أوكرانيا أزمة مشتركة لواشنطن وموسكو

تاريخ الإضافة الجمعة 18 نيسان 2014 - 7:29 ص    عدد الزيارات 785    التعليقات 0

        

أوكرانيا أزمة مشتركة لواشنطن وموسكو

 جورج حداد

 

بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة، فَقَدَ «النزاع التاريخي» للغرب مع روسيا طابعه العقائدي، وتأسيساً على ذلك فقدت روسيا «امتدادها الدولي» ولم تعد زعيماً لما كان يسمى «المعسكر الاشتراكي»، وانطوت داخل حدودها القومية ودولتها «الاتحاد الروسي».

 

 

أما حلف الناتو، الموروث من الحرب الباردة، فقد تعزز بعد انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، وبلغ عدد الدول الأعضاء فيه 28 دولة، وهو يضم الدول الغربية الرئيسية: أميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا... إلخ.

 

 

تدخل حلف الناتو في الأزمات التي نشبت في جمهورية يوغوسلافيا الفيديرالية السابقة وحسمها كلها في الاتجاه الذي يريد، ولم يتورع عن قصف جمهورية صربيا بشكل عنيف وشامل في نهاية 1999، وأن يفصل عنها مقاطعة كوسوفو، التي هي تاريخياً مهد تأسيس الدولة الصربية، ويعلنها -أي كوسوفو- «جمهورية ألبانية» جديدة مستقلة. ثم تدخل الحلف في أفغانستان، وفي العراق، كما تدخل أخيراً في ليبيا وأزاح نظام العقيد القذافي، من دون أن يستطيع أي طرف أن يقف في وجهه. وكل ذلك بصرف النظر عن قرارات الأمم المتحدة ومواقف الدول غير الأعضاء في الناتو، خصوصاً روسيا والصين والهند.

 

 

وظهر على المسرح الدولي أن الناتو بزعامة أميركا هو قوة عسكرية - سياسية لا تقهر، وأن عليها يتوقف تقرير مصير العالم في القرن الواحد والعشرين.

 

 

ولكن لدى اندلاع الأزمة الأوكرانية أواخر شباط (فبراير) الماضي، اهتزت صورة الناتو، واضطر معظم المحللين الاستراتيجيين إلى إعادة النظر في مفهومهم للجيوستراتيجية الدولية القائمة، خصوصاً لمدى القدرات العسكرية- السياسية الحقيقية لحلف الناتو بزعامة أميركا، وبالأخص لمدى جدارة أميركا بقيادة العالم الغربي وحلف الناتو.

 

 

فقد تصادم في مجرى الأزمة الأوكرانية خطان، هما: الخط الروسي الذي نجح في إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع الوطن الأم روسيا، عبر استفتاء شعبي، بحيث تحركت المناطق الأوكرانية الشرقية ذات الأكثرية السكانية الروسية والمؤيدة لروسيا للمطالبة هي أيضاً بالانضمام إلى روسيا من طريق الاستفتاء الديموقراطي، مما يضع العالم الغربي المنادي بالديموقراطية أمام تحدٍّ كبير، كما نجح الخط الروسي في وضع مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في خانة المستحيلات.

 

 

في المقابل، وقف الخط الغربي- الناتوي عاجزاً عن فرض سياسته على أوكرانيا وفيها، وعن الوقوف في وجه الخط الروسي، وعاجزاً بالأخص عن أن يرفع يده بوجه روسيا، كما فعل سابقا في البلدان الأخرى التي شهدت الأزمات والحروب التي قام فيها الناتو بـ «نزهاته العسكرية».

 

 

فما السبب الذي جعل الناتو، الأكبر والأقوى والأغنى والأكثر تسليحاً أضعافاً مضاعفة من روسيا، يقف عاجزاً أمامها؟

 

 

هناك أسباب جيوستراتيجية نقف عند أهمها كما تراها غالبية المحللين الموضوعيين:

 

 

1- بعد إعلان الرئيس الأوكراني الشرعي المخلوع يانوكوفيتش، في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الامتناع عن توقيع اتفاقية «الشراكة» مع الاتحاد الأوروبي وتحويل أوكرانيا إلى معبر لإغراق روسيا بالسلع الأوروبية، بسبب سياسة «الأبواب المفتوحة» التي كانت روسيا تطبقها تجاه كل ما يأتي من أوكرانيا، تحركت المعارضة الأوكرانية الموالية للغرب لإسقاط يانوكوفيتش، الذي اضطر إلى الاتفاق مع المعارضة على تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لكن أميركا لم تكن راضية عن هذا الاتفاق وكانت تميل إلى افتعال أحداث مسلحة تكون مبرراً للتدخل العسكري للناتو، الذي استنفر قواته في الدول المحيطة، فاستنفرت روسيا في المقابل قواتها وبدأت مناورات «روتينية» برية وجوية وبحرية، لكن أميركا، في العجلة من أمرها، استخدمت المجموعات الأوكرانية اليمينية المتطرفة (أبرزها «القطاع الأيمن» وما شابهَ مجموعات أسسها الغوستابو الألماني في الحرب العالمية الثانية) لتنفيذ الانقلاب المسلح على يانوكوفيتش، الذي فر إلى روسيا للحفاظ على حياته، وكانت هذه «غلطة الشاطر»، فقد نجحت أميركا نجاحاً باهراً في تحقيق الانقلاب، لكنها «نجحت» أكثر في استنفار الرعب من الفاشية في روسيا وفي أوروبا كلها، وهذا ما نتوقف عنده بشكل خاص.

