الانفتاح العربي وأهميته للبنان في عصر العولمة - مروان اسكندر

تاريخ الإضافة الأحد 28 حزيران 2009 - 9:40 ص    عدد الزيارات 1429    التعليقات 0

        

منذ بداية تسعينات القرن الماضي تواترت في دول المشرق العربي مبادرات الانفتاح اقتصادياً على الاستثمارات الخارجية، والتخصيص، وعلى التعامل مع المؤسسات المتخصصة في النشاطات التكنولوجية الحديثة، والنشاطات المتجاوزة للحدود الجغرافية بطبيعتها كالاتصالات على سبيل المثال.
اضافة الى تشريعات الانفتاح وتشجيع الاستثمار والتخصيص – وقد كانت كل من سوريا ومصر والأردن في الصف الاول من المبادرات – أفسحت الدول العربية النفطية لغير المواطنين في مجالات الاستثمار بالصناعة، والخدمات المالية، والسياحة، والتجارة، والتعليم، والخدمات الصحية، والتقنيات المتطورة.  ولما كانت الدول العربية النفطية في الخليج تمتعت بسيولة مرتفعة، اضافة الى استقرار سياسي ملحوظ (ما عدا العراق البلد الشاسع الغني بالفرص والموارد)، فإنها استقطبت استثمارات كثيفة وجهوداً كبيرة من مبادرين ورياديين.
واللبنانيون يتحسسون الفرص ويبحثون عنها، ويبادرون الى اقتحام مجالات العمل، وما يحد من حماستهم ونشاطهم، وخصوصا في العالم العربي، هو تضييق شروط العمل أو تعقيد اجراءات تأسيس الشركات وانطلاقها.
لقد تميّز عقد التسعينات في غالبية دول المشرق العربي بتواتر التشريعات المشجعة للاستثمار، وتسهيل الاجراءات، وتوسيع نطاق فرص العمل والانتاج في قطاعات مختلفة.  واللبنانيون تجاوبوا مع هذه الفرص، وخصوصا في البلدان العربية القريبة، كما بادروا الى المساهمة بالاستثمار في عدد من البلدان الافريقية وبلدان اوروبا الشرقية.
لقد انكفأ الاندفاع اللبناني للاستثمار في الخارج فترة ثلاث سنوات، بين 1993 و 1996، عندما تأثّر مناخ الاستثمار والعمل بنفس حكومات الرئيس رفيق الحريري التي اطلقت مشاريع اعادة تجهيز البنى التحتية وترميم المدارس، وتشجيع الاستثمار، وبالأخص اقرار قانون خفض معدلات ضريبة الدخل على الارباح الى نسبة 10 في المئة مقطوعة.
بدءاً من 1997 اخذت الخلافات السياسية تنخر أرضية الاقتصاد اللبناني ونفسية رجال الاعمال والمبادرين اللبنانيين.  وتالياً، ارتفعت وتيرة التوجه الى الخارج والعمل في دول الخليج، وخصوصا دولة الامارات العربية المتحدة وإمارة دبي بالذات، اضافة الى السعودية والبحرين التي كانت قد اتخذت موقعا مهماً في مجال الاعمال المالية، والعراق، وبلدان غرب أفريقيا، وبلدان شرق اوروبا المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق.
ومنذ 12 سنة تفتّحت أبواب الرزق والطمأنينة والنشاط في بلدان المشرق العربي وغرب أفريقيا والبلدان الشيوعية سابقاً، الى حد يتجاوز الفرص المتاحة في لبنان والتي اصبحت خاضعة للتنافس السياسي وتجاذب القوى، وتالياً انحسر حجم النشاط الاستثماري، وتوقفت مشاريع التوسيع التطويري ما عدا ما ارتبط منها بمشاريع مدروسة أُرسيت على قواعد واضحة مثل "سوليدير".
وحصيلة التطورات المشار اليها، ومن أهم معالمها انفتاح الاسواق العربية المشرقية على الاستثمار، واستقرار التشريعات، وتحسن فرص العمل، والتطوير، ان النشاط الصناعي والسياحي والمصرفي والتعليمي اللبناني في هذه البلدان استحوذ على استثمارات القسم الاعظم من الموارد المتاحة للبنانيين.
ولان فرص الاستثمار والعمل والنشاط في البلدان القريبة والمتوثبة كانت أفضل مما هي في لبنان، اصبحت استثمارات اللبنانيين في هذه البلدان أكبر منها في لبنان.  وظهر هذا الامر في حجم الاستثمارات وتنوعها وتعددها.  وقد أشرنا سابقاً الى ان المداخيل القائمة للشركات اللبنانية – أي الشركات التي يملك لبنانيون غالبية اسهمها ويسيّرون شؤونها، أو على الاقل يملكون ثلث اسهمها ويتولون شؤون ادارتها وتطويرها – اصبحت في حجم أعمالها تفوق مجمل حجم الدخل القائم الناتج من العمل في لبنان.   
