ملف الحرب على الارهاب

تاريخ الإضافة الأربعاء 20 تموز 2016 - 7:05 ص    عدد الزيارات 1243    التعليقات 0

        

 

الحرب المؤجّلة على الإرهاب
الحياة...نادية عيلبوني.. * كاتبة فلسطينية
هل تحتاج الحرب على الإرهاب فعلاً إلى هذه الجيوش والأساطيل، وإلى صرف مئات المليارات من الدولارات لتحقق الغرض منها؟ وماذا حقق الذين يخوضون الحرب التقليدية على تنظيم «داعش» الإرهابي من نجاحات يمكن البناء عليها والقول إن العالم قد تخلص من هذه الآفة التي تتهدده؟ هل «داعش» هو ذلك الجيش الذي يحتل أجزاءً من سورية والعراق؟ وهل سيتحقق القضاء على «داعش» بمجرد تحرير المناطق التي يحتلها من وجوده العسكري؟
هذه الأسئلة وغيرها، يثيرها ما تمخض، وما تتمخض عنه الحرب التي تقودها أكثر من قوة إقليمية ودولية ضد الإرهاب، فعلى رغم كل النجاحات العسكرية التي تتحقق في العراق، نلاحظ أن تنظيم «داعش» أصبح يطال العمق ويصل في عملياته الإرهابية مرحلة نوعية من حيث الأهداف الجديدة التي يضربها في أماكن حيوية على امتداد خريطة العالم.
يهزم جيش «داعش» وتنظف جيوبه العسكرية في الفلوجة، وفي أماكن أخرى من العراق، ليوجه ضربات قاسية ونوعية في دول أخرى، وفي أماكن حيوية مفترض أنها محصنة جيداً من الناحية الأمنية. تتقدم القوات العراقية لتحرر مواقع ومدناً عراقية جديدة، فيضرب إرهاب «داعش» وسط بغداد في عملية نوعية يذهب ضحاياها ما لا يقّل عن ٣٠٠ قتيل. تشن قوات التحالف غارات مكثفة على مواقع «داعش» في العراق وسورية، وتضرب خلاياه في بروكسل وباريس وتحقق أهدافها، فما معنى هذا كله؟
ربما كان من الصعب تصديق الاعتقاد الشائع الذي يروج لفكرة أن تنظيم «داعش» يتصرف على هذا النحو غير المسبوق من العنف «من حلاوة الروح»، أو تفسير هذه العمليات على أنها مؤشر إلى لفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة تراجعه العسكري في غير مكان، خصوصاً أن من يقومون بتلك العمليات الإرهابية النوعية التي ضربت أكثر من بلد، هم في كل الأحوال ليسوا من جنود «داعش» الموجودين على الأرض، سواء في أفغانستان أو العراق أو سورية، بل هم جــنـوده غير المرئـيين وغير المعروفين، والذين يستحيل التعامل معهم وفــقـاً لخــطط عسكريــة ميــدانيــة أو قصفهم بالطائرات، أو محاصرتهم بالوحدات العسكرية والجيوش.
جيش «داعش» الأساسي، كما تؤكد كل الوقائع، هو جيش غير مرئي للقوات العسكرية، وهو بالتأكيد سيبقى عصياً على الاكتشاف إذا ما اتبعت معه فقط العقلية الأمنية والعسكرية، ذلك أنه يحتاج الى عقلية أخرى يبدو أنها غير متوافرة لدى أولئك الذين يخوضون الحرب على الإرهاب.
ترى ألا يعني شيئاً لدعاة الحرب التقليدية على الإرهاب الحقيقة القائلة إنه مع كل هزيمة لـ «داعش» على أرض المعركة، يستقطب مريدين جدداً، ويستحوذ على متطوعين جدد؟ وهل تعني شيئاً لهؤلاء نتائج الدارسات التي تؤكد أن ٧٠ في المئة من المنضوين تحت راية «داعش» هم من أبناء الطبقات الميسورة والمتوسطة ومن المتعلمين.
