هل تنأى الحكومة بنفسها عن الدين العام؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 19 آذار 2013 - 5:30 ص    عدد الزيارات 828    التعليقات 0

        

 

هل تنأى الحكومة بنفسها عن الدين العام؟
بقلم د. ماجد منيمنة
أظهر التقرير الدوري الصادر عن جمعية المصارف اللبنانية أن الدين العام للدولة اللبنانية قد وصل إلى 57.7 مليار دولار حتى نهاية كانون الأول 2012 بارتفاع عشرة ملايين دولار عن تشرين الثاني الذي سبقه، وبزيادة 4.10 مليارات دولار عن عام 2011. وذكر التقرير أن الدين العام كان قد وصل في نهاية كانون الأول 2011 إلى 53.6 مليار دولار مقابل 52.6 مليار دولار في نهاية عام 2010 أي بارتفاع مليار دولار خلال عام واحد. كما أشار التقرير إلى أن الدين العام بلغ في نهاية عام 2010 نحو 52.6 مليار دولار بينما كان في عام 2009 يساوي 51.1 مليار دولار. ومن المعلوم أن لبنان يحتل المرتبة العالمية الثالثة من حيث حجم الدين العام من الناتج الوطني الإجمالي والتي بلغت نسبة خطيرة بحيث تجاوزت 134% من كل من الدين الخارجي والمحلي. وتشير التوقعات الاقتصادية، سواء اللبنانية أو الدولية، إلى أن هذا الدين سيرتفع بنسب عالية خلال العام الحالي، وقد يقارب الـ63 مليار دولار في نهاية سنة 2013. وبالنظر إلى تفاقم الأزمة السياسية في سوريا والتي تهدد بانهيار الاقتصاد اللبناني بحسب صندوق النقد الدولي, فإن من المؤشرات السلبية تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان, بحيث أن الناتج الوطني المحلي انخفض إلى نسبة 1.5% في 2012، مقارنة بـ7% في 2011. ويتجلى تأثير الأزمة السورية في لبنان في كون سوريا المنفذ البري الوحيد لمختلف المنتجات اللبنانية وخاصة الزراعية، مع تراجع السياحة وهروب المستثمرين وتهريب العملة وغيرها من التأثيرات السلبية التي يعانيها لبنان حالياً، وسوف تعلو وتيرتها كلما اشتدت الأزمة في سوريا أو طال أمدها.
ومن الطبيعي أن نشعر بالقلق الشديد حيال هذا الأمر، فالدين العام المحلي ينطوي على اتجاه عام صعودي تتزايد حدّته مع مرور الزمن، خاصة في ظل قصور الإيرادات العامة عن تغطية النفقات العامة، واتساع عجز الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي يشير إلى خطورة اكتساب الدين العام خصوصية النمو الذاتي، وهذا الوضع سوف يدفع الحكومة إلى أحد حلين كلاهما مرّ. أولهما التخفيض السريع في مخصصات الإنفاق الاجتماعي من الخدمات الصحية والتعليمية بالرغم من عدم كفاية هذه المخصصات أصلاً. أما ثانيهما، فيتمثل في زيادة الضرائب، وهو ما سيزيد من حالة الركود الاقتصادي، في وقت يرتفع فيه معدل التضخم، مما سوف ينتج عنها تزايد في عدد محدودي الدخل ولتختفي معها الطبقة الوسطى. ومن المعروف أن الزيادة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي تحدث إذا زادت نسبة العجز الأولي في الموازنة العامة، أو إذا تخطى سعر الفائدة الحقيقي معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي، وذلك مع تباطؤ النمو الاقتصادي. وبالطبع فإن محصلة حدوث هذين المتغيرين بالتوازي، وفي وقت واحد، تكون أشد وطأة وتأثيراً.
لقد أصبح الدين العام المحلي في السنوات الأخيرة يتغذى من هذين الرافدين معاً: العجز الأولي في الموازنة العامة للدولة الذي يتفاقم عاماً بعد آخر، ومدفوعات الفوائد على الدين التي تعلو باستمرار. وعلى الرغم من كل الإجراءات الحكومية المتخذة خلال الأعوام الماضية لتخفيض حجم هذا الدين والتي تمثلت بمبادلة بعض الديون الخارجية وجدولة البعض الآخر، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى انخفاض نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة، إلا أن التزايد الكبير في عجز الموازنة العامة في ضوء المستجدات والتداعيات المحلية والدولية والآثار المصاحبة للربيع العربي، وعدم اللجوء إلى برامج الإصلاحات المطلوبة للحد من آفة الفساد في المؤسسات الرسمية والاضطرار لكفالة الخزينة لقروض شركة الكهرباء نتيجة انخفاض التوريد وضعف الجباية وعدم تحويل إيرادات الدولة من هاتف وغيره إلى الخزينة، كل ذلك أدى إلى معاودة ارتفاع العجز في الموازنة بشكل مخيف.
ولا شك في أن وصول الدين العام إلى هذه المستويات العالية يعتبر مؤشراً حرجاً ومقلقاً يستدعي الوقوف عنده طويلاً نظراً لانعكاساته السلبية على كافة المؤشرات الاقتصادية بما فيها زيادة تراكمات خدمة الدين العام، والحد من فرص النمو الاقتصادي المستهدفة، خاصة وأن حوالى 62% من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي يمثل ديناً داخلياً تم الحصول عليه من خلال السيولة النقدية المتوفرة من البنوك المحلية، حيث أصبح يؤدي إلى مزاحمة القطاع الخاص في الحصول على التمويل للمشاريع، إضافة إلى انعكاسه على زيادة أسعار الفائدة نتيجة لزيادة الطلب الحكومي على الاقتراض من البنوك المحلية كما تُشير بيانات المصارف.
