غزة شهدت أول مجلس تشريعي فلسطيني وأُبقيَ اقتصادها حراً في فترة التأميم الناصرية

تاريخ الإضافة الإثنين 5 تموز 2010 - 11:35 ص    عدد الزيارات 712    التعليقات 0

        

غزة شهدت أول مجلس تشريعي فلسطيني وأُبقيَ اقتصادها حراً في فترة التأميم الناصرية
الإثنين, 05 يوليو 2010
غزة - جيهان الحسيني

عندما تمكنت من اقتطاع نصف ساعة من فترة الغذاء لزيارة عمتي التي تقطن في حي الرمال، جال في خاطري هناك تاريخ هذا الحي الذي هو من أجمل أحياء غزة وأكبرها مساحة، وهو سمي «الرمال» لأن الكثبان الرملية كانت تقف حائلاً دون امتداد العمران وتفصل المدينة عن شاطئ البحر. وفكرة إنشاء هذا الحي، الذي يسمى «غزة الجديدة»، في بداية الثلاثينات تعود إلى رئيس بلديتها حينئذ المحامي فهمي بك الحسيني الذي أراد من ذلك منع حكومة الانتداب البريطاني من منح الأراضي والتي كانت عبارة عن كثبان رملية وأحراج الى المستوطنين اليهود. استصدر الحسيني قراراً بالموافقة على إنشاء حي جديد غرب مدينة غزة والبناء فيه، فتم تقسيم الكثبان الرملية إلى قسائم سكنية وزعت على الراغبين من السكان بثمن رمزي على أن لا تنتقل ملكيتها إلى المشتري إلا بعد إنشاء مبنى عليها.

وليس في إمكان زائر غزة أن يغفل الشارع الرئيسي الذي يشق مدينة غزة، أعني شارع عمر المختار، وتسمية الشارع باسم المجاهد الليبي الكبير أثارت اعتراض القنصل الإيطالي لدى حكومة الانتداب في فلسطين، لكن رئيس البلدية الحسيني رد بمذكرة مفادها: كما سمحتم لبلدية تل أبيب بتمجيد تيودور هرتزل فإن من حق بلدية غزة أن تمجد بطلاً من أبطال العروبة ولذلك فإن عمر المختار خالد في غزة، وإذا كانت ذكراه تسيء إلى إيطاليا فذلك لأن ما اقترفته لم يخلف سوى الخيبة والعار. ويقع في محاذاة شارع عمر المختار شارع جمال عبدالناصر، وهما الشارعان الرئيسيان اللذان يخلدان زعيمين عربيين مناضلين في أرض فلسطين.

وشهد حي الرمال توسعات كبيرة، خصوصاً بعد نكبة فلسطين عام 1948، وتدفق اللاجئين على قطاع غزة حتى باتوا يشكلون 70 في المئة من إجمالي سكانه. ويقع أحد أكبر مخيمات اللاجئين، وهو مخيم الشاطئ بين حي الرمال وبحر غزة، وهنا لا يمكننا أن ننسى التظاهرات التي انطلقت هناك عام 1954 لرفض مشروع جونتسون لتوطين اللاجئين في سيناء، فأهل غزة واللاجئون رفضوا أن يكون لهم وطن آخر غير فلسطين.

مشاهدتي الثانية حدثت أثناء تناولي الغذاء بصحبة الزميلين فتحي صبَاح وعبد الرازق أبو جزر. جلست قرب الشاطئ وتنفست هواء بحر غزة، ولكن استوقفتني صورة الأعلام التركية ترفرف على أسطح المنازل وفي الميناء، فهي تعكس ببساطة ووضوح الآمال الكبيرة التي يعول الغزاويون على تركيا للخلاص من معاناتهم.

ويحلو للبعض عند الحديث على النفوذ التركي الذي تنامى أخيراً في غزة – خصوصاً بعد الحرب ومع ازدياد قسوة الحصار - أن يتناولوا الدور المصري وكأنهم يسعون إلى مقارنة ما بين الدورين بل قد يلمحون إلى تراجع الدور المصري الذي كان متعاظماً ومازالت آثاره متجسدة حتى الآن في الشخصية الغزاوية. وأعتقد أنه من الظلم الفادح لمركز مصر ولحجم عطائها للقضية الفلسطينية، في الماضي أو الحاضر، عقد مثل هذه المقارنة.

