مسلخ الأسد المفتوح.. فرع صيدنايا .. تقرير امنستي

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 شباط 2017 - 6:01 ص    عدد الزيارات 1079    التعليقات 0

        

 

مسلخ الأسد المفتوح.. فرع صيدنايا
المستقبل..لندن ــــ مراد مراد... منصة تتويج من جماجم. يقف بشار الأسد في الأعلى. يرفع يده محتفلاً بالفوز.. إنجاز جديد له في بطولة العالم لسفك الدم، يؤهله لتبوؤ مرتبة متقدمة جداً في سجل الجزارين التاريخيين الذين أذهلوا العقول والضمائر بقدرتهم على القتل.. هذا ما يقوله الرسم التعبيري الذي نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية أمس. ما عاد بشار الأسد جزاراً عادياً، هو الذي حوّل سوريا الى «مسلخ» مفتوح له فروع كثيرة من سجون ومراكز أمن، تفوح منها روائح كريهة منذ ما قبل الثورة، التي أطلقها توق للحرية والكرامة فكان أن تحول السوريون الى «ضحايا بشرية».. مئات آلاف قتلى.. مئات آلاف جرحى.. وملايين شردوا وهجروا بعدما خسروا كل شيء. «المسلخ البشري» تعبير لم تجد «منظمة العفو الدولية» (امنستي انترناشونال) أدل منه عنواناً لتقرير يسرد بشهادات موثقة فظائع سجن أسدي واحد قُتل فيه لوحده 13 ألف معتقل منذ العام 2011. فقد أصدرت المنظمة الدولية أمس من مقرها الرئيسي في لندن تقريراً بعنوان «المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسوريا»، وفيه عرضت المنظمة ما توصل اليه محققوها وما جمعوه من شهادات سجناء وحراس سابقين في واحد من أوحش سجون النظام السوري. ولا أحد يمكن أن يقدم تعريفاً عن هذا السجن بصورة أفضل من حارس سابق عمل فيه يدعى أبو محمد الذي قال «صيدنايا هو نهاية الحياة - نهاية الإنسانية». إن سجن صيدنايا هو أحد الأماكن التي يذبح نظام بشار الأسد شعبه فيها، فأسبوعياً يتم اقتياد بين 20 إلى 50 شخصاً من زنزاناتهم الى قاعة علقت فيها عشرات المشانق حيث يتم شنقهم في منتصف ليل يوم الاثنين وأحياناً يوم الأربعاء أيضاً. ووفق أرقام منظمة العفو الدولية قتل نحو 13 ألف شخص سراً في سجن صيدنايا منذ عام 2011. وهذا الرقم يُضاف الى سجناء آخرين قضوا فيه تحت تعذيب مستمر ممنهج بعد حرمانهم الطعام والماء والأدوية والرعاية الطبية.  وتتنوع صنوف التعذيب من الضرب المبرح بالعصي والقضبان الحديدية والصعق بالكهرباء والحرق بالسجائر، الى وسائل التعذيب التقليدية في سجون البعث السوري كالدولاب وبساط الريح. وتتعرض النساء السجينات للاغتصاب أو التهديد به، وأحياناً كثيرة يتم ذلك أمام أقاربهن من زوج أو أخ أو أب. والعديد من السجناء الذكور يتعرضون هم أيضاً للاغتصاب أو يجبرون على اغتصاب بعضهم البعض، وإلا ينتهي بهم المطاف بنقلهم من زنزاناتهم المكتظة الضيقة في «المبنى الأحمر» الى «المبنى الأبيض» حيث غرف الإعدام والمشانق. ووسط التعذيب والتجويع، قد يحضر الطعام نادراً الى الزنزانة. ولكن الحارس يقدم الأطباق بعنف فينسكب ما بداخلها على أرض الزنزانة ويختلط بالدماء والقاذورات. وبرغم ذلك قد يضطر السجناء الجياع الى التهامه فينتهي الأمر بعدد منهم الى الإصابة بأمراض خطيرة تقضي عليهم. وانتشار الجرب أمر محتوم في صيدنايا الذي صمم خصيصاً لسجن الناس في مسلخ لا إنساني، مع انتشار الأمراض واستفحالها من جهة، وصنوف التعذيب والتجويع من جهة أخرى. يعتبر موت المساجين بصورة يومية في الزنزانات أمراً اعتيادياً، الى درجة أن الحراس ينادون من الخارج صباح كل يوم على كل زنزانة «كم العدد اليوم؟» أي عدد القتلى. التعذيب يتم غالباً في «مرحلة الترحيب» (كما يسمها حراس الأسد) بالسجين في السجن. ثم يُحال من ينجو من التجويع والأمراض والموت تحت التعذيب الى «محكمة الميدان العسكرية» حيث يُحاكم صورياً، وفي أغلب الحالات يُرسل الى حتفه بالإعدام شنقاً.  