شيرين عبادي: هل حلّت طهران مشاكلها بالإيقاع بزوجي؟

تاريخ الإضافة الجمعة 18 آذار 2016 - 5:36 ص    عدد الزيارات 1387    التعليقات 0

        

 

نشرت مقالاً روت فيه الممارسات الدنيئة للاستخبارات الإيرانية
شيرين عبادي: هل حلّت طهران مشاكلها بالإيقاع بزوجي؟
المستقبل...ترجمة: صلاح تقي الدين
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً بقلم الناشطة الحقوقية وحاملة جائزة نوبل الايرانية شيرين عبادي، روت فيه ممارسات الاستخبارات الايرانية «الدنيئة» التي أوقعت زوجها السابق في الخطيئة من خلال دفعه إلى ارتكاب «الزنا» والحكم عليه بالاعدام رجماً حتى الموت، والعفو عنه مقابل تسجيل إدانة علنية لأفعال عبادي وتصويرها على أنها عميلة «الامبريالية الأجنبية» التي تسعى إلى إسقاط الجمهورية الاسلامية.

وفي ما يلي الترجمة الحرفية للمقال:

في آب 2009 وقعت ضحية خيانة زوجي وبلادي.

كنت قد غادرت إيران قبل بضعة أشهر نهائيا، لكني على الارجح لم أكن أعرف ذلك في حينها. لقد تعرّضت لمضايقات حكومة بلادي لسنوات عديدة بسبب عملي كمحامية وناشطة في مجال حقوق الانسان، وزادت التهديدات الموجهة إلي بعدما ترشّحت إلى الانتخابات الرئاسية في حزيران. أخذت إجازة مع ابنتي الصغيرة نرجس، وسافرنا لزيارة ابنتي الكبرى نيغار في مدينة أتلانتا.

كنت بالعادة أتحدث إلى زوجي جواد مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً في أيام محدّدة. كان يملك بطاقة هاتف ذكي اشتراها باسم شخص آخر لكي يصعّب مهمة السلطات في تعقّب المكالمات.

وفي يوم اثنين، لم أتمكّن من الاتصال به في الوقت المعتاد لمكالمتي. لم أقلق كثيراً. كان غالباً يمضي نهايات أسبوع طويلة في منزلنا الريفي، حيث كان إرسال الهواتف الخلوية ضعيفاً. لكن الأيام مرّت ولم أسمع منه شيئاً. اتصلت بشقيقتي نوشين في طهران، وطلبت منها التأكد من شقتنا، فلم تجده. غير أن نوشين عاودت الاتصال بي بعد ايام لتقول إنها توجهت إلى الشقة مجدّداً ووجدته في المنزل. قالت إنه عاد للتو من رحلة ولم يكن مرتاحاً وأنه سيأوي إلى الفراش لينام.

في اليوم التالي اتصل جواد ودار بيننا الحوار التالي:

«شيرين؟« كان صوته مرتجفاً.

«أين كنت؟ نوشين كانت تسأل عنك؟«.

«شيرين، لا أعلم إذا كان بإمكانك مسامحتي؟«. كنت أسمعه يتنفّس ببطء.

«هل تبكي؟« انتابني قلق شديد عليه وسألته: «ما الذي جرى؟«.

«هل ستسامحيني؟«.

«جواد قل لي أولاً ما الذي حدث؟«.

وبدأ يشرح بصوت متقطّع ومحطّم عما حدث معه طيلة ما يقارب أسبوعين منذ آخر اتصال بيننا. وهذا ما قاله لي من تزوّجت به منذ 34 عاماً: قال إنه كان يشعر بالوحدة والفراغ. وفي إحدى الليالي اتصلت به إحدى معارفه السيدة جعفري، ودعته لزيارتها في شقتها.

وأضاف جواد بصوت مرتجف «وبشكل مفاجئ، وصلت صديقة مشتركة تدعى مهري.. نشأت بيني وبينها في الماضي علاقة رومانسية. لكني لم أرها منذ فترة طويلة. سنوات .. لقد انقطعت علاقتنا. غير أن السيدة جعفري ارتأت أنه يجب أن نعيد إحياء هذه العلاقة، وظلّت تسكب لنا الشراب مشيرة إلى أن كلانا نمرّ في أوقات صعبة وبإمكاننا أن ندعم بعضنا. ظلّت تشدّد على أنه بما أن زوجتي رحلت، فأنا في وحدتي بحاجة لمن يمكنها أن تظهر لي بعض العاطفة».

وفي تلك اللحظة، قالت السيدة جعفري أنها مرتبطة بموعد مسبق وتركت زوجي والسيدة الأخرى بمفردهما.