غزة قادت مشروع المقاومة على مدى سنوات الاحتلال حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان قال في مذكراته إنه عقب حرب حزيران (يونيو) 1967 كان هو يحكم غزة في النهار فيما كان الميجور زياد الحسيني يحكمها في الليل. (زياد الحسيني كان قائد قوات التحرير الشعبية واستشهد عام 1971).

وعلى رغم أن قطاع غزة هو الذي حمل على عاتقه الحفاظ على الهوية الفلسطينية، لكن الفضل الكبير في ذلك يعود الى مصر، فمصر أخذت على عاتقها الحفاظ على القضية الفلسطينية حية، إذ حرصت حكومة ثورة 23 يوليو التي ادارت القطاع على الحفاظ على الكيان الوطني الفلسطيني وعمل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على بعث هذا الكيان بعد أن كان مشتتاً بقراره الحكيم بمنحه قطاع غزة النظام الدستوري لتنبثق عنها السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وانبثق عن السلطة التشريعية انتخاب أول مجلس تشريعي فلسطيني عام 1962 وصدرت عنه قرارات التنظيم الشعبي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقانون خدمة العلم، وكانت هذه نواة تشكيل جيش التحرير الفلسطيني الذي كان له دور فاعل في المعارك ضد اسرائيل الى تاريخنا هذا، فهو شارك في حرب حزيران 1967 وفي حرب الاستنزاف وفي حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

ولا يمكننا ان نغفل بدايات العمل الفدائي التي انطلقت من غزة عقب الغارة التي شنتها اسرائيل على السكة الحديد في غزة في 28 شباط (فبراير) 1954 وكان يقود هذه المجموعة النقيب – آنذاك – آريل شارون، واستشهد فيها اليوزباشي محمود أحمد صادق الذي كان يقود الحامية المصرية – وهو شقيق وزير الحربية الراحل محمد صادق – وفي اليوم نفسه نصب الاسرائيليون كميناً عند نقطة البوليس الحربي لقوات الانقاذ القادمة من الجنوب فأصبحت هذه المنطقة تسمى الآن «مفرق الشهداء» تيمنا بالشهداء الـ 36 من قوة الحرس الوطني الفلسطيني الذين سقطوا جراء هذا الكمين، فالدماء المصرية مختلطة بالدماء الفلسطينية وهناك مواقف كثيرة واحداث تشهد بذلك.

نتجت عن هذا العدوان تظاهرات حاشدة بدأت في أول آذار (مارس) في القطاع كله احتجاجاً على العدوان واستمرت على مدى أسبوع. وكان لهذه التظاهرات انعكاس على الساحة، فقد قادت الزعيم عبد الناصر الى التحول نحو الكتلة الاشتراكية عاقداً أول صفقة تسليح للجيش المصري مع تشيكوسلوفاكيا، وأفضت أيضاً الى تشكيل قوة الفدائيين الأولى إذ كلف الرئيس جمال عبد الناصر رجل الاستخبارات المصرية الشهيد مصطفى حافظ قيادة العمل الفدائي، وكانت هذه بداية انطلاقة العمل الفدائي في غزة... ونتج عن هذه التظاهرات أيضا إعلان عبد الناصر رفضه النهائي لمشروع جونستون للتوطين في سيناء.

أثرت هذه الاحداث في مستقبل غزة الاقتصادي فعلى رغم حركة التأميم التي خاضها عبد الناصر في مصر الا انه ترك غزة نافذة خلفية للاقتصاد الحر كمتنفس للناس، فكانت عشرات العائلات المصرية تزور غزة أسبوعياً لشراء البضائع وتجهيز بناتها قبيل الزواج.

باختصار... غزة علامة فارقة في تاريخ العمل الوطني، وهي المكان الوحيد الذي ظل العلم الفلسطيني يرفرف في سمائه منذ عام 1953 وبعد تسلّم حكومة ثورة يوليو ادارة غزة حتى خضوعها للاحتلال الاسرائيلي في حزيران 1967، وكانت غزة تسمى عقب النكبة «المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين»، ولكن مع حكم ثورة يوليو وتسلمها ادارة غزة، أُطلق عليها اسم «ادارة الحاكم العام لقطاع غزة»، وهي مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع المصرية ومازالت المؤسسة هذه موجودة.