لذلك، فوجود الدين العام, في ذاته لا يُثير قلقاً، إلا إذا تجاوزت مستوياته، ومعدلات نموه الحدود الآمنة التي يمكن أن تولد آثاراً سلبية على سلامة الوضع المالي العام. إن توجه الحكومة للحصول على القروض من المؤسسات الدولية الخارجية لتمويل عجز الموازنة يمكن تفهمه بأنه جاء للتخفيف من الضغط على السيولة المحلية، إلا أن ما يجب الإشارة إليه أن هذه القروض ليست منحاً، حيث لا بد من إعادة سداد الأموال التي تم اقتراضها سابقاً من الأسواق الخارجية وإعادة تحويل قيمتها من خزينة الدولة إلى حساب تلك المؤسسات في تواريخ استحقاقها، إضافة إلى قيمة الفوائد التي تترتب سنوياً على هذه القروض، مما يستدعي التنبه إلى ضرورة تضمين برنامج التصحيح الاقتصادي والمالي على النحو التالي:
1 - تخفيض حجم الدين العام المحلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إما بزيادة معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، أو بتخفيض سعر الفائدة الحقيقي، أو بهما معاً.
2 - إعادة هيكلة الدين العام، واستبدال الديون عالية التكلفة بديون أقل تكلفة منها، واستبدال أذونات الخزانة بسندات طويلة الأجل.
3 - تقليل تكلفة الاقتراض وتحقيق هيكل آجال متوازن للسداد.
4 - ترشيد الإنفاق الاستهلاكي الحكومي، والتركيز على الإنفاق الاستثماري، بالشكل الذي يعظم من التأثير الإيجابي للدين العام على الأداء الاقتصادي.
5 - المحافظة على استقرار الدين العام المحلي عند المستويات المقبولة.
6 - الثبات والمحافظة على استقرار معدلات الضرائب في الاقتصاد الوطني.
7 - وضع خطة لتخصيص موارد الدين العام على مشاريع استثمارية تعظم العائد للدولة.
8 - توفير بيانات تفصيلية عن كيفية تخصيص موارد الموازنة على الاستخدامات المختلفة، لكي يتم إجراء الدراسات الخاصة بكفاءة هذا التخصيص من عدمه.
إن تعامل الحكومة مع مشكلة تفاقم الدين العام يجب أن يتم من خلال خطة جريئة لتخفيض عجز الموازنة وزيادة معدلات نمو الاقتصاد المحلي، مصاحبة بزيادة دخل الحكومة وزيادة قدرتها على خدمة الدين العام، بالإضافة إلى الحاجة إلى وصول مساعدات ومُنح خارجية لدعم عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري. إن الاقتصاد المحلي أمام مشكلة حقيقية في ظل تفاقم عجز الموازنة، والتي لم ينفعها إجراءات الحكومة المتمثلة برفع الدعم عن السلع والخدمات أو فرض ضرائب جديدة على المواطنين, ولا سيما إزاء استمرار ارتفاع الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي, حيث أن بلوغه هذه النسبة سيزيد من تراكمات خدمة الدين وسيحدّ من فرص تحقيق النمو الاقتصادي. إن التعامل مع الدين العام على المستوى القصير والمتوسط لا يتم إلا بإجراءات اقتصادية مدروسة تركّز على زيادة معدلات النمو، ولأن الدين العام يرتفع بقيمة عجز الموازنة وبقيمة عجز المؤسسات المستقلة الذي تم تمويله بقروض وبكفالة الخزينة سواء بقروض خارجية أو داخلية، فهذا يؤكد حاجة تطوير عرض هذه البيانات لتواكب المتغيرات والمستجدات بشكل مباشر سواء لتبيان قيمة التغيّر في أسعار الصرف أو القروض المكفولة وغيرها، وذلك لإضفاء مزيد من الشفافية على البيانات المالية، خاصة لأن البيانات المنشورة تقتصر على الموازنة العامة، ولا تبين البيانات الحديثة لعجز الوزارات التي تصرف على القاعدة الأثني عشرية، فالتعديلات تحتّم علينا تطوير بيانات المالية الحكومية المنشورة لتكون أكثر شمولاً، وتبسيط هذه البيانات بما يمكّن المواطن المهتم ومن غير المتخصصين أيضاً من الوقوف أولاً بأول على تطور تلك البيانات.
وبخلاصة القول، وبهدف انسجام الإجراءات الإصلاحية التي أعلنتها الحكومة في بيانها الوزاري، سواء في تعزيز الإيرادات أو تخفيض النفقات الجارية أو زيادة النفقات الرأسمالية لزيادة النمو الاقتصادي، فإن الامر يتطلب الإعلان عن استراتيجية مُلزمة لإدارة الدين العام منبثقة عن برنامج التصحيح الاقتصادي والمالي بحيث تتضمن هذه الاستراتيجية معالجة قانون الدين العام من قبل مجلس الوزراء، والأخذ بعين الاعتبار آليات وتدفقات نقدية مدروسة لسداد القروض الخارجية التي تم اقتراضها أو الجاري على اقتراضها سواء من الأسواق الخارجية أو الداخلية في تواريخ الاستحقاقات, لا أن تنأى الحكومة بنفسها عن الأمور الاقتصادية الملحة وأهمها إدارة الدين العام!!.
 خبير مالي ومحلل اقتصادي.
 دكتوراه في المالية الدولية.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,186,588

عدد الزوار: 6,939,513

المتواجدون الآن: 137