وقال جواد «بدأت مهري نزع ثيابها ومعانقتي وتقول كم اشتاقت إلي».

لم أقل شيئاً.

أضاف جواد «شيرين، هل ما زلت تسمعين؟»

لم أكن بطبعي زوجة مشككة. لم يثر جواد يوماً أي تساؤل حول زملائي الرجال في المكتب، واتبعت أسلوب التفهّم نفسه معه. بدا أن ذلك ناجح بالنسبة لكلينا، هذا الاجترام المتبادل. حتى اليوم. صرت أحدّق في طاولة القهوة التي أمامي والمجلات عليها ونموذج سفينة رامبرانت. كلها بدت كما كانت عليه قبل خمس دقائق. لكن كيف لها أن تكون كما كانت؟

قلت لجواد «تابع».

أضاف «استمرت في مداعبتي .. واستسلمت لها. كنا نتعانق في غرفة النوم وفجأة فتح باب الغرفة الثانية في الشقة بشكل صاعق».

خرج منها عميل للاستخبارات رجل أعرفه جيداً. كان يلاحق أعمالي طيلة سنوات- ودخل معه رجلان يحملان كاميرا. لقد سجلا كل شيء المحادثة وما تلاها بالكامل. أمروا جواد بارتداء ملابسه، وخلال لحظات كانت الشقة قد امتلأت برجال الاستخبارات. تم تكبيل يدي جواد وعصبت عينيه وسيق على الدرج ودفع إلى داخل سيارة.

«ما الذي حدث لتلك المرأة؟ ولمضيفتكما؟» سألته دون أن الفظ أسمها على لساني وأنا أحاول إخفاء الغضب الذي كان يعتريني.

أجابني «لقد أوقفوني لوحدي. أنا متأكد بأن جعفري كانت تتعاون معهم. كيف كان لهم أن يركّبوا كل هذه التجهيزات في الشقة قبل أن أصل إليها؟ لست متأكداً من مصير مهري. كل ما أعرفه أنهم لم يعتقلوها».

سيق جواد إلى سجن ايفين، الذي كنت أزور فيه العديد من موكليّ، وحيث أمضيت أنا شخصياً قبل تسع سنوات، 25 يوماً بتهمة «إثارة الرأي العام».

ولأنه ضبط وهو يتناول مشروبات روحية، تم جلد ظهره. هل كان الجلاّد يحمل قرآناً تحت ابطه، ليتجنّب استخدام القوة المفرطة؟ نسيت أن أسأله ذلك.

ثم قادوه إلى غرفة احتجاز منفردة، ربما أكبر بقليل من حجم حوض الاستحمام، وتركوه هناك ليومين.

وفي اليوم الثالث، حضر حارسان من السجن. عصبا عينيه مجدّداً وساقاه إلى ما يشبه قاعة محكمة حيث جلس رجل دين ملتح، القاضي، وراء مكتب خشبي؟

وأخبرني جواد ما قال له القاضي:

«لقد شاهد الفيلم بأكمله. حقاً لا يوجد لديك إمكانية لنكران أي شيء. أنت رجل متزوج وارتكبت الزنا. استناداً للمادة 225 من قانون العقوبات الاسلامي، حكم عليك بالموت رجماً.سوف ينفّذ الحكم بعد يومين».

وقال جواد «اريد محامياً. لن أفعل شيئاً من دون وجود محام«.

وصرخ القاضي مستهزئاً «محام! لماذا؟ ما الذي سيقوله المحامي؟ لدينا فيلم مصوّر عنك سيدي علاقتك مصورة بالكامل على فيلم! ما هو نوع الدفاع الذي تتوقعه؟ أرحل. أرحل وأنت تخجل من نفسك وأمض اليومين المتبقين لك وأنت تطلب التوبة من الله».

استغرقت المحاكمة حوالي 20 دقيقة.

بالكاد أصدر القضاة الايرانيون في السابق أحكاماً بالرجم، لكن يبدو أن الوضع يتطلب عقوبة مروعة بشكل خاص. وبدت أهداف الاعتقال واضحة بعد بضع ساعات عندما حضر عميل الاستخبارات الذي القى القبض على جواد ومعه رئيسه إلى الزنزانة ؟

لا أستطيع أن أتخيّلهما وهما واقفان فوقه وجواد غير حليق وبدت الدوائر السوداء تحت عينيه.

وقال العميل بلغة متعجرفة «بإمكان عبادي أن ترى الآن نتيجة نشاطاتها. لقد حذّرتها مراراً عديدة وقلت إن عليها أن تخرس. لكنها لم تستمع إلي يوماً».

