من يحكم إيران حقاً؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 3 تشرين الثاني 2009 - 9:10 ص    عدد الزيارات 833    التعليقات 0

        

ماري كلود دو كامب.... لوموند

إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة المثيرة للجدل والتي جرت في يوم 12 حزيران الفائت تقدم صورة ناصعة عن المجتمع الإيراني الذي يحكمه رئيس متشدد يطالب من على منبر الأمم المتحدة بإزالة إسرائيل متحدياً بذلك الأسرة الدولية· أما على صعيد البرنامج النووي فهو عبارة عن قطار من دون مكابح وينطلق بسرعة فائقة قادرة على إزاحة كل من يعترض سبيله، إلا أنه يبقى رئيساً هشاً وسريع العطب ومرفوضاً من قبل الدستور في أي وقت ممكن·

إن السلطة الحقيقية في إيران هي في يد شخص يعيش في الخفاء يدعى علي خامنئي يبلغ من العمر 70 عاماً، ويشرف على الزعامة الدينية والجيش والقضاء وعلى قسم كبير من حراس الثورة وأوساط الدعاية والإعلام· أما فيما يتعلق بوزارة الخارجية فهي تدار من قبل لجنتين تهتمان بالبحوث والدراسات وتقديم النصائح، وهما لجنتان تتبعان لمرشد الثورة الإسلامية الذي تبقى كلمته هي الأخيرة التي يجب التقيد بها سواء على صعيد العلاقات الخارجية أم على صعيد الملف النووي·

باختصار، إن مرشد الثورة الإسلامية هو الحكم الأعلى الذي يقرر سياسة بلده وفقاً للتحالفات والضرورات التي تقتضيها مصلحة بلاده· لكن هذا المرشد قد خرج من قمقمه في شهر حزيران الفائت على الرغم من طابع السرية والكتمان الذي يتحلى به والذي يشمل سيرة حياته، وهوية معاونيه الذين لايعرف أحد عنهم سوى القليل من المعلومات المتعلقة بهم· لقد اضطر إلى أن يظهر ليدافع عن <جواده> محمود أحمدي نجاد بعد فوزه في ولاية دستورية ثانية وليدحض الأعمال التي يقوم بها معارضوه والتي وضعها في خانة <التآمر> على الثورة الإسلامية الإيرانية· لكن دفاعه هذا لم يخلُ من انتقادات لاذعة ضده مثلما أظهرت ذلك تلك المسيرات والمظاهرات التي شارك فيها ملايين الإيرانيين في شوارع العاصمة الإيرانية احتجاجاً على فوز محمود أحمدي نجاد· حتى أن الاعتراضات كادت تمس شخص المرشد الأعلى الذي بدأت الشكوك تدور حول توليه خلافة آية الله الخميني، إذ توصل إلى ذلك بين ليلة وضحاها من دون الحصول على تزكية معظم رجال الدين في إيران· وضمن هذا السياق يقول أحد الإيرانيين الذي لم يرد أن يعلن عن اسمه: <لقد أصبح علي خامنئي في ليلة واحدة مرجعية دينية في إيران، كما لو أن الكنيسة الكاثوليكية بعثت بكاهن قرية إلى الفاتيكان ليصبح بابا روما>· وهناك بعض المرجعيات الدينية في مدينة <قم> الإيرانية التي أخذت تأسف على ما يقوم به خامنئي من جمع بين ما هو عسكري وسياسي في آن واحد بين يديه· إذاً، نستطيع القول إن خامنئي لا يحظى بالدعم الديني الوافر، ولا حتى بالدعم الشعبي لاسيما بعد أن أوقفت الشرطة الإيرانية ما لا يزيد على 4000 معارض ووضعتهم في السجون حيث يلقون شتى أنواع التعذيب والابتزاز، كما أنه لم يعد يحظى بالدعم السياسي نظراً لما يقوم به النظام من مطاردات بدأت تطال الشخصيات السياسية التي كانت تمثل المؤسسة الفعلية للثورة الإيرانية، ومن بينها الرئيس السابق رفسنجاني المعروف عنه ولعه الشديد بالتجارة وكسب المال···

إذاً، يبقى السؤال الذي يحير الأذهان هو من يحكم حقاً إيران؟ طبعاً، ما زال خامنئي هو رمز النظام السياسي القائم في إيران والمستند على شبكات وميليشيات قوية للغاية باتت اليوم واسعة الثراء والغنى بفضل السماح لها بالعمل في التجارة وفي بناء المطارات والمرافئ وفي الموانئ وتوريد السلاح والنفط وأجهزة الاتصالات، أي العمل في مجمل مفاصل العجلة الاقتصادية في إيران· ناهيك عن تغلغل نفوذ خامنئي في أجهزة الأمن والاستخبارات التي تحيط البلاد بشبكة منيعة غير قابلة للاختراق مثل شبكة العنكبوت·

ويبقى السؤال هو على من تعتمد هذه النواة الصلبة المتشددة التي يدور حولها النظام الإيراني القائم؟ غالباً ما تمت الاعتماد على عناصر قدامى في الاستخبارات الإيرانية التي تم تصفيتها وإبعادها في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، وذلك بعد أن قام هؤلاء بتصفية المعارضين والمثقفين في نهاية التسعينيات من القرن الفائت تصفية جسدية· ومع ذلك يبقى السواد الأعظم منهم يعمل سراً تحت حماية المرشد الأعلى خامنئي ويقدم الدعم المطلق لمحمود أحمدي نجاد، فهم الذين عملوا على تعيينه في عام 2003 محافظاً لمدينة طهران ومن ثم رئيساً للجمهورية في عام 2005· وعندما بدأت انتخابات هذا العام 2009 كان مخططاً فوز محمود أحمدي نجاد منذ الجولة الانتخابية الأولى بهدف الإسراع في تهدئة خواطر الغرب وإقناع أعداء إيران بأن بلدهم قوي بحكامه وقادته وأصبح من القوى العظمى التي يجب أن يحسب لها كل حساب في المنطقة· ألم يعلن مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي منذ بداية الانتخابات قائلاً: <لاتعطوا أصواتكم إلى أولئك الذين يريدون التنازل والاستسلام لصالح الغرب>· ثم تلاه محمود أحمدي نجاد حين اتهم الرئيس الإصلاحي خاتمي بأنه أبرم في عام 2003 اتفاقيات مع الأوروبيين أفضت إلى وقف تخصيب اليورانيوم في إيران· إنها، في نظره، اتفاقيات <تشكل خيانة للأمة الإيرانية>·

باختصار، لم تنجح الحسابات التي كان يتوقعها النظام الإيراني، فالإدانات والحديث عن أعمال غش طالت الانتخابات مازالت تكمن تحت الرماد كالنار وهي قابلة للاشتعال في أي لحظة كانت· ولكن في هذه المرة يرى المرشد الأعلى نفسه مضطراً للقيام بعملية هروب إلى الأمام لا تخلو من مخاطر جمة·
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,156,398

عدد الزوار: 6,757,730

المتواجدون الآن: 133