تعقيدات المشهد اليمني: الانقلاب على المبادرة الخليجية ( 1 - 3)

تاريخ الإضافة الأحد 19 تشرين الأول 2014 - 7:12 ص    عدد الزيارات 824    التعليقات 0

        

تعقيدات المشهد اليمني: الانقلاب على المبادرة الخليجية ( 1 - 3)
هادي تصور أنه احتوى الحوثيين لكنهم ظلوا يبتزونه ويمنون عليه بكونهم هم من أوصله للرئاسة
صنعاء: د. عبد الوهاب الروحاني*

لا يمكن عزل الأحداث في اليمن عن مجريات الأحداث والصراعات الدولية والإقليمية في المنطقة العربية عموما، فكما كانت - ولا تزال - ثورات الربيع العربي محركا للأحداث فيها ومنطلقا لتنازع القوى الدولية والإقليمية والسعي لاحتوائها والسيطرة عليها، كانت نتائجها مخيفة ومرعبة، وقادت إلى كوارث خطيرة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قضت على طموحات المواطن العربي في أمل التغيير، وعلى أحلامه في العيش بأمن وكرامة في بلده. فاليمن الذي دخل ضمن منظومة «الربيع العربي» يتميز بموقع استراتيجي مهم بالنسبة للملاحة الدولية، فهو يتحكم بمضيق باب المندب عبر جزيرة «بريم - ميون»، وخليج عدن، ويطل على البحرين العربي والأحمر، علاوة على كونه الجار الجنوبي المقلقة أوضاعه وأحداثه للمملكة العربية السعودية ولكل دول الخليج، فهو يشكل عمقا ديمغرافيا كبيرا في المنطقة، يعاني أبناؤه بطالة وأوضاعا معيشية متردية، وتعاني حكوماته أزمات اقتصادية وسياسية لا تتوقف عند حد.

الصراعات التي روج لها الحوار فالصراعات السياسية في اليمن بدأت تجتر الماضي البعيد، وتتخذ طابعا جهويا وطائفيا ودينيا (مذهبيا)، الأمر الذي يهدد بتفكك النسيج الاجتماعي، وبنسف قواعد التعايش بين الأسر والقبائل اليمنية، ولعل ما ساعد على شيوع وانتشار هذا النوع من الصراعات هو الفساد السياسي الممنهج، واتباع سياسة الإقصاء والتهميش التي مارستها الحكومات اليمنية المتعاقبة قبل أحداث 2011م وبعدها، أي أن «حكومة الوفاق الوطني» في ظل الرئيس هادي، التي أفرزتها المبادرة الخليجية، وسيطر عليها «إخوان اليمن»، سارت هي الأخرى على المنهج نفسه والآلية التي كانت متبعة في ظل حكومات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ثم إن «السقف المفتوح» الذي اتبعه مؤتمر الحوار الوطني، المنعقد خلال الفترة ما بين مارس (آذار) 2013 وحتى يناير (كانون الثاني) 2014 ساعد هو الآخر على إحياء وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية، وسمح - بقصد أو من دون قصد - بطرح كل الآراء والأفكار الجهوية، والدينية (المذهبية) والعرقية المتعصبة، والمتطرفة، فكان منبرا للترويج لفكرة الانفصال، كما كان منبرا للتعبير عن النزعات المذهبية والطائفية والعرقية (رغم أن المبادرة الخليجية أكدت على أن يكون الحوار الوطني في إطار الحفاظ على الوحدة، وأمن اليمن واستقرارها)، الأمر الذي لم يترك معه شيئا لثوابت الوطن والوحدة والسلام والتعايش، ففتح الباب على مصراعيه لصراعات من هذا النوع بدت للوهلة الأولى أكثر من تعبير عن الرأي، لكنها سرعان ما تحولت إلى تحريض طائفي ومذهبي، وشحن ضد الوحدة الوطنية، وقيم التسامح والعيش المشترك، وكل ذلك انعكس مباشرة على واقع الحياة السياسية والعامة. وهذا النوع من التنازع والصراع في الساحة اليمنية جذب إليها أطماع قوى دولية وإقليمية بعينها، سوغت لها تسارع الأحداث في اليمن إمكانية اللعب بمثل هذه الأوراق لتحقيق مصالح جيو - سياسية عبر المشكلة اليمنية. ولا شك في أن المجتمع الدولي والإقليمي - وبالذات الدول الاستعمارية القديمة، التي تدرك الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن الجغرافي - يولي اهتماما خاصا بأمن الملاحة الدولية في البحرين العربي والأحمر، ويقدر بصورة خاصة الموقع المتميز لمدينة عدن الجنوبية، التي كانت تعد ثاني أهم وأكبر ميناء في العالم، تتحكم فيها بريطانيا العظمى بعد هونغ كونغ حتى خمسينات القرن الماضي، وبالتالي فلهذه الدول مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، التي تسعى لتوسيعها وتأمينها، بطرق وأساليب مختلفة، ومنها التلاعب بورقة الوحدة اليمنية التي حرض ضدها مؤتمر الحوار، وعدها أساس المشكلة اليمنية، وهو كلام تنقصه الدقة والموضوعية، لأن المشكلة لم تكن في الوحدة ذاتها وإنما كانت في نوعية إدارتها. والحال هو نفسه بالنسبة لإيران، بوصفها قوة إقليمية لا تخفي أطماعها في المنطقة، ولا تخفي بالتالي سعادتها بما يجري في اليمن، وبنمو وجودها فيه، فهي الأخرى تسعى لأن يكون لها نفوذ وتأثير في المنطقة والخليج بصورة خاصة، وإذا كان مشروعها قد تعثر - إن لم نقل تأجل - في البحرين فقد وفرت لها زيدية اليمن (الهادوية) ممثلة بالحركة الحوثية غطاء لهذا الوجود والتأثير.