لا نكشف سراً بات معروفاً للذين يتابعون الحرب على الإرهاب، ألا وهو تعامي كل هؤلاء المحاربين عن سر قوة الإرهابيين الحقيقية، والمستندة في الأساس إلى التعبئة الروحية والفكرية والأيديولوجية التي عمل ويعمل أصحابها ودعاتها منذ زمن طويل، من دون كلل أو ملل أو انقطاع، على نشرها في أوساط الشباب والشابات في كل أنحاء العالم، هذا الخطاب الأيديولوجي الذي باتت مفرداته ومرجعياته محددة ومعروفة، يبدو أنه مستثنى في هذه الحرب. فهل لدى من يقودون الحرب قوة فكرية موازية ومضادة، قادرة على تفكيك الخطاب الأيديولوجي الذي يتم الترويج له علناً وسراً ويستقطب يومياً شباباً مستعدين للموت، ويعتبرون الأرض وما عليها ومن عليها، داراً للفناء ينبغي كراهيتها ولفظها، وأن الحياة الحقيقية والمثالية هناك في فضاءات أخرى بعيدة من هذه الارض؟
حرب فكرية يجرؤ أصحابها على الخوض في النصوص التي ينشرها «داعش» وفقاً لرؤيته، باتت أكثر ضرورة ملحة، وهي السلاح الأنجع، إذا ما أراد العالم إحراز أي تقدم ملموس وحقيقي لاستئصال تلك الآفة التي باتت تهدّد وجوده وأمنه. لا بد من التقدم أكثر لخوض مواجهة من نوع آخر، مواجهة فكرية تستهدف تقويض كل الأسس والأيديولوجية التي فرخت هذا العدد الهائل من الإرهابيين، وهي مواجهة تحتاج أكثر ما تحتاج الى أصحاب الفكر والمعرفة، فهم عماد الجيش المؤهل أكثر من غيره لخوض المعركة الحقيقية على الإرهاب، ومن دون هذه المعركة، فلا أمل يرتجى من كل تلك الجيوش ومعاركها التي ثبت بالملموس فشلها.
الحرب العالمية ضد الإرهاب
الحياة..رندة تقي الدين 
هل أصبحنا في حرب عالمية مع الإرهاب المجنون والوحشي؟ لم يعد أي مكان في العالم آمناً من مجرمين مجانين يقتلون الأبرياء أينما كان. من سورية إلى العراق وتركيا ولبنان والسعودية والعالم الغربي بأسره وفرنسا وكارثة نيس حيث قتل مئة شخص بينهم أولاد وألمانيا والولايات المتحدة. كيف التعامل مع هذا الاجتياح الإرهابي المخيف الذي يضرب أينما كان ويتحجج بجهاد إسلامي؟ أي إرهاب هذا الذي يضرب أولاداً في نزهة على شاطئ البحر لمشاهدة ألعاب نارية؟ وما هي هذه «الدولة» التي تدعي أنها «إسلامية» وتجند مجرمين ومجانين حول العالم؟ هل تتحمل الشبكات الاجتماعية مسؤولية تجنيد المجرمين؟
إن الحرب ضد الإرهاب والائتلاف العالمي ضد «داعش» عاجز لسوء الحظ عن مكافحة هذه الظاهرة التي تضرب العالم وتُحدث مآسي مفجعة. فالقتال ضد «داعش» على الأرض في العراق وسورية غير كاف. هناك أيضاً على الحدود اللبنانية «داعش» ويبدو أن الائتلاف الدولي يغض النظر عن هذه المنطقة حيث يحتجز «داعش» جنوداً لبنانيين يقال إنهم أصبحوا في الرقة.
