صواريخ حماس الجديدة: من طهران إلى غزة ... مع الحب

تاريخ الإضافة الإثنين 23 تشرين الثاني 2009 - 2:51 م    عدد الزيارات 1363    التعليقات 0

        

تقرير طارق نجم ::

المتتبع لتنامي القدرات العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس يجد أن هذه القدرات قد نمت بصورة ملحوظة بعد عام2005 ، نتيجة لأربعة تطورات رئيسية فك الارتباط الإسرائيلي مع غزة في آب 2005، النجاح الانتخابي لحماس في العام 2006، استيلاء حماس على غزة في حزيران 2007، ووقف إطلاق النار عام 2009 بين اسرائيل وحماس. فهذه العوامل مجتمعة مكنت حماس من رفع مستوى تسليحها كماً ونوعاً.
ولكن حماس فاجأت الجميع، خلال إجتماع عقد اليوم الأحد، عندما أعلنت عن توصلها إلى توافق بين مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة لمنع إطلاق الصواريخ والقذائف على جنوب فلسطين المحتلة وبالتحديد المستعمرات الإسرائيلية.

وكانت حركة حماس قد كالت الإتهامات للسلطة الوطنية الفلسطينية ولمسؤوليها بأنهم عملاء وخونة لسنوات لمنعهم إطلاق الصواريخ على جنوب فلسطين، قامت اليوم بجمع ممثلي المجموعات الفلسطينية المتواجدة في غزة من خلال "إكراههم" بطريقة ملطّفة على توقيع إتفاق وقف إطلاق الصواريخ، وجعله محصوراً بالحركة في الحالات التي تجدها ضرورية. ومن جهة أخرى، نجد أن حماس لم توافق على التوقيع على المصالحة الفلسطينية التي رعتها مصر ولذلك لاسباب واهية وعناوين فارغة المعنى.

أمام إزدواجية مقاربات البعيدة كل البعد عن "الخط الملتزم والمبدأي" الذي تدعي حماس أنها تتبناه، فإن المعنى السياسي لهذه الخطوة يعني أن المنطقة مقبلة على مفترق طرق سيأخذ طابع مواجهة عسكرية بين معسكرين تتبين معالمهما كل يوم أكثر فأكثر. ومن المرجح أن أي مواجهة ستحصل ستكون ضمن الجبهات التقليدية للتفجير وتصفية الحسابات الإقليمية. وكذلك يبدو أن تكديس الصواريخ والعتاد الحربي فضلاً عن تطويره، والذي سيشكل وقود الحرب المقبلة، إنما يجري على قدم وساق، حتى في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات.
برنامج حماس الصاروخي وعملية "الرصاص المصبوب"

لفهم أوضح لبرنامج حماس الصاروخي، يجب أن يقسم هذا البرنامج إلى أربع مكونات رئيسية:
الأول انتاج صواريخ مختلفة من نوع "القسام" في قطاع غزة يتراوح مداها بين ستة و20 كم.
العنصر الثاني هو تحسين جودة الصواريخ من خلال نوعية أفضل من المتفجرات، وتطوير المحركات للوصول إلى مدى أطول، وكذلك زيادة مدة صلاحيتها عند التخزين.
المكون الثالث هو الصواريخ الايرانية الصنع المستوردة كالغراد أو الكاتيوشا ويبلغ مداها بين العشرين والأربعين كيلومترا وهي تهرّب مجزأة إلى غزة، ويتمّ تجميعها هناك.

العنصر الرابع هو قذائف الهاون عياري 81 و120 ملليمتر، والمصنعة أيضاً في إيران، وتستخدم في المقام الأول لضرب قوات الجيش الإسرائيلي، ولكن يمكن أيضاً أن تطلق على المستعمرات القريبة من الحدود.
وبما أن سلاح الصواريخ لدى حماس أصبح سلاحاً استراتيجياً، فالسيطرة على وحدات الصواريخ أصبح مهماً للغاية لذا فإن قرارات اطلاق النار على اهداف داخل اسرائيل تتخذ في المستويات العليا (من قبل الحكومة الحمساوية).
نظام إطلاق الصواريخ هو تحت سيطرة كتائب القسام، الذي يحصل على توجيهاته العامة من كبار قيادات حماس في غزة. وتتدرج الاوامر التنفيذية من قيادة كتائب القسام إلى وحدات اطلاق الصواريخ ومدافع الهاون.
ومن المعتقد ان وحدات الصواريخ قد رسمت لها مجموعات من الأهداف المخطط لها مسبقاً لاطلاق النار عليها لدى تلقيها الأمر بذلك، ولكن يمكن لها أن تتلقى أهدافا اضافية أثناء القتال.

