لبنان الذي يحترف إهدار الفرص

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 حزيران 2013 - 7:02 ص    عدد الزيارات 727    التعليقات 0

        

لبنان الذي يحترف إهدار الفرص
بقلم مازن سويد .. باحث اقتصادي

 

شاركت في أعمال منتدى الاقتصاد العالمي حول الشرق الأوسط الذي عقد في منطقة البحر الميت في الأردن في أيار الماضي ككل عام، شكّل ذلك لي فرصة للاطلاع على التحديات الكبيرة والمعقدة التي تواجهها منطقتنا العربية.

الحقيقة أن المستمع إلى المداخلات والأوراق التي قدمت، يدرك عظم التحديات وبالتالي هول المسؤولية الملقاة على صانعي السياسات في عالمنا العربي، لاسيما أولئك الذين تشهد بلدانهم صدمات عنيفة بسبب حركات التغيير السياسية المستمرة مثل مصر وتونس واليمن أو أولئك الذين تحاول بلدانهم التكيف مع التداعيات المتأتية عن التطورات الحاصلة في بلدان مجاورة لبلدانهم كلبنان والأردن.
في المبدأ، يشكل التغيير الذي يجري في بعض بلدان "الربيع العربي" فرصة يفترض أن ينتهزها المسؤولون في الأنظمة الجديدة فيركّزوا على القضايا الأساسية ويسيروا قدماً بالإصلاحات الاقتصادية الجذرية. ولكن وللأسف يبدو أن هذه الانظمة وخاصة في مصر وفي تونس قررت ان تشغل نفسها بشؤون أخرى كان من الممكن تأجيل البحث فيها، وهي قضايا أدى طرحها إلى الانقسام في المجتمع بدل العمل على توحيده لمواجهة المخاطر الداهمة على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي ومالي.
أما في البلدان الأخرى كالأردن ولبنان، فالتحديات مختلفة وكذلك الفرص المتاحة. طبعاً كان من المفترض ان تشكل الأحداث المؤسفة التي تشهدها سوريا بل أيضاً تلك التي يشهدها العالم العربي ككل فرصة للبنان لكي يكون الملاذ الآمن للطبقة الميسورة من السوريين والعرب الباحثين عن مكان للاستقرار والعمل والاستثمار، وأن يكون ملاذاً آمناً لرأس المال العربي الذي يبحث عن مكان آمن. لا بدّ من التذكير هنا أن لبنان كان قد استفاد من احداث في مراحل سابقة كفترة الستينات من القرن الماضي ومن ثم اثر احداث 11 أيلول في العام 2001 وأيضاً بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008. والشيء بالشيء يذكر: ان القفزة النوعية التي حققها الاقتصاد السوري في الفترة 2003- 2006 كان محركها الأساسي الاحداث الأليمة التي شهدها العراق اثر الاجتياح الأميركي له. فقد ساهم ذلك في تحقيق فورة مصرفية وعقارية في سوريا التي استطاعت أن تحوّل التحدي الذي مثلته الحرب القائمة على حدودها إلى فرصة لجذب الاستثمارات.
وفي تقديرات متطابقة أن مبالغ في حدود 10 مليارات دولار هي مجموع الاستثمارات الخارجية المتدفقة مباشرة من سوريا ومن سوريين نحو دبي بسبب الأزمة السورية الحالية. ويذكر ان الكثير من السوريين الميسورين انتقلوا إلى دبي وهي التي تشهد اليوم فورة اقتصادية وسياحية تساعدها على تخطي ازمة المديونية التي عصفت بها قبل سنوات عدة. في المقابل فإن الظروف والمصاعب التي تعصف بلبنان اليوم لم تمكنه من تحويل التطورات السلبية الجارية على الصعيد السوري إلى مجال حيوي تتحرك من خلالها قطاعاته الاقتصادية. على النقيض من ذلك، فإنّ لبنان اليوم يتحمل العبءالذي لا يمكنه الهروب منه أو التنكر له والمتمثل بمئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين لم يستطع لبنان حتى تلبية متطلباتهم بالشكل اللائق عبر تأمين مراكز تجمع مجهزة قدر الإمكان كما حصل في تركيا. وذلك يعود إلى رفض الاعتراف لفترة طويلة بان هنالك مشكلة في سوريا تأثراً بالموقف الذي اتخذه النظام السوري من الأحداث الجارية هناك.
