بريطانيا تغّرد خارج السرب الأوروبي!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 29 كانون الثاني 2013 - 5:50 ص    عدد الزيارات 717    التعليقات 0

        

 

بريطانيا تغّرد خارج السرب الأوروبي!
بقلم د. ماجد منيمنة
ازدحمت برلين الأسبوع الفائت, حين احتشدت القوة السياسية الفرنسية والألمانية بمناسبة الذكرى الخمسين لمعاهدة الإليزيه، وهو الاتفاق الذي أُبرم لإجراء المصالحة بعد الحرب العالمية الثانية، والذي دفع بمشروع الاتحاد الأوروبي العظيم. ستة أشهر من التخطيط المُكّثف توّجت في اجتماع رمزي لأكثر من ألف عضو برلماني فرنسي وألماني في مبنى «الرايخستاج». والعقبة الوحيدة امام هذا الاجتماع تمثلت بأن الدعوة لم توجه إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, الذي كان قد صرح مؤخرا, بوعد إجراء استفتاء على انسحاب بريطانيا من العضوية الأوروبية. واللافت بأن أعضاء البرلمان من حزب المحافظين في المملكة المتحدة الذين لا يحركون ساكنا امام القضايا الأوروبية ويشعرون بالقلق الشديد امام حزب الاستقلال، بقيادة «نايجل فارج»، الذي يؤيد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويهدد بقبضة حزب المحافظين على كثير من مقاعد البرلمان.
واليوم فإن الرؤية بين أعضاء البرلمان المحافظين، هي أن على بريطانيا أن تستغل الأزمة في منطقة اليورو لتأمين تسوية بريطانية جديدة في أوروبا. كما أن 40 عضواً من المحافظين من أصل 303 عضو برلماني، لن يكونوا سعداء حتى تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الا أن الغالبية تريد البقاء داخل المنطقة الأوروبية لكن بشروط جديدة ويطالبون المملكة المتحدة أن تدافع عن حقوقها امام اعضاء السوق الأوروبية الذين يتصرفون كتكتل سياسي واحد، ويملون الشروط على لندن التي تطالب بتوضيح العلاقة بينها وبين منطقة اليورو، وتعمل على اقتناص الفرصة التي تمكنها من انتزاع القوى القائمة في بروكسل. أشعل تعليق كاميرون حالة من الذعر في برلين، حيث اتهمته القوة السياسية الأوروبية بأنه يبتزها. كما تخشى ميركل أيضاً من أن خطة كاميرون قد تجعل الأمر معقداً للجميع، حيث تحاول فرنسا أن تلغي القواعد التي تحكم السوق الموحدة, وهي حالة يحبذها كاميرون. لكن الأعضاء المحافظين يؤمنون بأن خروج بريطانيا قد يجعل الاتحاد الأوروبي يميل إلى صالح تكتل جنوب أوروبي قد يكون أقل تحرراً من الناحية الاقتصادية, بينما يحذر كبار المسؤولين في برلين من أن هناك حدودا للتسامح الألماني.
وبرأينا ان لا الحكومة البريطانية ولا الحكومات الأوروبية القيادية مع استثناء فرنسا تريد فعلا لبريطانيا الخروج من الاتحاد. لكن من المحتمل أن يطلب إعادة التفاوض على شروط عضوية المملكة المتحدة، بحيث تتضمن إعادة توطين بعض الصلاحيات التي ذهبت إلى بروكسل, تكون من خلال النتائج على استفتاء يكون فيه المصوتون مدعوون إما لقبول الصفقة الجديدة، وإما للخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن التصويت الفعلي بعد حملة الاستفتاء من المرجح أن يكون صعبا للقادة البريطانيين, لأن زعماء الأحزاب القيادية الثلاثة، المحافظون، والعمال، والديمقراطيون الليبراليون سيقومون بحملات لدعم التصويت بـ «نعم» وسيكون ضدهم حزب الاستقلال الذي هاجمه كاميرون بشكل قاس، والذي نعته بأنه مصنوع من «كعك الفاكهة ومجانين وعنصريين جبناء». وحملة التصويت بـ «لا» سيقوم بتعزيزها بعض أعضاء حزب المحافظين الأكثر غضبا والأقل جاذبية في بريطانيا.
و لكن من شبه المؤكد أن يختار البريطانيون الوضع الراهن والبقاء في الاتحاد الأوروبي. وإذا حدث غير ذلك فسوف يمثل ضربة قاصمة للتضامن الأوروبي، كما سيحرم الاتحاد الأوروبي من الدور الثمين الذي ما زالت لندن تلعبه في توجيه عملية التكامل الاقتصادي وتكبير حجم الاتحاد، بالإضافة إلى ما يحدثه من زعزعة أسس التحالف القائم على شاطئ المحيط الأطلسي.
كما أن بريطانيا سوف تدفع ثمنا اقتصاديا ضخما مقابل البقاء بمعزل عن الآخرين، ذلك أن منطقة اليورو تشكل اتحادا مصرفيا وآخر ماليا قد يمنحان السوق الأوروبية الوحيدة قطاعا ماليا متكاملا، ومن الممكن أن تتأثر مكانة لندن بوصفها أحد المراكز المالية في العالم بانتقال المصرفيين والمتداولين إلى منطقة اليورو من أجل الاستفادة من قواعدها المشتركة وعملتها الموحدة، ولن يكون من نتيجة لذلك، سوى تزايد عداء بريطانيا للاتحاد الأوروبي. كما أن انجراف بريطانيا بعيدا عن أوروبا يمثل طريقا مسدودا من الناحية الجيوسياسية، حيث أن بريطانيا تمثل جسرا بين الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن لندن لا يمكن أن تظل شريكا هاما في ما يتعلق بأمور الدفاع الأوروبي إذا ما تحولت إلى لاعب صغير الشأن داخل الاتحاد الأوروبي. وسوف تضع بريطانيا نفسها في جزيرة معزولة إذا تخلت عن ارتباطها بالاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى إضعاف الاتحاد وكذلك إضعاف الحبل الوطيد الذي يربط أوروبا بالولايات المتحدة.
إن وجود بريطانيا محايدة واتحاد أوروبي ضعيف لا يبشر بخير بالنسبة لعلاقة قائمة عبر المحيط الأطلسي لما تمثل من أهمية محورية بالنسبة للدفاع عن القيم والمصالح الغربية، ففي ظل انكماش ميزانية الدفاع الخاصة بأميركا وتضخم ميزانيات الدفاع الخاصة بالصين وروسيا وغيرها من القوى الناشئة، فإن واشنطن تشعر بأنها بحاجة ماسة إلى حلفاء قادرين على مجاراتها، ورحيل بريطانيا عن أوروبا قد يعني أن المملكة المتحدة، وكذلك أوروبا ككل، تبتعد تدريجيا عن الحضن الأميركي, مما سوف يضعف الكيان الأميركي الذي تفرضه على العالم من خلال هيبتها العسكرية.
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.
 

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,367,494

عدد الزوار: 7,025,527

المتواجدون الآن: 66