زغرتا- الزاوية: صراع التيارات المسيحية ملتحفاً العباءة العائلية

تاريخ الإضافة الإثنين 25 أيار 2009 - 5:34 ص    عدد الزيارات 1437    التعليقات 0

        

 

\"\"

كتبت هيام القصيفي:
في الحلقة الرابعة من الملف الذي تنشره "النهار" تمهيداً للانتخابات النيابية، حول واقع بعض الاقضية واتجاهات التصويت فيها وواقع القرى والبلدات استناداً الى معطيات وجداول احصائية اعدها لـ"النهار" الباحث يوسف شهيد الدويهي، نتوقف عند قضاء زغرتا – الزاوية.
هي تلك المدينة المارونية التي يفضل موارنة الجبل والداخل ان تظل بعيدة عنهم في "الاطراف"، وكأنهم يريدون اتقاء خيرها قبل شرها، لكنها تعاند ابدا لتبقى ولو على مسافة مئة كيلومتر في قلب الجبل وفي خضم احداثه.
هي المدينتان اللتان تطلان علينا بفرادة لا تشبه أياً من بلداتنا. واحدة اسمها زغرتا مدينة "العائلية السياسية" والعصبية والتاريخ الممزوج بالالم والوجع والدم، وزعيمة الشمال الماروني السياسية التي قدمت الى الجمهورية رئيسين: سليمان فرنجيه الذي وصل الى عاصمة الجبل وقصرها، الذي غادره مكرها تحت وطأة الحرب في آخر اشهر ولايته، ورينه معوض الذي منع من الوصول الى القصر الرئاسي الذي اعتاده ايام الرؤساء "الشهابيين"، واغتيل في قلب بيروت.
ومدينة ثانية اسمها اهدن، مدينة الأبيض الذي يكلل جبلي مار سركيس وسيدة الحصن، وفرادة الجمال الذي يصوره الفنان صليبا الدويهي بأبهى ألوانه، والحرج الأخضر والأدباء والشعراء والفرح الطالع من ميدانها العتيق.
وبين زغرتا الشتوية واهدن الصيفية حكايات عن المجد الذي صنعه البطريرك اسطفان الدويهي ويوسف بك كرم وجواد بولس وحميد فرنجيه وسياسيون ومسرحيون وشعراء وادباء وروائيون. وحكايات عن علاقة المدّ والجزر مع الكنيسة المارونية منذ ايام البطريرك الدويهي الى البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، من دون ان ننسى الحضور التاريخي والقوي للرهبانية الانطونية الذي خرج من رحمها الأب سمعان الدويهي احد زعماء زغرتا الذين تركوا علامة فارقة في تاريخ الكنيسة نائباً بلباس الكهنوت في البرلمان. وزغرتا دون سائر المدن المارونية واللبنانية التابعة للابرشيات، تتبع بكركي، ولها نائب بطريركي عام، في حين ان سائر البلدات التي يتألف منها القضاء تتبع ابرشية طرابلس المارونية.
ومفارقة زغرتا انها المدينة التي اختصرت القضاء ببلداته الخمسين فتحوّلت وحدها عاصمة قرار القضاء والناطقة باسمه. وصارت القرى والبلدات تدور في فلك المدينة الام كأنها طالعة من رحمها من دون ان يقص احد حبل السرّة بينهما، لتصير زغرتا الناطقة باسم هذه القرى، فلا نواب الا منها. غابت قرى الزاوية عن واجهة الحدث، واختصرت العلاقة التاريخية والانسانية والمصيرية بينها وبين زغرتا بتعبير "المزارع".
"البكاليك، هي الاملاك الاميرية التي تعود ملكيتها الى الدولة (العثمانية) وتقسم الى قسمين، حقول زراعة القمح والتبغ وحقول زراعة الاشجار المثمرة (...) وتتقاسم الحكومة والمشاركون في خدمة الارض مردود الانتاج. عام 1715 انشىء عدد من البكاليك في مختلف انحاء الجبة والزاوية ومنها مزيارة وسبعل وسرعل والحدث وطورزا وكفرفو وحوقا وكرم سدّة... فاتخذت هذه القرى اسم مزرعة لذلك تعرف حتى الان قرى بشري والزاوية باسم المزارع". (من محفوظات البطريركية المارونية منشورة في دراسة جامعية لانطونيوس الخوري).