إن حرب الائتلاف الدولي ضد «داعش» في سورية والعراق تبدو غير كافية، لأن تجنيد الشبكة المجرمة مستمر أينما كان. ومجرم نيس قائد الشاحنة كان معروفاً بأنه شخص مؤذ عنيف لا علاقة له بالتدين. ولكن العثور على جهاز الكمبيوتر في منزله أظهر أنه كان يتابع ما يرتكبه «داعش» من جرائم وكان يضع صور الجثث على كمبيوتره، وفق مدعي الجمهورية الفرنسية الذي تولى التحقيق. إن هذا المجرم كان ملاحقاً بجرائم سرقة وعنف وغيرها لم تكن مصنفة إرهابية. لكن هل يجوز لمجرم مقيم في فرنسا لديه ملف قضائي سيئ أن يستأجر شاحنة؟ إذا أراد شخص أن يفتح حساباً مصرفياً في فرنسا أو يحول أموالاً فإنه يخضع اليوم لمئات الأسئلة الشخصية. فكيف يستأجر شخص ملاحق من قبل القضاء شاحنة من دون أي مشكلة؟ ثم إن حالة الطوارئ سارية منذ الهجوم الإرهابي في باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) والتجمعات ممنوعة خلال حالة الطوارئ، فكيف سمح لمدينة نيس بتنظيم ألعاب نارية في مثل هذه الظروف؟ وهل كانت هناك حواجز شرطة كافية في نيس لمنع الشاحنة المجنونة من السير نحو المشاة؟
لا شك في أنه كان هناك بعض الإخفاق في الاستخبارات والأمن. ولكن ينبغي الاعتراف انه لا يوجد هناك أمن مضمون مئة في المئة مع وجود مجرمين مستعدين للانتحار ولقتل مئات الأبرياء معهم. فكيف ننسى قائد الطائرة الألمانية الذي انتحر ومعه ركاب الطائرة الأبرياء في جبال الألب الفرنسية السنة الماضية؟ وكان هذا القائد يعاني من مرض نفسي وتبين أن الشركة الألمانية كانت تدرك ذلك. فهذا أيضاً من ضمن الإرهاب النفسي القاتل الذي يشبه الخلل في شخصية التونسي قائد شاحنة نيس القاتل، ولكن الفرق أن مجرم نيس كان يطمح إلى أن يكون بمثابة مجرمي «داعش»، فما العمل اليوم للتصدي لهذا الخطر الذي يهدد الجميع؟
أولاً على الدول ألا تستسلم وتستمر في معاقبة الإجرام، أي إجرام، سواء كان صغيراً أو كبيراً وتحسين قدرة الاستخبارات الداخلية على ملاحقة المجرمين والعمل على مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر الجريمة والإرهاب، كما ينبغي البقاء على يقظة وعدم تراجع جهود ضمان الأمن قدر المستطاع في الأماكن العامة ووسائل النقل والتجمعات، فبالتأكيد نحن أمام حرب عالمية من نوع جديد ينبغي درس معالمها المختلفة لبذل الجهود لمحاولة مقاومتها.
الخطر الإرهابي في فرنسا
عن «لو فيغارو» الفرنسية، 12/7/2016، إعداد م. ن.
ثمة احتمال أن يرفع إرهابيو «داعش» وتيرة ضرباتهم في فرنسا وأن يغيروا أسلوب هجماتهم. وهذه الفرضية القاتمة تعود الى باتريك كالفار، المدير العام في الأمن الداخلي الفرنسي، في جلسة استماع مغلقة في 24 أيار (مايو) المنصرم أمام المجلس الوطني. ودعت الى الجلسة لجنة التحـــقيق في تــــطوير وســـائل مـــــكافحة الإرهاب منذ كانون الثاني (يناير) 2015. ويقول كالفار إنه على قناعة بأن الإرهابيين سينتقلون الى مرحلة السيارات المفخخة والمتفجرات وان نفوذهم سيزيد. «هذا ما عرفته فرنسا بين 1986 و1995: طريقة عمل تقليدية. وفي نهاية الأمر سيرسلون كوماندوس (مغاوير) ويوكلون اليهم تنظيم حملات إرهابــية». ويحتاج الإرهابيون الى صانعي متفجرات وإرساء بنية لوجيستية. ويقتضي ذلك الاستقرار في الأراضي الفرنسية وحيازة معدات التفجير. وفي متناول الإرهابيين صناعة متفجرات حرفية من طريق شراء نيترات الأمونيوم.
