الحكم فى فلسطين I: غزة تحت سيطرة حماس

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الثاني 2008 - 7:40 ص    عدد الزيارات 2118    التعليقات 0

        

تقرير الشرق الأوسط رقم 73 – 19 آذار/ مارس 2008

لقد ثبت أن سياسة عزل حماس وفرض العقوبات على غزة سياسة مفلسة وقد أدت إلى عكس النتائج المرجوة في كافة المجالات، حيث تصاعد العنف الذى يضر بالفلسطنيين والاسرئيلين معاً، وأصبحت الأوضاع الإقتصادية فى القطاع مأساوية، بما يولد الغضب واليأس، وأضرت هذه السياسة بمصداقية الرئيس الفلسطينى محمود عباس وغيره من العناصرالبراجماتية. وفى الوقت الذي تتعثر فيه عملية السلام، تتعزز قبضة حماس على قطاع غزة – وهو عكس الهدف الرئيسى لسياسة العزل تلك.
ويقوم الآن عدد من الفاعلين الرئيسيين بإعادة تقييم الخيارات المطروحة أمامهم نظراً لادراكهم بعدم امكانية استمرار الوضع الراهن على المدى الطويل. فتقوم إسرائيل بدراسة خيارات عسكرية أكثر دموية انطلاقاً من قلقها من تنامى الترسانة العسكرية لدى حماس. لكنها تبحث بحذر – مع جهات آخرى – خيار أكثر حكمة يتضمن وقف متبادل لاطلاق النار، وتعاون دولي لمنع تهريب الأسلحة، وفتح المعابر المؤدية لقطاع غزة. هذا الخيار يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف المعنية. إن مصير غزة ومستقبل عملية السلام على المحك.
ومنذ فرضت حماس سيطرتها الكاملة على غزة في يونيو 2007 تم تشديد العقوبات التى كانت قد تم فرضها بعد فوز الحركة الاسلامية فى انتخابات فى يناير 2006. وقامت اسرائيل بتقليص حركة المرور عبر الحدود، مشيرة إلى أنه من غير المعقول أن تقوم بتموين وتجهيز الكيان الذي يطلق حكامه صواريخ على مواطنيها. وفى محاولة لتقويض مكانة حماس ، ساهمت السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية في عزل غزة ومنع الحكومة من ممارسة عملها الطبيعى.  وبغض النظر عن بعض الاحتجاجات الضعيفة، فإن المجتمع الدولى– بما فى ذلك العالم العربى –  كان سلبياً فى أحسن الأحوال.
إن المنطق الذى يقف وراء هذه السياسة هو إثبات أن حماس لا تستطيع أن تفى بوعودها وبالتالى يجب أن تنحى جانباً، وكان الأمل أن تتحول الضفة الغربية – بفضل النمو الاقتصادى، والتخفيف من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية، وإعادة إحياء عملية السلام – إلى نموذج جذاب على عكس الوضع في غزة. لكن النظرية فشلت فى الحالتين.
كما يوضح عمل ميدانى واسع النطاق قامت به مجموعة الأزمات الدولية فى غزة، فإن الحركة الاسلامية اقتربت من تحقيق احتكار فعال لاستخدام القوة وللنشاط السياسى المعلن. فقد أعادت تشكيل النظم القانونية والتشريعية، وأصبحت تتمتع بحرية أكبر فى إعادة تشكيل المجتمع من خلال إدارة قطاعات الصحة، والتعليم، والشئون الدينية.
إن هؤلاء الذين كانوا يسعون إلى تقويض حماس قد قدموا لها يد العون.  فالذين يؤيدون سياسة العزل تلك يشيرون إلى أن الفلسطينيين في غزة ينقلبون ضد حماس،  ومما لاشك فيه أن هناك ضيقاً حقيقياً من الصعوبات الاقتصادية وغضب من سلوك الإسلاميين العنيف ومن تكتيكات حماس القاسية، ولجوءها للعنف، وكبحها لوسائل الإعلام والحريات، وهو الأمر الذي ولد استياء وخيبة أمل وخوف في صفوف الكثير ممن أدلوا بأصواتهم للإسلاميين. لكن هذا ليس إلا وجهاً واحداً للعملة. فالوجه الآخر للعزلة هو تمكن الإسلاميين من الحكم بدون عائق كبير. وعندما قامت السلطة الفلسطينية برئاسة عباس بمقاطعة أجهزة الأمن الجديدة والقضاء والقطاعات الحكومية الأخرى بالإضافة إلى تقليص الصلات الإدراية مع حكومة حماس فإنها خلقت فراغاً قامت حماس بملئه. وأدى الغياب الدولي لتقلص النفوذ الخارجي، وتسبب إغلاق المعابر فى انهيارالقطاع الخاص الذي يدين بالولاء تقليدياً للسلطة الفلسطينية. وكالعادة، فإن العقوبات الاقتصادية التى تهدف إلى إيذاء الحكام لم تؤذ إلا المحكومين. ووجدت حماس سبلاً لتمويل حكمها فى غزة، في حين أصبح الحصار ذريعة ممكنة لتبرير ممارساتها القاسية.  