المسيحيون المشرقيون.. الأزمة ومشاريع الحل!

تاريخ الإضافة الخميس 29 تشرين الأول 2009 - 6:28 ص    عدد الزيارات 1306    التعليقات 0

        

بيار شلهوب ، الاثنين 26 تشرين الأول 2009
\"\"
   
\"\"
 

\"\"

\"\"

من اصل حوالي 300 مليون عربي في الشرق، كان هناك ما بين 12 الى 15 مليون مسيحي، غالبيتهم تعيش في مصر. ويتوقع إنخفاض هذا الرقم الى ما دون 5 ملايين نسمة.  وبعد أن كان عدد المسيحيين في لبنان (على سبيل المثال) يشكل حوالي 60% من مجمل السكان في الربع الأول من القرن الماضي، إنخفض إلى حدود الثلث تقريباً هذه الأيام.. 

وفي سوريا لا يشكل المسيحيون اليوم أكثر من 10 بالمئة من عدد السكان، وهم كانوا مطلع القرن الماضي حوالي ثلث السكان. وتتناقص أعداد المسيحيين في العراق بشكل مأساوي، حتى لم يبق منهم هناك من أكثر من بضعة آلاف فقط، وهم الذين كانوا يناهزون المليون نسمة. أما في فلسطين، مهد المسيحية الأول، فلم تعد  نسبتهم تتجاوز الـ 2%... لا أكثر.

وفي مصر، البلد العربي الذي كان مسيحيوه الأكثر عدداً من بين بلدان الشرق، فإن عددهم اليوم، وتبعا لأحدث الإحصاءات، لم يعد يشكل أكثر من 6% من مجموع السكان الذي يناطح الـ 85 مليون نسمة.

على ضوء هذه الإحصاءات التي لم تعد سراً، يبدو واضحاً أن وضع الأقليات المسيحية في الشرق قد تجاوز الخط  الأحمر، وهو يرسم علامات استفهام حول بقائهم  و"صمودهم في أوطانهم". فالنزيف المسيحي  المتواصل هجرات متلاحقة، وعمليات الاقتلاع  والترحيل القسرية، تنذر كلّها باحتمال اندثار هذه الأقليات عن خارطة  البلدان العربية المشرقية  في المستقبل المنظور.

\"\"

أمام هذا الواقع  يصبح مفهوماً تزايد المؤتمرات التي تُعقد حول هذا الموضوع، وتعدد عناوينها، مع تداعي هيئات مشرقية وعالمية لقراءة وضع هذه الأقليات المهددة وطرح مخارج انقاذية لها.  وفي هذا السياق يمكن قراءة أحد أبرز أسباب زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الأخيرة الى الفاتيكان لمقابلة البابا بنديكتوس السادس عشر، خصوصاً وقد رشحت معلومات تشير إلى أن وضع الأقليات في الشرق  كان محور اللقاءات بينهما، اضافة الى الشؤون الكنسية الأخرى. وكانت زيارة روما مناسبة اغتنمها الكرسي الرسولي ليدعو الى عقد سينودس خاص بالشرق الأوسط العام المقبل، على أن ينعقد في الفاتيكان بين 10 و 24 تشرين الأول 2010  تحت عنوان "مشاركة وشهادة"، وهو السينودس الأول الذي سيدعى اليه بطاركة الشرق الكاثوليك وبطاركة الكنائس المارونية والملكية والسريانية والكلدانية والآرامية، إضافة إلى بطريرك القدس للّاتين، كما سيحضره ممثلون عن الكنائس غير الكاثولكية وشخصيات من الديانة الإسلامية.

