الحوثيون في صعدة:الابتعاد عن صنعاء "القريبة" والاقتراب من طهران "البعيدة"

تاريخ الإضافة السبت 28 تشرين الثاني 2009 - 7:04 ص    عدد الزيارات 1322    التعليقات 0

        

صنعاء ـ صادق عبدو

على تلة صخرية مرتفعة تتوسط منطقة مران التابعة لمديرية حيدان الواقعة شرق صعدة تنتصب بقايا منزل متهالك تتناثر أنقاض جدرانه ونوافذه بالقرب من مسجد صغير لم يعد يؤمه أحد، منذ أن تحول المنزل ومحيطه والمنطقة برمتها إلى أرض محروقة خلفتها خمس حروب متلاحقة بين الجيش اليمني وجماعة الحوثيين، فيما تحول صاحب المنزل الشيخ بدر الدين الحوثي وأنجاله وأنسابه زعماء وقادة ميدانيين لتمرد مسلح تجاوز في تفاعلاته حدود صعدة إلى الجوار السعودي لينذر بأجواء حرب إقليمية وشيكة .
مصير مبهم للأب الروحي
نهاية آذار (مارس) 2006 تسجل آخر ظهور للشيخ بدر الدين الحوثي البالغ من العمر 88 عاما على مسرح الأحداث في صعدة، حيث تزامن اختفاؤه مع تصاعد اتهامات وجهتها السلطات اليمنية للشيخ المسن بالوقوف وراء اندلاع شرارة حرب صعدة الثانية في الـ28 من آذار (مارس) من العام نفسه لتشهد منطقة مران حملة عسكرية لا سابق لها منذ اندلاع الحرب الأولى في 18 تموز (يونيو) من العام 2004 .
وقد استهدفت الحملة ضرب المعاقل الرئيسة للحوثيين وعلى رأسها منزل آل الحوثي الذي تعرض لقصف مدفعي مكثف أعقبه انتشار شائعات حول مصرع الحوثي الأب متأثراً بجروح متفاوتة عززها لدى الكثير من أهالي منطقة مران والمناطق المجاورة تناقل الألسن لقصائد رثاء نظمها بعض أنصار الحوثي نعوا من خلالها مناقب الشيخ الراحل وشمائل نجله الفقيد الشيخ حسين الحوثي، قبل أن يسارع النجل الأوسط محمد الحوثي إلى دحض شائعات وفاة والده بالتأكيد أن الحوثي الأب لايزال حيا يرزق وأنه تم نقله إلى منطقة آمنة لم يحددها، مبديا سخريته من اتهامات السلطات لشيخ تجاوز منتصف الثمانين من العمر بقيادة حرب ميدانية ضد القوات الحكومية .
وقد حرص الحوثيون على التكتم حول حقيقة وضع والدهم الصحي وهوية المكان "الآمن" الذي انتقل إليه، وإن عزت مصادر قبلية مقربة من أسرة الحوثي إلى مخاوف أبنائه من تأثير الكشف عن مصير والدهم الذي يمثل المرجعية الدينية العليا لجماعة الحوثيين على معنويات أتباع الجماعة وانصارها، إلا أن المصادر نفسها أكدت أن الشيخ بدر الدين الحوثي، اختفى حتى من محيط المقربين من أسرته منذ نهاية العام 2007، وأن الاعتقاد السائد لدى أتباع الحوثي من غير الدوائر المقربة من أبنائه أن الحوثي الأب غادر اليمن سرا للإقامة في إيران عقب نجاح مساعي وساطة قبلية رفيعة المستوى في تسهيل مغادرته الآمنة لليمن بموجب اتفاق غير معلن مع السلطات التي رأت في خروجه من البلاد تخفيفا لتفاقم الأوضاع في صعدة، ما لم يحدث لاحقاً، إذ اندلعت ثلاث حروب بعد خروجه .
انحراف مسار الحوثيين