قد يكون الوضع في غزة مأسوياً، إلا أنه من وجهة نظر سيطرة حماس ليس وضعاً يدعو لليأس، فقد استطاعت أنظمة حكم أقل شعبية منها بكثير أن تستمر فى أحوال أكثر صعوبة من هذه.
من ناحية أخرى، إستطاعت حماس أن تسجل عدد من النجاحات. فقوات الأمن الجديدة التابعة لها استطاعت تدريجياً استعادة النظام، كما سيطر مسلحوها على استخدام السلاح وخفضت القيادات العشائرية القريبة منها الصراعات الدموية بين العشائر، وتم السيطرة على الأنشطة الاجرامية والعداءات بين العصابات بشكل ملحوظ.
والأسئلة الآن ليست جديدة، وهى: هل نظل نمارس الضعط على حماس على أمل تقويض حكمها مع المخاطرة بانفجار أوسع؟ أم يتم استخدام قوة عسكرية خارجية أكبر تكون مخاطرها أيضاً أكبر؟ أم نحاول تثبيت الوضع من خلال إشراك حركة حماس، ونقوم بفتح معابر غزة، والسعي للتوصل لوقف اطلاق النار وذلك مقابل إعطاء الاسلاميين اعتراف دولى أكبر؟ هناك منطق للخيارين الأولين، فأى خطوة فى إتجاه حماس وتخفيف العقوبات عليها من الممكن أن يرسخ مكانة الحركة فى غزة، كما يمكن أن تستغل حماس فترة وقف اطلاق النار لتعزيز قواتها.
لكن الحجج المضادة لا تزال أقوى. فالعقوبات والضغط العسكري زادتا من قوة قبضة حماس. فكون الحركة قد فقدت جزءاً من شعبيتها يوحي بأن السعي لإضعاف حماس من خلال الضغط على غزة قد نجح. إلا أن هذا النجاح لا معنى له، فخسارة حماس ليست بالضرورة مكسب لـ"فتح"؛ فأهالى غزة يلومون الاسلاميين لعدم قدرتهم على إنهاء الحصار، لكنهم أيضاً يلومون إسرائيل التي فرضته، والغرب لأنه دعمه ، و"فتح" لأنها أذعنت له. كما أن تزايد الحديث عن الخيار العسكرى يزيد من قوة عناصر حماس الأكثر تشدداً وتسلحاً، ويعزز من مكانة الحركة. ويعزز انتشار الفقر واليأس من جاذبية الجماعات الجهادية، خاصة بين أهالى غزة الذين لا يتجاوز عمر نصفهم 16 سنة.
لقد أثبتت حماس مهارتها في إعادة صياغة قواعد اللعبة من خلال صناديق الاقتراع، والرصاص، واختراق الحصار. وكلما اشتد الضغط على حماس كلما زادت حدة الصراع الفلسطينى-الفلسطينى، وكلما زاد ميل الاسلاميين لإفشال المفاوضات بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت. وقد أظهرت حماس بالفعل قدرتها على تعطيل محادثات السلام. فهل يمكن أن تستمر عملية السلام – أو ما بقي منها – طويلاً في حالة ما إذا تصاعدت أعمال العنف؟ إن تهديد فرص التسوية السياسية لا يأتي من حصول حماس على مكاسب، وإنما يأتي عندما تستنتج حماس أنه ليس لديها شئ لتخسره.
ولا يعني ذلك أن البديل سيكون سهلاً. فاسرائيل لديها دواعي مشروعة للقلق من كيفية استغلال حماس لوقف اطلاق النار، كما أن السلطة الفلسطينية تخشى أن تفقد مصداقيتها إذا غيرت مسارها، ولن تقبل حماس وقفاً للأعمال العدائية إذا استمرت معزولة واذا ظلت غزة تحت الحصار. وللتعامل مع هذه المصالح المتنافسة بنجاح يجب أن يتضمن وقف اطلاق النار التزام متبادل بوقف كل الهجمات من وضد غزة، وفتح المعابر لتخفيف معاناة الفلسطينيين فى غزة، وتعاون المجتمع الدولى فى جهود مراقبة فعالة لمنع التهريب من مصر إلى غزة.