وفي 1995، تفادت فرنسا أسوأ الكوارث حين أصاب عطل عداد توقيت انفجار القنبلة أمام المدرسة اليهودية في فيلوربان. وحينها، زرع الإرهابيون سيارة مفخخة على متنها مئات الكيلوغرامات من المتفجرات لتنفجر وقت خروج الأطفال من المدرسة. ولكنها انفجرت في وقت كانت المدرسة خالية، على خلاف ما سعى اليه الإرهابيون.
وشاغل كالفار منذ 1993 هو مكافحة الإرهاب. وهو يرجح أن يتمادى الإرهابيون في ضرب فرنسا واللجوء الى السيارات المفخخة والمتفجرات. وما جرى في بلجيكا مرده الى عجزهم عن شن عمليات كثيرة في وقت واحد. ولكن حين سيفلحون في تجنيد صانع متفجرات في فرنسا سيتفادون التضحية بمقاتليهم ويوقعون أكبر عدد من الأضرار والضحايا. ولم يترك الإرهابيون الإسلامويون بَعد مشروع التوسل بأسلحة مشعة أو كيماوية. «وفي السابق، أعد الأمن الداخلي الفرنسي مشاريع استخراج المواد المشعة من نفايات المستشفيات. ففي الإمكان جمع هذه المواد لصناعة قنبلة قذرة». وفي الماضي، أجرت «المجموعة الإسلامية المسلحة» الأبحاث حول مادة الريسين لإخافة الناس من طريق تلويث مقابض الأبواب والمركبات بهذه المادة ليقضي من تتلوث إيديهم بالمادة. و «الداعشيون حصلوا على مواد كيماوية من مخلفات جيش صدام حسين أو جيش بشار الأسد، ولن يترددوا في استعمالها». وإذا تسنى لهم استيراد الأسلحة الكيماوية، سيقدمون على هذه الخطوة. ومرد صعوبة هذه الخطوة الى خطر المواد هذه على جامعيها ومستخدميها.
ومصدر الخطر الأكبر هو مقاتلون تدربوا في سورية والعراق شأن أولئك الذين شنوا الهجوم في باتاكلان. فالعائدون من سورية والعراق سينفذون أكبر العمليات، وعددهم 400 الى 500 مقاتل. والتمييز بين الفرنسيين أو المقيمين في فرنسا لا يعتد به في مكافحة الإرهاب اليوم. فالخطر مصدره عامة فرنسيي اللسان (الفرنكوفونيين) من شمال أفريقيا وغيرها من المناطق. وفي إمكان آلاف التوانسة والمغربيين والجزائريين شن هجمات في الأراضي الفرنسية. وفي وسع من يتحدرون من عالم الجنح والجرائم شن عمليات بالغة العنف. ويراقب الأمن الداخلي الفرنسي ألفي مشتبه، بعضهم في سورية وبعضهم يرغب في السفر إليها. وتنظيم «داعش» يعد لعمليات على الأراضي الفرنسية. وفريقه مؤلف من محترفين: اسلاميون وبعثيون سابقون من نظام صدام حسين، على حد سواء. ومنفذو هجمات بروكسيل انتموا الى خلايا مغلقة غير ناشطة في الاراضي الفرنسية. وثمة خلايا مماثلة في فرنسا. وأعداد الأطفال الفرنسيين في سورية يفوق 400 طفل على الأقل اصطحبهم أهلهم الى هناك او انجبوهم في أرض «داعش» ولا يملكون أوراقاً ثبوتية. ومن شب هناك وصار في العاشرة من العمر أو اكثر هو بمثابة خطر متنقل. والمقاربة الأمنية لا تحتسب الجانب النفساني ومعاناة الأطفال. ومنذ بدء الأزمة السورية، حال الأمن الداخلي الفرنسي دون 15 هجوماً واعتقل 350 شخصاً.