إلى ما قبل العاشر من أيلول (سبتمبر) 2004، وهو التوقيت الزمني الذي يمثل محطة التحول الحاد في مسار وتوجهات "تنظيم الشباب المؤمن" الذي تأسس في العام 1997 بمشاركة ثلاثة آلاف عضو، حيث أعلنت السلطات اليمنية رسميا مصرع الشيخ حسين بدر الدين الحوثي خلال مواجهات مسلحة بين أتباعه والقوات الحكومية في صعدة، ما شكل، بحسب مصادر من داخل جماعة الحوثيين صدمة شديدة التأثير على الآلاف من الشباب القبليين الذين كانوا يحتشدون ظهيرة كل يوم جمعة في مساجد مران والمناطق المجاورة ليستمعوا إلى خطبة الشيخ حسين الحوثي وليرددوا الشعار الذي نقله لهم باعتباره شعار "البراءة من المشركين" وفقا لفتوى صادرة عن مرجعيات قم الإيرانية مطلع العام 2002، والمتضمن عبارات "الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل".
ويقول الثلاثيني علي محمد احمد الدروني، الذي اعتقل في العام 2005 على خلفية أحداث صعدة إن "الإعلان عن مقتل الشيخ حسين الحوثي في ايلول (سبتمبر) 2004 كان له وقع الصدمة الشديدة على المئات من تلاميذه وأنصاره، لأنه كان شخصية مؤثرة جدا في أوساط الناس، وخصوصاً الشباب وغالبية هؤلاء يقاتلون اليوم مع أشقائه ويحملون السلاح ضد الدولة لأنهم يعتبرون أن لهم ثأراً معها، وفي اعتقادي ان مقتل الشيخ حسين يمثل بداية الصراع القائم حالياً في صعدة".
ويرى الدروني أن الاتهامات الموجهة لجماعة الحوثيين بالعمالة لإيران والشكوك بدعم طهران للحوثيين كانت خارج سياق الموضوعية في بداية أحداث صعدة كون جماعة الحوثيين ككيان مسلح يقوده أشقاء حسين الحوثي لم تتبلور بشكلها وقوامها الراهن إلا بعد مصرع مؤسس "تنظيم الشباب المؤمن" .
ويشير إلى ذلك بالقول: "بعد مقتل الشيخ حسين الحوثي، التف آلاف من الشباب القبليين الذين اجتذبتهم المنتديات الصيفية التي أنشأها الشيخ حسين حول أسرته وأشقائه للنصرة وبشكل عفوي من دون أن يكون هناك أي تصور لدى هؤلاء عن العمل لحساب جهة داخلية أو خارجية" .
ويضيف: "الإعلام الرسمي هو من اوجد مصطلح "جماعة الحوثيين"، والقصة في بدايتها لم تكن أكثر من حالة غضب عارم ناجم عن مقتل الشيخ حسين الحوثي، ما دفع بمعجبيه ومريديه وأنصاره إلى نصرة أسرته بالسلاح، كما يحدث دائما في صعدة حين يتحالف الناس مع الضعيف لمواجهة القوي الظالم والمعتدي".
الحوثي .. كاريزما مؤثرة !!
تأثير شخصية الشيخ حسين الحوثي في أوساط الشباب القبليين الذين كانوا يفدون من معظم مناطق مديرية حيدان لينخرطوا في المراكز أو المنتديات الصيفية التي أنشأها "تنظيم الشباب المؤمن"، والتي بلغ عددها نحو 150 مركزا متخصصا في تدريس أصول المذهب الزيدي إلى جانب تنظيم أنشطة فكرية ورياضية رسخ في نفوس معظم هؤلاء ما يمكن وصفه بـ"عقيدة الولاء المطلق" لشخصية رجل دين تحول في نظر أتباعه ومريديه إلى "قديس"، وهو ما أظهرته تحقيقات أمنية اخضع لها مقاتلون من أتباع الحوثي بينهم 3 من القادة الميدانيين عقب اعتقالهم خلال حملات تمشيط استهدفت جيوب جبلية في منطقة حرف سفيان".
وتقول مصادر أمنية مطلعة على تفاصيل تلك التحقيقات لصحيفة "المستقبل" إن معظم من شملتهم التحقيقات من الحوثيين المعتقلين، أدلوا بأقوال أثارت دهشة ومخاوف سلطات التحقيق من قبيل مساواتهم لشخص حسين الحوثي بشخص الرسول الكريم والإصرار على ترديد الشعار المعروف بـ"الموت لأمريكا وإسرائيل" خلال إجراء التحقيقات .
