الاخوان المسلمين في مصر: المواجهة أو الاندماج؟

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الثاني 2008 - 8:17 ص    عدد الزيارات 1805    التعليقات 0

        

شكل نجاح جماعة الاخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر-ديسمبر 2005 صدمة قوية للنظام السياسى المصرى. وجاء رد النظام على شكل ممارسات قمعية ضد الجماعة وتضييق على منافسيه السياسييين، كما تراجع النظام عن مسار الاصلاح الذي كان قد بدأه على استحياء. وكلها تصرفات تعد قصيرة النظر إلى حد كبير. وهناك مع ذلك مبررات للقلق بشأن البرنامج السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، حيث لم تقدم الجماعة إلى الشعب أي ايضاحات بشأن عدد من جوانب ذلك البرنامج. وقد زاد رفض الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم تخفيف قبضته على الحكم من التوتر القائم في وقت يحيط فيه الغموض بمستقبل الخلافة على الحكم ويتزايد فيه السخط السياسى والاقتصادي. وبرغم أن الاصلاح هو مهمة يرجح أن تكون ممتدة وتدريجية، إلا أن النظام كان ينبغي أن يتخذ خطوات مبدئية على طريق تطبيع مشاركة الاخوان المسلمين في الحياة السياسية.
لم يحدث أن اعترض النظام على الانشطة الاجتماعية التي يمارسها الإخوان المسلمون، ولكن مشاركتهم فى الحياة السياسية الرسمية ما زالت ترزح تحت قيود عديدة. برغم هذا تمكنت الجماعة من حصد 20 فى المائة من المقاعد البرلمانية فى انتخابات 2005، مع العلم بأنها لم تتقدم بمرشحين إلا في ثلث الدوائر الانتخابية فحسب، وقد وضعت الحكومة في طريقها عراقيل كان من ضمنها تدخلات من جهة الشرطة وعمليات تزوير. أكد هذا الانتصار على وضع الاخوان بصفتهم قوة سياسية شديدة التنظيم ولها قاعدة جماهيرية لا يستهان بها، كما اظهر ضعف كل من الحزب الحاكم والمعارضة الرسمية. وقد يكون النظام قد امل في ان تؤدي زيادة بسيطة في التمثيل البرلماني للإخوان إلى تأجيج مخاوف الأوساط السياسية من سيطرة الاسلاميين على الحكم، مما يعطيه ذريعة مناسبة للإبطاء فى الاصلاحات. ولو صح هذا الافتراض فإن الرياح لم تأت بما تشتهيه السفن.
قام النظام منذ انتخابات 2005 بسلسلة من الاجراءات القانونية والأمنية تستهدف تقييد حركة الاخوان المسلمين. لقد حدّ من قدرتهم على المشاركة في اي انتخابات لاحقة وووضع قيودا على حركتهم داخل البرلمان والقى القبض على آلاف من مؤيديهم، كما أجرى محاكمات عسكرية لقادتهم وكبار مموليهم. وفي الوقت نفسه قام النظام بتعديل الدستور لكي يدعم الحظر القائم على مشاركة الاخوان المسلمين فى السياسة ويمهد لاصدار قوانين صارمة اخرى لو تم الغاء قانون الطوارىء. ومع أن هذا المنهج اضعف قدرة الجماعة على تحقيق مكاسب انتخابية اكبر، فإنه لم يقلل من شرعيتها أو ينتقص من دورها السياسي على المدى البعيد. مع هذا، فمثل تلك الاجراءات نالت من سلامة الحياة السياسية والبرلمانية وأكدت على احتكار الحزب الوطني للسلطة بشكل شبه كامل، كما سببت ضررا جسيما للمعارضة المشروعة وغير الاسلامية.