قبيل مغادرتي غزة وعلى بعد خطوات قليلة من فندق الكومودور الذي شهد اجتماعات عمرو موسى والقوى والفصائل الفلسطينية، التقيت أبناء عمي وكان بصحبتهم صديق العائلة حلمي الترزي وهو ابن عائلة مسيحية رائدة في حقل التعليم في فلسطين كلها وليس فقط في غزة.

هناك وجه مسيحي لغزة لا يمكن إغفاله فأقدم كنيسة بنيت في فلسطين قبل كنيسة القيامة هي كنيسة «بروفوليوس» موجودة في غزة، ويذكر أن المسيحيين العرب في فلسطين حاربوا مع المسلمين ضد الصليبيين الغزاة وحافظوا على عروبة فلسطين وشاركوا أيضاً في الثورة العربية الكبرى. عائلات غزة المسيحية عريقة مثل فرح وعياد وسابا والطويل والترزي والصراف وغيرهم، وكان العنصر المسيحي عاملاً إيجابياً في الثورات الفلسطينية وكانوا دائماً في الطليعة.

وعلى رغم سيطرة «حماس» على غزة إلا أن مرشحها المسيحي حسام كمال الطويل نجح في مواجهة مرشح حركة «فتح» في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

غزة تجسد الحالة الفلسطينية كلها، فـ 80 في المئة من الشعب يُحكم بـ 20 في المئة، فالتنظيمات كلها لا تشكل سوى 20 في المئة تقريباً من الشعب، وهنا يطرح السؤال: هل هذه مصيبة أم عبقرية؟

الناس في الشارع الغزاوي يرون التنظيمات أكذوبة كبرى فقضية هؤلاء لم تعد قضية قومية بل حزبية، وكما قال أحدهم: «المصيبة أن القضية الفلسطينية تختصر في صراع بين فصيلين بل حزبين».

مطالب الناس لا تنتهي ومعظمها يتعلق بالرغبة في الخروج من السجن الكبير لزيارة الأم او الابن او الالتحاق بالزوج او العلاج او للدراسة الجامعية.

ومازلت أذكر الصحافية الغزاوية التي بادرت عمرو موسى بالترحيب قائلة له: «أهلاً بك في سجن غزة».

الكل هناك يتحدث عن الحصار، فغزة مخنوقة وتحاسب حساباً عسيراً وأهلها يخشون من أن يصبح الحصار مقنناً ويتوجسون من ذلك كثيراً، قال لي أحدهم متسائلاً باستنكار: «لماذا لا ينظر العالم إلينا نظرة إنسانية كآدميين لهم حقوقهم ومتطلباتهم الأخرى بخلاف المأكل والمشرب والملبس، لذلك يجب أن يكفل قرار رفع الحصار حرية أبناء غزة في الحركة والتنقل والسفر، وإلا فإن الحصار سيظل جاثماً على الصدور.

وعلى رغم أن غزة كانت مشهورة بالحمضيات المزروعة في بياراتها والتي كانت تصدر إلى أوروبا أصبحت الآن تستورد الحمضيات. فالمياه ملوثة والتيار الكهربائي مقطوع والمنازل المهدمة منذ الحرب الشرسة على القطاع لا تزال على حالها، ومعدلات البطالة في ازدياد، والساحل لا تفارقه قطع الاحتلال البحرية التي تطارد صيادي غزة، ومساحات واسعة من المناطق الزراعية باتت خراباً.

كان لدى البعض شكوك من ان تكون زيارة عمرو موسى الى غزة تضامنية فقط او لرفع الحرج عن الدول العربية في ظل تزايد الدور التركي هناك. اخبرتهم أن عمرو موسى كشخص هو عنوان قومي مخلص سيسعى من اجل رفع الحصار، فهو مصر على كسر الحصار عن غزة. سألوني: هل في جعبته آلية محددة؟ وهل يمكن ان يقنع العالم فيصدر قرار دولي قريباً برفع هذا الحصار الجائر وغير المسبوق عن مليون ونصف المليون إنسان من دون ذنب؟ وقال أحدهم: نرحب بموسى في غزة لكننا نريد أن نتحرر ونخرج الى العالم.

هل ستُعاقب لمدة طويلة «غزة هاشم» والتي لقبت بهذا اللقب تيمناً بجد الرسول – سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – هاشم بن عبد مناف والذي توفي ودفن فيها وأقيم مسجد على ضريحه تخليداً له، على تاريخها هذا المجيد؟

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,146,895

عدد الزوار: 6,757,035

المتواجدون الآن: 120