"الجهاد الإلكتروني"..

تاريخ الإضافة الخميس 26 تشرين الثاني 2009 - 6:30 ص    عدد الزيارات 1270    التعليقات 0

        

جنى الحسن، الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2009
\"\"
   
\"\"
إحدى بوابات المواقع الإسلامية على الإنترنت.
\"\"

اللافت للنظر هو تضخم "هجمة" مجموعات "إسلامية" على الإنترنت أخيراً، إذ يلاحظ توسّع متنامٍ في هذا الصدد. فعند محاولتك القيام ببحث ما باللغة العربية، أياً كان الموضوع، على موقع Google مثلاً، ستتسرب لك، قطعاً، إشارات دينية او مواقع بصبغة اسلامية تدعوك الى ارتياد احد هذه المواقع من "زواج محلل"، ومغريات لتنال "الثواب"، أو "أبواب للهداية"... وما شابه ذلك.  

يعتبر "الإسلاميون" الشبكة العنكبوتية "الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً"، ولم تعد هناك عوائق أمام وصولهم للشباب العربي في أي مكان عبر استخدام وسائل الإنترنت المتعدّدة (رسائل، مجموعات بريدية، مواقع، منتديات وغيرها) يتخفون وراءها، فلا يتعرّضون لأيّ مساءلة قانونية أو أذى، وتجنّبهم المواجهة والحوار الحقيقي، بل وتسمح لهم بانتقاء "زبائنهم" من الشباب الذي لا يعرف دينه حق المعرفة، ويطردون من غرف الدردشة أيّ متنوّر أو مثقف ممن يرون أنه قادر على "إفحامهم ودحض حججهم".

\"\"

بدأ اشتباك "الإسلاميين" مع الإنترنت مطلع التسعينات المنصرمة عن طريق جمعيات لطلبة مسلمين في الولايات المتحدة الأميركية بغرض الاطلاع على ما يسمّونه "الشبهات" والرد عليها. والمعني بالشبهات هي الأمور التي تتعارض مع الأصول الدينية كما يرونها، وكل ما حواه "وباء العصر من فسق ومجون" حسب تعابيرهم. ومع ازدياد المواقع توفرت فرص واسعة لتأمل علاقة "الإسلاميين" مع الإنترنت، كما أن تنوع المواقع من حيث الاهتمامات والأدوار والخطاب عكس اختلاف مستويات الوعي بهذه التقنية الجديدة وتحديد الأولويات بناء عليها، فضلاً عن أن هذا الاشتباك مثل نموذجاً فريدًا يمكن من زاويته مقاربة تعامل "الإسلاميين" مع العصر.

وان كان الإنترنت يعد من أبهر نتاجات الحداثة في سياق الفكر الغربي، فقد اعتبره "الإسلاميون" في البداية "إحدى علامات الساعة" لما أتاح في نظرهم من "تقارب الأسواق" و"ظهور الربا" و"شيوع الزنا" و"كثرة الكذب". وسرعان ما أخذ شكل جدل "الدنيا-الآخرة" في التعامل مع منجزات العصر شكلاً مغايراً، ليغدو صراع "كافر - مؤمن" عندما بدأ تحرك بعض جمعيات لطلبة من المسلمين لوضع حد لما أسموه "محاولات مسخ الهوية الإسلامية".

إكتشف "الإسلاميون" إبان ذلك الإمكانات الهائلة للتواصل عبر "الشبكة العنكبوتية" ووجدوا فيها قناة وفرصة أدرجت "الإنترنت الاسلامي" على لوائح الدعوة كفريضة دينية وضرورة يحتمها الواقع. وبلغ حد "نشر الاسلام كما يرتؤونه" اعتبار أحد المشايخ أنه يجوز الإنفاق على المواقع الإلكترونية من مصرف "في سبيل الله" (كما ورد في أحد مواقعهم بالحرف) من "باب الجهاد لغزو الكفار بطريقة مستحدثة طالما لا يُستطاع غزوهم عبر السلاح".

استجابة لإكراهات هذا العالم المبهر، وبغية لاكتشاف أداة نشر جديدة ووسيلة اعلامية واعلانية تنحجب عنها القيود السياسية وتوفر الحرية التي لطالما عانى الإسلاميون غيابها، كان تعامل شريحة كبيرة من هؤلاء الناشطين مع الإنترنت نتيجة موقف اضطراري يحتمه الواقع، ولا يعكس وعياً كافياً بالعصر، بقدر ما هو رغبة بالحضور أو العالمية.

\"\"

الإلحاح على دخول الإنترنت جعل كثيراً من "المواقع الإسلامية" تتعامل معه بخفة، وتلقي نفسها في غماره من دون وعي بأبعاده أو معرفة بإمكاناته. لذا لم يكن غريباً غياب الخاصية التفاعلية - أهم خصائص الإنترنت - بين المرسِل والمستقبِل عن معظم المواقع الإسلامية، فضلاً عن أن هذه الخاصية التي تتطلب "مرونة" تشكل بؤرة توتر للمواقع ذات السمة "الرسمية" أو حتى "الشخصية" التي ترى أنها تصدر في مادتها عن "الحق"، وتخشى على المتصفح من التشويش، فتمارس نوعاً من "الوصاية" في عالم من طبيعته أنه مفتوح ولا مركزي!