سيرة «الداعشيين» الفرنسيين والتطرّف على الإنترنت
دافيد تومسون 
الحياة...* صحافي، صاحب «لي فرانسي جيهاديست (الفرنسيون الجهاديون)»، عن «نوفيكسيون» الفرنسي، 23/3/2016، إعداد منال نحاس
شبّ شطر راجح من الفرنسيين الذكور الذين أرسوا قطيعة مع الجمهورية الفرنسية، في الأحياء الشعبية الفرنسية. وعلى خلاف الشائع، ليست غالبيتهم من المهمّشين الذين يعيشون خارج متن الاجتماع الفرنسي. فعدد كبير منهم كان مندمجاً في الحياة العملية وأسّس أسرة، وحصل على راتب مجزٍ أعلى من المتوسط الوطني قبل أن يترك كل شيء لدواع دينية أو سياسية. ويتحدر شباب وشابات من الطبقات الوسطى أو من الأرياف على غرار شابة أدعوها كليمانس، وهي كانت كاثوليكية تواظب على الشعائر الدينية الى أن اعتنقت الإسلام إثر وقوعها على القرآن في مكتبة «فناك». ولا شك في أن غالبية الشباب الملتحق بـ «الجهاديين» تنتمي الى جيل واحد أو الى فئة عمرية بين السادسة عشرة والثلاثين عاماً. لكن «بطاقات» تعريفهم الاجتماعية بالغة التنوّع، شأن تنوّع هويات الملتحقين بالمجموعات الإسلامية في البوسنة أو أفغانستان. إنما على خلاف الأمس، ظاهرة الالتحاق بالجهاديين، اليوم، واسعة وكبيرة.
والجامع بين «الفرنسيين الجهاديين» وصفهم فصول حيواتهم السابقة بالجاهلية. فمنهم من كان يعمل في مجال الموسيقى، وكثر في موسيقى الراب تحديداً، وبعض آخر في الجيش أو مجرد موظفين عاديين، أو يعيشون حياة عائلية مستقرة وتقليدية. لكنهم يقولون إن حيواتهم كانت خارج التديّن قبل اعتناق الإسلام الديني وليس الثقافي فحسب. وفي المقابلات التي أجريتها مع مثل هؤلاء، يروي المتحدرون من بيئة مسلمة ثقافياً أنهم تلقوا في صغرهم تربية دينية معتدلة ولينة تتخفف من الفرائض. لكن المتحوّلين الى الإسلام يتحدرون غالباً من أسر كاثوليكية أو بروتستانتية تقبل على الشعائر الى حدّ ما. وأحد الذين قابلتهم يروي أنه اعتنق البوذية ثم الإسلام، وقابلتُ جهاديين يتحدرون من أسر يهودية أو كانوا ناشطين في اليمين المتطرف. ويقع المرء على جهاديين من كل المنابت الاجتماعية، لكن لا يجوز اعتبار أي شخص منهم عينة ممثلة للجهاديين كلهم. ويبدو أن التحول الى الإسلام «الجهادي» جواب قلق روحاني وجواب عن أسئلة مضمرة. وهذا المزج بين اكتشاف الديني أو العودة إليه هو المشترك بين الجهاديين كلهم من كليمانس الى أبو مصعب الزرقاوي. وسواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو بوذيين في فصول حياتهم السابقة، يجمع بينهم أنهم يشعرون بأنهم «متحولون الى» ومنتقلون من مرحلة سابقة (ما قبل) الى مرحلة لاحقة (ما بعد). وهذا الانتقال من مرحلة الى أخرى بنيوي: أخبرني جانح سابق يداه ملطختان بالدماء قبل «تحوّله»، أن ماضيه الإجرامي يثبت الحقيقة التي يعرفها اليوم. فهذا الماضي يقربه من «رفاق»... انتقلوا من العنف الزمني الى العنف الديني. وانضم هذا الشخص الى الشرطة الإسلامية، وأسرّ إلي ذات يوم أنه يشعر بالمتعة حين قتل الناس. فـ «الجهادية» أضفت مشروعية على عنفه، وسوغت نزوله على نزعاته القاتلة.
