ازدادت أخيرًا نبرة الأصوات التي تؤكد أن "استقلال إسرائيل" (تحيي ذكراه اليوم) ما زال، أساسًا، رهن عوامل خارجية أكثر من العوامل الداخلية، في مقدمها التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة.
ورغم أن هذه العوامل الخارجية تبدو، في الظاهر، قوية وتزيّن سبيل عدم الخشية من اهتزاز أركان هذا الاستقلال، إلا إنها في رأي البعض ليست كافية وحدها من أجل تدعيم استقلال أي دولة في المدى البعيد، علاوة على أن الارتهان بها يفضي إلى تعلق يكرّس صنفًا من التبعية ينتقص من مبدأ الاستقلال العمومي.
وسبق لكبير المحللين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن أشار إلى أن إسرائيل مدينة بجزء كبير من قوتها إلى العلاقات الخاصة القائمة بينها وبين الولايات المتحدة، لذا فإن استقلالها مرهون بتبعية ملزمة للإدارات الأميركية.
وقبل شهر ونيف نشرت لجنة الأبحاث في الكونغرس الأميركي تقريرًا كشف أن إسرائيل حصلت خلال أعوام طويلة على مساعدات من الولايات المتحدة تتجاوز قيمتها 115 مليار دولار، أي أكثر مما حصلت عليه مجتمعة 15 دولة في أوروبا في إطار "مشروع مارشال" لإعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية.
وحدا ذلك بمحلل الشؤون الإستراتيجية في صحيفة "هآرتس" إلى القول إنه يتعين على نتنياهو وباراك قبل اتخاذ أي قرار بشأن مهاجمة إيران الإنصات جيدًا إلى المعارضة الأميركية لهذا الهجوم.
فضلاً عن هذا رأت تحليلات أخرى أن أوضاع إسرائيل السياسية لا تشكل سببًا وجيهًا للابتهاج، كونها الآن معزولة سياسيا في العالم، ومتنازعة مع أميركا، ومجرّدة من أي خطة سياسية، وفزعة من أي تحرك، وتتمرغ في شعور من التهديد الوجودي، وعادت لتغرق مرة أخرى داخل عقلية الغيتو.
وما زالت أصداء ما كتبه الوزير وعضو الكنيست السابق يوسي ساريد في ذكرى الاستقلال الفائت تتردّد إلى الآن، حيث قال: "ندرك الآن أن الحلم (الصهيوني) كان أجمل من واقع تجسيده". وأضاف: "أنا لا أحب بلدي كما هو عليه الآن، بل أحبه مثلما ارتسم في مخيلة الآباء المؤسسين".
وليس خافيًا أن ساريد يتبنى هنا حكمًا مخاتلاً لا يتجاوز افتراض "وجود حلم صهيوني صاف وبريء أصبح بطريقة ما ملطخًا". لذا يتم، عادة، إلقاء اللوم على طريقة تجسيده "التي لم تكن في مستوى الجنة الموعودة". بينما الحقيقة البسيطة تقول إن الحلم ذاته ولد ملطخّا لأن صدعًا مميتًا كان في صميم تكوينه، وهذا الصدع قام وما زال قائمًا على إنكار وجود الفلسطيني وحقوقه.