فى الجهة المقابلة، غيرت جماعة الاخوان المسلمين من اسلوبها فى العمل. وهي الأن تستخدم تواجدها الكبير فى البرلمان لكي تتصدى للحكومة وتؤكد على كونها قوة اساسية تعمل في خدمة قضايا الاصلاح السياسي. وفي خطوة غير مسبوقة، وبرغم القمع الذي يمارسه ضدها النظام، فإن الجماعة تنوي المشاركة في انتخابات مجلس الشورى والمحليات والاتحادات المحلية. وفى 2007، اعلنت الجماعة رسميا وللمرة الأولى رغبتها في تشكيل حزب سياسي قانوني، وهي خطوة قد تمهد للفصل بين الجناحين الديني والسياسي للاخوان وتفسح بهذا الطريق للبدء في عملية الاندماج السلمي لاحدى القوى السياسية الهامة في مصر.
تعاني الجماعة حاليا من الحظر ولكنها تستطيع تقديم مرشحين مستقلين، وهو وضع يستفيد منه الجميع بدرجة ما. فالاخوان يمكنهم البقاء على الساحة بفضل نشاطهم الثقافي والاجتماعي وما زالت لديهم القدرة على المناورة السياسية. والنظام ما زال مستمرا فى ممارسة الضغوط ووضع العراقيل على ممارسة الاخوان الرسمية. أما المعارضة المشروعة فهي تواجه منافسين أقل. ولكن هناك ثمن حقيقي لكل هذا: فهناك خلط بين الخطاب الديني للجماعة وانشطتها السياسية – يقول البعض أنه سر نجاح الجماعة. وليس في مقدور الدولة فرض رقابة فعالة على الجماعة بصفتها منظمة سياسية. وأيضا فهناك ضرر بالغ للحياة الديمقراطية. وكان من الأفضل كثيرا أن يقوم النظام بادماج الاخوان المسلمين أو حزب سياسي تابع لهم في الساحة السياسية، حيث أن مثل هذه الخطوة كانت ستفسح المجال أمام المنافسة السياسية الفعالة.
ولا يسلم الاخوان المسلمين من اللوم، برغم أنهم بذلوا جهدا كبيرا في توضيح رؤيتهم، وبرغم أنهم التزموا بالقواعد الديمقراطية السياسية إلى حد كبير ، حيث أقروا مبدأ المواطنة وتدوير السلطة وتعدد الاحزاب. الواقع أن هناك اسئلة هامة ما زالت تبحث عن اجابة. فالكثير من تصريحات الجماعة تتميز بالغموض، وبعضها – مثل برنامجهم السياسى الأخير – يحمل في طياته توجهات غير ديمقراطية وغير ليبرالية. وينطبق هذا بشكل خاص على وضع المرأة والأقليات الدينية. فالاخوان لا يرون مثلا أن من حق النساء أو الاقليات الترشح لمنصب الرئاسة. هناك إذن الكثير من التوضيحات التي يتعين على الاخوان تقديمها. كما سيكون من المفيد للجماعة أن تتبع القواعد الديمقراطية بداخل صفوفها، حتى يصبح في مقدور الجناح البراغماتي بداخلها القول بأن اعادة صياغة مفاهيم الجماعة هو الثمن الذي تدفعه من اجل دمجها فى العملية السياسية.
الطريق إلى الدمج لن يكون سهلا. والأسباب التى تجعله ذلك الدمج ضروريا – توتر الأوضاع الاجتماعية والسياسية واقتراب مرحلة تغيير السلطة – هي ذاتها التى تزيد من صعوبة تقبل النظام لهذا الدمج. وليس من المحتمل أن يتم الاعتراف بحزب تابع للاخوان والرئيس مبارك ما زال في السلطة، بل الأرجح أن يتأجل هذا الأمر إلى ما بعد التغيير الرئاسي. مع هذا فلا يلزم أن تبقى الأمور كما هي الآن، فالتغيير هو امر لازم. وعلى كل من النظام والاخوان المسلمين البدء في حوار واتخاذ خطوات مبدئية تمهد إلى تطبيع الأوضاع. لا ينكر أحد أن للاخوان المسلمين من القوة والشعبية ما يجعل تحقيق الاستقرار والديمقراطية صعبا بدون دمجهم فى العملية السياسية بشكل ما. والدمج ليس هدفا في حد ذاته، بل خطوة ضرورية لتحقيق انفتاح سياسي، وهو الأمر الذي قد يفيد أيضا قوى المعارضة العلمانية.
