في ذكرى وعد بلفور وقرار التقسيم.. هل من عبرة؟

تاريخ الإضافة الإثنين 30 تشرين الثاني 2009 - 10:47 ص    عدد الزيارات 1089    التعليقات 0

        

 

بقلم: ماهر شاويش *
 
لا جدال في أن وعد بلفور المشؤوم كان السبب المباشر في كل مآسي الشعب الفلسطيني، وهو أول خطوة عمليّة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين، حيث قطعت الحكومة البريطانية تعهداً بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وكانت سبباً رئيسياً لهجرة اليهود واستجلابهم إلى فلسطين من جميع أنحاء العالم. كذلك فإنها كانت السبب الرئيسي في نشوء أكبر وأطول مشكلة لاجئين في العالم.
 
ولا نقاش في أن قرار التقسيم أدّى إلى قيام الكيان الصهيوني وجعل منه أمراً واقعاً، وكان ذلك بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيّما إذا علمنا أنه كان من المفترض التصويت على القرار في 26تشرين الثاني (نوفمبر)1947م، ولكن الوفد الأمريكي اقترح تأجيل التصويت إلى ما بعد عيد الشكر الذي كان في اليوم التالي، وذلك ليتسع الوقت للرئيس الأمريكي هاري ترومان لرشوة دول وتهديد دول أخرى ليحصل على الأغلبيّة، وقد أجرى اتصالاً هاتفياً شخصياً بمندوب الولايات المتحدة في هيئة الأمم الذي بدوره أصدر في ما بعد تعليمات للوفد الأمريكي مفادها ضرورة إبقاء النقب والعقبة ضمن نصيب اليهود حيث كانتا من نصيب العرب وفقاً للجنة UNSCOP التي ألّفتها هيئة الأمم المتحدة لحل النزاع في ذلك الوقت.
 
وبالفعل، فقد جرى التصويت في مساء 29تشرين الثاني (نوفمبر) 1947م، فكان ثلاثة وثلاثون صوتاً إلى جانب التقسيم، وثلاثة عشر صوتاً ضدّه، وامتنعت عشر دول عن التصويت، وغابت دولة واحدة.
 
نخلص مما سبق إلى أن وعد بلفور وقرار التقسيم يشكلان معاً منعطفاً أساسياً لم يكن ليقوم المشروع الصهيوني من دونهما، وأن كليهما كان بدعم وتواطؤ من بريطانيا والولايات المتحدة، وهذا يقودنا إلى أنهما يقفان في خانة معسكر الأعداء، وهنا قد يقول قائل: هذه سياسة تتغير وفق المصالح، وهم أعداء الماضي، وعلينا أن نرسم سياساتنا ومواقفنا وفقاً للحاضر لأن العالم كله تغير! وربما استشهدوا هنا بخطاب أوباما في القاهرة.
 
في الحقيقة هذه مغالطة عاش في أجوائها السياسي الرسمي الفلسطيني، وكان وحده من صدقها، فبعد 18 سنة من المفاوضات أكدت أن معسكر الأعداء لم يتغير، بل غيّر أسلوبه فقط وأصبح يقدّم وعوداً للعرب ودعماً للعدو، ولعل المؤتمرات والاتفاقيات دليل يقدم لنا يومياً ما يغنينا عن البحث والمراجعة؛ فأمن "إسرائيل" خط أحمر، والمستوطنات لا تشكل عائقاً، والقدس عاصمة أبديّة للكيان، والحدود يرسمها جدار الفصل العنصري، وعودة اللاجئين غير عملية.
 
