خطوط التصدّع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقلم أنطوني زيتوني

تاريخ الإضافة الإثنين 20 تموز 2009 - 7:17 ص    عدد الزيارات 1276    التعليقات 0

        

بعد انقضاء أكثر من شهر على الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 12 حزيران، لا تزال إيران تتخبّط في اضطرابات سياسية تسبّب بها سوء تصرّف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. من الواضح أنه فرض إراداته خلال الاحتجاجات على الانتخابات مستخدماً الـ"باسداران"، وميليشيا الباسيج المتشدّدة، وكذلك أجهزة سرية أخرى ضد شعبه.
آية الله علي خامنئي هو العائق الآن. أصبح حامي أحمدي نجاد بدلاً من أن يكون "أب كل الإيرانيين" بموجب ما ينص عليه الدستور. كان يُفترَض بسلطته أن تجعله ينأى بنفسه عن الجماهير، مما يسمح له بأن يجد حلاً حكيماً وعادلاً للخلاف بشأن الانتخابات الرئاسية. بدلاً من ذلك، أعلن أن إعادة انتخاب أحمدي نجاد هي "نصر إلهي".
بعد أسبوع من الانتخابات، خلال إلقائه خطابه في جامعة طهران في 19 حزيران، ارتكب خطأ أساسياً. فقد قطع الطريق أمام أي تسوية في موضوع الانتخابات المتنازع عليها، وأمر مواطنيه بقسوة بأن يوقفوا احتجاجاتهم ويعودوا إلى منازلهم ويمتثلوا للنتائج. وعلاوة على ذلك، أعلن أن "آراء أحمدي نجاد قريبة جداً من آرائي".
لقيت هذه الهفوات المتهوّرة رفضاً واسع النطاق من الشعب الذي صرخ من أعلى السطوح "الله أكبر" في عصيان مفتوح لتعليمات خامنئي. وشهد مساء الجمعة نفسه إطلاق شعار "الموت للديكتاتور" أي علي خامنئي. استمر الناس في الهتاف "الموت للديكتاتور" طوال شهر الاحتجاجات، بما في ذلك خلال الاعتصام الأخير في طهران. تحدّى نحو ثلاثة آلاف متظاهر القوى الأمنية التي أطلقت غازاً مسيلاً للدموع وشنّت هجوماً عنيفاً عليهم. وقد احتشد الآلاف على الرغم من كلام محافظ طهران مرتضى تمدن الذي هدّد المتظاهرين الإيرانيين بالقول "سيُسحَقون تحت أقدام شعبنا المتنبّه". وقد سمح المرشد الأعلى بهذا النمط من العنف الرسمي ضد الشعب حتى إنه شجّعه. وكان واضحاً في خطابه في 19 حزيران الماضي عندما قال إن كل متظاهر هو عميل أجنبي يعمل ضد الثورة الإسلامية.
لطالما كان "الموت لأميركا" الشعار الرسمي للثورة الإسلامية. ويثبت استبداله بـ"الموت للديكتاتور" بأن أخطاء خامنئي ولّدت خطوط تصدّع عميقة وجوهرية في النظام الإسلامي. أحد المعتقدات الأساسية في الثورة الإسلامية هو أن المرشد الأعلى يمثّل حكم الله على الأرض. الآن ينتقد رجال الدين والعلمانيون الإيرانيون ذلك الرجل بعدما كان الأمر يُعتبَر من المحرّمات من قبل. مؤسسة "ولاية الفقيه" المقدّسة هي الآن موضع تشكيك بعدما فرضتها الثورة الإسلامية بقيادة الخميني. وشرعية خامنئي في منصب المرشد الأعلى هي موضع تشكيك أيضاً، ومن شبه المستحيل أن يتمكّن من استعادة صدقيته. يثير هذا الوضع تساؤلات حول موثوقية مؤسسة المرشد الأعلى. إنها خطوط تصدّع أساسية في إيديولوجيا النظام الإسلامي الإيراني. وقد أصاب جهاد الزين من صحيفة "النهار" في بيروت بوصفها بأنها "مزقة في العمامة" في إيران.