وكانت زيارة البابا الأخيرة الى الأراضي المقدسة في أيار الماضي قد ضاعفت من خشيته على الوجود المسيحي في مهد المسيح، بعد النزيف المسيحي الواضح للعيان والذي لم يبقِ إلا على عينات ضئيلة منهم، مرشحة هي الأخرى للإنقراض خلال العقود القليلة المقبلة. ويترافق هذا النزوح  مع موجة "أسلمة" تطال تسميات الأماكن التي كانت خاصة بالمسيحيين ("ساحة المهد" في بيت لحم مثلاً أصبح تسمّى "ساحة عمر"). مع الإشارة إلى أن مظاهر الأسلمة هذه تنسحب أيضا على مستويات حياتية أخرى تطال الثقافة واللغة والثياب.

من هنا يصبح مفهوماً ومطلوباً أيضاً حضّ البابا المسيحيين على البقاء في تلك المنطقة التي تشكل مهد الديانة المسيحية، والتمسك بها وعدم تخليهم عن حقوقهم فيها، داعيا المسؤولين السياسيين هناك من الجهة المقابلة الى صون الحريات، بما فيها حرية المعتقد، وتشجيع الأقليات على تعميق جذورهم ليتابعوا تأدية نصيبهم في مواصلة بناء النهضة  التي كانوا  في الأساس في طليعة أربابها الأوائل في بدايات القرن الماضي.

تعليقات عديدة مرحبة بدعوة البابا الى السينودس الخاص بالشرق الأوسط تناقلتها وسائل الإعلام، ومن المتوقع في هذا الشأن أن تستثمر التصريحات والتعليقات والتوصيات التي ستصدر عن المؤتمرات المزمع إنعقادها تحضيرا للسينودس، في برامج عمل حقيقية تتجاوز التصريحات والبيانات الرسمية وشبه الرسمية، بحيث تطمئن المسيحي الى وجوده في الشرق عموماً من جهة، وتشجعه من جهة ثانية على المشاركة الحية بفعالية في الحياة الاجتماعية والسياسية، كما كان شأنه في الماضي.

كذلك لا بد من تدبّر خطة دعم متكاملة لترسيخ الوجود المسيحي في الأرض التي عمرتها المسيحية منذ فجرها. تشجعه على البقاء في ارضه.  وهذا يستحيل اقراره ما لم تكن هناك رؤية وطنية شاملة تعتبر الوجود المسيحي من الثوابت الأساسية لمكونات المجتمع العربي.  وهذا ما ترى إليه محاور الندوات التي تتناول دراسة واقع المسيحيين في الشرق والتوصيات التي تخرج بها.
 
\"\"

هذ ه الرؤية البانورامية لتاريخية الوجود المسيحي في الشرق، شكلت مدخلا سببياً انطلق عبره المونسنيور رفيق خوري، الأستاذ في جامعة بيت لحم، ليتناول اوضاع المسيحيين في الشرق والمخاطر المهددة لوجودهم، وذلك في سلسلة محاضرات ألقاها في لبنان خلال زيارته الأخيرة إليه (بين 7 و13 أيلول الماضي)، معتبراً أن "التحدي الأكبر الذي يواجه مسيحيي الشرق هو التحدي الإيماني الذي عمل المسيحيون على مدى الأجيال للحفاظ عليه بقوة شهدائهم ورهبانهم وقديسهم".

وقد أعاد المونسنيور خوري تأريخ المفهوم الطائفي بمعناه السلبي، فردّه إلى "نظام الذمة" في الإسلام أولا، ثم "نظام الملة" إبان الحكم العثماني، هذا النظام الذي قسّم الإمبراطورية العثمانية الى طوائف، وكان له إنعكاس عميق على النموذج الكنسي بذاته، فجعله نموذجا طائفيا، وحوّل المسيحيين بالتالي من كنائس الى "طوائف". ولفظة "الطائفة" هي تعبير إجتماعي يرى إلى الكنيسة باعتبارها واقعا إجتماعيا، وبالتالي فإن مفهوم "الطائفية" يؤثر سلباً على العلاقة بالآخرين، ويعمل على زرع روح التباغض والعداء بين الفئات الطائفية المختلفة، في حين أن مفهوم الإيمان يقوم أساساً على التآخي والتوحيد.

