السلفية في طرابلس حالة إسلامية تنبذ الإرهاب

تاريخ الإضافة الجمعة 31 تشرين الأول 2008 - 9:53 ص    عدد الزيارات 1599    التعليقات 0

        

محمد بركات

\"\"

"حزب الله" بلسان مسؤوله الإعلامي الدكتور حسين رحال صرح لموقع "Now Lebanon.com" أنه "يستغرب الخبر" جملة وتفصيلاً، وقال: "لم أطّلع عليه ولا علم لي به". أما عضو المكتب السياسي في "جبهة العمل الإسلامي" الطرابلسية، جميل رعد، فأوضح للموقع نفسه أن الجبهة من ضمن عملها وخطتها لمقاومة إسرائيل، تقوم بتدريب عناصرها، معتبراً أن "التدريب أمر طبيعي".

الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في طرابلس، أحمد الأيوبي، اعتبر أن الشائع في عاصمة الشمال عن جميل رعد أنه واجهة إعلامية لـ"حزب الله" في المدينة.
 
ووصف الأيوبي الحادثة بـ"الفضيحة"، واستنكر رضوخ القوى الأمنية لضغوط "حزب الله" وإفراجها عن الشبان الذين اعترفوا بأنهم جاؤوا من طرابلس إلى الأوزاعي للتدرب في معسكرات خارج سلطة الدولة. وتساءل الأيوبي: "ما الذي يضمن ألا يعود هؤلاء الشبان إلى طرابلس لممارسة أعمال عنف أو تفجير؟ ما دمنا لا نعرف من الذي يتدرب ولأي غايات".

أما التستر خلف شعار مقاومة إسرائيل، لإنشاء جيوب مسلحة تابعة لـ"حزب المقاومة" فبات أمراً مكشوفاً لا لبس فيه، لنشر هذه الجيوب السرية في كثير من المناطق اللبنانية لاستخدامها بؤراً للتوتير والتفجير الأمنيين. وحادثة الأوزاعي واحدة من هذه السلسلة المستمرة.

ومما أشار إليه الأيوبي أيضاً أن الجيوب التي يقوم "حزب الله" بإنشائها في المناطق، تخضع عناصرها لـ"تعبئة نفسية وسياسية ضد مناطقها ومجتمعاتها المحلية التي تصير في نظر المتدربين والمعبئين جماعات من الخونة والعملاء الأميركيين واليهود، ما يزيد من التشرذم والاحتقان والعنف الأهلي في هذه المناطق، ومنها طرابلس".
  
هكذا تصير عاصمة الشمال تارة مرتعاً للعملاء والخونة من جمهور "14 آذار"، وطوراً "قندهار لبنان".

\"\"

في زيارة لنا إلى طرابلس قبل حادثة الأوزاعي، سمعنا من يقول لنا منبهاً "شو رايح تعمل هونيك؟!"، أو "شو بدّك بهالروحة!". فالأخبار التي ترفد مخيّلة سامع كلمة "طرابلس" مليئة بالتفجيرات والإرهاب. كأنّ قدر هذه المدينة أن تدفع أثمان كلّ ما يباع ويشترى في بيروت.

هكذا ذهبنا إلى عاصمة الشمال، باحثين عن السلفيين وأخبارهم، وعن الإرهابيين وجرائمهم، وعن أيّ شيء قد يدلّنا إلى حقيقة ما يحدث في هذه المدينة. وهل هي حقاً "معقل الإرهاب؟".

في الطريق إلى طرابلس لا إعلانات سياسية إسلامية على جوانبها. فقط بعض الإعلانات المتبقية من الحملة الإعلامية التي أطلقتها "القوات اللبنانية" تحضيراً لـ"مهرجان الشهداء" قبل شهر أو أكثر. وقاصد المدينة المتهمة بالإرهاب الإسلامي يعبر في عمق المناطق المسيحية، من الدورة إلى ما بعد جونية وأنطلياس وجبيل والبترون وشكا للوصول إلى المدينة التي وصفها أحد الصحافيين بأنها "قندهار لبنان".

الدخول إلى المدينة يذكّر الزائر بأنها مدينة الحلوى، وتحديداً "حلاوة الجبن"، من خلال محال الحلوى الكثيرة التي تنتشر في الساحات، وأكثرها شهرة "الحلاب" بفروعه الكثيرة.