ولم تعد إحصاءات عن مستوى «الجهاديين» الفرنسيين التعليمي. لكن قلة ممن قابلتهم تابعت تحصيلاً علمياً جامعياً في الحقوق أو العلوم أو الأدب، وشطر راجح منهم توقّف عن التحصيل العلمي بعد المرحلة الثانوية أو البكالوريا المهنية. والشعور بالإحباط يجمعهم، والجهادية هي جسر انتقال «أنوات» غاضبة الى مرتبة بطل. وثمة جانب فردي في السعي الى البطولة. ومنهم من ينتمي الى أقلية ويرى أنه بلغ أقصى المتاح له في فرنسا كابن مهاجرين، على رغم أنه كان يعيش عيشاً كريماً، لكنه كان يشعر بأنه من غير كرامة. وبين المتحوّلين الى الإسلام فرنسيون من خارج البر الفرنسي وفرنسيون من أبناء هجرات جنوب صحراوية وبرتغالية وكورية وفيتنامية. والإحباط قد يكون دينياً. فثمة من اعتنق في مرحلة أولى الإسلام السلفي الهادئ، وشعر بأن العلمانية الفرنسية تحول دون «ممارسته» دينه.
ويساهم الفراغ «الأيديولوجي» المعاصر، أو غياب البُعد «التجاوزي» و «الماورائي» في الإقبال على البروباغندا الجهادية. ويتعذر على عدد من الشباب العيش في عالم زمني فحسب. وأحدهم روى لي أن الملل حمله على نشر فيديوات جهادية على صفحته الفايسبوكية، فانهالت عليه الـ «لايكس» (علامة الإعجاب)، فشعر بأنه مهم. ثم غادر الى سورية، ونشر من هناك صوره وهو يحمل كلاشنيكوف، فتلقى عشرات دعوات الزواج يومياً في وقت لم تكن في متناوله في فرنسا إقامة علاقات حميمة.
وحين بدأت كتابي الاستقصائي، كنتُ في تونس يوم كان حزب النهضة في السلطة. ولم يكن رهاب الإسلام وراء التحاق نحو 6 آلاف تونسي بـ «داعش» في سورية والعراق وليبيا. وفي عام واحد، وقع ما لم يكن في الحسبان: قصد التونسيون الذين كانوا يسعون الى بلوغ أوروبا عبر لامبيدوزا في 2011، سورية وحطوا الرحال فيها في 2012. وكأنهم نقلوا آمالهم من مثل خيالي لليسر والرفاه الى «جنة» أخرى. وهم شباب متنوع الألوان من أطباء، ومغنين ورياضيين وليس فحسب عاطلين من العمل من سيدي بوزيد. وأفلح تنظيما «القاعدة» و «داعش» في ترويج شكل جديد من الجامع العام. والصورة المتداولة عن الجهاديات مفادها أنهن خاضعات ومطيعات لأزواجهن من غير مبادرة. لكنني لاحظت خلاف ذلك. ففي بعض الأزواج، النساء هن أول من تطرف وحملن الزوج على اللحاق بهن. وبعضهن يؤيد الهجمات الانتحارية أكثر من أزواجهن. ويقول عدد منهن أن النقاب هو «تحرر»، فهن يرفضن نموذج المجتمع الفرنسي ونموذج المرأة المعاصرة.
