لماذا يلجأ بعض الفلسطينيين للعمل في المستعمرات الصهيونية؟

تاريخ الإضافة الأحد 30 أيار 2010 - 7:42 ص    عدد الزيارات 812    التعليقات 0

        

سليمان الشّيخ
منذ الاحتلال الثاني عام 1967، وربما قبل ذلك، شكلت ظاهرة العمالة الفلسطينية في المصانع والورش والمدن والمستعمرات الإسرائيلية، على جانبي ما يسمى الخط الأخضر، أي في الأراضي المحتلة عام 1948، أو في الأراضي المحتلة عام 1967، واحدة من الأمور غير المألوفة، لا سيما وهي تأخذ في الازدياد والتوسع، على رغم وجود بعض العراقيل أحيانا، مع أن البداهة والمنطق ونوازع الأخلاق والوطنية، ينبغي لها أن تأبى ذلك نظريا وعمليا على حد سواء.
لكن ورغم ذلك، فإن الأمر حاصل وواقع ومستمر! والأغرب، فإن هناك ما هو أمرّ وأكثر قسوة على الطبيعة الإنسانية، والذات المتروكة في عراء مواجهة غير متكافئة، إذ أن هناك من يضطر للعمل في أراض كانت مملوكة له. ثم جاء الاحتلال ليصادرها بحجج شتى. وما أكثر أساليب التحايل في هذا المجال ومن السلطات الرسمية ذاتها، وليس من قبل قطعان مستوطنيها فحسب، علما أن القوانين الدولية تمنع ذلك إلاّ في أندر الحالات. فلماذا يلجأ فلسطينيون كثر للعمل لدى مصالح إسرائيلية، وخصوصا داخل المستعمرات المنتشرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. بل والأنكى من ذلك، أنه في سبيل العمل هناك يجري بذل جهد جهيد، كما ويجري اللجوء إلى شفاعات ووساطات مع أرباب العمل كي يرضوا بتشغيلهم! ولماذا يتجشمون عناء الانتقال والتحايل في سبيل الحصول على تصاريح العمل، والوقوف في طوابير الذل والانتظار منذ ساعات الفجر والصباح الأولى؟ وهل لم يعد في مقدور الحس الوطني أن يحرك نبضا من نبضات الكرامة وعزة النفس واحترام الذات؟.
وإذ يأتي الجواب بسيطا، كبساطة الحقيقة وبلاغتها العارية الجارحة: هناك أطفال وشيوخ ونساء كبار في السن، ورجال وشبان يحتاجون إلى أبسط أنواع الغذاء، وإن لم يتوفر لهم ذلك فإنهم، وببساطة أيضا، سوف يتعرضون للموت، نعم الموت بصورة عاجلة، أو بالتدريج! فالأرض صادرها المحتل، أو صادر أغلبها، والزراعات على بقايا من أرض. حتى حواكير البيوت تتعرض للاقتلاع والتخريب من قبل المستعمرين بين الحين والآخر، والحواجز العسكرية الإسرائيلية والجدار والطرق الالتفافية وغيرها تتزايد كخلايا سرطانية أكلت لحم الأرض، وحتى عظامها كذلك، ولم يبق مساحة إلاّ ويهددها المستعمرون كل يوم بالمصادرة والتخريب. حتى مياه السقاية تمت مصادرتها، ومياه الشفة تم شفطها، ولم يبق إلاّ أقل القليل منها، ومجالات العمل في المصالح الوطنية الفلسطينية في القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ضاقت وقلّت، وكثير منها اندثر بفعل المضايقات والحرب الإسرائيلية ضدها. فماذا يفعل الفلسطيني كي يعين نفسه وأهله وأولاده على حياة البؤس والفاقة والحرمان والتهديد المستمر بفقدانها؟.
أخذ بعضهم في البداية يتسلّل للعمل في المجالات المتاحة في الأراضي المحتلة عام 1948، إلاّ أن ذلك كان يعرّضه للاعتقال والغرامات، أو تلفيق أي تهمة له قد تودي به في غياهب السجون، وبعضهم نال تصاريح عمل بشق النفس، إلاّ أن ذلك لم يمنع الإذلال والإهانات أينما توجه، وأينما عمل؛ إلاّ في أندر الحالات. لكن الأشق على النفس، والأكثر ألما وتعذيبا، أن تأتي قرعة العمل في مستعمرة أقيمت على أراض كانت ملكا للمواطنين الفلسطينيين أنفسهم! فهل هناك أقسى وأمر من ذلك؟!
حقائق تفقأ العيون
إن المعاناة التي يعانيها الإنسان الفلسطيني هي من ندرة البشاعة والظلم والعذاب التي لم تواجهها الشعوب في تاريخها الحديث، وحتى القديم. لأن المستعمر المحتل لم يكفه مصادرة الأرض، بل إنه يلجأ إلى أقسى العقوبات وأكثرها وحشية وفظاظة، كي يجعل من حياة البشر مستحيلة الاستمرار أو البقاء. والأفظع أن عذابا يلاقيه الفلسطيني يتمثل بمطالبته من قبل إخوانه العرب والمسلمين بالصمود والمقاومة والمواجهة وحماية المقدسات، وهي أصوات إن لم تترافق مع مؤونة الدعم والتضامن والتكافل، والبحث التفصيلي في الاحتياجات والمترتبات والالتزام بها وتوصيلها إلى محتاجيها الحقيقيين، فإنها تبقى من جنس التنظيرات التي تودي بها الرياح وتذروها في فراغات من دون صدى. فكيف يصمد الفلسطيني ويقاوم ويواجه، إن لم يجد قوتا يُطعمه ويُطعم عائلته وأطفاله؟ وكيف تعيش عائلته بعد أن يتعرض للاعتقال أو الإصابة أو السجن أو.. الموت.
