العرب والتعاون الاقتصادي والاستثماري

تاريخ الإضافة الجمعة 25 كانون الثاني 2013 - 7:18 ص    عدد الزيارات 686    التعليقات 0

        

 
بقلم مروان اسكندر

العرب والتعاون الاقتصادي والاستثماري

 

دعوة جامعة الدول العربية في هذا الوقت بالذات الى انعقاد مؤتمر على مستوى القمة للبحث في وسائل وإجراءات توسيع التعاون الاقتصادي العربي وتشجيع الاستثمار ما بين ابناء العالم العربي في مختلف ارجائه، وعقد المؤتمر في الدولة العربية التي حققت المستوى الاعلى للدخل القومي من الدول العربية وفتحت مجالات العمل فيها لملايين المواطنين العرب، امر بالغ الاهمية.
تضاف الى اهمية التوجهات الرئيسية، أي تطوير التبادل التجاري، وتوفير الاطار التشريعي لضمان الاستثمارات بين الدول العربية، جذور التفكير في هذه الشؤون. فالجامعة العربية صاحبة الدعوة، كانت قد انجزت اوائل الخمسينات، وقبل انطلاق السوق الاوروبية، مشروعاً لسوق عربية مشتركة، ولأسباب متعددة كان التقدم في مجالات التعاون الاقتصادي بين الدول العربية بطيئاً للغاية ولا يزال.
ستون سنة انقضت منذ تبني مشروع السوق العربية المشتركة، من غير ان نشهد تطوراً ايجابياً الا على صعيد تكاثر اعداد المواطنين العرب الذين عملوا بنجاح في بلدان عربية اخرى اهمها البلدان النفطية. ومعلوم ان انتقال اليد العاملة نتيجة تلحق عادة بتحرير التبادل التجاري، وهي عملية اكثر افادة من تحرير التبادل التجاري فقط، والسبب في ان تحرير العمالة سبق تحرير التجارة حاجة البلدان النفطية الى اصحاب الكفايات، الهندسية والطبية والقانونية والمصرفية والتنظيمية مع ارتفاع حصة دول النفط من عائدات الانتاج الى مستوى 50 في المئة من الارباح أواسط الخمسينات.
وبسبب الخيبة من تحقيق خطوات التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، طالب ولي العهد السعودي بتعزيز موارد الهيئات العربية المكلفة مسؤوليات تطوير التعاون الاقتصادي والاجتماعي بنسبة 50 في المئة فوراً، وهذا الامر في حال تحققه يعزز موارد الجامعة العربية ومؤسساتها العاملة على توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والاجتماعي بين الدول العربية.
عقود التعاون والاندماج الاقتصادي التي شهدت تبخر الآمال والمساعي العربية سبقتها بداية عقود التوجه الى الوحدة العربية. فالثورة العربية عام 1920 والتي كانت تهدف الى انشاء مملكة تمتد من الاراضي السعودية لتشمل العراق، وشرق الاردن، وسوريا، وفلسطين أخمدت في المهد، وبقي الحديث عن طموح العرب الى الوحدة، على الاقل بين مصر والدول العربية الممتدة شرقاً منها وحتى الخليج العربي. وهذا التوجه ترجم في الخبرة المأسوية للوحدة السورية - المصرية بين شباط 1958 وايلول 1961، وقد فرط عقد الوحدة لهيمنة الناصريين على الحكم وترسيخ دور المخابرات في تسيير شؤون البلاد واعتماد أساليب القمع المفرط في وجه مطالب توسيع الحريات الشخصية.
قياساً بخبرة الماضي ان في مجال التعاون الاقتصادي ام في مجال الاندماج السياسي، وتلمساً لنتائج الربيع العربي حتى تاريخه والتي لا تبدو واعدة، كيف تظهر صورة قرارات المشاركين في المؤتمر الذي انعقد في السعودية؟
يمكن القول ان المؤتمر تمخض عن توصيات تتمحور على:
- زيادة التبادل التجاري ما بين الدول العربية واعتماد انظمة اتحاد جمركي بين هذه الدول قبل نهاية سنة 2015.
- اعتماد اسس قانونية لحماية الاستثمارات بين الدول والمواطنين العرب تشجع على تدفق الاستثمار واستكشاف الفرص وتنشيط الاداء الاقتصادي.
- تكثيف الاستثمار في مرتكزات ووسائل التواصل البري والبحري والجوي بين الدول العربية، سواء لتشجيع السياحة بين الدول المعنية، او لتبادل المنتجات، واقامة شبكات لنقل الكهرباء وربما المياه بين الدول المعنية.
