دراسة تحمل الفلسطينيين مسئولية جمود عملية التسوية

تاريخ الإضافة الإثنين 14 كانون الأول 2009 - 8:00 ص    عدد الزيارات 904    التعليقات 0

        

العدد 238، 13 ديسمبر 2009
دراسة تحمل الفلسطينيين مسئولية جمود عملية التسوية

تقرير واشنطن - محمد عبد الله يونس

 

تمر عملية التسوية بمرحلة جمود ممتدة منذ تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في إسرائيل على الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التزامه بحل الدولتين ومطالبته المتكررة لإسرائيل بتجميد الاستيطان والانخراط في محادثات سلام جادة مع الطرف الفلسطيني. وهو ما توازى مع جولات متكررة لوزيرة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لحث الطرفين على استئناف محادثات السلام المتوقفة منذ فترة. إلا أن إخفاق الجهود الأمريكية قد ارتبط بالممارسات الإسرائيلية الأحادية المتطرفة لاسيما استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة التي عمدت إسرائيل لتطويقها جغرافيًّا ولإعادة هيكلة تكوينها الديمغرافي واختراقها استيطانيًّا لتعزيز سيطرتها على المدينة.

وفي المقابل يجري الترويج لرؤية مغايرة في الولايات المتحدة تقوم على تحميل الطرف الفلسطيني مسئولية الجمود في عملية السلام. وهي الرؤية التي يتبناها عدد من أقطاب التيار المحافظ في الولايات المتحدة وهو الاتجاه ذاته الذي تبناه كل من إليوت أبرامز Elliott Abrams نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وزميل مجلس العلاقات الخارجية حاليًّا ومايكل سينج Michael Singh الباحث بمعهد دراسات الشرق الأدنى في دراستهما التي نشرتها دورية شئون العالم World Affairs Journalفي العدد الختامي لعام 2009، حيث تحاملت دراستهما على الطرف الفلسطيني وحاولت تجنب تحميل إسرائيل مسئولية جمود عملية السلام .

أسباب جمود عملية التسوية

تبدأ الدراسة باقتباس مقولة للسفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل ورئيس مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط مارتن إنديك ـ المعروف عنه تحيزه إلى الجانب الإسرائيلي ـ يُحمل فيها الطرف الفلسطيني مسئولية إخفاق جهود تحقيق السلام في محادثات كامب ديفيد عام 2000 على الرغم من استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك على حد زعمه لتقديم تنازلات متعددة فيما يتعلق بالانسحاب من الضفة الغربية ووضع المدينة المقدسة. ويرفض الكاتبان الاقتراب التقليدي في تفسير إخفاق عملية السلام المتمثل في تحميل الطرف الإسرائيلي المسئولية نتيجة الممارسات الأمنية والتوسع في المستوطنات، ولكنه يتمثل من وجهة نظرهم في تحميلها لطرفي الصراع الإسرائيلي والفلسطيني لاسيما ما يتعلق بقدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على حفظ الأمن والاستقرار عقب انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقبيل إعلان دولة فلسطينية مستقلة .

فمنذ نهاية عام 2000 اتسعت الفجوة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي نتيجة تركيز إسرائيل المتصاعد على الاعتبارات الأمنية وإخفاق السلطة الوطنية الفلسطينية في توحيد الشعب الفلسطيني تحت رايتها وتفضيل عدد كبير من الفلسطينيين لسياسات بديلة للتفاوض لاسيما استخدام السلاح أو الانضواء تحت لواء دولة واحدة متعددة القوميات والأديان تضم الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن كيان واحد. وهذا العزوف عن التفاوض يعود من منظور كاتبي الدراسة إلى ثلاثة عوامل محورية، هي: العوامل الديمغرافية والتغيرات الإقليمية والواقع السياسي الفلسطيني. فعلى المستوى الديمغرافي فإن معدل نمو السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تضاعف منذ بداية محادثات مدريد ليصل إلى 2.2% كمعدل للزيادة السنوية في الضفة الغربية وحوالي 3.3% في قطاع غزة في مقابل معدل للزيادة الديمغرافية السنوية في إسرائيل لا يتجاوز 1.7% وهو ما أسهم في تنامي المخاوف الإسرائيلية المرتبطة بالتوازن الديمغرافي ودفع الطرف الإسرائيلي لتشدد فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي في مقابل تمسك بعض الفلسطينيين بحل الدولة الواحدة للإفادة من العامل الديمغرافي .