خمس عائلات تحكم اكبر مدينة مارونية في لبنان (والعالم)، فرنجيه والدويهي ومعوض وكرم ومكاري وتدور حولها عائلات كثيرة تسمى اللفيف او العرّة (...)، "والعرّة هي في لسان العرب ما انضم الى القطيع من رؤوس غريبة. وكانوا يبالغون في الولاء ويندفعون للخدمة، ينظمون الاهازيج الركيكة في زمن الانتخابات وهم يُخرجون رؤوسهم من شبابيك السيارات راسمين اشارات النصر، يتوزعون على القرى والمزارع المحيطة، يؤمّنون اقتراع انصارهم هناك وينظرون شزراً الى مؤيدي خصومهم، يرسلون من بينهم مندوبين الى جميع القرى وداخل اقلام الاقتراع، أقلام الرجال وأقلام النساء، يجولون في البلدات قبل اسابيع من يوم الانتخاب، ليلاً ونهاراً، يرفضون الدخول وراء العازل ليسقطوا ورقتهم جهاراً وللتأكيد أنهم "يحلبون صافيا" مع زعمائهم". (عن رواية "مطر حزيران" لجبور الدويهي).
خمس عائلات يزنّرها "خيط رفيع من الدم". ففي زغرتا ثمة عائلات وبيوت كُتب عليها الا يموت افرادها على فراشهم. كل ألوان الدويهي في رسومه لم تستطع ان تخفف حدّة اللون الاسود الذي لبسته نساء زغرتا منذ الثلاثينات مرورا بـ"حادثة مزيارة" و"ثورة 1958" وعمليات الثأر المتبادلة، وصولا الى "مجزرة اهدن" واغتيال الرئيس رينه معوض والمآتم الجماعية في كنيسة "سازغرتا" (مختصر لكلمة سيدة زغرتا). فلزغرتا قدر الحكايات الطالعة من عوالم الموت والفجيعة التي تشكل جزءا كبيرا من تاريخها. فهي المدينة التي عجنت الالم والحرب والقتل والثأر والتهجير الجماعي والفرز السكاني من حي الى آخر، فغرقت في الدم قبل ان يصل شلاله الى لبنان. حرب 1975 كانت مشهدا مستعادا عن "عرس الدم" الذي قرعت اجراسه في زغرتا منذ الثلاثينات وترددت اصداؤها الى وادي القديسين. خمسة من مرشحي زغرتا الحاليين تعمدت عائلاتهم بالموت اغتيالاً او ثأراً، سليمان فرنجيه وميشال معوض واسطفان الدويهي ويوسف الدويهي وقيصر معوض.
ظلت زغرتا تترجّح بين قلب جبل لبنان وطرفه. فهي تلك المدينة العصية على الجبل والتي تثير توترا دائما في نفوسه اهله. مع بداية الحرب تبلور هذا التوتر اكثر فاكثر، مع الخلاف الذي دب بين اركان "الجبهة اللبنانية" حول المشروع المسيحي.
وقعت "مجزرة اهدن"، فتحولت المدينة والقضاء مجددا ساحة حرب مشتعلة، وخطوط تماس دفعت ثمنها الاقضية المسيحية في الشمال. انطوت زغرتا على نفسها وتوالى سقوط ابناء القضاء والجوار شهداء على مذبح الخلافات المسيحية، الى ان كان الطائف الذي اعاد المدينة الى قلب الحدث السياسي بانتخاب معوض رئيسا للجمهورية الثانية، وكان اولى ضحاياها.
 لم تستطع اي زعامة في زغرتا، على رغم كل محاولات التجديد والعصرنة وارتفاع نسبة المتعلمين والمثقفين، ان تخرج من حالة متكاملة اسمها زغرتا. ففي عام 1991 عين سليمان فرنجيه نائبا محل والده طوني فرنجيه وعينت نايلة معوض محل زوجها رينه معوض، وحل اسطفان الدويهي محل عمه الاب سمعان الدويهي.
ومنذ عام 1992 بقيت البيوتات السياسية هي التي تدير اللعبة الانتخابية، ولكن طرأ تطور جديد على المشهد السياسي الزغرتاوي، اذ صار يتقدم الى النيابة اكثر من مرشح من العائلة الواحدة، وحتى ممن هم من خارج البيوتات التقليدية. ووصل احد هؤلاء الى المجلس وهو الدكتور قيصر معوض عام 2000. وكذلك بدأ ابناء الزاوية يتهافتون على النيابة ولكن عن المقعد الماروني في طرابلس الذي شغله ابن بلدة علما جان عبيد لثلاث دورات 1992 و1996 و2000. ومفارقة عام 2009 ان يوسف عبيد والزميل ريمون بولس من الزاوية ترشحا عن المقعد الماروني في زغرتا – الزاوية، ولكن ترشّحهما بقي بعيدا عن التداول الاعلامي.