لم يكن لجواد علاقة بالقضايا التي أتولاها. لم يكن مسيّساً.

وسألهما «لماذا علّي أن أكون مسؤولاً عما تفعله زوجتي؟ ما هو نوع الألعاب القذرة التي تحاولون القيام بها معي؟ بسبب زوجتي تضايقوني بهذا الشكل وباسم الاسلام؟».

وتطاير الشرر من عيني العميل وانحنى صوب جواد وراح يلكمه ويركله بوحشية.

«أياك أن تذكر الاسلام مرة أخرى، هل سمعتني؟ كلمة إسلام وسخة وهي تخرج من فمك».

وعندما أدرك جواد أن التوسل أو الاحتجاج سيجلب له مزيداً من الضرب سألهما ماذا يريدان منه.

وكانت المرة الأولى التي يتكلّم بها رئيس العميل، وشرح له المشكلة:

«إذا استمررت بالدفاع عن زوجتك، فهذا يعني أنك حليفها ومتعامل معها، ويجب أن تعاقب على هذا الأساس. إذا كانت الحقيقة غير ذلك، عليك أن تثبت لنا ذلك».

كل ما كان عليه أن يفعله لاستعادة حريته قراءة بيان صغير أمام الكاميرا:

«شيرين عبادي لم تكن تستحق جائزة نوبل. لقد منحت الجائزة لكي تساعد على إطاحة الجمهورية الاسلامية. إنها مناصرة للغرب، وخاصة أميركا. عملها ليس في مصلحة الايرانيين، بل يخدم الامبرياليين الأجانب الذين يسعون إلى إضعاف إيران».

أدرك فوراً أنه سوف يفعل ما يطلب منه. بالتأكيد سيعرف الجميع أنه تعرّض للضغط لكي يقول مثل هذه الأشياء.

وفي اليوم التالي حلق ذقنه، استحم وجلس في غرفة مفروشة بأثاث مريح وبقربه طاولة وضع عليها إناء يحتوي على أزهار من البلاستيك، ودانني.

لقد قال لي كل ذلك وهذا كان سيئاً بما يكفي. لكن الذي سمعته لاحقاً كان أسوأ. من أجل أن يعكس حكم الرجم الذي صدر بحقه بتهمة الزنا، كان عليه أن يتوجه برفقة المرأة التي ارتكب معها الزنا إلى رجل دين للحصول على وثيقة زواج مؤقت، مؤرخة خمس سنوات قبل اليوم. انتظر جواد أن أقول له شيئاً، غير أني كنت، ربما للمرة الأولى في حياتي، غير قادرة على البوح بأي شيء. كأمرأة، كزوجة، كان الغضب يتملكني. لقد خانني. لكني كنت غاضبة أكثر من عملاء الاستخبارات. كانوا على استعداد للقيام بأي شيء سحق عائلات وتدمير حياتهم الزوجية لتحقيق غاياتهم.

ماالذي يريدونه مني؟ لم أسمح لنفسي مجرد التفكير بذلك للحظة. لكنها راودتني الآن ورغبت لو أن بإمكاني الخروج إلى الشرفة وأصرخ بأعلى صوتي. ما هو مقدار ما يمكنهم أن يأخذوه من شخص ما؟ كنت المرأة الأولى التي تتولى منصب قاض في إيران. بعد الثورة الاسلامية انتزعوا المنصب مني. وعندما بعثت نفسي من جديد، أنشأت مركزاً لحقوق الانسان، لكنهم حرموني ذلك ايضاً. والآن، حاولوا أن يأخذوا مني زوجي. أغمضت عيني برغبة النوم ولا شيء آخر. لكن جواد أكمل حديثه وسألني سألني أنا- أن أسديه نصيحة حول حكمه بالرجم المؤجل.

«ما الذي يجب أفعله برأيك؟» سألني.

وأجبته «لا أرى أمامك أي خيار باستثناء ما اقترحوه عليك. لكن بالطبع فقط إذا .. قبلت المرأة».

وقال جواد إنه سيحاول الاتصال بها وسيبلغني بما يحدث معه.

انتظرت أن أسمع منه. كنت اتجول في الشقة في أتلانتا وأشكر الله على نعمه الصغيرة. لقد كانت ابنتاي خارج المنزل عندما اتصل جواد، وستكونان على الأقل لفترة قصيرة بمنأى عن معرفة ما حصل لوالديهما.