القضية الفلسطينية كأداة وظيفية إقليمية

لا مجال لتقديم تنازلات فيما يتعلق بعملية السلام لأن القضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي لا تمثل سوى أداة تستخدم من جانب كافة دول منطقة الشرق الأوسط لصرف انتباه الشعوب عن قضايا الإصلاح الداخلي وتردي الوضع الاقتصادي، في مقابل توظيف إيران للقضية الفلسطينية لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال تحالف عضوي مع القوى المناوئة لبقاء إسرائيل مثل حركة حماس وحزب الله تقوم في إطاره إيران بتقديم مساعدات مالية وعسكرية لهما لتهديد أمن إسرائيل بصورة دائمة، بينما يتعلق العامل الثالث بالانقسام الداخلي الفلسطيني والانشقاقات في بنية حركة فتح ذاتها نتيجة افتقاد نخبتها السياسية للشرعية التي تكفل لهم فرض تسوية سلمية تنطوي على تنازلات.

وتوازى ذلك مع ما يصفه الكاتبان بانتشار معتقدات راديكالية في قطاع غزة والضفة الغربية تحث على استخدام القوة في مواجهة إسرائيل والامتناع عن التفاوض معها فضلاً عن تحميل الدول الغربية مسئولية ما آلت إليه أوضاع الطرف الفلسطيني المتردية بما يجعل تقديم المفاوض الفلسطيني لأي تنازل في المفاوضات مع إسرائيل غير ممكن عمليًّا .

ومن ثم لا يعتبر إصرار الطرف الفلسطيني على تجميد الاستيطان في الضفة الغربية سوى تعبير عن استحالة تقديم تنازلات في ظل الأوضاع الداخلية والإقليمية المعقدة. ويرى الكاتبان أن إيران ليس لها أي مصلحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإنما تقوم بتوظيفها لتشتيت الانتباه الإقليمي عن تقدم برنامجها النووي ومحاولة مد نفوذها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط عبر تقويض أدوار القوى التقليدية في المنطقة وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية. كما يعتبر الكاتبان حركة حماس عائقًا أمام تقدم عملية السلام نتيجة إصرارها على استخدام القوة في مواجهة إسرائيل ورعايتها لعمليات تهريب وتطوير الأسلحة والصواريخ بدائية الصنع في قطاع غزة.

وتمثل الأوضاع الاقتصادية المتردية للفلسطينيين عائقًا آخر أمام تقدم عملية التسوية حيث تضاءل متوسط دخل الفرد الفلسطيني بين عامي 2008 و1999 بنسبة 30%، وهو ما توازى مع تضاءل الأنشطة الإنتاجية في الاقتصاد الفلسطيني والاعتماد بصورة متصاعدة على المساعدات الخارجية، التي مثلت حوالي 32% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني عام 2008 في مقابل تمثيلها لحوالي 25% في عام 2007 وعلى الرغم من توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل نمو الاقتصاد الفلسطيني لحوالي 7% عام 2007 إلا أن ضعف البنية المؤسسية وغياب قاعدة الأنشطة الإنتاجية والخدمية لن يمكن الفلسطينيين من الإفادة الكاملة من ذلك النمو .