على كل حال، فإنّ اضاعة لبنان فرصة الاستفادة مما يجري في سوريا وذلك لما فيه مصلحة لبنان وبالتالي سوريا والعالم العربي لم تكن الفرصة الأولى التي يضيعها لبنان وربما لن تكون الأخيرة، طالما بقي يتخبط في مشكلاته بسبب استمرار الوضع السياسي المتشنج القائم حالياً، وأيضاً مادام الخطاب الاقتصادي الرصين والمنطق الاقتصادي السليم مغيّبين تماماً عن اهتمام السياسيين والناشطين في حقل الشأن العام. ويحضرني هنا أن لبنان أهدر في الماضي القريب فرصة تنفيذ الإصلاحات التي تمّ الاتفاق عليها في مؤتمر "باريس-2" وبعدها اهدر فرصة تنفيذ الاصلاحات التي اتفق عليها في مؤتمر "باريس-3"، بل هو قد أمعن لاحقاً في خرق القوانين الاصلاحية الصادرة أي القانون 431 والقانون 462 لقطاعي الاتصالات والطاقة. كذلك ابتعد لبنان عن الممارسات الاقتصادية والإدارية السليمة. وهو لذلك ومن خلال عدد من الوزراء المتعاقبين قد همّش الهيئات الرقابية أو تباطأ في انشائها. وبدلاً من أن يحرص المسؤولون على متابعة الجهد اللازم لخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي اغفلوا ذلك وعادت تلك النسبة إلى الارتفاع. كما اقدموا على زيادة حجم الدولة في هذه القطاعات وفي الاقتصاد عموماً بدلاً من العمل على خفض نسبة تدخلها فيه.
والسؤال هنا، كيف يمكن هذا اللبنان أن يكون قادراً على الاستفادة من الفرص المتاحة في ضوء الغياب الكامل للمسؤولية الوطنية عن الشأن الاقتصادي وانعكاس ذلك على الأداء الرديء الذي يميز وزارات القطاع العام واداراته ومؤسساته.
عودةً إلى المؤتمر الذي انعقد في البحر الميت. فقد لفتني مركز المؤتمرات الذي بنته السلطات الأردنية في هذا الموقع، وكيف حولت الادارة المتبصرة والواعية في الاردن منطقة البحر الميت منطقة تستقطب المؤتمرات العالمية كمنتدى الاقتصاد العالمي. ولفتني هذا العدد الكبير من الشباب الأردني المتوزع في أرجاء المركز وفي الفنادق المحيطة به والذين اتاح لهم إنشاء هذا المركز المئات من فرص العمل في هذه المنطقة التي لا تبعد أكثر من ساعة عن عمان.
ولا أنكر الغصّة التي شعرت بها عندما تذكرت كم عانى الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما مُنِع من تحقيق واحد من مشروعاته المستقبلية الواعدة وهو بناء مركز للمؤتمرات في بيروت، كان كفيلاً بجعل عاصمتنا ولبنان عامة مركزاً مهماً للمؤتمرات العربية والاقليمية والعالمية، ما يوجِد أيضاً مئات فرص العمل لشبابنا وشاباتنا الذين لا يستطيعون اليوم حتى ان يحلموا بالهجرة إلى خارج لبنان، لأسباب نعرفها جميعاً.
على طريق العودة من البحر الميت إلى عمان لاحظت أعمال البناء في مطار عمان اذ يجري تشييد المطار الجديد ليتسع لأكثر من 15 مليون مسافر. كما لفتني على الشاشات عدد الرحلات المباشرة التي تقوم بها شركة الطيران الملكية الأردنية إلى مختلف أصقاع الأرض شرقاً وغرباً. وأيضاً تذكرت بحسرة كم قاتل الرئيس رفيق الحريري من أجل إعادة بناء مطار بيروت الدولي لكي يستقبل 6 ملايين مسافر وكم انتقد حينها. وهو المطار الذي نحتاج إلى توسيعه  اليوم. كما أذكر كم ارتفع عدد الرحلات المباشرة لشركة طيران  الشرق الأوسط أو الشركات الأخرى من بيروت إلى مختلف العواصم العالمية وكم تراجع لاحقاً عدد تلك الرحلات حتى أصبح واجباًعلينا أن نتوقف اليوم في اسطنبول أو عمان للسفر إلى العديد من المدن الأوروبية أو العالمية.
المنطقة تشتعل، والتحديات تتعاظم، والعائد من البحر الميت يدرك حجم المصاعب المقبلة على منطقتنا العربية وعلى بلدان الشرق الأوسط، ويشعر بالحسرة لوطن يحترف اضاعة الفرص. بل لا يكتفي بذلك، إذ انه بعد أن احترف نقل حروب الآخرين إلى ارضه، ها هو يحترف اليوم مد اصابعه ليحرقها في لهيب حريق الآخرين.

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,360,866

عدد الزوار: 6,888,575

المتواجدون الآن: 78