ويتم جمع جثث قتلى صيدنايا في شاحنات نقل الى مقابر جماعية في مواقع عسكرية. ووفق منظمة العفو الدولية «من غير المعقول أن تطبّق هذه الممارسات على نطاق واسع وبشكل منهجي من دون الحصول على اذن بها من أعلى المستويات في الحكومة السورية». وخصصت الصحف البريطانية الكبرى افتتاحياتها أمس لهذا التقرير. وعنونت صحيفة «التايمز» بالعريض على صفحتها الأولى: «الأسد يشنق الآلاف من معارضيه المعذبين». وأيضاً على الصفحة الأولى عنونت «الغارديان»: «نحو 13 ألف شخصا شنقوا سراً في سجن سوري». وعلقت نائبة مدير قسم البحوث في المكتب الإقليمي للمنظمة في بيروت لين معلوف على التقرير بالقول «تكشف الفظائع التي يوردها التقرير الحالي النقاب عن حملة وحشية خفية تجري بتفويض من الحكومة السورية على أعلى المستويات، وتهدف إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة في صفوف الشعب السوري». وأضافت «نطالب بأن توقف السلطات السورية فوراً الإعدامات خارج نطاق القضاء، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة المُرتكبة في صيدنايا، ومختلف السجون الحكومية في سوريا. ويتعين على حليفتي سوريا، روسيا وإيران، أن تضغطا من أجل وضع حد لسياسات الاحتجاز الدموية هذه». وتابعت معلوف «لا يجوز أن تتجاهل المحادثات السورية المزمعة في جنيف هذه النتائج. ويجب أن يشمل جدول الأعمال بند وقف الفظائع في سجون الحكومة السورية. ويتعين على الأمم المتحدة أن تجري فوراً تحقيقاً مستقلاً في الجرائم التي تُرتكب في صيدنايا، وأن تطالب بالسماح للمراقبين الدوليين بدخول جميع مراكز الاحتجاز». وهي شددت على وجوب «أن يصدر مجلس الأمن قراراً حازماً، ولا يجوز له أن يغض الطرف عن هذه الجرائم المروعة، ويتعين عليه أن يصدر قراراً يطالب فيه الحكومة السورية بفتح أبواب سجونها أمام المراقبين الدوليين. ويجب على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يطالب فوراً بفتح تحقيق مستقل في هذه المخالفات الجسيمة لأحكام القانون الدولي». واختتمت معلوف تعليقها قائلة إنه «لا يجوز السماح باستمرار قتل آلاف السجناء العزل بصورة وحشية داخل سجن صيدنايا، مع ما يرافق ذلك من برامج ممنهجة صُممت بعناية لإلحاق التعذيب البدني والنفسي بهم. ولا بد من جلب المسؤولين عن هذه الجرائم الوحشية للمثول أمام العدالة». وأكد الائتلاف الوطني المعارض دعمه لتوصيات التقرير، خصوصاًفي ما يتعلق بمطالبة المجموعة الدولية لدعم سوريا بالعمل على وقف الإعدامات، والسماح الفوري بدخول المراقبين الدوليين إلى أماكن الاحتجاز من دون أي عوائق، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي. ووضع الائتلاف الوطني هذا التقرير أمام مجلس الأمن الدولي مشدداً على ضرورة تحمل جميع الأعضاء مسؤولياتهم تجاه الجرائم المستمرة في السجون السورية والمناطق المحاصرة، بالإضافة إلى القتل المستمر برغم اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً ضرورة تحويل ملف التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما يضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، ووضع حد للإفلات من العقاب باعتبارها خطوات ضرورية لوقف دوامة العنف. ودعت فرنسا المجتمع الدولي إلى التحرك لمنع إفلات النظام السوري من العقاب، في تعليق على تقرير منظمة العفو الدولية عن سجن صيدنايا، وقالت الخارجية الفرنسية في بيان إن هذا التقرير يؤكد الفظاعات التي يرتكبها نظام الأسد في حق الشعب السوري من أجل البقاء في السلطة. وأكد البيان مواصلة عمل اللجنة الدولية المستقلة التي يقودها باولو بينايرو، إضافة إلى لجان التحقيق الدولية من أجل كشف حقيقة الانتهاكات في سوريا. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في باريس، إن هناك ما يكفي من الشهادات عما يتعرض له المدنيون في سوريا والعراق. كذلك غرد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في حسابه على تويتر تعليقاً على تقرير العفو الدولية بقوله إنه «مشمئز من تقارير أمنستي عن الإعدامات في سوريا.. الأسد مسؤول عن موت كثيرين، ولا مستقبل له كقائد للبلاد».
المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا
منظمة العفو الدولية - امنستي انترناشونال
كشف تقرير جديد مروع، من إعداد منظمة «العفو الدولية» (امنستي انترناشونال)، النقاب عن وجود حملة مدروسة تنفذها السلطات السورية على شكل إعدامات خارج نطاق القضاء، وتتم عن طريق عمليات شنق جماعية داخل سجن صيدنايا. فقد اقتيدت مجموعات من نحو 50 شخصاً (في كل مجموعة) من زنازينهم كي يتم إعدامهم شنقاً خلال الفترة ما بين 2011 و2015، وتكررت هذه العملية كل أسبوع، وبواقع مرتين في الأسبوع أحياناً. وتم شنق نحو 13000 شخص سراً في صيدنايا على مدار خمس سنوات، غالبيتهم من المدنيين الذين يُعتقد أنهم من معارضي الحكومة ويظهر التقرير المعنون «المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسوريا» أيضا أن الحكومة تتعمد خلق ظروف لا إنسانية للمحتجزين في سجن صيدنايا؛ عن طريق اللجوء المتكرر إلى تعذيبهم وحرمانهم من الحصول على الطعام والماء والدواء والرعاية الطبية. ويوثق التقرير كيف تسببت سياسات الإبادة هذه بمقتل أعداد كبيرة من المحتجزين. وجاءت هذه الممارسات التي تصل إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بتفويض من الحكومة السورية على أعلى المستويات. وتستند نتائج التقرير إلى تحقيقات مستفيضة أُجريت على مدار عام كامل بدأت في كانون الأول 2015، وانتهت في الشهر نفسه من العام التالي 2016. وتتضمن هذه التحقيقات إجراء مقابلات حية مع 84 شاهداً بينهم حراس وموظفون ومحتجزون سابقون في سجن صيدنايا، وقضاة ومحامون، إضافة الى خبراء محليين ودوليين في شؤون الاحتجاز في سوريا. ووفق تقرير سابق أصدرته في آب 2016، تعاونت منظمة العفو الدولة مع فريق المختصين في «مشروع علم العمارة الجنائية»، بجامعة غولدسميث، من أجل وضع نموذج افتراضي ثلاثي الأبعاد لسجن صيدنايا، فقدرت أن أكثر من 17 ألف شخص قد لقوا حتفهم في مختلف سجون سوريا منذ بدء الأزمة، في 2011، جراء الظروف غير الإنسانية، والتعذيب في الحجز. ولا يشمل هذا الرقم ما يُقدر بنحو 13 ألف حالة وفاة أخرى ناجمة عن الإعدامات خارج نطاق القضاء، والتي يكشف التقرير الحالي النقاب عنها.