هي مدينة تشهر هويتها هذه قبل الانتباه إلى أنها تستقبل الزوار بكلمة "الله" العملاقة، التي حوّلت اسم الساحة الرئيسية، بالنسبة للبعض، من ساحة عبد الحميد كرامي إلى "ساحة النور" فـ"ساحة الله".

\"\"

لكن لماذا كلما وقع تفجير في طرابلس نفسها أو في صيدا أو حتى في بيروت، تهمس ألسن وتعلن أخرى أن المتطرفين، والسلفيين استطراداً، وراء التفجيرات، وأنّ لهؤلاء أذيالاً ورؤوساً في الشمال وفي طرابلس تحديداً؟ حتى إنّ كلمة "الإرهاب" باتت قريبة جداً، في القاموس والمخيلة الجماعية اللبنانية، من كلمة "سلفية"، خصوصاً في لبنان وتحديداً في طرابلس.

لذا، كانت زيارة طرابلس، بحثاً عن سلفييها وأخبارهم. المدينة التي ولدت فيها أولى الحركات الإسلامية في لبنان، "الجماعة الإسلامية"، ومن بعدها ولدت فيها معظم الحركات الإسلامية اللبنانية منذ قرن حتى اليوم.

في شوارع المدينة يلحظ المتجوّل الكثير من المظاهر الدينية التي لا يزيد حضورها عما هو عليه في بيروت، ويقلّ بكثير عما يظهر منها في الضاحية الجنوبية، على سبيل المثال. هناك الكثير من النساء المحجبات، أو المتجلببات بالأسود. ويلاحظ أيضاً، أكثر قليلاً مما في بيروت، رجال يلبسون الجلابيات البيضاء، مطلقين لحاهم من دون الشوارب. لكنّ هؤلاء لا يوحون للرائي بأنّهم دعاة عنف.

رجال ونساء في حالهم. لا يركبون سيارات غالية الثمن كما شيوخ "حزب الله" ونسائهن في بيروت والجنوب والبقاع، ولا يحملون أسلحة مثلهم. ولا يعرف عنهم أنهم "تكاثروا" مرة على أحد، نصرة لبعضهم البعض. باختصار، ليسوا منظّمين، ولا قادرين على تنظيم أنفسهم، في غياب الدعم، إن من الداخل أو من الخارج.

\"\"

أحمد الأيوبي هو أحد الخارجين من رحم "الجماعة الإسلامية"، تحوّل إلى العمل الإسلامي المستقلّ اليوم، وهو يقول إنّ حجم القوى السلفية محدود جدا في طرابلس قياساً إلى القوى الإسلامية الأخرى، وقياساً إلى المجتمع الإسلامي، وقياساً إلى تنوعهم. إذ إنهم لا يقفون وراء مرجعية واحدة، بل ينقسمون ما بين الفريق الذي وقّع "وثيقة التفاهم" مع "حزب الله"، وتراجع عنها، وبين الشيخ داعي الإسلام الشهّال، وبين مستقلّين.
 
وبالتالي، والكلام للأيوبي، هم ليسوا متكتلين سياسياً أو عسكرياً، علناً أو سراً. لا يوجد "تنظيم سلفي" في طرابلس، بل هو جماعات لها جمعياتها الدينية والأهلية، من دون أن تأتلف في تنظيم هيئات موحدة. ويمكن القول إن السلفيين تيار ضعيف، بل ضعيف جداً، قياساً إلى غيره من التيارات السياسية في المدينة، وإن كانت تشيع فيها تقاليد إسلامية. وفي خلال معركة طرابلس قبل أشهر، بين باب التبانة وجبل محسن، إستطاع داعي الإسلام الشهال جمع نحو ستين من السلفيين حوله، تحولوا إلى مقاتلين عديمي الخبرة. وهم من الذين استطاعوا شراء سلاح، أو كانوا يملكون قطعا فردياً منه. وعددهم هذا صغير مقارنة بأعداد المسلّحين الذين كانوا يدافعون عن باب التبانة.

بعد انتهاء المعارك، انفضّ هؤلاء من حول الشهّال، حين انتفت مبررات القتال، وعاد كلّ واحد منهم إلى منزله. ويؤكد الأيوبي أنّ هؤلاء لم يكونوا مجموعة مسلحة سرياً، بل كانوا يقاتلون تحت عيون الجيش اللبناني وتحت آذان استخباراته، كما بقية المقاتلين. والجيش يعرف من هم وكيف قاتلوا ومتى، وماذا يفعلون اليوم، ويعرف أنهم ليسوا تنظيماً. 

