واشنطن تسعى الى تفادي مواجهة مع ايران قريباً.."الموساد" يجنّد ناشطين من منظمة باكستانية لتنفيذ هجمات داخل إيران
هدد مسعود جزايري، معاون رئيس اركان القوات الايرانية، برد «مؤلم وقاسٍ في الوقت المناسب»، علی اغتيال العالم النووي مصطفى احمدي روشن في طهران الأربعاء الماضي، مؤكداً ان «اعداء» بلاده تحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل سيتحملون مسؤولياتهم باستخدام (ايران) امكانات مستمدة من العمق الاستراتيجي للثورة الاسلامية».
ترافق ذلك مع كشف مصادر امنية ايرانية ان معلومات قدمها العميل لجهاز الاستخبارات الاسرائيلي (موساد) مجيد جمالي فش الذي اعترف باغتيال العالم مسعود علي محمدي في كانون الثاني (يناير) 2010، تسمح بملاحقة اجهزة الأمن الايرانية عملاء «موساد»، ما يعني دخول جهاز الاستخبارات الايرانية مرحلة جديدة في المواجهة مع اجهزة الاستخبارات التي تقف وراء اغتيال العلماء النوويين.
وامتنعت إسرائيل عن التعليق على اغتيال روشن، في تفجير هو الخامس من نوعه خلال سنتين، فيما نفی وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ضلوع بلاده لكنه لمّح الى انه يملك «فكرة بسيطة» عن هوية منفذي الاغتيال. وتؤكد اوساط قريبة من البيت الأبيض حرص المسؤولين الأميركيين على تفادي خوض مواجهة عسكرية مع طهران قريباً ما يفسر ايضاً وصف البنتاغون مضايقة زوارق ايرانية سفينتين حربيتين اميركيتين في بحر العرب هذا الشهر، بأنها عمليات «عادية وغير عدائية».
لكن وزارة الخارجية الايرانية اعلنت أمس انها سلمت السفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية في طهران رسالة أفادت بامتلاك «مستندات ووثائق عن ان وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) خططت العمل الارهابي ووجهته ودعمته»، في اشارة الى اغتيال روشن.
وتحدثت الوزارة عن ارسال «خطاب ادانة» الى الحكومة البريطانية، اشار الى أن «مخطط قتل روشن وضع قيد التنفيذ مباشرة بعد اعلان رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية (ام أي 6) جون سويرز بدء عمليات استخباراتية ضد إيران».
ودعا رئيس لجنة حقوق الإنسان الإيرانية محمد جواد لاريجاني المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي، إلى تعيين مقرر خاص للتحقيق في اغتيال العلماء الإيرانيين. وكتب في رسالة الى بيلاي: «التاريخ الإنساني قلّما شهد جرائم مماثلة». وانتقد «صمت» المجتمع الدولي حيال القضية التي قال إن «معطياتها تشير الى ضلوع عناصر موساد بتنفيذها مع دعم شامل من دول غربية».
وابدت مصادر في ايران عدم ارتياحها الى «الخرق الأمني الفاضح» الذي ادى الى تكرار عمليات اغتيال علماء، ودعت الى معالجة المسألة بـ «ذكاء»، مع استمرار احتمال وجود خلايا نائمة تستعد لإستهداف اساتذة جامعيين يعملون في البرنامج النووي. وتفيد معطيات باحتمال نصب 3 آلاف جهاز طرد مركزي من الجيل الثالث في منشأة «فردو» القريبة من مدينة قم لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة.
ومع استمرار تشديد العقوبات والتحضيرات الأوروبية لحظر استيراد النفط الايراني، اكدت ايران انها «لا تملك اي قطرة نفط غير مباعة في الخليج»، وان صادراتها النفطية من الخليج «تسير في شكل طبيعي، وبموجب نظام الحصص لمنظمة اوبك».
وكانت وسائل اعلام غربية افادت بأن طهران «خزنت 18 مليون برميل من النفط في ناقلات بالخليج» بسبب عراقيل تجارية، وتحضير الاتحاد الأوروبي لفرض حظر على واردات النفط الإيراني.
تسير إدارة الرئيس باراك أوباما على خيط رفيع في سياستها حيال إيران من خلال محاولتها تفادي رفع حدة التشنج والانزلاق إلى مواجهة مفتوحة من جهة، مع التمسك باستكمال الضغوط والعقوبات الاقتصادية والتحذيرات من عواقب أي تصرفات طائشة في المنطقة أو تطوير سلاح نووي.
وتعكس الأوساط القريبة من البيت الأبيض حرص المسؤولين الأميركيين على عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع طهران اليوم، وهو كان الدافع الأساس في اختيار واشنطن قناة ديبلوماسية كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» لإيصال رسالة إلى المرشد الأعلى في طهران علي خامنئي بأن إغلاق مضيق هرمز «خط أحمر».
ورجّح مراقبون أميركيون أن تكون تركيا ووزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو هو من حمل رسالة أوباما إلى خامنئي الأسبوع الماضي قبل أن يلتقيه نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام برنز منذ يومين في أنقرة.
ورأى المعلّق في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد أغناطيوس أن هكذا قناة غير مباشرة لم تعد كافية لتفادي «مواجهة مفتوحة» بين الولايات المتحدة وإيران، وعلى واشنطن اعتماد «قناة خلفية» مباشرة مع النظام الإيراني.
ويقـــــترح أغناطيـــــوس أن تــــدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) القناة المباشرة، وأن تتواصل مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني خصوصاً أن لديه اتصالاً مباشراً مع المرشد الأعلى في إيران.
ويرى الكاتب أن هذه القناة ضرورية لتفادي إشعال فتيل أزمة وحرب طويلة بين الجانبين، إذ عكست تحركات الأسابيع الأخيرة من التهديدات بإغلاق مضيق هرمز والتلويح بعقوبات نفطية جديدة على إيران، ومن ثم اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشن والحكم على مواطن أميركي في طهران بالإعدام، أن الإيقاع التصعيدي قد يخرج عن السيطرة في حال عدم تداركه ديبلوماسياً.
وحاولت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا النفي في شكل قاطع أي دور أميركي في اغتيال العالم، لتهدئة الأجواء ونظراً لاستبعاد قيام «سي آي أي» بهكذا عملية في شمال طهران.
ورجّح مراقبون أميركيون وقوف إسرائيل أو حركة «مجاهدي خلق» (التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية) وراء عملية الاغتيال، ومن هنا كان اتصال أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الخميس الماضي. كما حمّل بانيتا رسائل حازمة لإسرائيل في زيارته الأخيرة لثنيها عن القيام بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وترى واشنطن في نهج العقوبات والضغوط السياسية الوسيلة الأفضل لردع طهران، وتأمل في عودة إيران إلى طاولة الحوار حول ملفها النووي. غير أن التعنّت الإيراني ودخول كل من الولايات المتحدة وفرنسا في مرحلة الانتخابات الرئاسية يفرض قاعدة وحسابات متغيرة لدى الجانبين، ويزيد من احتمالات المواجهة في ظل غياب الاتصالات المباشرة بين أميركا وإيران.