المسألة اليهودية واللاسامية والجوديوفوبيا ثلاثة وجوه لأزمات أوروبية

تاريخ الإضافة السبت 31 كانون الثاني 2015 - 7:33 ص    عدد الزيارات 744    التعليقات 0

        

 

المسألة اليهودية واللاسامية والجوديوفوبيا ثلاثة وجوه لأزمات أوروبية
مأمون كيوان
ما زالت المسألة اليهودية أو المسائل اليهودية منذ تشكلها، تمثل ظاهرة فريدة في تاريخ البشرية وتأتي فرادتها ليس من كون اليهود هم أصحابها، بل لكونها أخذت تعبيرات وتفسيرات متعددة، ووضع لها حلول مختلفة ادعت غالبيتها أنها حلول شاملة وجذرية للمسألة اليهودية.

وهي المشاكل التي تواجهها الجماعات اليهودية في المجتمعات التي تعيش فيها، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، فمشاكل يهود الإمبراطورية الرومانية تختلف عن مشاكل يهود اليمن، التي تختلف بدورها عن مشاكل يهود الولايات المتحدة أو يهود فرنسا. و يعتبر القول أن هنالك عدة مسائل يهودية في أماكن وأزمان مختلفة، أمر صائب، ويوزع المسؤولية على المجتمعات التي عاش فيها اليهود نتيجة للحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي حدث فيها بشكل طبيعي أو قسري.

وتشير مصادر تاريخية كثيرة إلى أن جذور المسألة اليهودية تعود إلى ارتباط الأقليات اليهودية في «أوروبا بالذات» بمهنة التجارة والربا، حتى صاروا يشكلون مجموعة اجتماعية حضارية لها دور اقتصادي محدد، وبتعبير آخر صاروا يشكلون ما يشبه الأمة/ الطبقة حسب اصطلاح إبراهام ليون.

وانتقلت المسألة اليهودية من بولندا وأوروبا الشرقية إلى غرب أوروبا، مع انتقال اليهود إليها، ولتفاقم هذه المسألة في المجتمعات الجديدة ظهرت عدة حلول لها كان أولها يتمثل في اندماج اليهود في مجتمعاتهم، بالتزامن مع إعادة صياغة اليهودية بشكل جوهري يجعلها تتلاءم مع العصر الحديث، وهو الحل الذي يستند إلى فكر حركة التنوير اليهودية، الذي حاول أن يعقد مقاربة مع مستلزمات عملية التحديث في المجتمعات الأوروبية، والاستجابة لديناميات المجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها التي دخلت طور التحديث وعرضت على اليهود شكلين أساسيين للتحديث هما: الشكل السياسي المباشر وهو ما يطلق عليه اسم «العتق» أو «التحرر»، أي منح اليهود حقوقهم المدنية والسياسية نظير أن يدينوا بولائهم للدولة التي عرفت القومية على أساس لا ديني عرقي أو أثني. وهذا الأمر خلق عند اليهود أزمة هوية، حيث أن تعريف الشريعة لليهودي على أنه «من تهود أو من ولد لأم يهودية» يتضمن عناصر أثنية تتناقض مع فكرة الولاء الكامل للدولة. أما الشكل الآخر للتحديث فهو الشكل الاجتماعي الاقتصادي عن طريق دمج اليهود في مجتمعاتهم وتحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج.

وأنتجت المجتمعات الأوروبية المسألة اليهودية ونجد أن مصطلح العداء للسامية، هو تعبير حديث الاستعمال أطلق بداية في ألمانيا مع نهاية القرن التاسع عشر، وشاع استعماله في فترة لاحقة للدلالة على «كره اليهود والشعور المتصل تجاههم بالعداء»، استناداً إلى فكرة التمييز بين البشر على أساس من اختلاف العرق. وهذا التعبير مضلل وجرى استعماله في غير المعنى الموضوع له أصلاً. فالسامية كما فهمها دارسو تلك المرحلة من الأوروبيين عنوا في استعمالها الإشارة إلى مجموعة لغوية وثقافية من الناس لا عرقية. وتضم، في الأساس اللغات العبرية والعربية والآرامية. ومصطلح «السامية» ابتكره عالم ألماني عام 1781 للإشارة إلى الجماعات التي تربطها لغات متقاربة مثل اللغتين العبرية والعربية.