وكجزء من الاستعدادات، فقد تمت تهيأة مواقع اطلاق النار بما في ذلك مرابض تحت الارض.
وتملك حماس فرق اطلاق صواريخ متحركة ويمكن نقلها من مكان إلى آخر حسب الحاجة للهجوم او الردّ على الإجراءات الإسرائيلية.
خلال الفترة الممتدة بين نهاية 2008 وبداية 2009، شنت إسرائيل على غزة حرباً ضروصاً سمتها "عملية الرصاص المصبوب" ولم تفرق خلالها بين المدنيين والمسلحين، وذلك بهدف إقتلاع حماس وتأليب الرأي العام الغزي عليها.
وقبل هذه العملية كانت حماس قد أطلقت خلال عام 2008 ما يقارب من 3278 صاروخاً وقذيفة مدفعية على المستعمرات الإسرائيلية وهو ضعف ما أطلق خلال العامين 2006 و 2007 معاً.

وقد إرتكزت حماس لضرب الاهداف الاسرائيل عموماً على نظام صاروخي معقّد مصنع بأغلبه في ايران. فالمتفجرات ومكونات الصواريخ تمّ تهريبها في المقام الأول الى غزة عبر شبكة الأنفاق الواسعة النطاق المؤدية من مصر إلى القطاع، لتصل إلى مصانع الإنتاج ومخازن التخزين داخل غزة تحت إشراف كتائب القسام. وقد أفاد تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنّ حماس تملك مركزاً لأبحاث الصواريخ وتطويرها في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، والتي قدمت المساعدة في التصميم والتصنيع للمرافق الإنتاجية لذا تعرضت الجامعة عدة مرات لقصف من قبل الطيران الإسرائيلي.

وفي بداية الهجوم الإسرائيلي، وزعت الصواريخ على كتائب القسام قبل بداية القتال البري تحسباً لصعوبات إعادة التموين. وقبل بدء الحرب، وكانت تشير التقديرات إلى أنّ حماس تملك حوالي عدة آلاف من الصواريخ من كل الأنواع. وقد أطلقت الصواريخ في نهاية كانون الأول 2008 بمعدل 130 في اليوم، ليعود هذا المعدل فينخفض تدريجياً ويصل إلى أدنى مستوياته ب 7 صواريخ في شهر كانون الثاني 2009 وذلك مع تكثيف القصف الجوي الإسرائيلي. وقد هدد إستعمال حماس للصواريخ ذات مدى 40 كلم ما يزيد عن مليون إسرائيلي تحت النار في بئر السبع وعسقلان والنقب.

مع الحب من إيران: صواريخ أبعد لحماس

بحسب تقرير صادر عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ 17 تشرين الثاني، فإنه رصد أخيراً إطلاق صاروخ يبلغ مداه 60 كيلومترا من غزة بإتجاه البحر المتوسط. وقد قدرت الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أن الصاروخ أطلق من قبل حركة حماس، وقد صنع في ايران.
إن إطلاق مثل هذا الصاروخ من قطاع غزة يشير إلى إمكانية وصوله للضواحي الجنوبية لتل ابيب فضلاً عن إستهدافه معظم أنحاء جنوب فلسطين المحتلة.

هذه الحادثة جاءت وسط جهود حماس الجادة لبناء ترسانة من الصواريخ طويلة المدى (أي بين 40 الى 60 كيلومترا). الأمر الذي سيمكن حماس من الضغط بقوة أكبر على إسرائيل ويعززها سياسياً في صراعها مع حركة فتح. كما قد تلعب القدرات التسليحية الجديدة لحماس دوراً مفسداً لأية مفاوضات فلسطينية مع اسرائيل.
وبالرغم من أنّ نوع الصاروخ الذي جرى اختباره لم يحدد، فالمصادر الاسرائيلية تشير إلى ان طوله يفوق خمسة امتار مع رأس يحتوي على 45 كلغ من المواد شديدة الإنفجار. ويمكن زيادة مدى الصاروخ إلى ما بعد 60 كيلومترا في حال تمّ تخفيف وزن رأسه المتفجر. في الواقع، ووفقاً لعاموس يدلين، مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية، فحماس لديها الآن "عشرات" من الصواريخ ذات المدى الذي يصل إلى 60 كم.

الصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها حماس مؤخراً والتي نفت رسمياً إمتلاكها، من شأنها أن تثير المشاكل المعقدة لإسرائيل وجيشها. فقدرة حماس على ضرب عمق اسرائيل، ستزيد من العبء على الدفاع المدني، وستساهم بتعطيل أكبر للحياة المدنية في مساحات كبيرة من فلسطين المحتلة، بالإضافة للتعقيدات المحتملة للعمليات العسكرية. فخلال عملية الرصاص المصبوب في غزة مطلع هذا العام، حاولت حماس استهداف المنشآت العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك المطارات ومعسكرات الجيش، ومرافق تخزين الأسلحة، وإن كان ذلك دون نجاح يذكر, ولكن بمدى صاروخي يبلغ 60 كيلومتراً، و45 كلغ من الرؤوس المتفجرة فيحتمل أن مقدار الأضرار سيكون أكبر مع زيادة القدرة التدميرية للصواريخ ذات الرؤوس الحربية الصغيرة التي لجات إليها حماس في الماضي.

المغزى الحقيقي لصاروخ حماس الجديد والطويل المدى القوة يمكن تفسيره من خلال عدد من العوام. بادئ ذي بدء، فإن عدد الصواريخ التي تمتلكها حركة حماس سيؤثر على قدرتها للحفاظ على تواصل الهجمات الصاروخية أثناء القتال وإلحاق أكبر قدر من الأضرار. فهذه الأنواع من الأسلحة هي بطبيعتها غير دقيقة، ومن الضروري اطلاق أعداد كبيرة منها لضمان إصابة حتى الاهداف الكبيرة . أضف إلى ذلك، فإن الأعداد الكبيرة للصواريخ سيكون لها تأثير أكبر على المستويين السياسي والنفسي منها لو كانت بأعداد أصغر في اي معركة مقبلة. وكذلك فإن حجم الرأس الحربي المتفجر ونوعه يعتبران على مستوى بالغ من الأهمية. فعلى سبيل المثال، يمكن للرؤوس الحربية التي تحملها صواريخ الـ60 كلم، أن تذخّر بحشوات أقوى لضمان إصابات أكبر (من خلال انفجار تقليدي واحد أو إنفجارات مجزئة)، كتلك التي استخدمها حزب الله في حرب لبنان 2006.

في حين أن الأسلحة الجديدة توفر فرصا جديدة لحركة حماس، لكنها تشكل تحدياً. فلتأمين إفادة كاملة من هذه الأسلحة، تبدو حماس أنها بحاجة لإنشاء جهاز استخبارات يسمح باطلاق النار بصورة دقيقة على الأهداف وتصحيح الرماية عند اللزوم. وفي الوقت الراهن، من المرجح أن حماس تفتقر لتلك القدرة، ولكن يمكن للحركة أن تحصل على معلومات محدودة من خلال التقارير الإخبارية والمراقبين على الأرض.
ثم أنّ الصواريخ بعيدة المدى ستشكل تحدياً لناحية مرافق التخزين ووحدات إطلاق النار، بالإضافة إلى أنها أكثر وضوحا عند التحرك. هذه العوامل ستجعلها أكثر عرضة للاكتشاف و التدمير على يد القوات الإسرائيلية.