حفلات التعذيب الترحيبية

تحدث سجناء سابقون عن دوامة لا تنتهي من التعذيب، سواء عند القبض عليهم أو عند ترحيلهم بين مراكز الاحتجاز. إن التعذيب جزء من «حفلة ترحيب» تسودها انتهاكات كثيرة عند الوصول إلى السجن. في بعض الحالات، يتعرض السجناء للتعذيب كل يوم من أجل «خرق» بسيط لقوانين السجن، بما في ذلك التحدث مع نزلاء آخرين أو عدم تنظيف زنازينهم. الكثير من السجناء الذين تحدثنا إليهم قالوا إنهم تعرضوا للضرب بخراطيم بلاستيكية، وقضبان مصنوعة من السيليكون، وعصي خشبية، والحرق بأعقاب السجائر. وأُجبِر آخرون على الوقوف في الماء وتلقي صدمات كهربائية. و عن الألم الذي يعصف بجسد من اختبر بعض صنوف التعذيب هذه، قال طالب تعرض لصعقات كهربائية: «كان الأمر وكأن جزءا من روحي قد مات...بعدئذ، لم أعد أشعر بالفرح كما لم أعد أضحك». وبعض التقنيات المستخدمة في التعذيب شائعة جداً إذ يُنادى كل واحد منهم باسم مستعار. ويُربط في لوح قابل للطي يسمى «بساط الريح» ووجهه نحو الأعلى، ثم يحرك كل جزء من اللوح باتجاه الجزء الاخر. وضمن التقنيات «الدولاب» حيث يُرغم المعتقلون على الجلوس على إطار عجلة وجباههم باتجاه الأرض نحو ركبهم أو كاحلهم ثم يضربون. وقد تعرض رجال ونساء إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي. كما تلقت نساء تهديدات بالاغتصاب أمام أقاربهن بهدف «انتزاع» اعترافات منهن.

ظروف لا إنسانية

يعاني المعتقلون مشكلات عقلية حادة بسبب الاكتظاظ وعدم التعرض لأشعة الشمس بشكل كاف. وفي بعض الحالات، أخبرنا المعتقلون أنه يمكن أن يُحشر أكثر من 50 شخصاً في زنزانة صغيرة مساحتها 3 أمتار على 3 أمتار. ولا يتلقون سوى عناية طبية محدودة أو لا يتلقون أي عناية طبية على الإطلاق. ونتيجة لذلك، يموت السجناء بسبب مشكلات طبية يمكن علاجها تماماً. وفي وصف الاكتظاظ في مركز الاعتقال قال معتقل سابق: «عندما جلبوني إلى المكان، لم أتمكن من رؤية الناس من حولي بل رأيت ديداناً، كانت تتلوى وتختلط مع بعضها بعضاً. لم أكن قادراً على الوقوف على قدميّ الاثنتين لأنه ليس هناك متسع كاف للوقوف». هذا الرعب المطلق يهدف إلى كسر إرادة الشخص المحتجز وتدمير روحه. وقد تعرض الناجون لصدمات نفسية وكسور جسدية. إنهم يحتاجون، في الغالب، إلى دعم طبي مكثف ومساندة عاطفية لإعادة بناء حياتهم. وعبر أستاذ جامعي، في أواخر الخمسينيات من عمره، لدى وصفه تأثير الحبس الانفرادي في حلب بالقول: «كنت قاب قوسين من فقدان عقلي». وفي معظم الحالات، تنفي الحكومة السورية أن تكون أجهزة الأمن قد اعتقلت هؤلاء الأشخاص. أو ترفض إعطاء أي معلومات بشأن أماكن احتجاز المعتقلين. وهذا يعني أن العديد من المحتجزين تعرضوا «للإخفاء» خارج نطاق حماية القانون، الأمر الذي يجعلهم بصورة خاصة عرضة للانتهاكات.