إن بضاعة الكلام لا تستر ولا تحمي ولا تقاوم، ولا تفيد إن بقيت على ما هي عليه، وها هي الأرقام تفقأ عيون من يكابر في الإنكار والتستر على واقع الحال، أو يساهم في "همروجة" الجعجعة والإكثار من صخب الكلام ومزايداته. وقد ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في الأسبوع الأول من شهر نيسان (إبريل) أن "22 ألف فلسطيني يعملون بتصاريح عمل في المستوطنات، وفي المناطق الصناعية التابعة لها. ومع ذلك وحسب تقدير جمعيات مختلفة، فإن نحو 10 آلاف فلسطيني آخرين يعملون في المستوطنات من دون تصاريح عمل، في الزراعة أساسا، تبعا للاحتياجات الموسمية. إضافة إلى ذلك، يعمل داخل نطاق الخط الأخضر، أي الأراضي المحتلة عام 1948 ما يقارب 26 ألف فلسطيني، وبالإجمال فإن التشغيل الفلسطيني في المستوطنات، وفي نطاق إسرائيل يشكل 9،9 في المئة من إجمالي التشغيل في الضفة الغربية".
فهل يعجز الذين يكثرون من الكلام عن الصمود والمقاومة والانزراع في الأرض التي يتم سحبها ومصادرتها، ليجد صاحبها أنه قد يصبح معلقا في الهواء، وفي فراغ الفاقة والعطالة والبطالة، أو العمل فيها بعد أن أصبحت مستوطنات - ! أو الذين يتغرغرون بالكلام عن المرابطة والدفاع عن المقدسات، من توفير القوت ومؤونة الصمود لمن ما برحوا يكابدون ويقاسون ظلم الاحتلال، وهجماته وهجمات مستوطنيه المتلاحقة، لانتزاع ما بقي من أراض، وتهجير ما بقي من مواطني الأرض الفلسطينية؟.
أساس المشاكل
ولما تنبهت الحكومة الفلسطينية لهذا الأمر، أي أمر إنتاج المستعمرات الزراعي والصناعي، قامت برعاية حملة لتعطيل توزيع وشراء هذه المنتجات، أطلقت عليها اسم "من بيت إلى بيت" وأتلفت عشرات الأنواع منها، ووزعت كتيّبات على المواطنين في الضفة من خلال حملات ميدانية في القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، للحض على مقاطعة تلك المنتوجات، الأمر الذي اعتبرته بعض الأوساط الصهيونية، خصوصا بين أوساط المستوطنين، بمثابة إرهاب وحملات كراهية وضد السلام! كأن السلام لا يقوم إلاّ على حساب أرض الفلسطينيين وممتلكاتهم ومصادرتها، وإقامة مستعمرات صهيونية عليها.
المهم في هذا الأمر، أن تكون الحكومة الفلسطينية، قد حسبت حساب العمال والفلاحين الفلسطينيين الذين أجبرتهم ظروفهم القاسية على العمل في تلك المستعمرات، وأن تتكفل بإيجاد أعمال لهم تسد رمقهم ورمق عيالهم، وإلاّ فإن الأمر لن يزيد البطالة المتفشية في الضفة إلاّ بطالة وعطالة مضاعفة، ويزيد من المآسي المنتشرة بين الفلسطينيين مأساة جديدة.
كما أن من المفيد الانتباه إلى أنه، وإذا كانت خطوة الحكومة الفلسطينية في رام الله فيها استفاقة متأخرة، فإن السؤال الذي لا يمكن التغاضي عنه يتعلق بما تفعله حكومة حماس في غزة. كذلك ما تفعله الحكومات التي أقامت علاقات مع إسرائيل، خصوصا مصر والأردن وبقية البلدان العربية الأخرى، التي أقامت علاقات تجارية مع الكيان الإسرائيلي. فهل يتم التدقيق في ما يردها من مواد صناعية وزراعية من إسرائيل؟ كون إنتاج المستعمرات، وبحسب القانون الدولي؛ هو إنتاج من أراض وفي أراض محتلة، فهل يتم التدقيق والفرز والمراجعة في هذا المجال؟ لقد حلت بريطانيا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، هذا "الإشكال" بالطلب من المصدرين والمستوردين الكتابة على المنتوجات بأنها من إنتاج مستوطنات، وتركت الأمر للمواطن كي يقرر ما يريد ويرغب، إن سلبا أو إيجابا، مع أو ضد المستوطنات وإنتاجها.
هكذا توجد متاهة في العلاقة والتعامل مع هذا الكيان الصهيوني، فالمشكلة الأساس هي مشكلة الاحتلال، وبدلا من مواجهة هذا الاحتلال، والدعوة إلى ضرورة إنهائه، بحسب القوانين الدولية، فإن المتاهة المحبوكة بعقلية مناورة إلتفافية، تركز على مناقشة المتفرعات، ومترتبات ما وجده الاحتلال على أرض الواقع وتعقيداته. فالأساس هو الاحتلال، ومن الضروري والملح إزالة معاناة الناس من مترتبات وتداعيات هذا الاحتلال البغيض.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,095,878

عدد الزوار: 6,934,623

المتواجدون الآن: 99