القبة الحديدية الإسرائيلية

من جهة ثانية، فإنّ التقارير العسكرية تشير إلى أنّ قدرة الجيش الإسرائيلي على التعامل مع الصواريخ آخذة بالتحسن. فكما يتبين من تجارب حرب عام 2006 وعملية الرصاص المصبوب، فقد باتت إسرائيل تدرك التهديد الكبير لهذه الصواريخ وكيفية التعامل معها. علاوة على ذلك، فإن قطاع غزة يوفر بيئة عسكرية مختلفة عن جنوب لبنان، في نواح كثيرة أقل تحدياً للجيش الاسرائيل. فغزة هي أصغر بكثير من جنوب لبنان، وبالتالي أسهل للتغطية من المخابرات والضربات الجوية كما أن أسلحة حماس الجديدة تتطلب وجود عدد أكبر من أفراد الطواقم. ونظرا للتهديد المحتمل، فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية من المرجح أن تولي أولوية عالية لتحديد مواقع مستودعات تخزين ومنصات إطلاق لصواريخ بعيدة المدى، فضلاً عن القادة والطواقم لكي يتم إستهداف جميع مكونات النظام الصاروخي طويل المدى بضربات جوية وقوات برية، كما حدث خلال الرصاص المصبوب. وبحلول منتصف العام المقبل، ستكون إسرائيل مستعدة لنشر نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، والتي ستكون قادرة على تدمير أكثر الصواريخ القادمة من القطاع.

ومنذ آب الماضي، أكدت جميع تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إلى أنّ نظام القبة الحديدية التابع لسلاح الجو الإسرائيلي سيصبح قيد التشغيل خصوصاً مع تشكيل كتيبة جديدة لإدارته، وفقا لما ذكرته صحيفة جيروساليم بوست. هذا النظام الذي وضعته "رافائيل لأنظمة الدفاع" وهي شركة مملوكة للدولة مقابل مبلغ 206 مليون دولار، سيبدأ العمل في منتصف عام 2010، وسيكون قادراً على اعتراض صواريخ القسام قصيرة المدى وصواريخ كاتيوشا التي اطلقت من قبل حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في جنوب لبنان.

الكتيبة الجديدة هي جزء من قوات سلاح الجو والدفاع الجوي، يقودهم الكولونيل شبتاي بن بوهر الذي كان على رأس نفس المجموعة قائدا لكتيبة صواريخ الباتريوت. وقد بدأ ضباط من تلك الكتيبة التدريب على نظام القبة الحديدية، والتي تجري محاكاته بالكمبيوتر ويعمل من خلال رصد الصواريخ قصيرة المدة عبر ردار متطور وإصابتها بمقذوفات سريعة. وفي سلسلة من التجارب التي أجرتها وزارة الدفاع الاسرائيلية في تموز، فالقبة الحديدية نجحت في إعتراض عدد من صواريخ الغراد المشابهة للقسام والكاتيوشا، وقد نشر حتى الآن أربعة قاذفات على الأقل، كل منها يحتوي على 20 صاروخاً على أن ينشر نفس هذا النظام على طول الحدود مع لبنان.

نتيجة حصول حماس على صواريخ بعيدة المدى، تعني أن الصراعات العسكرية في المستقبل مع اسرائيل ستكون أكثر شراسة، وتغطي منطقة جغرافية أوسع، وتنشر المزيد من الدمار في كل من إسرائيل وقطاع غزة. ولا يجب النظر إلى صواريخ حماس بمعزل عن سياق آخر هو حصول حزب الله على صواريخ بمدى 300 كم. ففي ظل إندلاع حرب على جبهتين، يعني أن معظم فلسطين المحتلة بما في ذلك تل أبيب والقدس، ستكون في مرمى صواريخ حزب الله وحماس والتي تصنعها طهران. إنّ تعزيز تدابير الدفاع المدني تشمل نظام الإنذار هجوم صاروخي، وتوفير الملاجئ المحصنة، وتنسيق الخدمات الطبية وغيرها من حالات الطوارئ والتي من شأنها أن تقلل من التهديد الصاروخي لحماس لا أن تقضي عليه.

ومن خلال قدراتها الصاروخية المتزايدة، ستزيد حماس من قوتها السياسية من خلال تعزيز صورتها كحركة "مقاومة" في مواجهة حركة فتح . كما أن توسيع القدرات العسكرية لحماس من شأنه أن يضفي وزنا أكبر للتنظيم المتشدد المتمثل بالجناح العسكري لحماس أي كتائب عزالدين القسام، والذي قد ينسف أي مفاوضات مع السلطة من خلال إشعال حرب شبيهة بعملية الرصاص المصبوب والتي تنتظرها إسرائيل بلهفة لتصفية الحسابات القديمة والجديدة والتملص من وعود السلام.
 
المصدر : خاص موقع 14 آذار

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,379,972

عدد الزوار: 6,889,706

المتواجدون الآن: 76