دور محكمة الميدان العسكرية

لا يحظى أحد من المحتجزين المحكوم عليهم بالإعدام شنقاً في صيدنايا بما يمت للمحاكمات المعهودة بصلة من قريب أو بعيد. ويخضع المحتجزون قبل إعدامهم لإجراءات قضائية صورية لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة أو اثنتين، أمام ما يُعرف بمحكمة الميدان العسكرية. وتتصف هذه الإجراءات بأنها من الإيجاز والتعسف بحيث يستحيل معهما أن يتم اعتبارها كإجراءات قضائية معتادة. وساعدت إفادات موظفين وحراس وقضاة ومحتجزين سابقين منظمة العفو الدولية على رسم تفاصيل صورة الإجراءات التي تشبه المهزلة، وتنتهي بإعدام المحتجزين شنقاً. وأخبر قاض سابق في محكمة الميدان العسكرية منظمة العفو الدولية أن هذه «المحكمة» تعمل خارج نطاق قواعد وأصول النظام القانوني السوري. وقال القاضي السابق: «يسأل القاضي عن اسم المحتجز، وعما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا. وسوف تتم إدانة المحتجز بصرف النظر عن إجابته. فهذه المحكمة لا علاقة لها بسيادة القانون، بل إنها ليست محكمة في المقام الأول». وتستند الإدانات الصادرة عن هذه المحكمة المزعومة إلى اعترافات كاذبة انتُزعت تحت التعذيب. ولا يُسمح للمحتجزين بالاتصال مع محام، أو الدفاع عن أنفسهم، ناهيك عن تعرض معظمهم للاختفاء القسري، واحتجازهم سرا بمعزل عن العالم الخارجي. ولا يعلم هؤلاء المحكومون بالإعدام عن مصيرهم شيئا إلا قبل دقائق قليلة من موعد تنفيذ الحكم شنقاً. فقبيل الحكم عليهم بالإعدام، يواجه الضحايا، ما تسميه السلطات السورية، «بالمحاكمة» في محكمة الميدان العسكرية. وفي الواقع، هذا اجراء يتم تنفيذه لمدة دقيقة أو دقيقتين، داخل مكتب وأمام ضابط عسكري، حيث يتم فعلياً تسجيل اسم المعتقل في سجل المحكومين عليهم بالإعدام. وفي يوم تنفيذ عملية الإعدام، والذي يصفه حراس السجن بالـ«حفلة»، يتم اقتياد المحكوم عليهم بالإعدام من زنازينهم في فترة ما بعد الظهر. وتقوم السلطات بإبلاغ المعتقلين بأنهم سينقلون الى سجون مدنية، التي يعتقد كثيرون أنها تتمتع بظروف أفضل. ولكن، بدلاً من ذلك يُنقلون الى غرفة تقع في طابق سفلي من المبنى، حيث يتعرضون للضرب المبرح. وقد وصف حارس سجن سابق كيف كان يتعرض المعتقلون الى الضرب المبرح خلال ساعات الليل قبل اقتيادهم الى «غرفة الإعدام». وفي هذا السياق قال حارس سابق في صيدنايا انشق عن نظام الأسد: «يُسمح لأي عنصر بضربهم، إلى حين وصول الضابط. كنا نعلم مسبقاً أنهم سيموتون في أي حال، لذا كنا نفعل ما بوسعنا من أجل ايذائهم».

عمليات شنق جماعية

تُنفذ عمليات الشنق في صيدنايا مرة واحدة أو اثنتين أسبوعياً، وعادة ما يجري ذلك في منتصف ليل أيام الاثنين والأربعاء من كل أسبوع. ويُقال لمن تُتلى أسماؤهم أنه سوف يتم ترحيلهم إلى سجون مدنية داخل سوريا، ولكن يتم إيداعهم بدلا من ذلك في زنزانة تقع في قبو السجن، ويتعرضون للضرب المبرح داخلها. ويتم بعد ذلك نقلهم من «المبنى الأحمر» (المبنى الاساسي للسجن) إلى مبنى آخر هو «المبنى الأبيض» (حيث تتم عمليات الإعدام)، ويتم إعدامهم شنقاً. ويظلون طيلة مراحل هذه العملية معصوبي الأعين، ولا يعلمون أنهم على وشك الموت إلا عندما يُلف حبل المشنقة على أعناقهم. وقال قاض سابق شهد عمليات الشنق: «اعتادوا ترك أجسادهم متدلية من المشانق مدة 10 دقائق أو 15 دقيقة. ولا يموت البعض لأن وزنه خفيف، فوزن الأشخاص أصحاب الوزن الخفيف لا يكفي لقتلهم. فيقوم المساعد حينها بجذب أجسادهم إلى الأسفل فيكسر أعناقهم». وأفاد معتقلون، كانوا قد احتجزوا في طوابق فوق غرفة الإعدام، بأنهم كانوا يسمعون أحياناً الأصوات الصادرة من غرفة الإعدام عند حصول عمليات الشنق هذه. وقال «حامد» الذي كان ضابطاً في الجيش السوري وجرى اعتقاله في 2011: «لو وضعت أذنيك على أرضية الزنزانة لسمعت صوت يشبه الغرغرة، وكان الصوت يستمر مدة 10 دقائق... لقد كنا ننام فوق أناس يختنقون حتى الموت. وكان ذلك أمراً طبيعيا بالنسبة إلي حينها». وقد تشهد الليلة الواحدة شنق 50 شخصاً في بعض الأحيان، ويتم نقل جثثهم بالشاحنات كي يتم دفنها سراً في قبور جماعية على اراض عسكرية خارج دمشق. ولا تحصل عائلاتهم على أية معلومات تتعلق بهم. وتم توسيع مساحة غرفة الاعدام في صيدنايا بعد شهر حزيران 2012، من أجل تنفيذ حكم الإعدام بأكبر عدد من الأشخاص دفعة واحدة. وتُعلق المشانق على طول الحائط. ويدخل الضحايا الى الغرفة معصوبي العينين، غير مدركين بأنهم على وشك أن يُقتلوا. ومن ثم يُطلب منهم وضع بصماتهم على إفادات توثّق وفاتهم. وأخيراً، يتم اقتيادهم، معصوبي العينين، إلى منصات إسمنتية، ويُشنقون. ولا يعلمون متى وكيف سيُشنقون، إلى أن يوضع حبل المشنقة حول أعناقهم. وحتى اليوم، لا يزال المعتقلون يُنقلون الى صيدنايا، وتستمر «المحاكمات» في المحكمة الميدانية العسكرية والقابون. لذلك، لا يوجد أي سبب يدفعنا للاعتقاد أن الاعدامات قد توقّفت.