كل ذلك يطرح أسئلة هامة على السياسي الرسمي الفلسطيني، لماذا لا يزال الرهان قائماً على الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والانصياع لأوامره؟ أما آن الأوان لوقفة جادة ومسؤولة يقفها السياسي الرسمي الفلسطيني ليراجع من خلالها ما أفرزته نتائج 18 سنة من المفاوضات كان يعوّل فيها على دعم راعي عملية السلام المزعومة ومساندته وإنصافه؟
 
الآن فقط اكتشف المفاوض الفلسطيني أنه يجري خلف سراب؟! على حد قول صائب عريقات. كيف يقرأ دعاة السلام تصريحات كلينتون الأخيرة عن الاستيطان؟ وكيف يفسّر لنا هؤلاء خطة أوباما للسلام؟
 
إن ما يجري الآن أخطر مما حصل في وعد بلفور وأبشع من مؤامرة التقسيم، حيث صُنّفت هاتان الواقعتان يومها على أنهما اعتداء سافر على حقوق شعب ومصير أمة، وقامت الاحتجاجات العربية في فترة العشرينيات والثلاثينيات بسبب الهجرة اليهودية ومصادرة الأراضي، وتداعى العرب إلى تأليف اللجنة العربية العليا للدفاع عن أنفسهم، وقاموا بتنظيم إضراب الأشهر الستة في عام 1936م.
 
في حين أن العرب اليوم يقدمون مبادرة عربية للسلام، وهي تفتقر إلى الحد الأدنى من التمسك بالحقوق العربية، ومع ذلك لا يجرؤ أحد على التلويح بسحبها، وإن حدث ذلك فإنه يكون في سبيل تحريك عملية السلام التي لم تجلب لهذه الأمة سوى الكوارث والأزمات.
 
في ذكرى وعد بلفور وقرار التقسيم، تبرز معاني الممانعة والتحدي، وتثبت الشعوب قدرتها على إبقاء جذوة الصراع مشتعلة اعتماداً على ذاكرة متقدة تأبى أن تنسى جور الأعداء وظلم ذوي القربى.
 
في ذكرى وعد بلفور وقرار التقسيم تتلاقى خطوط المؤامرة وتتضح أهدافها، وفي الوقت نفسه تتداعى إلى الذاكرة مأساة فلسطين.. الأرض والمقدسات والإنسان، وتطرح العدالة نفسها أمام سؤال كبير بات يؤرق الضعفاء في هذا العالم المتحضر: «هل من حق أوروبا أن تمنح أرض فلسطين لليهود لتكفر عن ذنبها الذي اقترفته بحقهم؟ وهل من حق اليهود أن يغتصبوا أرض فلسطين ويتناسوا جريمة الأوروبيين بحقهم وينتقموا من شعب فلسطين الأعزل؟».
 
في ذكرى وعد بلفور وقرار التقسيم، يستعيد الفلسطيني شريط إحدى وستين سنة من ذاكرة اللجوء، ويوصل بهذا الشريط شريطاً واضح الصورة والمعالم يمتد إلى واحد وثلاثين سنة في النصف الأول من القرن العشرين.. يستعيد الشريط ليؤكد: «لن ننسى ولن نغفر ولن نتنازل عن ذرّة من حقوقنا ولا حقوق أجيالنا».
 
ولا يمكننا أن نقف عاجزين مستسلمين أمام هاتين المناسبتين، بل نستحضر الألم، لنستجمع الهمم، ونشحذ الإرادة لاستعادة الحقوق، وتطهير المقدسات، وعودة اللاجئين المشردين في أصقاع الأرض، إلى ديارهم وبيوتهم، التي شردوا منها. وفي الوقت ذاته على أمريكا وبريطانيا بشكل خاص أن تتحمل كل منهما المسؤولية الأخلاقية عن الجريمة التي ارتُكبت قبل سنوات ولا تزال تفاصيلها تتكرر كل يوم ولكن بأساليب مختلفة، كذلك فإنّ كل العرب والمسلمين حكاماً وشعوباً مطالبون ببذل كل طاقاتهم لتحرير فلسطين والمقدسات التي دنسها الاحتلال.
 
 
 
* المنسق الإعلامي لتجمع العودة الفلسطيني (واجب)، ومدير تحرير مجلة العودة

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,735,067

عدد الزوار: 6,911,085

المتواجدون الآن: 93