بكلام آخر، ان الاقتصاد اللبناني في الخارج القريب هو أكبر من الاقتصاد اللبناني المرتكز على النشاط في لبنان ومنه. وقد ذكرنا في مقال سابق ان 20 شركة ومؤسسة لبنانية تعمل أساساً في الخارج تحقق دخلاً قائماً يتجاوز حجم الدخل القائم في البلد.  ومن هذا المنطلق، تبدو معايير تقويم الدين العام الى الدخل القومي غير ذات مدلول قطعي على تأزم الاوضاع في المستقبل القريب.  وهذا ما ناقشناه بقوة قبل سنوات، وقبل اظهار الازمة المالية والاقتصادية الدولية مدى التقصير والجهل والضحالة لتقويمات مؤسسات التصنيف الدولية التي فقدت صدقيتها لدى الدول الصناعية المتطورة وهيئاتها الناظمة للعمل والاستثمار.
ونعود ونؤكد ان استثمارات اللبنانيين في المجالات الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية والتعليمية في المشرق العربي، وخصوصا خلال العقد ونصف العقد المنصرمين، باتت تفوق في حجمها واهميتها الاستثمارات التي تحققت في لبنان.
وهذا الوضع حقيقة واقعة رقمياً في المجالات الآتية:
- الاستثمارات الصناعية.  اللبنانيون ناشطون في الصناعات الغذائية في عدد من الدول الخليجية، وفي صناعات المنتجات الكيميائية، ومواد البناء، والصناعات الورقية، وفي مجالات انتاج النسيج، وربما أهم من النسيج، تصنيع الالبسة وتصديرها.
- الاستثمارات الخدماتية في مجال الفندقة والاعلام والتعليم تجاوزت ما تحقق في لبنان في الفترة ذاتها، كما في شركات تسويق منتجات الالبسة المعروفة، وتسويق منتجات التجميل.
- في مجالات الانتاج الزراعي وتصنيعه، فاقت الاستثمارات والنشاطات اللبنانية في الخارج ما تحقق في لبنان بكثير.  وثمة استثمارات كبيرة في هذا المجال تحققت في سوريا ومصر والسودان.
ان هجرة رأس المال اللبناني المادي والبشري كانت ضرورية لاستمرار فرص الكسب والعمل للبنانيين الشباب.  ونحن لا نعتبر هذه الظاهرة مضرة، بل على العكس، ففي عصر العولمة وانفتاح الاسواق وتسارع التطورات التقنية، يعتبر التقاعس عن الانخراط في مجالات العمل المجدي، اينما كان، تعبير عن الفشل في اغتنام الفرص التي تتفتح أحياناً في اسواق معينة وتنغلق في أسواق أخرى.
كما نرى اننا اغلقنا اسواقنا والرغبة في الاستثمار في لبنان لأكثر من سبب، من أهمها كثرة العراقيل التي تعيق الاستثمار وتعدده، وعدم توافر خدمات الكهرباء والمياه بانتظام، وارتفاع اكلاف تخليص البضائع في المرافئ، والكلفة العالية وطول مدة نقل البضائع المستوردة والمعدة للتصدير.  وأهم من كل ذلك بكثير، ضبابية التوقعات السياسية، والخوف من تردي الاوضاع الامنية بصورة فجائية كما حصل صيف 2006 وصيف 2007، وقبل ذلك عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري بوحشية عبرت عن رغبة المنفذين في اغراق البلد في الدماء.
واذا شئنا ان نطلق الطاقات والديناميكيات في لبنان، علينا ان نتصالح مع الحداثة وان نتصارح مع مستلزمات التشريع، وان نسرع في فض النزاعات القانونية، وان نبعد أشباح التأثير السياسي في مصير القرارات.  وعلينا ان نبدأ بقبول المساواة حقوقيا في مختلف المجالات، وخصوصا أجهزة الدولة، من دون الاعتداد بان الظلم قد حل بفئة أو طائفة أو مذهب في وقت من الاوقات.
اللبنانيون جميعا مظلومون قياساً بما يشهدون في الدول القريبة حولهم، والدول الاكثر تطوراً في أوروبا القريبة.  واذا شئنا توطين اللبنانيين في وطنهم، قبل تشجيعهم على الهجرة، علينا بالفعل اصلاح النظام السياسي، وإلغاء أي تفكير في التهديدات الداخلية.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,264,431

عدد الزوار: 6,942,744

المتواجدون الآن: 132