 آب 2015 - 6:59 ص    عدد الزيارات 739    التعليقات 0

        

 

العصبية السياسية «الشيعية» حين تشهد أفولها في العراق
رستم محمود 
على رغم وضوح استجابة كتلة «الإصلاحات» السياسية والقانونية التي تقدم بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للتظاهرات الشعبية التي اجتاحت العاصمة والكثير من مدن الجنوب، إلا أن المشروع الصادر عن رئيس الوزراء وصفها في مقدمته بأنها «التي دعت اليها المرجعية العليا، والتي طالب بها المواطنون». في شكل ولغة وسلوك تشي بـ «التقية السياسية»، من مركز قوة سياسية / رمزية ومادية بالغة الهيمنة، هي المرجعيات الدينية الشيعية في العراق.
يبدو جلياً التناقض الكامن في ذلك، فالتظاهرات الشعبية جرت في الأقاليم العراقية ذات الغالبية السكانية الشيعية، وحيث تسيطر الأحزاب السياسية الشيعية الثلاثة (حزب الدعوة، التيار الصدري والمجلس الأعلى) والتي كانت المرجعيات المذهبية الشيعية تعمل على الدوام كبوصلة ومؤسسة عليا لتوحيد قراراتها وتحديد توجهاتها السياسية الكبرى، وحيثما كانت التظاهرات تعبيراً مباشراً عن امتعاض شعبي متعاظم تجاه «نُخب» هذه الأحزاب، فهي لم تجر في المناطق الغربية / السُنية من البلاد أو في كردستان، ومع ذلك نصّ بيان الإصلاحات «إنما هي استجابة لدعوات المرجعية العليا».
الأمر الآخر المثير، أنه بعد أقل من ثلاثة أيام على إصدار العبادي كتلة الإصلاحات تلك، وبُعيد إقرارها في البرلمان العراقي بإجماع تام، فإن العبادي صرّح بـ «مواصلة الإصلاح، وان كلفني ذلك حياتي»، مشيراً بشكل غير مباشر، إلى وجود قوى سياسية عراقية في صلب المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية، تستطيع أن تطاول شخص رئيس الوزراء نفسه.
لكن مع الإقرار بجوهرية مركزي القوتين العراقيتين: من جهة المرجعية المذهبية الشيعية العليا، التي تشكل أوسع تعبير عن مدى قوة النزعة العصبوية الشيعية. ومن جهة أخرى القوى السياسية الشيعية الثلاث، التي تمثل ذراع الهيمنة السياسية الإيرانية في العراق، كجزء من الشرخ الإقليمي الكلي. مع الإقرار بذلك، فمجرد إصدار هذه الحزمة بعد سلسة التظاهرات الشعبية، إشارة الى شبه «أفول» لواحدية المرجعية الدينية كقوة مركزية يمكن لها وحدها تحديد التوجهات «المصيرية» في البلاد، حيث أثبتت الحشود الشعبية قدرتها على فرض ذلك في حال كانت منظمة وفق خطاب سياسي وطني عراقي جمعي. الأمر الآخر، فإن إقرارها بإجماع تام في البرلمان، على رغم تباينها الكلي مع المصالح السياسية للكثير من القوى البرلمانية، وبالذات منها مصالح زعماء الكتل السياسية التي خسرت مواقعها وامتيازاتها العظمى، يُستدل منه على خفوت القوة الفعلية لهؤلاء «الزعماء» وشخصياتهم، مقابل الإجماع الوطني الذي يستطيع أن يطيح أياً منهم.
نتج هذا التغير كتتويج للتحولات البطيئة في بنية الاجتماع السياسي العراقي، منذ إثني عشر عاماً وحتى الراهن، وهو جرى في بنية المجتمع «الشيعي» العراقي بالضبط، وكان يمر عبر ثلاث ديناميات مركبة:
أولاً، الانتفاء المتقادم لخطاب «المظلومية» الشيعية السياسية، والذي انبنى منذ أوائل الستينات في العراق، منذ سيطرة التيار القومي / البعثي على العراق، ذلك التيار الذي كان السُنّة العراقيون يشكلون عصبه المركزي، ومن ثم كانت «الصدامية» تتويجاً له. فقد بقيت الأحزاب «الطائفية» الشيعية تؤسس للعصبية السياسية الشيعية على تلك المظلومية المضادة للسُنة في العراق، ثم استمرت في شد تلك العصبية لسنوات عديدة بُعيد سقوط النظام العراقي السابق، فاجتثاث البعث ومجموع السياسات الطائفية التي أتبعتها هذه الأحزاب السياسية الطائفية الشيعية كانت تمثيلاً أعلى لتلك السياسة التي كانت تعرض العرب السُنة كعدو وظيفي.
لكن، منذ سنوات قليلة، خصوصاً بعد نكوص السُنة إلى بيئاتهم الأكثر محلية، وتهميشهم المتقصد عن المؤسسات المركزية في البلاد، باتت القواعد الاجتماعية «الشيعية» تكتشف أن جوهر معضلاتها و»عذاباتها» ليست نتيجة التضاد / العداوة السياسية والاجتماعية مع العرب السُنة، كما أسسته المظلومية السياسية الشيعية. بل نتيجة تراجع النُخبة السياسية الشيعية نفسها، لفسادها وسلطويتها ونرجسيتها، وبذا لم تعد العصبية الطائفية / الشيعية المضادة للآخر السُني، والتي بنت عليها الأحزاب السياسية الثلاث سابقة الذكر كل ديناميتها وخطابها السياسي، لم تعد تلك العصبية ذات حضور في الذات الجمعية لهذه الجماعة العراقية.
من جهة ثانية فإن شعوراً متعاظماً بفداحة اندراج العراق في الصراعات «المذهبية» الإقليمية بات يتكاثف لدى هذه القواعد الاجتماعية. فهي باتت ترى نفسها الخاسر الأعظم من عملية تبعية العراق السياسية والرمزية للسياسات الإيرانية، تلك التي حولت العراق الى رأس حربة عسكرية ومالية في صراعها الإقليمي، وبات العراق معها دولة مفلسة مالياً، ويشهد أوسع موجة عنف عدمية، تشمل ثُلثي مساحة البلاد، أنهكت كافة مؤسسات البيروقراطية والمدنية.
هذه البيئة الإجتماعية «الشيعية» التي باتت واثقة من مركزية موقعها في الدولة العراقية، وأصبحت تدرك أن أحوال البلاد الراهنة هي نتيجة التهميش السياسي والاقتصادي والرمزي المتقصد للعرب السُنّة، كاستجابة للسياسات الإقليمية الإيرانية «الصراعية»، والتي تتعمد تهميش العرب السُنّة في كل المنطقة. هذه السياسة دفع العراق كله ثمنها، ولم يستحصل الجنوب العراقي «الشيعي» الغني جداً بثروته النفطية على عائدات تنموية منذ اندراج العراق في هذه السياسة، مثلما جرى في إقليم كردستان العراق الذي حافظ إلى حد معقول على التوازن أو الحياد في هذا التصارع الإقليمي / المذهبي.
آخر تلك الديناميكيات نتج عن تعاظم التناقض «الداخلي» بين النُخب الشيعية السياسية و»الدينية» وبين القواعد الاجتماعية الأوسع. فإن كان ثمة وحدة حال وشعور بالتآلف العضوي بين الطرفين حتى سيطرة هذه النُخب على الحُكم في العراق، فإن النخب بعد تعاظم قدرتها المالية وسلطاتها الامتيازية وأنماط حياتها الخاصة وانعزالها الاجتماعي والثقافي، باتت تشكل نمطاً عراقياً من «السلطويين البيض» المهيمنين على الحياة العامة السياسية والاقتصادية والرمزية، مقابل معايشة ملايين العراقيين أشكال الحرمان والتهميش. هذا التناقض المتعاظم أفقد الممثلين السياسيين لهذه العصبية السياسية و»الدينية» سلطتهم الرمزية على القواعد الاجتماعية.
* كاتب سوري
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,538,667

عدد الزوار: 6,899,823

المتواجدون الآن: 77