 

زعامة زغرتا

تاريخياً، كانت زعامة قضاء زغرتا تتمركز في الزاوية، ولكن مع صعود نجم بطرس كرم وولده يوسف كرم، صار لزغرتا زعامتها وصار للبك دور سياسي متقدم. ومع ترسخ زعامة يوسف بك كرم تدريجا، بدأت زعامة الزاوية تنحسر من دون ان تلغى. في الربع الاول من القرن العشرين تراجعت زعامة آل كرم في زغرتا بسبب غياب الورثة المباشرين ليوسف بك كرم، وخف وهجها في وقت كان يتصاعد نجم قبلان فرنجيه وشقيقته سلطانة.
ظلت الزعامة موجودة في الزاوية الى حين اصبحت المنطقة قضاء مستقلا في انتخابات عام 1953 التي لم تتمثل فيها الزاوية، وغاب منذ ذلك التاريخ تمثيل هذه البلدات والقرى حتى اليوم. وكان آخر من مثل الزاوية النائب انطوان اسطفان من بلدة كفرصغاب عام 1951.
يبلغ عدد ناخبي عام 2009 في قضاء زغرتا 71035 ناخباً ويشكل الموارنة النسبة الاكبر منهم، وعددهم 57286 ناخبا، ويليهم مسيحيا الارثوذكس 3693 ناخبا ( الجدول رقم 1).
ويبلغ عدد الناخبين الموارنة في مدينة زغرتا وحدها 19376، اما اكبر البلدات المارونية في الزاوية فهي كفرصغاب 3240 ناخباً، مزيارة 2894 ناخباً، سبعل 2879 ناخباً، رشعين 2688 ناخباً، ارده 1770 ناخبا.
وفي الزاوية محوران بغالبية ارثوذكسية وسنية. في المحور الاول بلدتا قره باش 436 ناخبا وبوسيط 266 ناخبا. وفي المحور الثاني مرياطه 1839 ناخبا وقادريه 1719 ناخبا وحارة الفوار 1286 ناخبا وحيلان 1258 ناخبا.
عام 2000 خاض قضاء زغرتا الانتخابات ضمن دائرة الشمال الثانية التي ضمت اقضية طرابلس والكورة والبترون ومنطقة المنية. كان الفراق السياسي تكرّس بين سليمان فرنجيه ونايلة معوض في الانتخابات البلدية عام 1998. فترشح فرنجيه مع اسطفان الدويهي وقيصر معوض وترشحت معوض مع سليم كرم ويوسف الدويهي الذي كان من صلب اللائحة، لكنه لم يظهر في الصورة التذكارية لمرشحي لائحة "الكرامة الوطنية".
صوّتت الزاوية لسليمان فرنجيه. ونتيجة الشعور العام في القضاء باحتمال سقوط معوض، حاولت الزاوية حمايتها فاعطتها 8215 صوتا في مقابل 9568 صوتا لفرنجيه وحلت ثانية في القضاء بعده. في حين لم تعطها مدينة زغرتا سوى 3857 صوتا، وحلت رابعة فيها.
ومفارقة انتخابات 2000 ان اسطفان الدويهي فاز في القضاء وسقط في الدائرة لمصلحة قيصر معوض. وكذلك ترشح في هذه الانتخابات سمير فرنجيه عن المقعد الماروني في طرابلس وخسر.
عام 2005 جرت أول انتخابات بعد التطور الذي شهده لبنان اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفق قانون الالفين نفسه. وشهدت الانتخابات عودة الاحزاب والقوى المسيحية الى ممارسة دورها والترشح للمجلس. وحدها زغرتا بقيت خارج الترشح الحزبي خلافا لكل اقضية جبل لبنان. صحيح انها انقسمت بين 8 و14 آذار، الا ان الترشيحات فيها ظلت تحت العباءة العائلية: نايلة معوض وسمير فرنجيه وجواد بولس في مواجهة سليمان فرنجيه واسطفان الدويهي وسليم كرم.
ارتفع الاقتراع في القضاء عام 2005 عن عام 2000 بنسبة 7,80 في المئة. خيضت المعركة ضمن دائرة الالفين نفسها، وكان ثمة شعور ان سليمان فرنجيه مستهدف نتيجة المواقف السياسية التي تلت اغتيال الحريري. فصوت القضاء لمصلحته في ردة فعل حادة لحمايته، ففاز بـ20495 صوتاً، وهي أعلى نسبة نالها هو نفسه في كل الدورات الانتخابية ولم ينلها اي زعيم زغرتاوي قبله. ( الجدول رقم 3) لكنه سقط وحلفاءه في انتخابات الدائرة وفاز سمير فرنجيه ونايلة معوض وجواد بولس. مع العلم ان لائحة "قرار الشعب" المدعومة من العماد ميشال عون وفرنجيه، والتي خسرت في الدائرة، ربحت بكاملها في زغرتا – الزاوية وجاءت نايلة معوض اولى الخاسرين في القضاء.

