مقدونيا السلافية والألبانية تستكمل حلقات النفوذ الروسي في البلقان

تاريخ الإضافة الإثنين 6 شباط 2017 - 7:21 ص    عدد الزيارات 1090    التعليقات 0

        

 

مقدونيا السلافية والألبانية تستكمل حلقات النفوذ الروسي في البلقان
الحياة...محمد م. الأرناؤوط ... في الأسابيع الأخيرة شاع في الصحافة البلقانية تعبير «شحوب الاتحاد الأوروبي» نتيجة للخلافات الداخلية حول اللجوء الإنساني وبناء الأسوار وفورة الشعبوية، وصولاً إلى ظهور ترامب وردود فعل قادة الاتحاد الأوروبي على مواقفه وتصريحاته، وهو ما يعتبر فرصة لروسيا البوتينية لزعزعة الاتحاد واستعادة نفوذها السابق في دول أوروبا الشرقية، مع التركيز على دول البلقان. وبعد صربيا والامتداد الصربي في دول الجوار، جاء دور بلغاريا التي فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيها المرشح المؤيد لموسكو رومن راديف وتسلم الرئاسة في 22 كانون الثاني (يناير) المنصرم. وبين بلغاريا وصربيا خاصرة رخوة هي «جمهورية مقدونيا» التي اشتهرت منذ مطلع القرن العشرين باسم «برميل البارود» في البلقان.
تركة الماضي تثقل الحاضر
من بين الجمهوريات السبع التي انبثقت عن يوغسلافيا السابقة (سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة وصربيا وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا) واحدة فقط تحمل الإرث اليوغوسلافي في اسمها منذ استقلالها عام 1991 وتسعى إلى اسم آخر مقبول من الجيران والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث لا تزال في القيود تسمى «جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة» أو «فيروم» FYROM على سبيل الاختصار. وكانت اليونان اعترضت أولاً على اسمها باعتبار أنه من التراث اليوناني التاريخي، فوضعت فيتو على اعتراف الدول الأوروبية بها، وعلى قبولها في الأمم المتحدة، ثم انتهى الأمر إلى حل وسط : الاعتراف باستقلال هذه الدولة وقبولها في الأمم المتحدة عام 1993 باسم «موقت» (فيروم)، على أن تحصل مفاوضات بين اليونان والدولة الجديدة. ولكن بعد مضي ربع قرن لم يتم التوصل الى أي اتفاق، وهو ما أثر كثيراً على تقدم مقدونيا باتجاه بروكسيل (الاتحاد الأوروبي). ومن ناحية أخرى، أدت «المراوحة» مع تقدم الدول اليوغوسلافية السابقة باتجاه بروكسيل إلى حرمان «فيروم» من مساعدات الاتحاد، وتفاقم الوضع الاقتصادي وازدياد البطالة، حتى أن مقدونيا خسرت خمس سكانها خلال 1990-2010، الذين اضطروا للهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واستراليا بحثاً عن فرص للعمل والحياة. ولكن مشكلة هذه الدولة التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة لبنان وتحمل بعض سماته تكمن في المــوقـع والتنوع وتداخل الحدود مع أجــندات الدول المجاورة والاقليمية. فكمـــا أن لبــــنان ولد بهذه الحدود في 1920 نتيجة لواقع سياسي معين، فإن «جمهورية مقدونيا» ولدت بهذه الحــدود في 1945 مع ولادة جمهـورية يوغوسلافيا الفدرالية تحــت حكـــم الحزب الشيوعي، لتجمع تنوعاً غير منسجم من الناحـــية الاثنية والدينية والسياسية. ففي الشرق يغلب السلاف الأرثوذكس الذي كانوا يصنّفون ضمن «البلغار»، بينما في الغرب يغلب الألبان المسلمـون وما بينـهم من أقليات مثل الأتـــراك والصرب والغجر الخ. وكـــما أن «البلقـنــة» ارتبطت بمقدونيا فـي بداية القرن العشرين، فإن لبنان أفرز بدوره «اللبننة» في 1975. ومع انفجار الخلاف الأيديولوجي بين ستالين وتيتو في 1948 سعت القيادة اليوغسلافية إلى إبراز «القوميـــة المقدونية» في وجه بلغاريا التي اصطفت إلى جانب الاتحاد السوفياتي، وأعطتها الهيمنة على الدولة الجديدة باعتبارها «الدولة القـــومية» لـ «الأمة المقدونية» التي