جثمان الإقتصاد في نعش الحكومة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 10 أيلول 2013 - 6:32 ص    عدد الزيارات 727    التعليقات 0

        

 

جثمان الإقتصاد في نعش الحكومة
بقلم د. ماجد منيمنة
إن أول ما ينبغي أن تسعى إليه الأحزاب السياسية عموماً والحكومة خصوصاً، هو أن تنشر الأمل بين المواطنين وأن تواجه المشاكل الأمنية والاقتصادية التي تعترضها بحسم وحزم. فأرض الحكم ينبغي تمهيدها واستصلاحها لتنبت سنابل الاقتصاد آلاف الوظائف والاستثمارات. ان تردي الوضع الاقتصادي في لبنان وحال الانقسام السياسي في البلاد والتي تخطت الخطوط الحمر من جهة والمؤشرات المالية المخيفة من جهة ثانية والناتجة عن تأخر تشكيل الحكومة تعي شؤون المواطنين بدأت تنذر بانهيار الدولة اللبنانية.
فوسط الانشغال بالهموم الأمنية, تواصل المؤشرات الاقتصادية مسارها الانحداري. فبعد تراجع نسب النمو بغياب السياح والمستثمرين العرب واستمرار الانكماش الاقتصادي مع تراجع الميزان التجاري وتنامي أرقام الدين العام وتفاقم أرقام موازنة الدولة, جاءت معها الأحداث الأمنية لتدق المسمار الأخير في نعش الاقتصاد الوطني. فالإصلاح لا يُفشله معارضو الإصلاح بقدر ما يقوضه السياسي المتردد والعاجز والمتأرجح بين البدء في الإصلاح واستكماله أو الانسحاب عند أول مواجهة. فالسياسي الذي ترتعش يده حين تتحسس ملفات الفساد التي ينبغي أن يبث فيها روح العمل يجب أن يبتعد عن السياسة. والمواظبة على التفكير السياسي السلبي وربط التعثر بالآخرين هو الدفاع الرئيسي الذي تلجأ إليه الحكومة المستقيلة لتتحلل من المسؤولية في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتلصق ذلك بقوى خفية لا تراها إلا هي. وهذه القوى غير المرئية التي تعمل في الظلام على كبح الانتقال الديموقراطي ليست سوى ذريعة تبرّر بها الحكومة رسوبها في امتحان الحكم.
ان استمرار حال الشلل الحكومي سوف يتفاقم من تداعيات الفراغ في القطاع العام والتسيّب في وزارات تصريف الأعمال مما يرخي مزيداً من الأعباء على الاقتصاد الوطني، الذي إذا ما أضيف إليه موضوع التسيّب الأمني، فإن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على كارثة اقتصادية وعلى ابواب فصل الشتاء، من جراء ارتفاع عدد النازحين السوريين الذي يناهز مليوني فرد، وذلك من دون رقيب او حسيب، وهم يأخذون من الطرقات وتحت الجسور مساكن وبيوتا لهم ولعائلاتهم. ومن دون تفعيل خطة اجتماعية تشكل لهم بصيص أمل ومن دون وجود الحد الادنى من التنظيم لوضعهم الصحي، كل هذا سوف يشكل قنبلة موقوتة في حال تفشي الأمراض الجلدية والتنفسية, ناهيك عن أن المجتمع الدولي ألقى العاتق المالي على خزينة الدولة, التي هي أساساً لا تهتم لشؤون مواطنيها.
إن حكومة تصريف الأعمال تدرك أن الأفكار التي تقترحها للخروج من الركود الاقتصادي هي غير مناسبة وغير فعالة، وتقاوم الإقرار بفشلها، وتربط ذلك بالصراعات السابقة. فالتيار الوطني الحر حوّل ذكريات الماضي إلى هواجس تقفز إلى وعيه متى اصطدم بواقع تدبير الحكم. ولما كان يواجه في الماضي أشخاصا ومؤسسات الدولة لكي يحصل على الشرعية، صار الآن يسترجع هذه الصراعات، لا شعورياً، ويحوّلها نحو أشباح في غياب أشخاص أو مؤسسات حقيقية يلقي عليها عثراته وقلة حيلته في تدبير الشأن العام وخاصة في موضوع الكهرباء.