أما مكسيم رودنسون فقد ابتدع تعبير الـ «جوديوفوبيا» Ju-deophobia للتدليل على شعور العداء تجاه اليهود وحدهم. وهو يميز أيضاً بين نوعين من «الجوديوفوبيا»، جاء تعبيرها الأول بدوافع دينية ويمكن فهمه في إطار الصراع التاريخي بين الديانتين اليهودية والمسيحية. أما تعبيرها المعاصر المستند إلى أساس التمييز العرقي فحديث النشأة نسبياً.

وكان الاندماج بمثابة أول حل غير صهيوني للمسألة اليهودية، تبعه فيما بعد حل آخر يحمل بعض سمات الحل الصهيوني، لكنه ليس حلاً صهيونياً خالصاً، وتم التعبير عن هذا الحل من خلال جملة الأفكار التي طرحها المؤرخ الروسي «سيمون دوفنونف»، وأخذ الحل اسم «قومية الدياسبورا«. وانطلق هذا الحل من رؤية دوفنوف للنماذج القومية التي قسمها إلى ثلاثة أقسام هي: 1-النموذج القبلي واللصيق بالطبيعة والأرض. 2-النموذج الإقليمي السياسي، وهو أقل ارتباطاً بالأرض وأكثر ارتباطاً بالدولة. 3-أما النموذج الروحي فهو نموذج مستقل عن الطبيعة، لأن وجوده يستند أساساً إلى وعي بالذات التاريخية. ويرى «دوفنوف» أن اليهود ينتمون إلى هذا النموذج، فقد فقدوا الدولة في بداية الأمر ثم فقدوا الأرض، ومع هذا استمر وجودهم في المنفى. وهو يرى أن على اليهود تطوير هذه الخاصية، فليس هناك ما يدعو إلى إنشاء دولة يهودية مستقلة، أو العودة إلى أرض الميعاد أو إلى إحياء اللغة العبرية. ويرى أن حل المسألة اليهودية مبني على افتراض وجود «وحدة» بين الأقليات اليهودية المتناثرة في العالم، لكنها وحدة لا توجب التنوع، لأن الحضارات اليهودية تختلف باختلاف الظروف التاريخية «والجغرافية» التي تنشأ فيها. وهو «دوفنوف» لهذا يرى أن مركز هذه الحضارة أو الحضارات كان، وسيظل متغيراً ينتقل من بلد إلى آخر، فهو أولة في بابل وأخرى في الأندلس وثالثة في روسيا. والبلد الذي تزدهر فيه الحضارة اليهودية أكثر من البلدان الأخرى تنتقل إليه القيادة الفكرية.

وإلى جانب الحلول اليهودية غير الصهيونية لـ «المسألة اليهودية»، ظهرت أيضاً حلول أوروبية لهذه المسألة، أطلق عليها اسم «صهيونية الأغيار». وتشير المصادر التاريخية إلى أن رئيس انجلترا البيوريتاني في القرن السابع عشر أوليفر كرمويل، وأتباعه من البيوريتانين (الطهرانيين) أدركوا الفائدة المادية التي يمكن لليهود تقديمها لاقتصاديات انكلترا في المجال التجاري. لذا نظموا حركة بهدف مساعدة اليهود على الاستيطان في فلسطين، وبالتالي حل المسألة اليهودية. وقاموا عام 1649 بتقديم عريضة إلى الحكومة الانجليزية جاء فيها: «إن الأمة الانجليزية مع سكان الأراضي المنخفضة سيكونون أول الناس وأكثرهم استعداداً لنقل أبناء إسرائيل وبناتها على سفنهم إلى الأرض الموعودة لأجدادهم إبراهيم واسحق ويعقوب كي تصبح إرثاً دائماً لهم».

وتبعت هذه الدعوة التي تتمخض عن شيء، دعوة فرنسية في عام 1798 أطلقها نابليون بونابرت في أيلول 1806 عندما دعا إلى عقد السنهدرين «Sanherdrin»، وهي الهيئة القضائية العليا التي كانت قائمة في الأزمنة القديمة، واستمر اجتماعها حتى نهاية شباط 1870 وأعلن نابليون أن اليهود أصبح لهم كيان رسمي داخل الدولة. وأن الديانة اليهودية أصبحت إحدى الديانات الرسمية في فرنسا، وإن من حق المؤسسات الدينية اليهودية فيها أن تحظى برعاية وحماية الدولة.