وعن حجم السلاح وطبيعته، يقول الأيوبي إنه فردي لا يزيد عن  كلاشينكوف في أحسن الأحوال. ولأنهم لم يقاتلوا كما يجب، لم يسقط أيّ قتيل أو جريح من بين السلفيين.
للسؤال عن السلفيين والأصوليين في طرابلس، كان لا بدّ أيضاً من الوقوف على آراء من لا علاقة لهم بالحركات الإسلامية. من هؤلاء القيادي السابق في "التيار الوطني الحرّ"، بسام الآغا، الذي يقول إن السلفيين ليسوا من "كوكب آخر، بل هم شريحة من المجتمع الطرابلسي ومن عائلات طرابلسية. وبعضهم تجار وحرفيون وصناعيون". ويتفق الآغا مع الأيوبي على أن السلفيين ليسوا تنظيماً بل مجموعة من المشايخ والدعاة الذين يحملون آراء فقهية مختلفة تدعو إلى الاقتداء بالسلف الصالح. كما أنهم لا يؤمنون بالعنف ولا علاقة لهم بالحركات الجهادية، ونشاطاتهم تقتصر على إنشاء جمعيات ومؤسسات دينية وتعليمية.

لكن أجهزة إستخبارية خارجية ومعروفة، تجهد، بحسب الآغا، لاستمالة بعض رموز السلفية وتنشر سراً رجالها بين مريديها. وهذا على خلاف الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام عن أنّ السلفيين هم جهاديون حكماً، وإرهابيون حتماً، وتفجيريون بالسليقة. 

\"\"

يعتبر كثيرون في طرابلس أن مصطلح السلفية تعرض للتشويه وأصبح يوازي الإرهاب بعد خروج الجيش السوري من لبنان وقبل خروجه أيضاً. فبهدف ضرب الحالة السنية الجديدة النائشة في ولائها المعلن للبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ازدادت التفجيرات، وشاع في وسائل الإعلام أن الإسلاميين، والسلفيين تحديداً، هم من يقف وراءها. لذا يتزايد الخوف من حملات لتسعير هذه الاتهامات ودفع الجيش وقوى الأمن في لبنان إلى القيام بحملات اعتقال واسعة في صفوف الاسلاميين في المدينة، كما حصل بعد دخول الجيش السوري إلى المدينة في الثمانينات من القرن الماضي، وطوال التسعينات أيضاً.

أما الهدف غير المعلن من هذا التسعير ومن التفجيرات الإرهابية الغامضة التي تسبقه، فهو ذرّ الرماد في عيون "تيار المستقبل" والسعي إلى الشقاق بينه وبين جمهوره العريض في المدينة الشمالية، واتهام هذا الجمهور أنه سلفي ويؤيد الإرهابيين المفترضين الذين يقومون بالتفجيرات. وفي حال جرت مطاردات واعتقالات أمنية في صفوف الإسلاميين في طرابلس، سيكون "تيار المستقبل" أمام خيارين: إما أن ينأى بنفسه عن "الإرهابيين" المزعومين، وإما أن يدعمهم ويطالب بالإفراج عنهم، وفي الحالتين سيكون محرجاً. لأنه إذا لم يدافع عنهم سينقلب عليه جمهور واسع من طائفته، ويصير في خانة الإسلاميين المناوئين، وإذا طالب بالإفراج عنهم سيكون "داعما للإرهاب" أمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

\"\"

في مسجد عباد الرحمن بباب التبانة، الذي يؤمّه ويقف فيه خطيباً شيخ سلفي غير معمّم، هو خالد السيّد الذي يلتفّ من حوله عدد كبير من أبناء أفقر الأحياء في لبنان، كان عدد المصلّين نهار الجمعة غفير في المسجد الواقع في شارع بائس على ضفتيه مجموعتان من الأبنية المزرية. أبنية شعبية تسكن الطبقة الواحدة منها أكثر من ثلاث عائلات، وفي الشارع تجري مياه الصرف الصحّي.

في المسجد التقينا الشيخ، بعد خروج المصلّين الذين استمعوا إلى خطبته وأدّوا الصلاة وعادوا إلى أشغالهم. والشيخ غير المعمّم على ما روى لنا، درس على أيدي بعض الشيوخ المعروفين في المنطقة، لكنّه، بحكم سلفيته، لا يستطيع الحصول على تعميم من "دار الفتوى".