وشطر راجح من «الجهاديين» يرمي الى قتال الديموقراطية والنموذج الفرنسي الذي يصفونه بـ «المعادي للإسلام». ويشي كلامهم بأنهم على يقين من المشاركة في لحظة تاريخية تحقّق يوتوبيا إسلامية، وأن العنف هو السبيل الى بناء «هذه الدولة» المثالية التي تحتكم الى تفسير حرفي للدين. فالحرب هي فرض ديني ووسيلة سياسية. وحين يقتلون يحسبون أنهم يقدمون على ما هو خيّر. وأفعالهم ترمي الى غاية. فهم «منطقيون» وليسوا مجانين ولم يذهب عقلهم، على رغم أن في صفوفهم بعض «الحالات النفسية» المرضية.
شباك «النت»
وكثر ينزلقون الى مثل هذه المعتقدات إثر تبدّد ثقتهم في وسائل الإعلام التقليدية والمؤسسات. وقبل اعتناق التطرف، يبدأ أمثال هؤلاء مسيرتهم ببحث فردي عن معنى الحياة وعن الحقيقة. ولذا، يلجأون الى شبكة الإنترنت. ففي هذه الشبكة تنتشر بروباغندا الجهاديين. ويقع الشباب على الأحاديث الدينية على الشبكة، وليس في الجوامع حيث يديرون لأئمتها آذاناً صماء. فهم يرون أن التفسير التاريخي للنصوص هو بدعة لا يعتد بها. وهذا المفهوم السياسيالديني «عقلاني» ومتماسك. فالجهاديون يحاربون الديموقراطية. ولا يعود الى الشعب سن القوانين. والى الشباب الباحث عن معنى فينزلق الى العنف الأيديولوجي، ثمة من يذهب الى سورية والعراق ليلتحق بصديق أو أخ، ثم يتعرف إلى الإسلاموية. وعامل الشلل هو عامل بارز في الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية، على غرار ما حصل في مدينة لونيل حيث انضمت مجموعة من الأصدقاء، الواحد تلو الآخر، الى «داعش». وتوقفت هذه الظاهرة حين «انتهاء» سبحة الأصدقاء، وسفرهم جميعاً الى الأراضي الداعشية.
وقبل عصر مواقع التواصل الاجتماعي، كانت البروباغندا الجهادية حكراً على دائرة سرية وضيّقة من الأشخاص، وكانت تبث في منتديات شبه مغلقة. وهذا شأن منتدى «أنصار الحق» الذي أدى دوراً بارزاً في ترجمة النصوص الجهادية الأيديولوجية التي كانت تخلو منها المكتبات الفرنسية المتطرفة. وصار المنتدى هذا مكتبة عامة جهادية مشرعة على من يشاء. وإثر إغلاقها، تتداول اليوم وثائقها بصيغة «بي دي أف» في فرنسا وسورية. وذيوع الجهادية على الإنترنت بدأ في 2012: حين بدأ فرنسيون ينشرون صورهم وهم يحملون السلاح على فايسبوك. وظهرت صفحة «وايك آب أمة» في 2010، لكنها لم تلق إقبالاً قبل أن يُذاع صيت صور «السلفي» الملتقطة في سورية. وساهمت الشبكات الاجتماعية في انتقال عدوى البروباغندا وذيوعها كما لو أنها فيروسات تبلغ بسرعة كبيرة أكبر عدد من الأشخاص. وصار يسيراً على من يرغب في الجهاد أن يذهب الى سورية وأن يحصل على معلومات من مقاتلي «داعش» في أرض «الخلافة» وهو في منزله الأوروبي. وصارت مواقع التواصل الاجتماعي في مثابة دليل المسافرين من الجهاديين المبتدئين. ومع تشديد «فايسبوك» القيود على المحتوى الجهادي، انتخب الجهاديون التواصل على «واتسآب» و «تيليغرام» وسيلة بروباغندا وتواصل.