التسوية تبدأ بحصار إيران إقليميًّا

يرى الكاتبان المنتميان للتيار المحافظ والمرتبطان بصورة وثيقة بلجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) أن التغلب على جمود عملية التسوية يتطلب قيام الولايات المتحدة بإلزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بتأكيد التزامهما بحل الدولتين واعتراف العالم العربي بإمكانية التعايش مع إسرائيل كدولة للشعب اليهودي على حد تعبيرهما. وهو ما يرتبط من وجهة نظرهما بتصعيد الضغوط الدولية والإقليمية على إيران ومنعها من امتلاك قدرات نووية للحيلولة دون تعزيز نفوذها الإقليمي. ومن ثم يقترح الكاتبان انخراط الدول العربية المعتدلة لاسيما السعودية والإمارات في الجهود الدولية لفرض عقوبات على طهران على المستويين الاقتصادي والتجاري ومنع السفن الإيرانية من استخدام الموانئ العربية بما يحقق المصلحة الإقليمية المشتركة .

ويتواكب ذلك مع الاستمرار في بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية والتغلب على العجز المالي المستمر الذي تعاني منه السلطة نتيجة تأخر الجهات المانحة في استيفاء التزاماتها المالية والإجراءات الأمنية المتشددة التي تتبعها إسرائيل على المستوى المالي. ويعزو الكاتبان الأداء الاقتصادي المحدود للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى سياسات إسرائيل الأمنية القائمة على الإغلاق وتعدد نقاط التفتيش وإعاقة انتقال السلع والأفراد بين مختلف مناطق الضفة الغربية فضلاً عن انتشار الفساد وافتقاد القيم المؤسسية في الأداء السياسي والاقتصادي للسلطة الوطنية الفلسطينية. ومن ثم تبنت الدراسة الدعوة لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني وخلق مزيد من فرص العمل للتصدي لما أطلقت عليه انتشار الفكر الراديكالي المتشدد .

التطبيع مسئولية الدول العربية

أما المحور الثالث للتجاوز، جمود عملية السلام من منظور هذه الدراسة فيتمثل في الإصلاح السياسي لحركة فتح وإتاحة الفرصة لجيل جديد من قيادات الحركة لتولي المناصب القيادية بما يعزز من شرعيتها على المستوى الفلسطيني، وهو ما يجب أن يقترن بتفعيل مبادرة السلام العربية التي أعلنتها جامعة الدول العربية عام 2002. حيث يرى الكاتبان أن المبادرة في حد ذاتها تعد سابقة غير معهودة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إلا أنها لا تتيح مجالاً للتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وتضع سقفًا تفاوضيًا لا يمكن تجاوزه وهو الانسحاب إلى حدود عام 1967 وتقسيم القدس والانسحاب من هضبة الجولان السورية وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وهو ما يقيد السلطة الوطنية الفلسطينية وفق رؤية الكاتبين ويمنعها من تقديم أي تنازلات على مستوى تلك المطالب ناهيك عن الربط بين المسارين الفلسطيني والسوري .

و يقترح الكاتبان أيضًا بدء حوار عربي فلسطيني مفتوح حول ما يمكن الوصول إليه من خلال المفاوضات مع إسرائيل ومستقبل الدولة الفلسطينية وكيف يمكن التعامل مع حركة حماس مستقبلاً، ناهيك عن دفع الدول العربية لزيادة مساعداتها المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية حيث لم تتجاوز المساعدات المالية العربية للفلسطينيين في مؤتمر المانحين الدوليين في باريس حوالي 20% من إجمالي المساعدات المقدمة للفلسطينيين في مقابل التزام الدول الأوروبية بتقديم حوالي 35% من المساعدات التي تم إقرارها في المؤتمر الدولي. ويعيد الكاتبان مرارًا ضرورة تعزيز علاقات الدول العربية مع إسرائيل خارج إطار ما تفرضه مبادرة السلام العربية من قيود لتقديم ما يحفز الطرف الإسرائيلي على المضي قدمًا في عملية التسوية وذلك عبر تبادل التمثيل الدبلوماسي وتعزيز العلاقات التجارية بصورة تدريجية .

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,748,992

عدد الزوار: 6,912,633

المتواجدون الآن: 85