 

 

2- أميركا «عالم آخر» غريب عن العالم القديم ومشاكله وقضاياه. والحرب العالمية الثانية، مثالاً، كانت «مشكلة خارجية» جزئية لأميركا، في حين أنها كانت «مشكلة داخلية» ومصيرية لأوروبا وروسيا. وإذ بلغت الخسائر البشرية لأميركا في تلك الحرب 500.000 نسمة، في حين بلغت خسائر بلد صغير كاليونان 520.000 نسمة، وخسائر يوغوسلافيا 1.700.000 نسمة. أما خسائر الاتحاد السوفياتي (وقلبه روسيا)، فبلغت بحسب مختلف التقديرات ما بين 26 و 28 مليون نسمة. ولم تسقط قنبلة واحدة على الأرض الأميركية، في حين أن روسيا وبلداناً أوروبية عديدة وقع فيها دمار هائل لم يسبق له مثيل، فليس هناك بيت أو عائلة في روسيا لم يسقط فيها ضحايا، ولهذا فإن عودة الفاشية لرفع رأسها، ليس بالنسبة إلى روسيا مسألة «تعددية سياسية» بل هي مسألة مصير قومي وحياة أو موت، ومن الطبيعي حينما ترى روسيا أن الناتو وأميركا يشجعان المنظمات الفاشية أن تستنفر قواتها المسلحة النووية وأن توجه صواريخها وغواصاتها وطائراتها لضرب قواعد الناتو وضرب جميع المدن الأميركية قبل أن تتعرض المدن الروسية للعدوان على الطريقة الهتلرية.

 

 

3- جميع قيادات الناتو مضطرة، في الحساب الأخير، لان تأخذ بالاعتبار ميول الشعوب الأوروبية، التي يدّعي الناتو تمثيلها والدفاع عنها. ولا شك في أنه أثناء الحرب الباردة كان هناك تيار قوي «معاد للشيوعية» في أوروبا. ولكن بعد زوال «الخطر الشيوعي»، فإن الشعوب الأوروبية قاطبة لا تكره الشعب الروسي بصفته كذلك، وهي لا تعادي روسيا كروسيا، كما تفعل القيادة الأميركية، بل العكس تماماً، فإن الشعوب الأوروبية تحترم الشعب الروسي وتكنّ له شعوراً عميقاً بالامتنان لأنه ضحى.

 

 

4- إن نظام العولمة الأميركية والتركيبة الصهيونية العالمية متلازمان تماماً، وهذه إحدى أسس ألفباء الجيوستراتيجيا الغربية في العالم المعاصر. ومن ثم، فإن السياسة الأميركية والصهيونية تتطابقان في كل شيء... إلا في الموقف من النازية والفاشية، فالصهيونية لا تستطيع الانفصال عن «اليهودي النمطي»، أي «الخامة البشرية» التي لا يمكن الصهيونية أن توجد من دونها. وبعد محرقة الحرب العالمية الثانية، فإن «اليهودي النمطي»، سواء كان يمينياً أو «يسارياً»، سياسياً- صهيونياً أو متعصباً دينياً، رجعياً متحجراً أو مابعد حداثي، «حربجياً» أو داعية «سلام»، يدرك تماما أنه إذا كان لا يزال على قيد الحياة حتى الآن، فذلك بفضل روسيا، وأنه لو انتصر هتلر على روسيا، لكان قرار الحزب النازي سنة 1941 بتطبيق «الحل النهائي» على اليهود أخذ طريقه إلى التنفيذ الكامل، ولما بقي يهودي واحد على وجه البسيطة. ومن ثم، فإن «اليهودي النمطي»، وبالتالي التركيبة الصهيونية تدعم السياسة الأميركية في كل شيء إلا في مسألة الوقوف مع النازية والفاشية ضد روسيا. وهذه هي «غلطة الشاطر» التي ارتكبتها أميركا في الأزمة الأوكرانية، والتي ستدفع ثمنها.

 

 

5- جميع مارشالات أميركا وأوروبا وحلف الناتو، يرتعدون سلفاً من فكرة أي مواجهة عسكرية شاملة مع روسيا، فهؤلاء العسكريون المحترفون لا يستطيعون مجاراة السياسيين الغربيين المبتذلين في «اللعب» بمسألة الحرب والسلم مع روسيا، لأنهم يعرفون من التاريخ العسكري أن روسيا لا تعرف الهزيمة، وأنها تنتصر ليس على أعدائها الضعفاء بل على أعدائها الأقوى منها، وهذا ما جرى لنابوليون، الذي أخذ معه إلى روسيا نصف مليون جندي كانوا زهرة شباب فرنسا، فلم يعد منهم سوى بضعة آلاف، وهذا ما جرى لهتلر، الذي ذهب لاحتلال موسكو فلم ينجح، بل احتل الجيش الأحمر برلين.

 

 

6- العقيدة العسكرية لروسيا الحالية تقوم على حتمية الانتصار، وفي هذا يقول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو: «إن روسيا لديها أسلحة لا يوجد مثيل لها عند أي طرف آخر في العالم، ومن الصعب اللحاق بها». ويقول نائب رئيس الوزراء ديمتري روغوزين: «في حال أي عدوان على روسيا سنرد بضربة نووية شاملة، وأي معتد أو مجموعة معتدين عليهم أن يختبروا نتائج الضربة النووية». ويقول الرئيس فلاديمير بوتين: «إن الجيش والأسطول الروسيين عليهما ان يوجها الضربة إلى أي هدف كان، على الأرض وفي الفضاء الكوني في الوقت ذاته». كلام خطير يعني أن الأميركيين، ومنذ عهد الرئيس السابق رونالد ريغان، «تحدثوا!» عن حرب النجوم، لكن الروس يمكن أن «يفعلوها!».

 

 

 

 

 

 

* كاتب لبناني مقيم في صوفيا

 

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,101,940

عدد الزوار: 6,752,787

المتواجدون الآن: 102