سياسة الإبادة

أورد الناجون من سجن صيدنايا إفادات مخيفة وصادمة عن طبيعة الحياة داخل ذلك السجن. واستذكروا عالماً صُمم بعناية من أجل إذلال العالقين داخله، وإهانتهم وإمراضهم وتجويعهم، ومن ثم قتلهم في نهاية المطاف. وأدت هذه الروايات المروعة بمنظمة العفو الدولية إلى الاستنتاج بأن المعاناة، والظروف المروعة السائدة في صيدنايا، قد طُبقت عمداً بحق المحتجزين ضمن سياق سياسة قوامها الإبادة.
وقال الكثير من السجناء أنهم تعرضوا للاغتصاب، أو أنهم أُجبروا على اغتصاب سجناء آخرين في بعض الحالات. ويُستخدم التعذيب والضرب كشكل منتظم من أشكال العقاب والإهانة، وبما يفضي في الغالب إلى التسبب بإصابات أو عاهات مستديمة، أو الوفاة. وتغطي الدماء وقشور الجرب المتساقطة من جروح السجناء أرضية الزنازين، ويقوم حراس السجن بجمع جثث المحتجزين في حوالي الساعة 9 من صباح كل يوم. وقال «نادر»، الذي سبق وأن كان محتجزاً في سجن صيدنايا: «يتوفى شخصان أو ثلاثة يومياً في عنبرنا. واذكر أن الحارس اعتاد أن ينادي مستفسراً عن عدد الوفيات صباح كل يوم: غرفة رقم 1: كم واحدا؟ وغرفة رقم 2: كم واحدا؟ وهكذا دواليك. وحدث ذات مرة أن دخل الحراس غرفنا واحدة تلو الأخرى، وانهالوا علينا ضربا مستهدفين مناطق الصدر والرأس والعنق، وتوفي 13 شخصاً من عنبرنا في ذلك اليوم». ويتم بشكل منتظم قطع إمدادات الطعام والماء، وعندما يتم جلب الطعام، يُدفع بطريقة تتسبب بانسكابه على أرضية الزنزانة ليختلط مع الدماء والقاذورات. وأما القلة القليلة التي تغادر صيدنايا على قيد الحياة، فيخسر أصحابها أكثر من نصف وزن أجسامهم، مقارنة بما كانوا قبل اعتقالهم. وتُطبق في صيدنايا مجموعة من «القواعد الخاصة» به دون غيره من السجون. ولا يُسمح للسجناء بإحداث أي صوت، أو الكلام، أو حتى التهامس فيما بينهم. ويُجبرون على اتخاذ وضعية معينة بمجرد دخول الحراس إلى الزنازين، والموت هو عقوبة من يجرؤ على اختلاس نظرة إلى وجوههم. وبعد الاطلاع عن قرب على كل هذه المعاناة الإنسانية والمآسي، ينبغي للمجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، أن يتحرك بشكل فوري وعاجل كي يضع حداً لهذا العذاب.


 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,108,992

عدد الزوار: 6,935,134

المتواجدون الآن: 92