وادي بردى... النزوح أو الرضوخ

تاريخ الإضافة الجمعة 30 أيلول 2016 - 6:12 ص    عدد الزيارات 1361    التعليقات 0

        

 

وادي بردى... النزوح أو الرضوخ
الحياة...محمد فارس 
لم يعد سهلاً على أم إبراهيم (54 سنة)، أن تتحدث مع أولادها الأربعة اللاجئين في أوروبا. فنادراً ما تتوافر الكهرباء نهاراً حيث تقطن في قرية بوادي بردى. وحين تتوافر ليلاً، يستهدف قناصو الجيش السوري الحكومي و«حزب الله» اللبناني الرابضون على التلال المجاورة الأنوار وكل ما يتحرك. وعلى أم إبراهيم وكُنّتها أن تقفا على رواق منزلهما المشرف على جبل «النبي هابيل» لالتقاط إشارة الواي فاي من منزل الجيران. ولكن منذ أسابيع، قنص الجيش الحكومي جارهما، 33 سنة، حين كان يتصفح هاتفه الخلوي ليلاً على رواق منزله. وبعد وساطات اتّهم والد الشاب «إرهابيين بإصابة ابنه» حتى يُسمح بإدخاله للمستشفى. ونذرت أم إبراهيم أن تطعم الفقراء وتوقد الشموع عند مقام هابيل على أمل أن يُشفى جارها.
وكثيراً ما زار أهالي الوادي، وهم مسلمون سنة، مقام «النبي هابيل» قبل 2011 للتبرك. وتذكر أم إبراهيم أن جدتها كانت تصعد إلى المقام وتصلي عند «سيدنا هابين» (اللفظ المحلي الدارج لكلمة هابيل)، وتقدّم الطعام والمال وتوقد الشموع «تقرّباً إلى الله»، سائلة إياه أن يرد أقاربها الذين لم يعودوا من «السفر برلك»، أي التجنيد لصالح الحكومة العثمانية في حرب البلقان (1912-1913) والحرب العالمية الأولى (1914-1918). ويطل جبل «النبي هابيل» على قرى وادي بردى من ارتفاع 1100 متر عن سطح البحر. ويمكن الصعود إليه عبر خان ميسلون على طريق دمشق - بيروت.
وينذر الوضع الإنساني والأمني المتدهور في وادي بردى المحاصر، شمال غربي دمشق، بمصير مأسوي مشابه لمناطق أخرى محيطة بالعاصمة. ويخشى الأهالي من التهجير الذي يعمل عليه حزب الله والجيش الحكومي يومياً وفق إجراءات ممنهجة.
وتوفي شخص في دير قانون بعد إصابته بمتلازمة غيلان باريه (Guillain-Barré)، وهي اضطرابات تجعل جهاز المناعة يهاجم الجهاز العصبي، فيؤثر على الأعصاب والعضلات. وشهدت المنطقة خلال الشهرين الماضيين تسجيل 16 إصابة. ويحتاج المصاب على مدى عشرة أيام لحقنة يومية تكلف الواحدة 180,000 ليرة سورية (350 دولاراً أميركياً)، وهي تكلفة مرتفعة للأهالي.
وعلى رغم اتفاق كيري-لافروف في شأن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية مساء 12 أيلول (سبتمبر)، إلا أن الجيش الحكومي و«الحزب» مستمران في إفراغ المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بريف دمشق من سكانها.
ويقع وادي بردى شمال - غربي ريف دمشق وتتوزع قراه وبلداته على ضفتي نهر بردى، 84 كلم، والذي ينبع من سهل الزبداني، 45 كلم شمال غربي دمشق، ويصب في بحيرة العتيبة، إلى الشرق من العاصمة. ويسيطر الجيش الحكومي على خمس قرى في الوادي، بينما تقع ثلاث عشرة قرية أخرى تحت سيطرة المعارضة.
وخلال العصر الروماني ربطت قرية سوق وادي بردى (أبيلا Abila حينها) دمشق ببعلبك (هيليوبولس) والساحل. وترتبط المنطقة ذات الجذور الهلنستية بقصة قابيل الذي قتل أخاه هابيل في «العهد القديم»، ودفنه، وفقاً للموروث الشعبي، على جبل «النبي هابيل». إلا أن الضريح بني عام 1599 ويحجّ إليه المسلمون الشيعة. ومن المرجح أن كنيسة بيزنطية كانت مكانه، وأنها بنيت مكان معبد روماني. والأرجح أن الضريح لحاكم «أبيلا» ليسانياس Lysanias، وأن اسم «هابيل» تحريف عن «أبيلا».
انتصار الشمال... انكسار الجنوب