ويؤكد وزير الأوقاف والإرشاد الحالي، رئيس لجنة الحوار الفكري مع المتطرفين القاضي حمود الهتار، أن ثمة صعوبات وتعقيدات واجهت لجنة الحوار الفكري خلال جلسات عقدتها مع أعداد من أتباع الحوثي الذين اعتقلوا عقب اندلاع شرارة حرب صعده الأولى والثانية، مشيراً إلى أن كثرة من الحوثيين الذين اخضعوا لجلسات الحوار الفكري ابدوا مواقف متشددة ومتطرفة أبرزت مدى ارتباطهم بالحوثي وتأثرهم بشخصيته وتوجهاته العقائدية والفكرية المتطرفة .
وقد أسهم مصرع حسين بدر الدين الحوثي في العاشر من ايلول (سبتمبر) 2004 في تحول المواجهات المسلحة التي اندلعت في الـ 18 من تموز (يوليو) العام نفسه على خلفية تعصب قبلي حفزه مقتل رجل دين كان له تأثير فاعل في أوساط الشباب، على يد القوات الحكومية إلى حرب غير نمطية مغايرة للسياق التقليدي من الاحتراب الذي عادة ما ينشب بين الدولة والقبيلة في اليمن، لتندلع في الـ 24 من آذار (مارس) من العام 2005 شرارة الصراع المزمن بين الجيش اليمني ومجموعات مسلحة ومنظمة من الشباب القبليين الذين شكلوا بالتفافهم حول "أسرة آل الحوثي" منذ ذلك التاريخ ما بات يعرف بـ"الجماعة الموالية للحوثيين" أو "جماعة الحوثيين"، التي بدأ ظهورها على مسرح الأحداث بالتزامن مع اتهامات رسمية وجهت لقياداتها العائلية بالتحريض على التخريب وتزعم تمرد مسلح لينتهي بها المطاف وبعد ست سنوات خاضت خلالها الجماعة، وبثبات لافت، ست حروب متلاحقة، إلى اتهامات إضافية من أبرزها وأخطرها العمالة لإيران ومحاولة تطبيق نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية لقلب نظام الحكم في اليمن وإقامة نظام حكم إسلامي على غرار ما هو سائد في طهران .
لماذا طهران؟
يدحض الحوثيون وبقوة أي علاقة لهم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تهيمن عليها سلطة دينية تستمد زخمها العقائدي من المذهب الشيعي الاثني عشري، إلا أن اتساع نطاق عمليات الحوثيين الحربية لتصل إلى الحدود السعودية عزز الاتهامات المبكرة التي وجهت لـ"جماعة المكبرين"، وهو الاسم الذي يطلقه عامة أهالي صعدة على الحوثيين وأتباعهم، بتنفيذ مخطط إيراني يستهدف خلق منطقة نفوذ شيعية في أقصى الشمال اليمني وبمحاذاة خاصرة الجنوب السعودي .
ويعتبر الناطق باسم الجيش اليمني العقيد عسكر زعيل أن ثمة مخططاً إيرانياً يقف وراء تصاعد "ظاهرة الحوثيين المسلحة"، كاشفا في هذا الصدد عن تحركات ديبلوماسية إيرانية مريبة في اليمن بدأت في وقت مبكر لظهور جماعة الحوثيين بالقول: "لدينا ما يثبت قيام ديبلوماسيين إيرانيين يعملون في السفارة الإيرانية في صنعاء بزيارات إلى صعدة التقوا خلالها قيادات جماعة الحوثيين".
الكشف عن قيام مسؤولين إيرانيين بزيارات سرية إلى اليمن وعقد لقاءات مع قيادات جماعة الحوثيين في صعدة، تجاوز مجرد الادعاءات اليمنية الرسمية التي يمكن التشكيك في موضوعيتها، كون اليمن طرفاً رئيساً محتملاً في صراع إقليمي وشيك ثلاثي الأطراف يجمع إلى جانب صنعاء كلاً من الرياض وطهران، إلى أطراف أخرى. فالسفير المصري السابق في تل أبيب محمد بسيوني عزز الاتهامات اليمنية والسعودية لإيران بالوقوف وراء مخطط توسعي يجري تنفيذه في شمال اليمن بأدوات يمنية تتمثل في جماعة الحوثيين، بالكشف عن معلومات حول زيارة قام بها قائد الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن التقى خلالها زعيم الحوثيين الراحل حسين الحوثي في جبال صعدة.