ولا يحل الإنترنت محل التبشير البشري بالعقيدة الداعشية، بل يوسع نطاق التبشير. فعلى سبيل المثل، كان عمر أومسن لاعباً بارزاً في الدائرة الجهادية الفرنسية ونشر الدعوة المتطرفة في أحياء نيس الشعبية قبل أن يغادر الى سورية. ويعود الى نشاطه الدعوي تحوّل مدينة نيس الى أكبر منبت للجهاديين الفرنسيين المتوجهين الى سورية.
وتأخر إدراك الباحثين الجامعيين الفرنسيين والاستخبارات الفرنسية دور مواقع التواصل الاجتماعي الراجح في بث التطرف الى ربيع 2014. وقبل هذا التاريخ، لم ترصد حركة الجهاديين على هذه المواقع، وتفاجأ المتطرفون من قدرتهم على مغادرة البلاد من غير معوق. وسرت شائعة مفادها أن السلطات الفرنسية تغض النظر عن رحيلهم الى سورية لتتخلّص من مصادر الخطر. لكن بعد 2014، ضغطت الدول على وسائط التواصل الاجتماعي لحملها على مراقبة المحتوى.
والقول إن «الجهادية» في فرنسا هي ثمرة الطائفية أو «الجماعاتية» في غير محلّه. فالجامع بين الشباب الفرنسي «الجهادي» عيشه خارج الجماعة والطائفة، وتوقه الى جماعة أو شلة أخوية عالمية، ولو كانت هذه الجماعة نهباً للخلافات الداخلية والتنافس. ويكفر هؤلاء الإسلام الفرنسي، ويسعون الى إطاحته. وقبل رحيلهم الى سورية، وقعت وقع الصدمة على «متحولين الى الداعشية» الدعوة الى المشاركة في الانتخابات الرئاسية في 2012 من منابر الجوامع. وهم يرون أن التصويت الديموقراطي يطيح الإسلام. ومن يقصد الجامع للصلاة نهار الجمعة، يسد أذنيه، أو يصلي في منزله مخافة الاختلاط بـ «الكفار» والإصابة بلوثتهم. ولذا، تأخر أئمة جوامع فرنسا في اكتشاف ظاهرة تشدّد الشباب، واكتشفوها مع عامة الفرنسيين في وقت واحد. وتدعو البروباغندا «الجهادية» الى القضاء على المسلمين الفرنسيين. وينفي شطر راجح من «الجهاديين» صفة المدنية عن عامة الفرنسيين، فهم ليسوا بمدنيين ولا أبرياء. وفي دردشة مع فرنسي وثيق الصلة بهجمات 13 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، أبلغني أن المدنيين في الدول الغربية أعداء، فهم يسددون الضرائب ويمولون الجيوش الغربية. وفي 2015، زادت وتيرة سفر الشباب للالتحاق بـ «داعش»، على رغم الهجمات في فرنسا وذيوع أنباء فظاعات «داعش» في الشرق الأوسط. وتشير وزارة الداخلية الفرنسية الى أن عدد الفرنسيين «الجهاديين» في سورية 600 فرنسي، 160 منهم قتلوا منذ 2012، و260 منهم عادوا الى فرنسا. وحركة العودة توازن حركة المغادرة، وعلى رغم الوفيات، عدد الفرنسيين «الجهاديين» يتزايد، وإن كانت وتيرة الزيادة بطيئة. وبرز مسرح عمليات داعشية جديد في ليبيا يتدفق إليه مقاتلون من تونس والساحل الأفريقي وغانا والسنغال.

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,777,028

عدد الزوار: 6,914,463

المتواجدون الآن: 101