هل دخل البلقان في أجندة «داعش»؟

تاريخ الإضافة السبت 13 حزيران 2015 - 7:16 ص    عدد الزيارات 689    التعليقات 0

        

 

هل دخل البلقان في أجندة «داعش»؟
بريشتينا - محمد م. الأرناؤوط 
عشية الذكرى الأولى لإعلان «دولة الخلافة» في الموصل، أراد «داعش» أن يخصّ البلقان بأكثر من مفاجأة، إذ كشف التلفزيون السويسري عن التحاق بطل العالم الكوسوفي - الألماني في التايبوكس (الملاكمة التايلاندية)، فالدت غاشي، بـ «داعش»، وبعد يومين بثّ «داعش» شريطاً خاصاً بالبلقان يطالب المسلمين «بالعودة الى دينهم» و «الجهاد في سبيل الله»، ويعد «الكفار» في البلقان بـ «مصير أسود» انتقاماً لما قاموا به سابقاً من «ظلم المسلمين». كانت الصدمة أكبر في كوسوفو وألبانيا والبوسنة، حيث ظهر في الشريط «مجاهدون» من هنا وهناك، يهدّدون المنطقة بأسوأ العواقب.
من بطل العالم الى مقاتل في صفوف «داعش»
لم يفصل بين المفاجأتين أو الصدمتين سوى يوم واحد. الأربعاء 3 حزيران (يونيو) الجاري، تناقلت وسائل الإعلام الكوسوفية نقلاً عن التلفزيون السويسري، الخبر المفاجئ بالتحاق غاشي بـ «الدولة الإسلامية» في سورية. وكانت وسائل الإعلام تحدّثت قبل شهور، عن شكوك في علاقته مع «داعش»، وذلك من خلال إدارته مركزاً رياضياً في مدينة وينترثور السويسرية، حيث أن بعض الشباب الذين التحقوا بـ «داعش»، كانوا تدرّبوا على الرياضة القتالية في مركزه قبل ذهابهم الى سورية للمشاركة في القتال هناك. وكانت الشكوك تحوم حوله بسبب تزايد عدد الشباب المغادرين المدينة التي يقيم فيها الى سورية، وهم من أصول مختلفة (ألبانية وكوسوفية وكردية الخ). وقد زادت هذه الشكوك حين وصل خبر مقتل أحد هؤلاء الشباب من أصول كردية (حيان)، حيث رثاه بطل العالم على صفحته باعتباره شهيداً، متمنياً أن يلقاه في «جنة الفردوس».
وبعد ذلك بأسابيع، اختفى بطل العالم فجأة في كانون الثاني(يناير) الماضي، وبقي على تواصل مع أسرته المقيمة في مدينة سيغن بألمانيا، التي كانت تعتقد أنه في زيارة الى تايلاند. لكن التلفزيون السويسري كشف فجأة، في برنامج خاص، عن وجود بطل العالم في منبج بسورية بعدما التحق بـ «داعش». وفي حديث معه بالهاتف، اعترف غاشي بأنه مال الى أفكار «داعش» وتبناها، وكان يتمنى أن يصطحب ابنتيه معه الى سورية. وكشف في هذا الحديث، أنه انضمّ الى قوات «داعش» وهو يقوم الآن بدوريات لتعقّب المهرّبين والجواسيس في المنطقة.
ومن الطبيعي أن يؤدي مثل هذا الكشف الى صدمة كبيرة في صفوف الكوسوفيين المعجبين به، بعد أن شقّ طريقه الى اللقب العالمي، كما كان صدمة أكبر للعائلة في مدينة سيغن الألمانية، التي كانت اندمجت كغيرها من العائلات الكوسوفية في الحياة الألمانية. فقد عبّرت العائلة عن تبرؤها منه، «ولكن إذا تخلّى عن أفكاره وعاد الى هنا، فسيجد مكانه في العائلة».
الهجرة أو الجهاد
بعد يوم على ذلك، جاءت المفاجأة أو الصدمة الأكبر مع الشريط الداعشي مساء يوم الخميس 4 حزيران، والموجّه الى المسلمين في البلقان. وقد ضمّ هذا الشريط من عشرين دقيقة، مجموعة من «المجاهدين» البلقانيين (من البوسنة وكوسوفو وألبانيا) مع أطفالهم ومظاهر حياتهم في «الدولة الإسلامية»، وهم يوجهون مجموعة من الرسائل الى المسلمين وغير المسلمين في دول البلقان باللغتين البوسنية والألبانية.
كانت صدمة للكوسوفيين في شكل خاص وهم يشاهدون في هذا الشريط مواطنهم رضوان عاكفي، الذي ظهر باسم «أبو مقاتل الكوسوفي» وهو يهددّ «الكفار»، ويعدهم بـ «أيام سوداء» مقبلة تجعلهم «يرتعبون حتى في نومهم»، وهذا كله باسم «الانتقام لما حلّ من ظلم بالمسلمين» سابقاً، لكي يخاطبهم في النهاية بالقول: «سنقتلكم، سنأتيكم بأحزمة ناسفة، سنقوم بعمليات استشهادية، سنأتيكم برجال يفضّلون الموت على الحياة» إلخ...
