كنيسة لبنان واللاجئون الفلسطينيون:قراءة في اربعة نصوص تأسيسية

تاريخ الإضافة الجمعة 4 كانون الأول 2009 - 6:56 ص    عدد الزيارات 1061    التعليقات 0

        

زياد الصائغ

\"\"
ثمة منمّطات كثيرة في موضعة بعض مسيحيي لبنان، بل وحتى بعض مسلميه، في مواجهة اللاجئين الفلسطينيين شأنا انسانياً وقضية سياسية. وقد يكون الفرز الذي أحدثه انقسام اللبنانيين منذ توقيع اتفاقية القاهرة على المفهوم السيادي اكثر منه على مناصرة القضية الفلسطينية، ساهم في تعميم هذه المنمطات، بمعنى تجذير التشوهات فيها. حتى انها باتت تنخر العقول، فيما هي من المنطق السليم براء وتجذير التشوهات الاصطلاحية لا ينفي واقعا مريراً دموياً من التماس اللبناني – الفلسطيني على حد سواء، بل يدعو الى التفكير في تنقية الذاكرة المشتركة تطلعاً لمستقبل افضل.
بطبيعة الحال، ثمة قراءات متعددة لتاريخ العلاقات اللبنانية – الفلسطينية قد يقوم بعضها على مقاربات ديماغوجية او ايديولوجية. وليس هذا السياق مخصصا لمعالجتها. لكن حتى هذه المقاربات تحتاج الى اطلالة نقدية بغية التصويب والترميم.
ما يعنينا في هذه العجالة الاضاءة على موقف كنيسة لبنان من القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين على حد سواء، وذلك من خلال اربعة نصوص تأسيسية يعود اولها الى العام 1975(1) وآخرها الى العام 2009(2) وبينهما نصان متتابعان من المجمع البطريركي الماروني(3) وشرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان(4). ولا يتسع المقام في مقالة صحافية للتفصيل التأريخي في هذه المواقف. بقدر ما من المفيد البحث في مفاصلها ما يزيل الكثير من الالتباسات والتشوهات التي فرضتها على هذه المواقف، بعض انزلاقات هنا وثمة من ناحية، فاستغلال سياسي ضيق في معاندة الآفاق السيادية عبر تزوير الوقائع وتفخيخ السمعة سياسياً وشعبياً واعلامياً من ناحية اخرى. على ان هذا السوء في الناحيتين السالفتي الذكر والذي وصّف بعض كنيسة لبنان مع القضية الفلسطينية، وبعضها الآخر بحياد عن مناصرتها حتى المواجهة، نابع منعدم وعي لاشكالية العلاقة بين حماية الكيانية اللبنانية من جهة، وانتهاج السبل الاجدى لمناصرة القضية الفلسطينية وفي صميمها دولة فلسطين وعاصمتها القدس، واللاجئون الفلسطينيون وحق عودتهم من جهة اخرى.
واذا ما كان في السياق التاريخي تجاوزات لبنانية وفلسطينية متبادلة بلغت حد اهراق الدماء تاب عنها اللبنانيون والفلسطينيون معا في مبادرات جريئة منذ العام 2005، فانه من المفيد بمكان واستشرافا لمستقبل مستقر من العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، العودة الى بعض ما يؤرخ مبدئيا لعلاقة كنيسة لبنان بهذه المسألة تحديدا. ونعرض لما حكم هذه العلاقة في جدول مقارن وباختصار حتما قبل الخلوص الى استنتاجات في المبادىء المؤسِّسة لها، ما بدا مترجما في اجماع وطني لبناني على مستوى السياسات العامة منذ العام 2005.
يتبدّى من خلال روحية النصوص الكنسية المدرجة في الجدول المرفق، إشكاليات ثلاث في العلاقة مع اللاجئين الفلسطينيين وهي: إشكالية أمنية، وإشكالية كيانية، وإشكالية انسانية. وهذه الإشكاليات تتظلّل في فيء بُعدين أساسيين. أولهما السيادي. وثانيهما الحقوقي. وفي الحقوقي ثمة مستويان وطني ودولي. من هنا أهمية تفكيك هذه الإشكاليات كل على حدة مع ارتباط كل منهما بالبعدين ومستويي ثانيهما.