في مدينة قم المقدّسة التي هي قلب المؤسسة الدينية، هنّأ واحد فقط من أصل تسعة من آيات الله العظمى يتوّلون أعلى المناصب الدينية، أحمدي نجاد على فوزه في الانتخابات. وقد انتقد أربعة منهم علناً الانتخابات وما أعقبها من موجة قمع بدعم من خامنئي. والأول بينهم هو آية الله العظمى حسين علي منتظري الذي كان يُعتبَر سابقاً خليفة الخميني في منصب المرشد الأعلى، وقد تحدّى الانتخابات وسيادة خامنئي عبر إصدار فتوى في 24 حزيران الماضي أعلن فيها الحداد الوطني لمدّة ثلاثة أيام بعدما "تعرّض الشعب الإيراني العظيم للهجوم والضرب وإراقة دمائه وقتله". وورد في موقعه الرسمي على الإنترنت "الحكومة التي لا تحترم تصويت الشعب لا تملك شرعية دينية أو سياسية".
وحذّر آية الله العظمى يوسف صانعي أخيراً من أنه "نظراً إلى غياب الدعم العام، قد تواجه الحكومة مشكلات قانونية ومدنية وغياب الكفاءة".
قال آية الله العظمى حسين موسوي تبريزي لوكالة "أسوشييتد برس" هذا الأسبوع إن "الناس احتجّوا بطريقة سلمية على نتائج الانتخابات، ويجب ألا يكون الرد عليهم بواسطة الرصاص". وأكّد أن "أي نظام ينكر حقوق الشعب هو نظام غير شرعي".
ووصف آية الله العظمى جلال الدين طاهري إعادة انتخاب أحمدي نجاد بأنها "حرام دينياً" واستغلال للسلطة.
يُعرَف آيات الله العظمى هؤلاء على نطاق واسع بـ"المرجع" ويُحترَمون لقيادتهم الدينية. ويعتبر عدد كبير من رجال الدين الإيرانيين أن خامنئي لا يتمتع بالكفاءات الدينية ليكون المرشد الأعلى.
وحده آية الله المتشدّد محمد تقي مصباح اليزدي (الذي يُعتقَد أنه المرشد الروحي لأحمدي نجاد) زعم أنه يحق للمرشد الأعلى وحده أن يحكم لأن "إدارة السلطة انتقلت من الأئمة إلى المرشد الأعلى". حتى هذا الكلام لا يصب في مصلحة خامنئي الذي يُتَّهم على نطاق واسع بتنفيذ انقلاب ضد الدستور الإيراني الذي يعترف بالنظام الجمهوري واحدة من ركائز المؤسسة السياسية. اتّهم مهدي كروبي، وهو أحد المرشحين المعارضين الذين هُزِموا في الانتخابات، مجتبى خامنئي، ابن المرشد الأعلى، بـ"قيادة الانقلاب العسكري" هذا الشهر. واتهم الزعيم المعارض الإيراني مير حسين موسوي المرشد الأعلى بالعمل "ضد النظام الجمهوري" في إيران.
ما الذي ينتظر إيران؟ هل ستكلّف هذه الأخطاء خامنئي منصبه إلى جانب شرعيته؟ كيف يستطيع الإصلاحيون أن يحولوا دول تحوّل إيران ديكتاتورية عسكرية؟
يجب أن يتحرّك هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء، في الحال لفرض نظام الضوابط والتوازنات المنصوص عليه في الدستور الإيراني. فهذا المجلس المنتخب المؤلّف من 86 عضواً هو الهيئة الدستورية الوحيدة القادرة على أن تمارس نظرياً سلطة حاسمة على منصب المرشد الأعلى. يُعرَف رفسنجاني بأنه كان صانع الملك في انتخاب خامنئي مرشداً أعلى عام 1989. ويتعيّن عليه الآن أن يجد حلاً للمأزق الذي تسبّب به خامنئي. لقد حذّر رفسنجاني المرشد الأعلى قبل ثلاثة أيام من الانتخابات من أن ما سيحصل قد يرتدّ بنتائج عكسية إذا لم يتحرّك خامنئي في الحال.
يجب أن يبادر رفسنجاني إلى عزل المرشد الأعلى واستبداله موقتاً بآيات الله العظمى في قم. والأمثل هو أن يُنتخَب أحدهم مرشداً أعلى. لكن يجب تغيير الدستور الإيراني ليصبح المرشد الأعلى خاضعاً للمساءلة أمام هيئة حاكمة، مثل مجلس الخبراء، من أجل تفادي استبدال ديكتاتور بآخر.
لطالما حكم خامنئي إيران بيد من حديد، لكن هذه المرّة ذهب بعيداً جداً بالنسبة إلى الشعب الإيراني. وقد تحلّوا بالشجاعة ليعترضوا على ممارساته الأخيرة، والعالم في انتظار مؤشرات عن حدوث تغيير جوهري.

"ميدل إيست تايمز"
ترجمة نسرين ناضر

(باحث مقيم في واشنطن.)

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,059,884

عدد الزوار: 6,750,634

المتواجدون الآن: 98