وكثّف «الحزب» والجيش حواجز التفتيش والقنص والقصف وعلى قرى وبلدات الوادي المحاصر منذ 2012 وهي: قدسيا، الهامة، بسّيمة، وعين الخضراء، وعين الفيجة، وإفرة، ودير مقرن، وكفير الزيت، ودير قانون، والحسينية، وكفر العواميد، وبرهليا، وسوق وادي بردى. وتمنع حواجز الجيش الحكومي الدخول والخروج من هذه المناطق بعد الخامسة عصراً تقريباً.
وأفرغ حزب الله قرية هْرِيْرة من سكانها بعد أن احتلّها في 22 تموز (يوليو) الماضي، وفجّر منازل عشرات المدنيين بذريعة أن «أصحابها دواعش»؛ أي منتمون لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهرب كثير من أهالي هْرِيْرة إلى الوادي وآخرون إلى دمشق وغيرهما كلٌّ بحسب استطاعته.
ويسعى الجيش و «الحزب» لعزل القلمون عن الوادي عبر السيطرة على قرية إفرة، شرق هريرة. وبحكم وعورة موقعها الجبلي شمال الوادي، كانت إفرة مقراً لداعش حتى شباط (فبراير) الماضي. وقام تحالف «جبهة النصرة» - «فتح الشام» حالياً - و «أحرار الشام» و«الجيش الحر» بطرد عناصر داعش من المنطقة؛ فألقى القبض على الكثير منهم فيما هرب آخرون إلى لبنان وفق مصادر موثوقة.
وسقط خلال الشهر الماضي عشرات المدنيين بين قتلى وجرحى في قصف قوات الحرس الجمهوري المنتشرة على المرتفعات الجنوبية للوادي التي تستملك الحكومة أغلبها منذ أوخر سبعينات القرن الماضي تحت ذرائع مختلفة.
وقالت سيدة من دير مقرن تحدثت إلى «الحياة» عبر سكايب إن الجيش و«الحزب» صعّدا القصف والقنص من جبال القِبلي والشَّرَفة والقاعدة الصاروخية في جبل هابيل جنوب وغرب الوادي أثناء معركة فك الحصار عن حلب والتي انطلقت بداية آب (أغسطس) الماضي. وأضافت أن هناك حظراً للتجول ليلاً فرضته عمليات القنص المستمرة والتي راح ضحيتها العشرات من أبناء الوادي. «كنا ندفع في الوادي ثمن تكبد جيش النظام خسائر في حلب،» تتابع السيدة. «لا يجرؤ اليوم أي شخص في ضيعتنا أو الضِياع المجاورة على الخروج من منزله بعد الساعة الثامنة مساء أو قبل السادسة صباحاً فالجيش يطلق النار على كل ما يتحرك».
فيما قال أبو مصطفى، مدرّس من دير قانون، إن عمليات القصف المدفعي والصاروخي تستهدف قرية إفرة التي هرب أغلب سكانها بينما يستهدف القنص الليلي الأفراد من دون تمييز بين صغير أو كبير. «الجيش يخشى تحرّكات الثوار ليلاً»، يقول المدرّس. «إلا أن منازل بعض المدنيين تلقّت طلقات قناصة من دون سبب معلوم».
وفي 18 أيلول (سبتمبر)، طلب حزب الله من ألفٍ من سكان مضايا، 8 كلم شمال الوادي، أن يُخلوا منازلهم «لضرورات أمنية». ويرى الأهالي أن ذلك يأتي في إطار التهجير والتغيير الديموغرافي الذي ينفذه «الحزب» لتأمين الشريط الحدودي ومخازن الأسلحة في الزبداني بإبعاد المعارضة المسلحة وحاضنتها الشعبية. وهجّر «الحزب» والنظام سكان القصير ويبرود والقلمون وداريا والمعضمية استناداً للهوية المذهبية، بينما لا يزالان يحاصران مضايا والزبداني بعد أن هجر سكان الزبداني الـ 60 ألفاً. وسيطاول المشروع على الأرجح مناطق التل والغوطة والوادي.
وفي آب (أغسطس) نشرت «سرايا النهروان» المعارضة تسجيلاً مصوّراً لاعترافات رامي المصري، أحد عناصر داعش في سوق وادي بردى، حول مشاركته في هجوم بسيارة مفخخة في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 على مسجد في البلدة ذهب ضحيته أكثر من 300 شخص. وقال المصري إنه بايع داعش حين بدأت العمل في الوادي عام 2014. واتهمت الحكومة «إرهابيين» بالتفجير. إلا أن تحقيقات نشرتها فصائل معارضة في شباط 2014 تُشير إلى وقوف «المقدم علي الشيخ علي من المخابرات» السورية خلف العملية، كما وتشير مصادر خاصة إلى محاولات لم تنجح للواء جميل حسن، رئيس إدارة المخابرات الجوية، بدفعه 100 مليون ليرة سورية (192,000 دولار أميركي) لـ«النصرة» مقابل إطلاق أحد المتهمين.