تمتد في اليونان وبلغاريا أيضاً. لكن هوية هذه الدولة تعرضت للتحدي بعد حرب 1999 وبروز كوسوفو ككيان آخر للألبان في البلقان، وبرزت في 2000 المعارضة المسلحة (جيش التحرير القومي) التي طالبت بالمساواة والمواطنة بين السلاف الارثوذكس والألبان المسلمين (25 في المئة)، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل بسرعة، خوفاً من اتساع النزاع المسلح إلى الدول المجاورة التي كانت لها أجندتها المختلفة إزاء هذه الدولة، والضغط بالقوة على الطرفين للتوقيع على «اتفاقية اوهريد» في آب (أغسطس) 2001 التي أدت إلى فتح الطريق إلى تعديلات دستورية وقانونية وأعراف جديدة تتضمن أن تكون الحكومة مؤلفة دوماً من أكبر حزبين فائزين لدى الطرفين في الانتخابات البرلمانية. في هذا السياق، كان من الأهمية بمكان اعتراف بلغاريا وألبانيا المجاورتين باستقلال الدولة في 1991، إنما مع فارق بينهما. فاعتراف ألبانيا (ثم لاحقا كوسوفو) كان يعني التخلي عن وهم «ألبانيا الكبرى» التي تضم في قلبها ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الغربية ذي الغالبية الألبانية، غير أن هذا لم يكن يعنى التخلي عن الألبان ومطالبتهم بحقوق المساواة والمواطنة. ومن ناحية أخرى، كان اعتراف بلغاريا باستقلال هذه الدولة باسم «فيروم» من دون أن يشمل هذا الاعتراف وجود «شعب مقدوني» على اعتبار أن السلاف في مقدونيا الشرقية هم جزء من بلغاريا التاريخية، بل أن صوفيا شجعت عشرات الآلاف من سكان الدولة الجديدة على الحصول على الجنسية البلغارية بعد أن أصبحت بلغاريا عضواً في الاتحاد الأوروبي عام 2007. في صيف 2006، فاز في الانتخابات البرلمانية رئيس «الحزب الديموقراطي للوحدة القومية المقدونية» اليميني الشاب نيكولا غرويفسكي، الذي لعب باستمرار على المشاعر القومية والخوف من الآخر والشعور بتهديد الهوية وفقدان السيطرة على «الدولة العميقة» ليضمن استمراره في الحكم عشر سنوات (2006-2016) بالتحالف مع «حزب الاندماج القومي» (الواجهة السياسية لـ«جيش التحرير القومي») برئاسة علي أحمدي . ولكن «السياسة القومية» لكلا الحزبين لم تعد تطعم خبزاً مع تفاقم الفساد لدى الطرفين وظهور فضيحة مئات الاتصالات الهاتفية لكبار المسؤولين، إذ تنصّتت عليهم جهة خارجية لتوفر للمعارضة اليسارية (حزب «الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي لمقدونيا» بقيادة زوران زائيف) مادة دسمة لتخرج لأول مرة جماهير غفيرة من الطرفين إلى الشارع تطالب باستقالة المسؤولين وبانتخابات مبكرة، وهو ما أرغم عليه غرويفسكي في 2016 فقبل بحكومة انتقالية وانتخابات مبكرة في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2016.
«بيضة القبّان»
كان اليسار يراهن على اجتذاب الألبان ليشكلّ معارضة مدنية واسعة تشـارك فيهــا كل المكوّنات الاثنية ضد القيادات التي تتلاعب بالشعارات القومية، سواء عند السلاف أو الألبان وترهب كل طرف آخـــر حتى تبقى في السلطة. وقد لاقت هذه المراهنة نجاحاً مقبولاً، حيث حصل الحزب الحاكم (مع سيطرته على «الدولة العميقة») على 51 مقعداً في البرلمان الجديد (من أصل 120) بينما حصل «حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي» على 49 مقعداً. ومع إعادة الانتخابات في دائرة واحدة في 25 كانون الأول المنصرم كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي يأمل في أخذ مقعد آخر لتكون النتيجة 50-50، لكن النتيجة بقيت كما هي.