وهو، لا شك، وجود وتأثير مقلق جدا لكل دول الخليج العربي وبالذات للمملكة السعودية، التي تتمركز الحركة الحوثية على بعد 40 كيلومترا من حدودها الجنوبية، التي حققت بقوة السلاح تقدما خارقا خلال العام الحالي 2014م بإسقاطها للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، أي بعد 73 يوما فقط من اقتحامها لمحافظة عمران.

فلم يكن لأحد أن يتصور أن الأحداث في اليمن ستتسارع وتتطور بالشكل الدراماتيكي الذي آلت إليه، خاصة أن الأزمة اليمنية التي اشتعلت باشتعال ما سمي «ثورات الربيع العربي» عام 2011م، قد جرى احتواؤها بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية «المزمنة»، التي حظيت برعاية إقليمية ودولية، وأخذت طابع الإشراف اليومي والمباشر على خطوات تنفيذها عبر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (المغربي الجنسية) جمال بنعمر، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني وسفراء «الدول الـ10».

ولعل إمعان الرعاة الإقليميين والدوليين وحرصهم على احتواء الموقف في اليمن (الدولة المجاورة للسعودية ودول الخليج) كان مرده - برأينا - إلى عدد من الأسباب، أهمها:

- منع اتساع رقعة الصراع اليمني - اليمني وتحوله إلى حرب أهلية، الذي كان يعني، بالضرورة، حماية دول المنطقة من مخاطر انعكاساتها الأمنية والسياسية والمترتبات الاقتصادية التي ستنجم عنها.

- محاصرة الجماعات الإسلامية المتطرفة في بيئة تجمعها وتوالدها، ومحاربة تنظيم القاعدة، وإبعاد خطره عن المحيط الجغرافي للبلدان الغربية وحماية أمنها القومي.

- حماية المصالح الدولية في المنطقة عبر تأمين إمدادات النفط والغاز الطبيعي وحماية الممرات البحرية فيها.

المبادرة الخليجية غير أن حركة الأحداث والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة اليمنية اليوم تبدو غير مهيأة لمواصلة السير باتجاه تنفيذ ما تبقى من بنود المبادرة الخليجية؛ ذلك لأن المبادرة التي تتمسك بها معظم القوى السياسية المشاركة في السلطة، ولا تزال تعدها طوق نجاة من مواجهات مقبلة محتملة، أصبحت محل تلاعب وعبث، إذ جرى القفز عليها، ولم يجر الالتزام بها ولا بآليتها التنفيذية المزمنة، ولم تنجز مهامها وفقا لما نصت عليه بنودها، من خلال:

- تمديد الفترة الانتقالية، ومن ثم التمديد للحكومة ولرئيس الجمهورية لفترات مفتوحة بمخالفة لما نصت عليه الفقرة «ب» من البند «7» من الآلية التنفيذية «المزمنة» للمبادرة الخليجية التي حددت الفترة الانتقالية بعامين فقط.