هو شاب لم يتخطّ الثلاثين، بدا من حديثه أنّه غير محنّك، يمثل أمام صحافيين للمرة الأولى. وهو أعاد وكرر أكثر من مرة أنه، في العادة، لا يدلي بتصريحات صحافية، وأنّه عاد إلى شيوخ أكبر منه سنا وأكثر منه علماً، وطلب منهم الحلول مكانه، لكنهم رفضوا وطلبوا منه أن يتكّل على الله.

وبالمصادفة، كان الشيخ قد خصّص خطبته ظهر يوم الجمعة ذاك للحديث عن السلفية. وقال في الخطبة إن السلفية ليست تنظيماً ولا دعوة للجهاد، بل هي مجرد دعوة للاقتداء بالسلف الصالح. ثم ألقى بالملامة على عدد من الذين يدّعون السلفية بهدف جرّ الشبان الفقراء إلى الحدائق الخلفية لأجهزة الاستخبارات.

شرح لنا "الشيخ" أنّ "شغل الإعلام الشاغل بات الحديث عن التيار السلفي، وأنا مهمتي أن أبين للناس الصواب من الخطأ،  فأنا أتناول الحدث الذي يتناوله الناس. وكنت أقول لهم إنّ السلفية دعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين عقيدة وشرعا".

وهو شدد على أنّ "السلفيين ليسوا تكفيريين، بل هناك أركان للإسلام، من أتى بها فهو مسلم ومن لم يأت بها فهو غير مسلم. لكن هذا لا يعني الدعوة إلى تكفير غير المسلمين أو التعامل معهم بما لا يرضي الله".

وأضاف أن "السلفيين جزء من الطائفة السنية وهم من أهلها ويصيبهم ما يصيبها. وحيث إنّ قرارها ليس بيدهم بل بيد غيرهم، فإنهم شركاء في البر والمعروف"، نافياً الصورة التي ضخّمها الإعلام والتي توحي بأنّ الطائفة السنية تنجرّ وراء السلفيين.

وخلال خطبته، تطرق أكثر من مرة إلى الحديث عن العلويين والشيعة، وقال إنهم ليسوا أقلّ شأنا من السنة، وإنهم مسلمون، وإنه لا بدّ من العيش معهم، بكرامة.

وأكّد "الشيخ" السلفي - وهزّ زملاؤه وطلابه رؤوسهم من حوله - أن "من حمل السلاح من السلفيين خلال معارك طرابلس إنما دفعه إلى ذلك تخلي القوى الأمنية عن القيام بواجباتها".

وشدد مراراً وتكراراً على أن "تضخيم صورة وحجم السلفيين وقدراتهم لا يهدف إلى تعظيم السلفيين أو إلى زيادة حجم تأييدهم الشعبي والتفاف الناس من حولهم، بل إنّ المضخّمين يهدفون إلى كسب تأييد دولي لتحقيق مخطط يصبو إليه بعض المتربصين بالشمال شراً".

ولمّح السيد في كلامه هذا إلى تربّص السوريين للعودة إلى لبنان من البوابة الشمالية، والطرابلسية تحديداً، بداعي "محاربة الإرهاب الإسلامي والسلفي".

وما يقرّب كلام الشيخ من المعقول هو بروز كثير من المعطيات التي تؤكد أنّ السلفيين بعبع وهمي صنعه بعض الإعلام بهدف الإيحاء بالقضاء عليه أو محاصرته، ومقايضة هذا الحصار بمكاسب إقليمية.

تتلقى طرابلس طعنات التفجير والحملات الإعلامية التي تعقبها، ولا تعرف من تتهم، سوى أنها تلمّح إلى السوريين وأجهزتهم الأمنية المتغلغلة في الشمال. إنها مدينة تستقبلك بالحلويات وتودّعك بها. ويحدّثك بعض شبانها عن شارع "مينو" الذي يحاول التشبه بشارع "مونو" البيروتي، شارع السهر والرقص والكحول. كما يحدّثونك عن "شارع الكزدورة"، المليء بالمقاهي والمطاعم، حيث يتعرف الشبان إلى الشابات و"يكزدرون" على الرصيف.

ومن أخبار طرابلس التي تذكرك بأنها مدينة عادية، وليست "قندهار"، أنّ شعبية آل الحريري واسعة فيها، وإنّ تراجعت في حيّ أو آخر، فلصالح الرئيس نجيب ميقاتي أو الرئيس عمر كرامي، وليس لصالح الإسلاميين، الضعفاء، ولا السلفيين، الأضعف.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,780,218

عدد الزوار: 6,914,638

المتواجدون الآن: 121