لذلك فإقناع الناخبين بالتصويت لهم في المرة الأولى لا يعني أنهم سينجحون في استمالتهم في الانتخابات المقبلة، وهم مكتفون بترداد ما يقولون ومن دون أن يفعّلوا أي مشروع إيجابي وهم في سدّة الحكم. فالمواطنون يحكمون على النتائج وليس على مبررات الفشل. لقد أخفقت الحكومة المستقيلة حين انبرت لمقارعة الأشباح، وتركت المواطنين يواجهون مصيرهم من دون مرجع. وبينما كان من الأجدى أن تحارب آفة الفقر وتفكك النظام التربوي وشح الخدمات الاجتماعية، بل تهافتت على ذكر المثبطات والعراقيل التي تعترضها من دون ايجاد الحلول الناجعة. ولعل التأويل الصحيح لهذا السلوك المرضي في ممارسة الحكم هو فقدان التحكم في الواقع وصعوبة التعامل معه والانفصال عنه، لذلك انكفأت الحكومة على ذاتها وبدلاً من أن تبحث عن علاج للمشاكل المتنوعة التي يواجهها الوطن والمواطنون فقد استسلمت وتركت الأوضاع تتفاقم والأزمة تستشري وبدأت العويل والبكاء حتى قبل أن تُكمل سنتها الأولى في الحكم، إذ أدركت أنها خسرت رهان التنمية بعدما أضاعت رهان اجتثاث الفساد الذي وعدت به في بيانها الوزاري، وهربت إلى الأمام بمسرحية الاستقالة.
فالنوايا الحسنة في الإصلاح لا تكفي، بل يجب أن تواكبها الأفكار المناسبة التي تجعل هذه النوايا حقيقة وليس أوهاماً تباع للمواطنين. إن السياسي الفاشل ليس هو فقط السياسي الفاسد الذي يسعى وراء مصالحه، بل أيضا السياسي العقيم وإن كان نزيهاً وعفيفاً. فالحكومات في جميع الدول لا تأتي لتستريح على الكراسي وتغط في سبات عميق إلى أن تتراءى لها الأشباح، بل تأتي لتحاول التغيير نحو الأفضل وتترك بصمة ايجابية في إدارتها للقطاعات المختلفة.
لذلك ينبغي على الحكومة أن تنظر إلى أشباح الواقع التي تتجسد في انهيار الاقتصاد والبطالة وتراجع الاستثمار وتدني مؤشرات التنمية. فهذه هي الأشباح الحقيقية التي ينبغي أن تتعامل معها حكومة تصريف الأعمال. وربما يكون الشبح الحقيقي هو حكومة تصريف الأعمال التي لم تترك أثراً طيباً في نفوس المواطنين، ولن يتذكرها أحد لأنها أتت واختفت كالأشباح.
لذلك فأنه مطلوب وبإلحاح ومن دون تردد تشكيل حكومة قادرة على معالجة هموم وشؤون المواطنين بعيداً عن المزايدات وحساب الأوزان والأعداد, والتحرك العاجل من اجل وقف انهيار الاقتصاد الوطني، الذي يمثل آخر مدماك في بناء الكيان اللبناني، وذلك تحت طائلة انهيار الدولة بكاملها. على ان تبقى الخلافات محصورة في بعدها السياسي والحد من تداعياتها على الاقتصاد الوطني. وإذا كان الأمن والسياسة والاقتصاد مترابطين عضوياً بعضهم ببعض فلتكن مبادرة تشكيل الحكومة اول خطوة للحفاظ على الكيان والمؤسسات، ووقف مسار الانحدار الاقتصادي بمعالجة سريعة لملف الأمن والتوقف عن المناكفات السياسية, وألا نقول بأن الحكومة سوف تحمل جثمان الاقتصاد ولكنها لن تجد مكاناً تدفنه فيه !!
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,682,749

عدد الزوار: 6,961,104

المتواجدون الآن: 70