ولا يختلف الخطاب الإسلامي أو "المتأسلم" عبر الإنترنت عن ممارسات تتم تحت رايات إسلامية وفيها تشويه للفحوى الحقيقية للدين، وتعكس عقلية الاضطهاد والتمييز في العالم العربي التي تتعامل مع القوميات الصغيرة أو الأفكار المضادة على أنها قلة مندسة يجب سحقها.
هذه الملامح كلها ربما تحملنا على وصف تعامل "الإسلاميين" مع الإنترنت بـ"فوضى التعامل"، بمعنى أنه لم يكن هناك وعي كاف وعميق بهذا العالم الافتراضي، فيغدو ذا مغزى هنا غياب صفحة خاصة تعنى بتقديم الرؤية والمنطلقات والأهداف، عن معظم "المواقع الإسلامية".

\"\"

مع وصف التعامل بالفوضى يغدو التساؤل ملحًّا عن ملامح الخطاب المتشكل من هذا الاشتباك الذي يبدو أنه لم يغادر خطابه التقليدي، ولا تزال مفرداته القديمة هي الحاضرة. فعلى الرغم من ظهور رموز جديدة، لا يبدو أن هذه التقنية التي يُنظر إليها كأداة "حيادية" أحدثت تحولات جوهرية في الخطاب.
يتعامل "الاسلاميون" مع الإنترنت كمن يطلق "صرخة في وادٍ" من دون أن تكون هناك دراسة لجمهور الإنترنت، وتعلم لفنونه، وإدراك لعوالمه، ودراسة لجدوى الخطاب ونفعه، وقياس لتأثيره، الأمر الذي تكشفه ندرة تطوير معظم "المواقع الإسلامية"، وإن حصل فيتناول الشكل الفني في الغالب، مما ثبت ضعف بنيته ووعيه بالعالم الجديد وفضاءاته.

\"\"

لا يتوانى "الإسلاميون" عن التعبير عن امتعاضهم مما يعتبرونه محاولات لتنصير الشباب العربي، فيعتبرون أن "النشاط التنصيري" قد أثمر من خلال شبكة الإنترنت آلاف المواقع "التنصيرية" التي يفوق عددها عدد "المواقع الإسلامية" بعشرات المرات. ويحذرون من هذه الوسيلة التي باتت  المفضّلة لدى "المنصّرين" لـ"خداع شباب الخليج والعرب". من الواضح أن التكريس الطائفي والصراع الفارغ لا يغيب أيضاً عن شاشة "الكومبيوتر"، لا بل يتعظم ويتجلى بوضوح تام و"راحة مطلقة" حيث لا رقيب ولا حسيب. 

\"\"

لا تغيب "الجماعات الإسلامية" عن موقع "فايسبوك" الشهير الذي قاطعته عشرات "المجموعات الإسلامية" في الآونة الأخيرة وذلك بهدف "إجبار" إدارة "فايسبوك" على إغلاق المجموعات المسيئة للإسلام. بين مئات الاقتراحات الداعية إلى "الصمود والتصدي" وصولاً إلى "الاستقالة" من الفايسبوك والتفاؤل بإنشاء موقع بديل، أصبح الموقع الذي أتاح أكبر قدر من الحرية للشباب العربي، مستهدفاً في حريته، وبالتحديد من أكثر الناس تعطشاً وافتقاراً لتلك الحرية. لا يفكر المطالب بالمنع في أنه يتمتع على الفايسبوك بحرية لا يوفّرها موقع بديل، أو أن استجابة الموقع له بغلق مجموعة مسيئة هي تهديد لحريته هو نفسه. فتكرس هذه المقاطعة صورة العربي الذي تزعجه حرية التعبير، أو يشترط أن تتوافق هذه الحرية مع أفكاره.
 
\"\"

ان كان الإنترنت ظاهرة عالمية خلقت مجتمعاً موازياً - افتراضياً يتيح الاطلاع على كل الأفكار والمذاهب بعيداً من سلطة الوصاية، كونه مفتوحاً أمام شرائح لا تعد ولا تحصى من البشر وغير محصورة بفئة معينة من أي مستوى كان، فهذا يفرض على "المواقع الإسلامية" تجديد النظر إليه، وتجاوز الرؤية الفقهية والتراثية، التي تعتبره مجرد "وسيلة"، ومحاولة بناء رؤية مركبة تتجاوز هذا التبسيط المخلّ الذي يجعل منه مجرد "مكتسب إنساني" يجب الحرص على نقله والتعاطي معه، في الوقت الذي يتم الإصرار فيه على رفض الفكر الغربي من جهة  مع التمادي في الدخول إلى عوالم منجزاته.

ويحتاج هذا الموقف "الحيادي" من التقنية إلى مساءلة جديدة على المستوى الفلسفي والعملي، فالإنترنت غدا شكلاً من أشكال الحقيقة وكيفية من كيفيات الوجود، ما يعني أنه تحول إلى موقف أنطولوجي يمس هوية الكائن وعلاقته بنفسه وبغيره، ولذلك يشار اليه بـ "العالم الموازي" الذي يتداخل مع نشاط الإنسان المعرفي والإخباري والاجتماعي والعاطفي، مما ينذر بتحوله إلى بديل عن العالم الحقيقي.

... في عالم تمتزج فيه الهويات، تظهر ضرورة تجديد "عالمية الإسلام" فهماً وتطبيقاً، مما يوجب البحث في اتجاه بلورة خطاب جديد عبر الإنترنت، رؤيةً ومنطقاً ولغة. فالإسلام لا يقتصر على الجهاد ومفاهيم الثواب والعقاب، بل هو حضارة قائمة بحد ذاتها تحتاج أن يبتعد عنها "مبتدعو الفتاوى" وأن يدعوا جوهرها يتبلور.

\"\"

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,244,472

عدد الزوار: 6,941,930

المتواجدون الآن: 132