لا شك في ان كل هذه الاهداف تساهم في تطوير التعاون الاقتصادي والتعجيل في الانماء في ارجاء العالم العربي، لكن التمني هو غير الممكن تحقيقه، فأسباب فشل التعاون الاقتصادي المتوسع في السابق لا تزال قائمة حتى تاريخه، وفروقات مستويات الدخل والمعيشة بين الدول العربية الميسورة والغنية والفقيرة توسعت وتعمقت، وانظمة الحكم اصبحت اكثر تعسفاً، والحكام المتعسفون يعتمدون دوماً سياسات الانغلاق طمعاً في استمرار التشبث بالسلطة.
والاحداث السياسية والامنية التي توالت خلال السنتين المنصرمتين، بدءاً من تونس، وانتقالاً الى مصر، واليمن، وليبيا وسوريا، هذه الاحداث التي سميت الربيع العربي، ومن ثم تحولت خريفا عاصفا لا يزال مستمراً، واعداد القتلى يومياً في سوريا والعراق، وصدامات مصر، كلها تشير الى ان الربيع لم يزهر بل هو انقلب الى طوفان مخيف من التوقعات والممارسات.
اسباب اخفاق التوجهات للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار كثيرة، منها ما يتعلق بأنظمة الحكم في مختلف البلدان العربية، ومنها ما يتعلق بالفلسفة الاقتصادية التي يتبناها الحكام، ومنها ما يتعلق بالانظمة القانونية القائمة وامكان استرداد الحقوق، او المحافظة عليها، وكلفة تحقيق الطمأنينة الفردية للعربي الناشط في بلد عربي آخر لا يحمل جنسيته.
ويضاف الى كل ذلك ان مستويات الانجاز بين الدول العربية على الصعيد الاقتصادي الإنتاجي، وعلى مستوى التجهيز البنيوي، وعلى مستوى تكاليف الطاقة التي تؤثر الى حد بعيد على تنوع الانتاج وقدرته على التنافس، تتباين الى حد بعيد بين الدول العربية.
اذا نظرنا الى الحاجات العربية للنمو وتنويع النشاطات الاقتصادية ومواكبة التطورات الدولية، نجد ان هنالك ست دول عربية على الاقل تواجه مصاعب متنوعة واخطارا امنية تؤخر التطور الاقتصادي، وهذه الدول هي ليبيا، ومصر، وسوريا، والعراق، والسودان بشقيه الشمالي والجنوبي، كما اليمن.
في المقابل، هنالك دول عربية حققت مقداراً من التطور ولا تزال تسعى الى تعزيز الانماء وتطويره وفسح المجال لمواطنيها وآلاف المواطنين العرب لاكتساب الرزق وتحقيق الادخار الذي يسبق الاستثمار، واهم هذه الدول السعودية، الامارات العربية المتحدة، قطر، البحرين وسلطنة عمان. ولا يخفى ان البحرين التي كانت تسعى الى ان تكون المركز الاول في الخليج للاعمال المصرفية وتأسيس الشركات الاقليمية، باتت تعاني قلاقل سياسية منذ زمن، وهي تحتاج الى تحقيق استقرار مطمئن.
بين الدول التي تشهد تقلبات عنيفة، والدول التي حققت نجاحات اقتصادية واجتماعية، وهي بمجملها نفطية، هنالك بلدان مهمشة او منسية، ومن البلدان المهمشة في الزمن العربي الحالي لبنان والاردن، والطاقات البشرية والثقافية والطبية للبلدين تحمل ذخراً للعالم العربي بالتأكيد، لكن التواصل الطبيعي والمستمر بين البلدان العربية متقطع نتيجة الاحداث المأسوية الجارية.
واكثر ما يسترعي الانتباه، الحرب المستمرة في سوريا والواقع العربي حيال ما يحدث، واتساع دور ايران عربياً سواء في سوريا او في العراق، وهذا الوضع يحول دون انفتاح مجالات التعاون العربي الموسع. فالعراق المرشح لان يكون مسرح الانماء الاكبر، نظرا الى ثرواته النفطية وامتداده الجغرافي والبشري، بعيد من تحقيق الاستقرار المطلوب، واقرار برنامج اقتصادي تطويري متنوع في مختلف ارجائه. وسوريا التي لم تحقق النتائج الاقتصادية التي يمكنها تحقيقها، ووخصوصا بعد بدء مسيرة تحرير الاقتصاد وان يكن ببطء منذ اوائل التسعينات، سوف تحتاج الى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء منشآتها الاساسية، والمدارس، والمساكن والمستشفيات، واهم من كل ذلك اعادة اللحمة ما بين اهل البلد الواحد، فان كانت اللحمة مفقودة لن تتوافر الموارد المالية لاعادة الاعمار.
توصيات المؤتمر لن تتحقق بالتأكيد، فالبلدان العربية متباعدة في الظروف الاقتصادية، والانظمة، كما في الاستقرار الامني، وإخفاق البلدان العربية في انشاء سوق مشتركة منذ 60 سنة سوف يستمر، الى متى، لا يسعنا التنبؤ، إنما بالتأكيد لفترة طويلة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,157,756

عدد الزوار: 6,757,809

المتواجدون الآن: 138