التوصيات:
بالنسبة للحكومة المصرية:
1. افساح المجال لمشاركة الاخوان المسلمين بشكل منظم في الحياة السياسية، وهو ما يتطلب:
‌أ. ايقاف الاعتقالات العشوائية للاخوان المسلمين بدعوى عضويتهم في جماعة محظورة واطلاق سراح كل الاخوان المعتقلين حاليا لهذا السبب فحسب؛
‌ب. توضيح أو اعادة النظر في المادة 5 من الدستور، بشكلها المعدل فى 2007، وذلك بهدف وضع ضوابط لتكوين حزب سياسي ذي مرجعية دينية؛
‌ج. اعادة النظر في القوانين الخاصة بالاحزاب السياسية والهيئات المنفذة لتلك القوانين، مثل لجنة الاحزاب السياسية فى مجلس الشورى، من أجل السماح بتكوين احزاب جديدة، بما في ذلك الاحزاب ذات الخلفية الدينية، في اطار التزام أوسع نطاقا بالتعددية السياسية؛
‌د. بدء حوار مع قيادة الاخوان حول تلك المسائل، مع التركيز على توضيح الخطوات المتبادلة التي يجب على الجماعة اتخاذها لكي يمكن دمجها قانونيا فى الحياة السياسية.
2. الغاء قانون الطوارىء والسماح بالحوار العام والتدقيق البرلماني بخصوص أي قانون مقترح لمكافحة الارهاب.
3. جعل تنظيم مشاركة الاخوان في الحياة السياسية جانبا من عملية أوسع للاصلاح السياسي، وذلك بهدف استعادة الثقة فى العملية الانتخابية وفتح مجال المشاركة السياسية لكل القوى السياسية السلمية.
بالنسبة لجماعة الاخوان:
4. الدخول في حوار مع كل من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وذلك من خلال:
‌أ. الاتصال بالمسؤولين والعناصر الاصلاحية فى الحزب الوطني لمناقشة الشروط اللازمة لاتمام دمج الجماعة سلميا في العملية السياسية؛
‌ب. التحاور مع الأحزاب والحركات العلمانية المعارضة بهدف التوصل إلى تفاهم مشترك بخصوص افضل السبل لدمج الجماعة في الحياة السياسية وأيضا بخصوص الموضوعات المتعلقة بالاصلاح السياسي؛
‌ج. الدخول في حوار صريح مع ممثلي المجتمع القبطي بشأن العلاقات الطائفية وموقف الاخوان من الأقليات الدينية؛
‌د. تقديم الدعم الصريح والشامل للاصلاح السياسي، بدلا من السعي لعقد اتفاق ثنائي بين الجماعة والحكم؛
‌ه. الحرص على أن تكون المواقف التوافقية التي يتم التوصل إليها قد نوقشت داخل الجماعة على نحو ديمقراطي، تلافيا لتضارب الرؤى بين الأعضاء.
5. اقرار وتعديل البرنامج السياسي للجماعة بشكله النهائي، على نحو يتضمن:
‌أ. تعديل موقف الجماعة بخصوص دور المرأة وغير المسلمين فى الحياة العامة؛
‌ب. الاستمرار في الاستماع لآراء شريحة عريضة من الأعضاء وغير الأعضاء فى الجماعة؛
‌ج. توضيح العلاقة بين الجماعة والحزب السياسي المرتبط بها مستقبلا.

القاهرة/بروكسل، حزيران/ يونيو 2008

 

 

للإطلاع على الدراسة اضغط هنا

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,220,196

عدد الزوار: 6,940,996

المتواجدون الآن: 124