- أفضى الحوار الوطني إلى مخرجات شاركت فيه ووافقت عليه قوى ليست طرفا في المبادرة الخليجية كما هو حال بالنسبة للحركة الحوثية (أنصار الله)، لكنه لم يجر تنفيذ أي من هذه المخرجات رغم مرور 10 أشهر على إعلانها، ثم إن هذه القوى المشاركة في الحوار لم تشرك في الهيئات والأجهزة المشكلة لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار.

- تهربت رئاسة الدولة والحكومة من إنجاز الدستور الجديد، كما تهربت من الاستحقاقات الانتخابية المحددة في المبادرة الخليجية لغرض استمرار العمل بالمبادرة التي حلت - في حالات كثيرة - محل الدستور، بحيث أصبح التلاعب والتفسير المطاطي لنصوصها يسهم بصورة كبيرة في استمرار حالة الفوضى واستشراء الفساد، والعبث بمقدرات الشعب لمصالح شخصية وحزبية معينة. وكانت هذه الممارسات قد شكلت انقلابا رسميا غير معلن على المبادرة الخليجية، سمح لأصحاب المصالح الحزبية والخاصة بالاستمرار فيما بدأوا به من تقاسم ومحاصصة غير مبررة وغير مقبولة.

* فشل أحزاب حكومة الوفاق لم تستفد أحزاب اللقاء المشترك بزعامة حزب الإصلاح (إخوان اليمن) من فشل إخوان مصر في التعامل مع الوظيفة العامة ومؤسسات الدولة، ولم تستفد أيضا من تجارب من سبقها في السلطة، ولذلك هي لم تدخل حكومة «الوفاق الوطني» بمشاريع وطنية، وإنما دخلت بمشاريع حزبية صغيرة وضيقة، كانت مهمتها تقتصر على التمكين والسيطرة الحزبية، وممارسة الإقصاء والتهميش ضد الخصوم والمستقلين، وهو ما كانت تشكو منه قبل 2011.

ولذلك، لم تنجز أحزاب حكومة الوفاق مشروعا وطنيا واحدا خلال السنوات الـ3 الماضية، كما لم تقدم حلولا أو معالجات للقضية الأمنية، ولم توقف نزف الفساد في مؤسسات الدولة، بل زدته حدة وتوسعا بشيوع الرشوة وانتشارها وانفلات المؤسسات وغياب النظام والقانون، كما لم تقدم أيضا حلولا لقضايا الناس وهمومهم اليومية والمعيشية، ثم إنها لم تتورع عن اتخاذ قرارات مجحفة في حق المواطن اليمني من نوع قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، الذي أضر بمصالح المواطنين، حين رفعت بموجبه أسعار مادتي «البنزين والديزل» بنسبة 166.5 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل 2011، من دون دراسة، وبشكل جنوني غير مسبوق، بحيث فاقت الزيادة الأسعار المتداولة في الأسواق العالمية، في الوقت الذي تذهب فيه كميات كبيرة جدا من هاتين المادتين من دون وجه حق لصالح مسؤولين وقادة عسكريين ونافذين حزبيين وقبليين فاسدين، بحيث وصلت الأرقام المهدرة شهريا لصالحهم إلى نحو 4 ملايين لتر من البنزين شهريا، ومليونين و500 ألف لتر من الديزل - بحسب الأرقام التي تتداولها مصادر معنية - وهو ما يبين حجم الفساد، ومقدار العبث والاستهتار بإمكانات البلد وموارده.

الأمر الذي هُجرت معه المزارع وماتت أشجارها، وتوقفت بعض الصناعات التحويلية الصغيرة كما توقفت حركة المجتمع، وهو ما انعكس أيضا على زيادة مباشرة في أسعار المواد الأساسية، حيث تضرر المواطن اليمني الذي لا يزيد دخله عن 1.5 دولار في اليوم الواحد، إلى جانب أن الموظفين تعرضوا هم أيضا للمضايقة والملاحقة في مرتباتهم ومكافآتهم السنوية والشهرية التي تعودوا عليها في الماضي.