كان من الطبيعي أن تتناول ردات الفعل، الظروف التي دفعت عاكفي ليصبح «أبو مقاتل الكوسوفي»، بعد أن تحوّل من إمام جامع متواضع الى «نذير للكفار» يحرّض على قتلهم في كل مكان. فقد خصّصت الصحيفة الكوسوفية الأولى «كوها ديتوره» (عدد 6/6/2015)، صفحة كاملة للقاء أسرته في جيلان (45 كم شمال شرقي العاصمة بريشتينا)، حيث كشفت أن شقيقيه الأصغر منه قد انضما أيضاً الى «داعش»، وواحد منهما معتقل لدى السلطات الكوسوفية بتهمة «المشاركة في أعمال إرهابية». أسرة عاكفي حمّلت الدولة الكوسوفية والمشيخة الإسلامية برئاسة الشيخ نعيم ترنافا، المسؤولية عن تطرّفه وانضمامه الى «داعش». فقد تحدّث أبوه عيسى عاكفي عن الظروف الاقتصادية الصعبة في بلد تتجاوز فيه نسبة البطالة 50 في المئة بين الشباب، ثم تتداخل الظروف الأخرى (المشيخة الإسلامية) التي تتمثل في غضّ النظر عن الأئمة المتطرّفين خلال 2011 - 2014، وعدم احتواء الأئمة الشباب من الانجرار الى التطرف.
فقد التحق رضوان عاكفي بالمدرسة الإسلامية «علاء الدين» في مدينته، وتسجّل بعدها في كلية الدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا، لكنه لم يكملها لظروف الأسرة الصعبة. وقد تصادف انقطاعه مع ظهور «داعش» في العراق وسورية، ويبدو أن تطرّفه بدأ مع تردّده الى جامع «القدس» في جيلان، حيث كان الإمام زكريا ابراهيمي، يحشد الشباب للذهاب الى «الجهاد» في بلاد الشام، وهو ما أدى الى اعتقاله في 2014 بتهمة «التحريض على الإرهاب». وقد ركّز أفراد العائلة على أن رضوان اشتغل إماماً لجامع في قرية مجاورة (ليفوتش) من دون راتب، على أمل أن تعيّنه في ما بعد المشيخة الإسلامية في شكل رسمي مع راتب متواضع، ولكن هذا لم يتمّ ليزيد في الضغط على أفراد العائلة، الذين يعيلهم الأب بعمله في معامل فيورشة للبناء، مع وجود أم مريضة وثلاثة أولاد وبنت أتموا الدراسة الثانوية ويبحثون عن أي عمل. وقد وصل الفقر بالعائلة الى حدّ أن شقيق رضوان الأصغر (عرفان) أتمّ المدرسة الثانوية، ولكنه لم يستطع الحصول على الشهادة التي تمكّنه من العمل، لأنه كان عليه أن يدفع 40 يورو للحصول عليها!
مسؤوليّة الدولة والمشيخة
في اليوم التالي لنشر الشريط الذي ظهر فيه «أبو مقاتل الكوسوفي»، نبّه الخبير الكوسوفي المعروف في الشؤون الأمنية نعيم مالوكو، في لقاء مع جريدة «زيري»(عدد 6/6/2015)، الى جدّية هذا التهديد الإرهابي (أحزمة ناسفة و «عمليات استشهادية»...).
وانتقد مالوكو في حديثه، دور المشيخة الإسلامية برئاسة الشيخ نعيم ترنافا، خلال السنوات السابقة في تشجيع الشباب على الذهاب الى سورية لـ «الجهاد» هناك، قبل أن تبادر الحكومة في السنة الأخيرة الى اعتقال مجموعة من الأئمة المحرّضين على التطرف، وإقرار قانون يجرّم المشاركة في النزاعات الخارجية.
وكان الشيخ نعيم ترنافا ردّ على الشريط الداعشي ببيان يقول فيه: «المشيخة الإسلامية ستبقى باباً فولاذياً» أمام المتطرفين، لكن الخبير الكوسوفي في الشؤون الأمنية عوني إسلامي، انتقده في لقائه مع جريدة «زيري» (عدد 6/6/2015) قائلاً إن الرد على الشريط الداعشي لا يتم بالبلاغة، وإنما كان على الشيخ ترنافا أن يبادر الى «تطهير الجوامع من أولئك الذين سمّموا الشباب بأفكارهم المتطرفة»، ويترك للدولة والأجهزة الأمنية حماية البلاد.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,121,900

عدد الزوار: 6,979,153

المتواجدون الآن: 88