تأرجحت ظنوني بين الغضب والشعور بالذنب. لقد كان عملي سبب ما حصل مع زوجي. غير أني لست في وضعه، منعزلاً وبعيداً عن زوجتي وابنتي، ضعيفاً. فكرت في أن أقول له إنه ليس وحيداً، وبأني عرفت حالات كثيرة قامت به وزارة الاستخبارات بأشياء مماثلة مع آخرين، واستخدمت الابتزاز الجنسي من أجل إخضاع السياسيين المنشقين أو بكل بساطة من أجل إسكات المعارضين. لكن ومع معرفتي بذلك، فإن غضبي لم يهمد، وأشك في أن قولي له ذلك سيخفف من ألمه.

وبعد أسبوع عاود جواد الاتصال بي ليخبرني عن المستجدات. لقد اتصل بمهري هو لفظ اسمها وأنا لم أفعل- ووافقت على الذهاب معه إلى رجل الدين. وكما وُعد، نظّم رجل الدين وثيقة زواج بتاريخ رجعي يظهرهما أنهما في وقت تصوير الفيلم كانا في فترة زواج المتعة. ووفقاً للمتعة، فإن فترة الزواج محدّدة مسبقاً. قد تكون قصيرة ولمدة ساعة واحدة أو طويلة لفترة عقد من الزمن. وإذا أثمر هذا الزواج عن ولد، فإنه أو هي، تحصل على كل الحقوق الشرعية من الوالدين. وعندما ينتهي مفعول عقد المتعة، على الزوجين الافتراق، ما لم يتم تمديد العقد برضى الطرفين. كانت هذه الممارسة موجودة منذ قرون طويلة، لكنها نبذت من قبل الايرانيين الشبان وغير التقليديين الذين يعتبرون أنها ثغرة دينية تشرّع فعلياً الدعارة.

وقدّم جواد الوثيقة في محكمة سجن ايفين ودفع غرامة بسيطة. لقد ألغي الحكم الذي كان يحوم فوق رأسه بالاعدام رجماً، العقوبة التي استخدموها ليجبروه على إدانتي أمام الكاميرات. لكن أجبر على تسليم جواز سفره ومنع من مغادرة البلاد. وفي الأيام التي تلت، تحدثنا مرات عديدة، لكني شعرت كما لو أني أتكلّم مع غريب. جواد كان محطماً، يرجوني في كل مكالمة عدم تركه. لقد بدا في حالة غير جيدة لدرجة أنه وبغض النظر عن شعوري تجاهه، كنت قلقة عليه. لم تنشر إدانته التي سجلها ضدي لغاية اليوم، ولا يزال تهديدها يحوم فوق رأسينا. ظل يقول إنه يرغب برؤيتي والبنتين، غير أن ذلك مستحيل.

حاولت أن أخفي الأمر عن البنتين، غير أن نرجس واجهتني في النهاية. لقد سمعت بعضاً مما قلته عبر الهاتف وارادت معرفة ما الذي يحدث. وبعدما رويت لها ما حدث، سألتني «لماذا يفعل مثل هذا الشيء ويدينك؟ لماذا عليه أن يرحل مع تلك المرأة؟».

قررت أن أكون صادقة معها. تعمل نرجس في لاهاي تبحث وتوثّق تقارير عن فظاعات. كان عليها أن ترى كيف أن عملها مرتبط إلى ما تختبره عائلتها. إن مجال حقوق الانسان لا يتعلق بالكلمات الجميلة، لكنه يتعلق بانتهاك الضعفاء من قبل أصحاب السلطة. هذا هو الخيط الذي ربط بين المجازر في سراييفو والفظاعات في سيراليون، والاضطهاد الممنهج للمنشقين في أماكن مثل إيران وروسيا.

قلت لها إن كانت ترغب في أن تكون محامية حقوق إنسان، عليها أن تفهم ما تعنيه هذه الكلمة.

قلت لها «الناس أحرار نرجس. لكن لكل إنسان حد معين للمعاناة. لم يتمكن والدك من الصمود أمام هذا التعذيب. كان ذلك ليحدث مع أي رجل. هذه مسألة بيني وبينه، لكن عليك أن تنظري إليها لشكل مختلف. عليك أن تتساءلي عن سبب اختباء عنصر استخبارات مزود بكاميرا في غرفة النوم الثانية. هل حلّت مشاكل الدولة من خلال تحديد من يغش من؟. هذا فخ استخدموه ضدي وهذا ما يجب أن تفكري به».

كان درساً صعباً علي لتلقينه إلى ابنتي. وبعد أكثر من ست سنوات وبعد أن بثت إدانة جواد لي على التلفزيون، وبعد عدد لا يحصى من الاتصالات المضنية، وبعد أن اتفقنا في النهاية على الطلاق، لا تزال هذه المسألة درساً أحاول تلقينه لنفسي.
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,716,113

عدد الزوار: 6,910,037

المتواجدون الآن: 92