كان هذا الفشل الذريع لحكومة الوفاق مبررا كافيا ووجيها للحركة الحوثية (أنصار الله) أن ترفع شعار «الدفاع عن المواطن وحماية قوته اليومي»، وبغض النظر عن ما يبطن قادة الحركة من أهداف ومرامٍ سياسية من وراء هذه الشعارات، لكن المطالبة بـــ«إسقاط الحكومة، وإلغاء قرار رفع الدعم، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني» التي نادى بها أنصار الحركة واحتشدوا لأجلها في الساحات والميادين، وأقاموا لأجلها المخيمات المسلحة على مداخل العاصمة صنعاء، لاقت قبولا واسعا عند عامة الناس وبعض نخبها السياسية والثقافية.

هادي.. واللعب على التناقضات:

منذ اللحظة الأولى التي التحق فيها الحوثيون (أنصار الله) بركب الحوار ووافقوا على المشاركة فيه في 18 مارس 2013م كانت عينهم على المشاركة في صناعة اتخاذ القرار، وكانت تصريحات قادتهم لا تخلو من التلميح والتصريح في أحيان كثيرة برغبتهم في المشاركة في الحكومة التي كان يفترض أن تشكل مباشرة بعد انقضاء مؤتمر الحوار، ويشرك الحوثيون فيها مع بقية المكونات. لكن، وحينما لم يدرك الرئيس هادي وأحزاب حكومة الوفاق بزعامة «الإخوان» هذه الرسائل، تحرك الحوثيون بقوة السلاح باتجاه التوسع والانتشار الفعلي للسيطرة على محافظات الجوف وعمران وحجة، التي كانت منطلقها الحرب في منطقة «دماج» بصعدة، حيث دار الحديث وأهم معاقل السلفيين في اليمن، التي خلفت أكثر من ألف شخص بين قتيل وجريح من الطرفين، لتنتهي مأساة «دماج» بتهجير 1500 أسرة يمنية مطلع عام 2014م إلى خارج صعدة بإيحاء وحث من وساطة الرئيس هادي، الأمر الذي تسبب في كارثة إنسانية وأخلاقية غير مسبوقة في تاريخ اليمن القديم والمعاصر.

وفي الوقت الذي ظل فيه الرئيس هادي منشغلا بترتيب وضعه الخاص في المؤسستين الأمنية والعسكرية، كان يلعب أيضا على التناقضات بين الخصوم السياسيين، حيث كان يواجه ضغوطا كبيرة من أطراف حكومته، فكان يوحي بدعمه ومساندته لكل طرف على حدة، وكان بالتالي يحاول احتواء الحوثيين أملا في استمالتهم، وبهدف تخفيف الضغوط التي تمارس عليه من طرف الإخوان المسلمين، ولعل ذلك ساعده في إجراء تعديلين وزاريين خلال عام 2014 تمكن فيهما من استبعاد وزراء كان لا يرغب في استمرارهم في الحكومة، كوزراء الداخلية (قحطان) والخارجية (القربي)، والكهرباء (سميع)، وتعيينات أخرى وضع فيها أشخاصا محسوبين عليه كأمثال «بن مبارك» في مكتب الرئاسة، و«بحاح» في الأمم المتحدة، و«الكاف» في النفط.. إلخ.

وفي الوقت الذي اعتقد فيه الرئيس هادي أنه قد احتوى الحوثيين بغض الطرف عنهم في حروبهم في دماج وحاشد وعمران والجوف، وبالإعلان أكثر من مرة عبر وزير دفاعه «أن القوات المسلحة بعيدة عن الصراعات الحزبية وليست طرفا فيها».. في إشارة إلى أن الحروب التي يخوضها الحوثيون هي بمواجهة الميليشيات المسلحة التابعة لحزب الإصلاح (إخوان اليمن)، وليست بمواجهة الجيش والدولة، غير أن كل ذلك كان مجرد أوهام لا تعني شيئا مهما بالنسبة للحوثيين الذين يفرضون يوميا واقعا جديدا على الأرض بقوة السلاح. فالحوثيين من جانبهم يرون أنهم من خلال حروبهم قدموا للرئيس هادي خدمات جليلة بكسر شوكة الإخوان في دماج وحاشد وعمران، وأضعفوا مواقفهم السياسية والعسكرية أمام الرئيس الذي مارسوا عليه ضغوطا كبيرة، وظلوا يبتزونه ويمنون عليه بكونهم هم من أوصله للرئاسة كما كان حال الكثير من قيادات الإخوان ومنطقهم.

* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية بصنعاء

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,172,171

عدد الزوار: 6,758,767

المتواجدون الآن: 116