 

اشارات انتخابية

مرة جديدة تخوض زغرتا - الزاوية الانتخابات بحسب "التقويم الزغرتاوي" البحت، وقد طغى عليها عامل المواجهة المباشرة بين عائلتي فرنجيه ومعوض وحلفائهما، بحدة تمثل الاصطفاف بين الاكثرية والمعارضة. استبق ميشال معوض قرار قوى 14 آذار واعلن مبكرا قبل اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس الجمهورية لائحة عائلية من جواد بولس ويوسف الدويهي مدعومة من " القوات اللبنانية"، مستبعدا النائب سمير فرنجيه.
في المقابل، استبعد فرنجيه اي قرار لعون في تشكيل لائحة زغرتا، معلنا خوضه الانتخابات مع حليفيه في انتخابات عام 2005 ، ورافضاً اي محاولة لضم مرشح "التيار الوطني الحر" فايز كرم.
يخوض القضاء الانتخابات هذه السنة وحده. عاد كما كان عام 1972، خارج تأثير الدائرة الكبرى. وللمرة الاولى، سيقترع الزغرتاويون واهل الزاوية لمرشحيهم من دون الاحتماء باصوات الدائرة الكبيرة. فأصواتهم هي التي ستقرر وحدها فوز النواب الثلاثة. من هنا قد لا تكون نتائج الدورات السابقة كافية لاعطاء دلالات عن اتجاهات التصويت. مع العلم ان حسم المعركة في اتجاه اي طرف، يتوقف على عدد الاصوات التي سينالها فرنجيه، لانه يسبق دوما بمتوسط 20 في المئة من الاصوات حلفاءه على اللائحة نفسها. وتحدد النتيجة ايضا نسبة التزام التصويت للائحة كاملة لدى الطرفين، ولاسيما ان العلاقات الاجتماعية تؤدي دورا لا يستهان به في تحديد خيارات الناخبين.
اشارة ايضا الى ان زغرتا تخوض الانتخابات وقد طغى عليها عامل المواجهة المباشرة بين عائلتي فرنجيه ومعوض وحلفائهما، بحدة تماثل حدة الاصطفاف بين الاكثرية والمعارضة.
ويتوقع مشاركة 32 الف ناخب في الاقتراع، مع العلم ان نسبة المشاركة قد تصل في مدينة زغرتا الى 57 في المئة، بينما قد لا تتعدى في الزاوية المسيحية 38 في المئة. لان قرى الزاوية وبلداتها من اكثر القرى التي ترتفع فيها نسبة الهجرة. ففي كفرصغاب تبلغ نسبة الاغتراب 83 في المئة، وتبلغ في بلدات عرجس وسرعل وقره باش وسبعل وعينطورين واجبع وايطو وبنشعي وحميص 75 في المئة، وتصل الى 70 في المئة في مزرعة التفاح ودرايا وبشنين، و65 في المئة في راس كيفا وكفرفو وكفرياشيت ومزيارة واسلوت وكفرحورا وكفرزينا.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,084,218

عدد الزوار: 6,934,140

المتواجدون الآن: 91