كانت المفاجأة في الانتخابات كبيرة في الطرف الألباني. فقد تخلى كثير من الألبان عن «الحزب القومي» (حزب الاندماج الديموقراطي) ليصوتوا للحزب الاشتراكي الديموقراطي أو للحزب الجديد «بيسا» Besa، الذي برز فجأة بدعم سخي من الخارج (تركيا التي تحولت إلى لاعب إقليمي)، وحصل على خمسة مقاعد في البرلمان الجديد، بينما احتفظ «حزب الاندماج الديموقراطي» برئاسة علي أحمدي بعشرة مقاعد. ومع أن توزع أصوات الألبان إلى أحزاب عديدة أثر عليهم سلباً مع تراجع مقاعدهم في البرلمان من 29 إلى 20 مقعداً إلا أن الألبان بقوا «بيضة القبان»، لأن العرف منذ 2001 يقوم على أن الحكومة تتشكل من أكبر حزبين فائزين لدى الطرفين، أي من «الحزب الديموقراطي للوحدة القومية المقدونية» و«حزب الاندماج الديموقراطي». الجديد أن الأحزاب الألبانية اجتمعت تحت ضغط الشارع والجوار لتطرح مجموعة شروط على أي طرف يريد أن يشكل الحكومة: تعديلات دستورية ترسخ الاعتراف بالألبانية لغة رسمية في كل الدولة (حالياً هي كذلك فقط في البلديات التي تشمل غالبية ألبانية)، والتوصل إلى حل مقبول مع اليونان لتسريع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ومن الواضح أن هذه الشروط تستفز الاتجاه القومي عند السلاف، ولا تناسب روسيا بطبيعة الحال (طالما أنها تطالب بالانضمام الى حلف الأطلسي)، وصرح الرئيس جرجي ايفانوف عشية التئام البرلمان الجديد بأنه لن يسمح بأن تتحول «جمهورية مقدونيا» إلى «دولة متعددة القومية أو فيدرالية» (جريدة «داناس» 29/11/2016). ومع التئام البرلمان في 30/12/2016 قام الرئيس وفق الأصول بتكليف رئيس الحزب نيقولا غرويفسكي الذي فاز بأكثرية المقاعد تشكيل الحكومة الجديدة. كان غرويفسكي يحتاج تماماً إلى مقاعد «حزب الاندماج الديموقراطي» الألباني» (10 مقاعد) ليستمرا معاً في حكم البلاد. إلا أن «الشروط الألبانية» المذكورة جعلت المفاوضات بين الحزبين تفشل حتى اللحظة الأخيرة من الفترة المحددة للرئيس المكلف (ليلة السبت – الأحد 30/1/2017).
انتخابات لتجاوز الأزمة
ومع فشل غرويفسكي في تشكيل الحكومة سارع حزبه إلى قطع الطريق لتكليف رئيس التجمع اليساري زائيف، بالدعوة إلى انتخابات جديدة على اعتبار أن «الانتخابات الجديدة هي الحل لتجاوز الأزمة السياسية» و«أن كل حل آخر سيؤدي إلى نزاعات جديدة ومشكلات في المجتمع المنقسم أصلاً». إلا أن تردد الرئيس في تكليف زائيف، باعتباره رئيس الحزب الذي يمكن أن يمثل غالبية مريحة مع الألبان، فتح الطريق أمام الإشاعات والتوقعات. فمع فوز الرئيس البلغاري المؤيد لموسكو في الانتخابات لن يكون وارداً القبول بشروط الألبان التي تشمل خروج هذه الدولة من عزلتها الأوروبية مع الاتفاق مع اليونان على اسم جديد وتسريع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، وتحولها إلى دولة فدرالية بالمعنى اللغوي/ الثقافي. ولذلك هناك من يرى أن المخرج يكون بأن يقوم الرئيس بتكليف شخص آخر من «الحزب الديموقراطي للوحدة القومية المكدونية» (غير غرويفسكي) لتشكيل الحكومة، وهو ما يعني خروج غرويفسكي من الحياة السياسية، بعد أن حكم البلاد عشر سنوات متواصلة، وإرضاء الألبان بذلك لأنهم يعتبرون غرويفسكي وراء الكثير من المشكلات «المفبركة» في السنوات الأخيرة لإبقاء التوتر مستمراً بين السلاف والألبان. ولكن موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كان واضحاً: دعوة الرئيس إلى تكليف رئيس الحزب الثاني في البرلمان (زائيف) تشكيل الحكومة، لأن الدعوة إلى انتخابات جديدة ستكون عبئاً كبيراً على هذه الدولة المتعبة منذ استقلالها عن يوغوسلافيا السابقة والوحيدة التي بقيت تحمل الإرث اليوغوسلافي في اسمها «الموقت» المستمر منذ 1991. ومـع ذلك يـبدو أن الرئيس إيفانوف يتحصّن بالأيام العشرة التي يتمتـع بها «لأجل المشاورات مع القـــوى السياسية»، ولكن هذه الأيــام تبدو طويلة وقد تحمل مفاجآت جديدة.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,139,867

عدد الزوار: 6,756,487

المتواجدون الآن: 119