ولم تتمكن «الحياة» من الوصول إلى مصدر عسكري معتمد من المعارضة المسلحة في الوادي للتعليق على عدم قطعها - على غير العادة -مياه نبع عين الفيجة وعدم استهدافها أنبوب مياه نبع بردى بمنظومة نبع الفيجة المائية، بهدف الضغط على قوات النظام و«حزب الله» لوقف عملياتهما العدائية. ويزود نبعا بردى والفيجة العاصمة دمشق بأغلب حاجتها من مياه الشرب.
من هجر داره فهو «آمن»
وتزعم مصادر في الحكومة أنها تسعى إلى «المصالحة» وتجنيد مسلحي المعارضة في الوادي، وبخاصة آلاف المطلوبين لـ «خدمة العلم»، في ميليشيا «قوات الدفاع الوطني» التطوعية المساندة للجيش الحكومي وإبقائهم في الوادي من دون الحاجة إلى إدخال الجيش. إلا أن سيناريو «المصالحة» تكرر في مناطق كثيرة. فبعد إتمامها جرى إدخال كاميرات التلفزيون الحكومي مع دبابات «بغرض تصويرها فقط». إلا أن الدبابات بقيت في أماكنها وجرى إرسال مسلحي «الدفاع الوطني» إلى الجبهات في صفوف الجيش إلى مدن أخرى.
وقال أبو البراء، 26 سنة، المقاتل سابقاً في حركة «أحرار الشام»، والمقيم في تركيا، إن ممارسات الجيش الحكومي و«الحزب» في وادي بردى شبيهة بتلك التي مُورِست أثناء بدء تهجير سكان هْرِيْرة. «ولا شيء يمنع الجيش من أن يفتك بالناس، ومن أن يحرق بيوتنا أو يبيعها لسماسرة النظام، ويستملك ما تبقى من أراضينا».
ويتواصل السكان المحليون مع النظام من خلال وسطاء «لجان المصالحة الوطنية» الحكومية، حيث يقول هؤلاء إن جيش النظام قادم إلى الوادي لا محالة. ومن أراد أن يُقاوم، فمصيره «القتل» أو «التهجير» إلى الشمال السوري، أما من أراد أن «يُصالح ويسوّي وضعه» قانونياً، «فسيُساقُ غالباً إلى الخدمة العسكرية». ومن أراد أن يبقى، «فمن غير المعروف حالياً ماذا يمكن أن يفعل له النظام حتى ينزح».
ويلجأ بعض أهالي القرى المحاصرة إلى دمشق أو القرى التي تحت سيطرة الحكومة هرباً من بطش الجيش و«الحزب». واستقر أغلب هؤلاء في بلدة جديدة الشيباني، 10 كلم شمال غربي دمشق، كونها من أكثر القرى الآمنة.
واستملكت الحكومة أراضي شاسعة في جديدة الشيباني منذ سبعينات القرن الماضي وأقامت على أغلبها منشآت ومساكن للحرس الجمهوري تؤمن بسببها الخدمات للبلدة لكن بأسعار باهظة. وفي البلدة معسكر لاتحاد شبيبة الثورة، الرديف لحزب البعث الحاكم، وآخر للتدريب الجامعي، ونادٍ للرماية والفروسية وجميعها باسم باسل الأسد، شقيق الرئيس السوري والذي توفي عام 1994. كما يوجد في البلدة مطار شراعي قصفته إسرائيل في كانون الأول (ديسمبر) 2014.
وانتقلت أم إبراهيم وكُنّتها منذ أيام عدة إلى جديدة الشيباني واستأجرت غرفة بجوار ضريح «الشيخ الشيباني»، الذي تُنسب تسمية البلدة إليه. وهو، وفقاً للروايات الشعبية، أحد فقهاء المذهب الحنبلي الدمشقيين. وتجلس أم إبراهيم على درج غرفتها مرتدية نظارتها السميكة محرّكة هاتفها الخليوي في الهواء لتلتقط الواي فاي. وعلى رغم أنها لم تفِ بنذرها في شأن شفاء جارها المصاب، تتحدث اليوم عن نذرٍ جديد بأن تصعد جبل «النبي هابيل» حافية حين يعود أولادها من الغربة و«يُشفى كل مريض». «إن شاء الله يكونوا سامعين أحبابنا،» تغني باكية.
 

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,332,033

عدد الزوار: 6,886,780

المتواجدون الآن: 89