إن الوضع الراهن لا يمكن استمراره. فإسرائيل لا تستطيع أن تقبل تهديد مواطنيها من جراء استمرار اطلاق الصواريخ، ولا يمكن لحماس أن تجلس مكتوفة الأيدى بينما تختنق غزة. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، يمكن تصور وقوع أسوأ السيناريوهات الممكنة: تصاعد إطلاق الصواريخ ضد البلدات والمدن الاسرائيلية، استئناف عمليات التفجير والهجمات داخل اسرائيل، تكثيف عمليات الغزو العسكرية الإسرئيلية والاغتيالات وعمليات الهجوم على المؤسسات الرئيسية، وانهيار عملية السلام، وفقدان القادة الفلسطينيين البراجماتيين لمصداقيتهم، بالاضافة لاحتمال انتقال الصراع إلى الضفة الغربية أو لبنان.
إلا أنه يوجد مخرج يجنبنا هذا السيناريو، وهو أمر يعتمد على ما إذا كانت "فتح" و"حماس" تستطيعان البدء فى عملية المصالحة الوطنية، وما إذا كان من الممكن الوصول إلى وقف اطلاق النار يرفع الحصار عن غزة ويسمح لسكان القطاع والاسرائيليين الموجودين بالقرب من الحدود أن يعيشوا حياة طبيعية، وما إذا كان المجتمع الدولى سيلعب – بعد طول انتظار – دوراً بناءاً في تشجيع الاطراف على تحقيق هذه الأهداف.
يحلل تقرير لاحق خاص بمجموعة الأزمات الدولية الوضع فى الضفة الغربية.
التوصيات
لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فى قطاع غزة، وحركة التحرير الفلسطينية (فتح)، ورئاسة السلطة الفلسطينية وحكومة "فياض":
1. التحضير لحوار يهدف لتحقيق المصالحة الوطنية مع اتخاذ اجراءات فورية لتخفيف التوتر وإعادة بناء الثقة، مثل:
‌أ. وقف جميع الحملات الاعلامية والتحريض المتبادل؛
‌ب. وقف المضايقات وعمليات احتجاز عناصر "فتح" فى قطاع غزة وعناصر "حماس" فى الضفة الغربية؛
‌ج. الاتفاق على إجراءات تهدف لاستعادة رموز الوحدة الفلسطينية فى غزة، بما فى ذلك إخلاء "حماس" لمقر الرئاسة ومقار السلطة الفلسطينية الأخرى.
2. لحين التوصل لاتفاق المصالحة الوطنية ، اتخاذ خطوات لتحسين الحكم فى غزة وتخفيف معاناة سكانها، بما فى ذلك:
‌أ. بالنسبة لحكومة حماس فى قطاع غزة:
i. تمكين المؤسسات العامة من العمل دون تدخل من قبل الفصائل والجماعات المسلحة ودون تمييز ضد موظفين الحكومة أو ضباط الشرطة الذين اشتركوا فى الاضرابات التى تلت استيلاء حماس على السلطة في يونيو 2007؛
ii. التمسك باستقلال القضاء، واعادة تعيين النواب العموميون الذين تم فصلهم أو منعهم من أداء وظائفهم، والالتزام بالاجراءات القانونية فى عمليات الاحتجاز والاعتقال والمحاكمة؛
iii. السيطرة على أنشطة المسلحين والمجموعات المسلحة، ومنعهم من التدخل فى شئون حياة الموطنين اليومية، ووقف التعدي على حرية التجمع وحرية التعبير وحرية ممارسة الأنشطة السياسية السلمية؛
iv. ضمان تقديم الخدمات العامة للمواطنين بشكل محايد.
‌ب. بالنسبة للسلطة الفلسطينية فى رام الله:
i. تشجيع موظفي السلطة الفلسطينية وغيرهم من العاملين بالقطاع العام بالعودة إلى وظائفهم، بما فى ذلك القضاة، والأطباء، والشرطة المدنية؛
ii. الحفاظ على – وعند الضرورة إعادة – دفع المرتبات لموظفى الحكومة وغيرهم من العاملين بالقطاع العام؛
iii. مواصلة دفع نفقات المرافق والخدمات الأساسية فى قطاع غزة؛
iv. الدفع من أجل – وتسهيل كلما كان ذلك ممكناً - فتح المعابر فى اطار الترتيبات المبينة أدناه.
إلى حكومة اسرائيل وحركة حماس:
3. الوقف الفورى ولمدة 15 يوم لكل الهجمات من قبل الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة ضد اسرائيل ولكل الهجمات الإسرائيلية ضد الفصائل الفلسطينية فى القطاع، لإعطاء الرئيس عباس و/أو الوسطاء المصريين فرصة للتفاوض على تفاهمات تؤدى لوقف مستديم لجميع الأعمال العدائية، يتضمن:
‌أ. التزام من جانب حماس بالامتناع عن الهجوم على أى هدف فى اسرائيل، وضمان امتثال الفصائل الاخرى، والتزام من جانب اسرائيل بالامتناع عن الهجوم على أى هدف داخل قطاع غزة؛
‌ب. التزام من جانب حماس بالتعاون في منع التهريب عبر حدود غزة؛
‌ج. تعزيز الجهود المصرية، بالتنسيق مع الجهات الاقليمية والدولية، لمنع التهريب؛
‌د. وجود مراقبين من طرف ثالث في غزة، بطول حدودها مع كل من إسرائيل ومصر، يتمتعون بتفويض للإشراف على احترام الأطراف لالتزاماتهم.
إلى حكومة اسرائيل، والحكومة المصرية، والسلطة الفلسطينية، وحركة حماس:
4. الاتفاق على ترتيبات تسمح بفتح مستمر ومنتظم لمعابر غزة مع اسرائيل ومصر، بما فى ذلك:
‌أ. كإجراءات فورية:
i. السماح بعبور سريع لمن هم فى حاجة إلى عناية صحية بالاضافة إلى الطلاب والتجار والأفراد الذين يعيشون فى دول ثالثة؛
ii. زيادة عدد أيام وساعات فتح المعابر الاسرائيلية أمام حركة البضائع، وتوسيع قائمة السلع المسموح بعبورها، وإعادة مستوى إمدادات الوقود والطاقة إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2007 ، والسماح بتصدير السلع التجارية الفلسطينية؛
iii. قبول وجود طرف ثالث، مثل موظفي الأمم المتحدة أو متعاقدين من القطاع الخاص، للمساعدة فى إدارة المعابر والتواصل غير المباشر بين اسرائيل وحماس.
‌ب. كحل على المدى الأبعد:
i. الاتفاق على إعادة سلطات الحدود الفلسطينية إلى معابر غزة وفقاً للقواعد القائمة؛
ii. الاتفاق على إعادة قوات السلطة الفلسطينية إلى داخل المعابر وفى محيطها القريب، مع إعادة نشر قوات حماس على مسافة من الحدود، بالتنسيق فيما بين الجانبين؛
iii. الاتفاق على استئناف عمليات بعثة الاتحاد الاوروبى للمساعدة الحدودية (EUBAM) بدون تدخلات؛
iv. السماح باستخدام العائدات المحصلة عند المعابر فى تمويل النفقات العامة لغزة مثل المرافق، وصيانة البنية التحتية، وتكاليف تشغيل مؤسسات مثل المستشفيات والمدارس والوزارات.
إلى أعضاء اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبى، الاتحاد الروسى، الأمم المتحدة)، مصر، وأعضاء جامعة الدول العربية:
5. التبني الواضح لهدف التأثير على سلوك حماس وليس السعي لإقصائها.
6. تحديد احتياجات غزة وزيادة المساعدات الاقتصادية لها.
7. الضغط على جميع الأطراف المعنية للوصول إلى اتفاق فيما يخص فتح المعابر ووقف اطلاق النار وتبادل الأسرى.
8. إقامة تواجد للجنة الرباعية فى غزة لمراقبة الوضع هناك، وضمان التوزيع النزيه والمحايد للمساعدات الدولية، وتعزيز الانتعاش الاقتصادى، والاشراف على فتح المعابر.
9. اعادة احياء الجهود العربية للوصول لمصالحة بين فتح وحماس، بما يتضمن ذلك – ضمن أشياء أخرى – إقرار المبادرة العربية للسلام ، تفويض رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض مع اسرائيل، دمج حماس والجهاد الاسلامى فى منظمة التحرير الفلسطينية بعد إصلاح الأخيرة، إصلاح قوات الأمن بحيث يتم دمج المقاتلين والقوات الفصائلية الأخرى فى قوة واحدة تكون أكثر اتحاداً وتماسكاً وانضباطاً.

غزة/القدس/بروكسل ، 19 مارس 2008

 

 

للإطلاع على الدراسة اضغط هنا

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,661,562

عدد الزوار: 6,907,338

المتواجدون الآن: 116