هذه الفرضية لم يستبعدها العقيد زعيل بقوله: "قيام قائد الحرس الثوري الإيراني بزيارة إلى اليمن والاجتماع سرا بحسين الحوثي في جبال صعدة، أمر وراد وربما تم هذا اللقاء قبل تقلد المسؤول الإيراني منصبه العسكري الحالي، إذ سبق له العمل في سفارة إيران كملحق عسكري في صنعاء".
الارتباط بين الحوثيين كجماعة دينية مسلحة تعتنق منهجا فكرياً وعقائدياً والمنهج السائد في إيران، وإن عزته السلطات اليمنية إلى ما تعتبره قرائن دامغة من قبيل ترديد الحوثيين الشعار إياه الذي أطلقه مرشد الثورة الإيرانية قبل سنوات وتضمن عبارات "الموت لإسرائيل .. الموت لأمريكا"، وتردد القيادات الرئيسة للجماعة وعلى رأسهم زعيمها الراحل حسين الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي على العاصمة الإيرانية طهران خلال السنوات الممتدة من 1994 وحتى العام 2005، يؤكده الدعم الذي يقدمه الإعلام الإيراني لمصلحة تدويل قضية الصراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية وإظهار الجماعة كـ"أقلية شيعية مضطهدة من أغلبية سنية في اليمن ومؤخرا السعودية". وثمة معلومات كشف عن جزء منها رئيس جهاز الأمن القومي اليمني علي أحمد الآنسي في تصريحات أدلى بها مؤخراً مفادها ان زعيم الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي اقام في إيران في الثمانينيات من القرن المنصرم قبيل عودته لاحقا إلى اليمن، ليتزعم في العام 1997 حركة انسلاخ عن "حزب الحق" ذي التوجه الشيعي واصغر الأحزاب الإسلامية في اليمن، ويؤسس في العام نفسه ما سمي "تنظيم الشباب المؤمن" الذي تحول أعضاؤه وأغلبهم من الشباب القبليين المحدودي التعليم وعقب مصرعه في العام 2004، إلى مقاتلين في مليشيات مسلحة تحتل قمم الجبال وتمتلك القدرة والإمكانات لنقل حروبها إلى مدن مجاورة لصعدة، مثل ما هو حاصل حالياً في تمدد الحرب إلى محافظة عمران، وصولا إلى منطقة جبل الدخان داخل الأراضي السعودية .
ما كشفه رئيس جهاز الأمن القومي اليمني من معلومات حول صلات مبكرة بين زعيم الحوثيين الراحل وإيران تتطابق مع ما أكدته مصادر مقربة من جماعة الحوثيين عن قيام حسين الحوثي في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم بالتوجه إلى العاصمة الإيرانية طهران قبيل ان يغادرها بعد وصوله بأيام قليلة متوجها إلى قم التي أقام فيها عامين كرسهما لدراسة أصول المذهب الشيعي الاثني عشري في إحدى الحوزات الدينية ليفاجأ، وبعد عودته إلى مسقط رأسه في منطقة مران التابعة لمديرية حيدان في صعدة وإلقائه خطبتي الجمعة في أحد المساجد جموع المصلين بترديده شعار "الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل"، وحضه المصلين على ترديده عقب كل صلاة، واصفا عبارات هذا الشعار بأنها "تعويذة البراءة من المشركين".

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,595,865

عدد الزوار: 6,903,151

المتواجدون الآن: 88