لقد اشتهر مسيحيو الشرق بالمقدرة الفائقة على التكيف في المجتمعات التي عاشوا فيها، بحيث كانت لهم مشاركات وازنة في بناء ثقافاتها وبلورة نهضتها. وخير دليل على ذلك دور المسيحيين المشرقيين عموماً في بناء النهضة العربية، حيث كان منهم أعلام ساهموا بجدارة في  حفظ لغة الضاد أمام موجة التتريك التي بلغت ذروتها تحت النير العثماني، وساهموا في بناء عصر النهضة بعد "عصر الإنحطاط"،  وبرزوا في طليعة رواد القومية العربية.

إلا أن حال المسيحيين لم يظل على حاله، بل شهد تغيرات دراماتيكية ولا سيما في العقود الأخيرة حيث تنامت مشاعر العداء ضدهم على إيقاع الحروب التي اجتاحت ولا تزال في بلاد المسلمين في الشرق، منذ نكبة فلسطين وصولاً إلى مآسي العراق وأفغانستان. وقد طفت على سطح الحدث الحربي تنظيمات مسلحة إدعت الهوية الإسلامية، ووُصفت بالإرهابية، نادت برفض الآخر وتكفيره وإهدار دمه، وطال أذاها ولا يزال الكثيرين من المسلمين، إضافة إلى جمهور المسيحيين عموماً، والذين تعرضوا إلى "عمليات انتقامية تحت زعم ميولهم إلى أميركا والغرب، أجّجها العداء العقائدي والأيديولوجي والتاريخي الكامن في الشرق العربي الإسلامي لأميركا والغرب"،  وذلك كما يشير سليمان يوسف يوسف في مقال له حول "حقوق الأقليات وحق تقرير المصير".

\"\"

لكن المسؤولية عن هجرة المسيحيين من الشرق ليست محصورة بتقصير شركائهم في المواطنية من المسلمين في مساندتهم واحتضانهم أمام الإعتداءات التي تنزل بهم، ولا هي بلوى النظام السياسي القاصر، بل هي مسؤولية يشاركهم بها المسيحيون المشرقيون أنفسهم بمقدار ما.  وهذا ما رشح ونما إلينا من  كلمات ألقيت في أحد اجتماعات البطاركة الكاثوليك في لبنان مؤخراً. فقد انتقد بعض البطاركة الأجلاء واقع أن المسيحي (اللبناني) لا يتملكه دائماً ذلك الإحساس الصارم بانتمائه إلى أرضه، على خلاف مواطنية المسلمين. واتخذ بعض المتحدثين مثالاً من "تصرف النازحين (المسلمين) في حرب تموز 2006 من الجنوب، ثم عودتهم إلى قراهم المدمرة في غضون ساعات بعد انتهاء الحرب، حيث أقام كثيرون منهم في العراء وتحت خيم نصبوها على عجل فوق أنقاض منازلهم، وذلك في تعبير حازم عن تمسّكهم بأرضهم".

والواقع أن هذه المقاربة من قبل الآباء البطاركة، والتوصيات الصادرة عن المؤتمرات المتابعة لمصير الأقليات المسيحية في الشرق عموماً، ستظل عاجزة عن تحقيق التغيير المطلوب، ما لم  يستعيد المسيحي نفسه إيمانه بأصله وبجذوره وإمكاناته، وبتمسكه بأرضه ووطنه. وخير ما يجب المناداة به في هذا السياق هو تكرار التوصية التي حملتها الرسالة الفاتيكانية الى مسيحيي لبنان تحديدا: "إعرفوا دونما سذاجة كيف تثقون بالآخرين... لا تخافوا ولا تستحوا أبدا عندما يجب أن تدافعوا عن حرياتكم، وبخاصة عن حرية القيم الإنجيلية التي تحيونها معا".

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,378,176

عدد الزوار: 6,889,635

المتواجدون الآن: 80