من التاريخ: «الحشاشون» وإرهاب الفرد والدولة

تاريخ الإضافة السبت 27 أيلول 2014 - 6:28 ص    عدد الزيارات 735    التعليقات 0

        

من التاريخ: «الحشاشون» وإرهاب الفرد والدولة
د. محمد عبد الستار البدري

كثيرا ما يسعى البعض لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، بل يذهب البعض لمحاولة تأصيل مفهوم الإرهاب وظهوره بربطه مباشرة بالإسلام، مستندين في بعض الأحيان إلى مثال فرقة «الحشاشين»، وهي الفرقة الإسماعيلية المرتبطة بمؤسسها الشيخ الحسن بن الصباح في القرن الحادي عشر الميلادي، الذي اتخذ من المنطقة الجبلية بجنوب بحر قزوين في بلاد فارس مجموعة من القلاع بهدف إقامة مجتمع خاص به يقوم على أساس الانعزال السياسي عن الدويلات السنية القائمة واقتراف جرائم قتل منظمة ضد القيادات السنية وغيرها ممن يناصبون التشيع أو الإسلام العداء من وجهة نظرهم. وبهذا سعى الغرب ومعه بعض المندفعين لمحاولة تأصيل العمل الإرهابي لهذه الفرقة؛ ومنها إلى الإسلام، وذلك على الرغم من أن الإرهاب له جذور تكاد تكون في كل المناطق بشكل ممتد، وتشهد أعمال الكاتب المصري «سيد كريم» رصدا لجماعات إرهابية في العهود الفرعونية وغيرها، فالإرهاب قديم قدم الإنسانية، ولكن حجمه وشكله وعمقه يتغير مع مرور الزمن.

لقد تميزت هذه الجماعة المتطرفة بأنها تمثل تجسيدا لفكرة التنظيم الإجرامي المعتمد على الاغتيال السياسي وغير السياسي بخلفية آيديولوجية أو دينية. وتُرجع بعض المصادر التاريخية تسمية هذه الفرقة إلى أن قائدها الملقب بـ«شيخ الجبل» كان يجعل مريديه يتناولون الحشيش فيُذهب عقولهم، لكي يستفيقوا فيجدوا أنفسهم وسط حدائق محاطين بنساء يشبهن حور العين، كما وردت في القرآن الكريم ليكون ذلك بمثابة تجسيد لمفهوم الجنة في الأرض وبهدف دفعهم لارتكاب الاغتيالات السياسية تحت زعم دخولهم الجنة، وبالتالي يقع المريد تحت سلطان الأمير فينفذ أي عملية اغتيال تُطلب منه. وقد أورد الرحالة ماركو بولو وغيره من المؤرخين شرحا وافيا لهذه الجماعة الإجرامية، ومن لفظ «الحشاش» استقى الغرب لفظ «القاتل» أو «Assassin»، ويقال إن أهم من استخدم هذا اللفظ كان الكاتب الإيطالي الشهير دانتي أليغيري عندما صاغ تعبيره الشهير: «Lo Perfido Assassino»، ومنذ ذلك التاريخ عرفت أوروبا تسمية لسلوك كان موجودا عندها منذ القدم، وإن كانت هناك روايات تاريخية تشير إلى أن مسألة تناولهم للحشيش وذهاب عقلهم كانت من اختلاق بعض المؤرخين والرحالة، خاصة أن الأماكن التي ارتادوها وبقوا فيها لا تمت بصلة للزراعة أو الحدائق.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن مؤسس هذه الجماعة اعتمد على أبناء المزارعين البسطاء قليلي المعرفة والثقافة من أجل تكوين المجموعات الإجرامية على أسس دينية، وكان يدربهم تدريبا عاليا على فنون الاغتيالات العلنية حتى يعرف الضحية ومن حوله مقترفي الاغتيال وخطورة التنظيم فيهابونه، أي إنه كان يسعى بعملياته العلنية لردع الساسة ورجال الدولة الأعداء، وكان شيخ الجبل يدرب مريديه من خلال غسل فكرهم وروحهم على حد سواء لتنفيذ هذه العمليات، وقد اعتمدت هذه المجموعات الإجرامية على القرى المجاورة من أجل توفير المواد الغذائية، وطابور من المريدين الذين كان يجري انتقاؤهم وهم في أعمار مبكرة نسبيا لتسهيل عملية التدريب.