وجسد الحل الفرنسي للمسألة اليهودية إلى حد ما فكرة الاندماج، وهو الحل المعدل عن حل سابق قدمته الثورة الفرنسية وتضمن حلها: إلغاء التميز ضد اليهود وعلمنة السياسية، وتقليص دور الكنيسة، وتبني فكرة المواطنة، والدمجية، واحترام الحقوق الدينية والشخصية والمدنية. لكن اختلاف صيغ الحل الفرنسي للمسألة اليهودية لم يقف حائلاً دون استمرار وجود المسألة اليهودية في فرنسا التي عادت للظهور في أعقاب محاكمة الضابط الفرنسي اليهودي درايفوس، وأيضاً خلال التعاون الفرنسي مع النازيين.

وتمحور الحل الشيوعي حول الاندماج وظهر في كتابات كارل ماركس، وأخذ تعبيرات أخرى فيما بعد مثلها حزب البوند من خلال موقفه من الثورة البلشفية وغيره من الأحزاب أو الأجنحة السياسية التي عالجت المسألة اليهودية.

وادعى النازيون أن حلهم للمسألة اليهودية هو «حل نهائي» وتمثل في «الإبادة الجسدية الكاملة لليهود». وقبل أن يتبلور هذا الحل ويتخذ شكل «الهولوكوست» كان الشباب الصهيوني يعتبرون النازية بمثابة حركة «تحرر وطني»، وكانوا يهتفون «ألمانيا لهتلر، إيطاليا لموسوليني، وفلسطين لجابوتنسكي». وقد سجل حاييم كابلان، وهو صهيوني كان موجوداً في غيتو وارسو أثناء حصار النازي لها، أنه لا يوجد أي تناقض بين رؤية الصهاينة والنازيين للعالم فيما يخص المسألة اليهودية، فكلتاهما تهدف إلى الهجرة، كلتاهما ترى أن لا مكان لليهود في الحضارات الأجنبية».

ويعود موقف الصهاينة من النازية إلى أن الصهيونية تشارك النازية في فكرة «النبي» الذي يجسد المطلق القومي وصورة النبي العسكري (بن غوريون، الفوهرر) تسيطر على الوجدان الصهيوني سيطرتها على الوجدان النازي. ومن الموضوعات المتفرعة عن فكرة الفولك-أي الشعب الذي هو كيان عضوي متكامل، «أبدي، ونتاج للنمو الحتمي للسمات الفطرية»، يحاول التعبير عن عبقريته الخاصة به-أيضاً فكرة الاختيار. أما عداء النازيين لليهود، واعتمادهم لصيغة إبادة اليهود، كأساس لمشروعهم النازي فلخصه هتلر بقوله: «لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران. ونحن وحدنا شعب الله المختار».

وصدرت في أوروبا في أقل من 150 عاماً، رزمة قوانين وإعلانات الدستورية منحت اليهود حقوقهم ومنها: إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا «يولد الناس ويبقون أحراراً متساوين في الحقوق«. عام 1789. وفي العام 1791 منح المجلس الوطني الفرنسي اليهود الجنسية الفرنسية. وفي العام 1797 تم إلغاء الغيتو في إيطاليا. وفي العام1812 أعلن فريدريك وليم الثاني ملك بروسيا أن اليهود مواطنون بروسيون. وتم في العام 1839 إعلان المساواة في الحقوق في كندا. وأعلن المجلس الوطني الألماني في فرانكفورت عام 1848 أن «ولاء الإنسان الديني لن يقرر أو يحدد حقوقه الوطنية أو السياسية«. وأعلن دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1936 أن «المناداة بالعزلة والكراهية العنصرية أو القومية جريمة يعاقب عليها القانون».

لقد صدرت الحلول السابقة لـ «المسألة اليهودية» عن بيئات سياسية وفكرية أوروبية في فترات زمنية مختلفة، يتشابه بعضها بعضاً في غالب الأحيان، والقاسم المشترك الأعظم في ما بينها جميعاً يتمثل في ادعائها أنها حلول شاملة ونهائية لـ «المسألة اليهودية»، وفي أن جميعها أعادت إنتاج المسألة اليهودية ولكن بأشكال جديدة، ونجحت في «تصدير» المسألة اليهودية إلى الشرق وجعلها وسيلة من وسائل إخضاعه. ولقد انسجم الحل الصهيوني مع تلك الحلول فأعاد إنتاج المسألة اليهودية في شروط جديدة، إذ وضع اليهود ولأول مرة في موقع الجلاد. وذلك لأن الحل الصهيوني يقوم عضوياً وتكوينياً على قاعدة التصفية الوطنية والسياسية لشعب آخر وإيجاد مأساة جديدة، هي المأساة الفلسطينية.
 
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,167,646

عدد الزوار: 6,758,510

المتواجدون الآن: 121