 

أ- كنيسة لبنان واللاجئون الفلسطينيون: أي إشكالية أمنية؟

الإشكالية الأمنية منذ اتفاقية القاهرة (1969) وحرب لبنان (1975) بين الكنيسة واللاجئين الفلسطينيين، بل بالحريّ مع فصائلهم، كانت احتكام هؤلاء الى السلاح، فيما تصر الكنيسة على حصرية حمل السلاح واستعماله بالدولة اللبنانية. وليس صحيحاً أن الكنيسة قبلت يوماً بتسلّح الميليشيات، بل إن حكماءها، ورغم ما فرضه أمر الواقع التصادمي، ظلّوا يرفضون المنزلقات العنفية. أما من نحا منهم سبل دعم المقاومة الميدانية، فقد انطلق من حيّز أن "لا حول ولا قوة...". وهم ما لبثوا أن قاموا بقراءة نقدية ذاتية لما عاشوه. وها هم اليوم قانعون بتصويب العلاقات اللبنانية - الفلسطينية وترميمها بالاستناد الى منطق الدولة بالتحديد، ودون أي ازدواجية. والإشكالية الأمنية في الفكر الكنسي اللاهوتي قائمة في سياق سيادي أماني دعماً للقضية الفلسطينية على قاعدة حماية مناعة لبنان في ميثاقية عيشه المشترك، وتفادياً لامتدادات مفاهيم الأمن الذاتي وتسلّح عيلاته الروحية عدا البناءات الإيديولوجية التي نتجت عن هذا التسلّح، لتسقط بفعل هشاشتها ويستعيد العيش المشترك على وهبه بعضاً من ألقه.

 

ب- كنيسة لبنان واللاجئون الفلسطينيون: أي إشكالية كيانية؟

الإشكالية الكيانية منذ النكبة (1949) بين الكنيسة واللاجئين الفلسطينيين، كانت رفض لبنان أي شكل من أشكال التوطين انطلاقاً من التسليم بخيار حق العودة وقيام دولة فلسطين. لكن هذا التسليم، وبفعل المنزلقات التسلحية، استحال "فوبيا" مشتركة، ناهيك ببعض العنصرية البعيدة عن القيم الانسانية. بطبيعة الحال، كل يوم أُريق على أي أسس إيديولوجية دينية في بُعديها الطائفي والمذهبي، يبقى وصمة عار وخطيئة كبرى، ولهذا تتبدى التوبة الملحّة في تصويب المفاهيم. وهذا ما بدا في البيان الاخير لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك الذي تحدّث عن "حق العودة" قاعدة اختبار للعدالة الدولية، وينبع ذلك من صميم كيانية الكنيسة من حيث دفاعها عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ومواجهة الظلم. الإشكالية الكيانية الحقيقية، على ما تبرزه نصوص المجمع البطريركي الماروني، وشرعة الكنيسة للعمل السياسي، والبيان الاخير، مبنية على مناصرة العدل لا الخوف من ارتجاجات دينوغرافية.

 

ج- كنيسة لبنان واللاجئون الفلسطينيون: أي إشكالية انسانية؟

الإشكالية الانسانية منذ النكبة (1948) واستفحالها منذ حرب لبنان (1975) بين الكنيسة واللاجئين الفلسطينيين، كانت عجز لبنان دولة وشعباً على تأمين كافة ما يحتاجه هؤلاء، عدا جغرافية اللجوء، أي المأوى، ولو بدائياً. وفي الجغرافيا، ما كانت الكنيسة غائبة، إذ إن مخيّمي ضبيه ومار الياس مثلاً قائمان على أرض لأوقاف مطرانيات أو رهبانيات. ما عدا الجغرافيا، ثمة مؤسسات رعائية كنسية تخصّص بعضاً من موازنتها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين، ومنها "كاريتاس" على سبيل المثال، لا الحصر. ومن منطلق الاحساس بالكارثة الانسانية لهؤلاء كان صوت الكنيسة عالياً بدعوة المجتمع الدولي مع الحكومة اللبنانية للعمل، وضمن الإمكانات المتاحة، على توفير حياة كريمة لهم عبر منحهم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية حتى عودتهم.
ما سبق محاولة مقاربة لإشكاليات ثلاث بين كنيسة لبنان واللاجئين الفلسطينيين، وهذه الإشكاليات سيادية بامتياز ينبغي تعميق التفكّر فيها وآليات إنفاذ أهدافها القيمية الانسانية والامانية والحقوقية من خلال تعميم الوعي بأهمية أن يستلهم المسيحيون ايضاً عمق جذورهم في مهدهم فلسطين، الى ارتباط وعيهم الجماعي الوثيق بقضايا العدالة الدولية، وفي مقدمها فلسطين الدولة والعودة والقدس عاصمة.

1- مشروع ميثاق لبناني – فلسطيني – مذكرات الاباتي بولس نعمان – الجزء الاول – دار سائر المشرق – 2009 – ص 488.
2- البيان الاخير لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك – 14/11/2009.
3- المجمع البطريركي الماروني/ النصوص والتوصيات – الكنيسة المارونية والسياسية – ص 717.
4- شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان – ص 37.


( عضو اللجنة الحكومية اللبنانية للحوار اللبناني - الفلسطيني)   

ملف روسيا..الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد..

 الجمعة 26 تموز 2024 - 6:39 م

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد.. موسكو: «الشرق الأوسط».. لفت الكر… تتمة »

عدد الزيارات: 165,332,210

عدد الزوار: 7,419,858

المتواجدون الآن: 92