لقد بدأت شوكة هذا التنظيم تقوى خاصة بعد الانفصال السياسي والآيديولوجي والديني عن الدولة الفاطمية في مصر، وهو ما منحهم استقلالية أكثر من الناحية النظرية، كما أن فشل الدويلات المختلفة في القضاء عليهم قوى من شوكتهم وفتح لهم المجال أمام توسيع عملياتهم الإجرامية بشكل ملحوظ خاصة في غرب وجنوب بلاد فارس. كذلك، فإن رجال هذه الطائفة استطاعوا أن يصلوا إلى قيادات هذه الدول ومؤسساتها واغتيال رؤسائها، مستخدمين الاغتيال السياسي المنظم أداة لفكرهم. ولعل أشهر ضحاياهم كان رئيس الوزراء «نظام الملك»، وكان لاغتياله أثر كبير في نشر الخوف لدى كل الساسة، وقد استمرت هذه الكيانات بشكل منظم إلى أن جاء الغزو المغولي فلم يستطيعوا الصمود أمام جحافل المغول، حيث سقطت قلعتهم المنيعة الملقبة بـ«قلعة الموت».

في مرحلة مهمة، انتشرت هذه الفرقة في بلاد الشام، فلقد قررت الجماعة توسيع رقعة نشاطها خلال مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، فكانت حلب مركزا مهما لها في البداية، وقد لعب قائد الفرقة الملقب سنان رشيد الدين دورا مهمّا في تثبيت وجودهم على الرقعة الشامية. وعلى النمط نفسه للحسن الصباح، اتخذ هذا القائد من بعض القلاع هناك مركزا له. والثابت أيضا أن هذه الفرق لعبت دورا مهما بوصفها طرفا في المعادلة السياسية إبان الصراع السياسي بين الدولة الأيوبية والصليبيين، وكانت لهم بكل تأكيد تحالفات مع أمراء صليبين ومسلمين على حد سواء، ومن الثابت أيضا أن شيخ البلد كان يدفع جزية أو «إتاوة» من المال للصليبيين مقابل حمايته من بطش أعدائه من المسلمين ولممارسة نشاطه الإجرامي. وهناك أيضا مصادر تاريخية تؤكد وجود علاقة للكونت دي شامباني مع قيادات أخرى من الحشاشين، وقد وصلت بهم حالة الصراع مع صلاح الدين الأيوبي إلى محاولة قتله في مناسبتين مختلفتين. ولقد استمر وجود هذه المجموعات في الشام لفترة زمنية غير قصيرة، ويرجع الفضل في التخلص منهم إلى بداية عهد المماليك، خاصة الظاهر بيبرس الذي صفى وجودهم السياسي والعسكري هناك، أسوة بأغلبية الممالك الصليبية، ولكن ليس قبل أن يكون لهم دورهم الملحوظ.

إن محاولات البعض إلصاق منبع الإرهاب بالإسلام عبر الحشاشين إنما هو أمر قد نقبله ممن ليسوا على دراية بالتاريخ أو مفهوم الإرهاب، ولكنني أعتقد أن أخطر ما في الأمر هو الاندفاع جهلا أو عمدا أو بكليهما نحو اعتناق فكرة تضر بهوية الفرد أو قيمة دين سماوي، خاصة أن الجهلة من القائلين بأن الحشاشين الإرهابيين يمثلون أساسا للإرهاب الدولي، على غير دراية، وإن كان الحشاشون هم أول تنظيم ظاهر بهذا الشكل الممتد، فإن هذا لا ينفي وجوده بأشكال أقل رؤية في أنامل التاريخ. كذلك فإن البعض قد يدفع أيضا بأنه في الأعراف الدولية الحديثة يمكن وضع جزء كبير من أنشطة الحشاشين تحت تعريف «الجريمة المنظمة Organized Crime». وحتى لو انطبق عليهم التعريف بأنهم إرهابيون، فإن الصورة تحتاج لتكملة أساسية؛ وهي وجود نوع آخر من الإرهاب وهو «إرهاب الدولة»، أي ما تقترفه مؤسسات الدولة من سلوكيات تخضع للتعريف الفضفاض لسلوك الإرهاب. وهنا يمكن اعتبار الممالك الصليبية أول تمثيل لهذا النوع من الإرهاب، أو أنها كانت من أوائل من ينطبق عليه لفظ «دولة أو إمارة راعية للإرهاب».

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,782,823

عدد الزوار: 6,914,744

المتواجدون الآن: 127