الدولة اللبنانية عاجزة عن إيجاد السيولة.. ما الحل؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 25 كانون الأول 2012 - 7:46 ص    عدد الزيارات 736    التعليقات 0

        

 

 
الدولة اللبنانية عاجزة عن إيجاد السيولة.. ما الحل؟
أنطوان فرح
عندما فاتح وزير المال محمد الصفدي مجلس الوزراء أخيراً، في موضوع الصعوبات التي تواجهها المالية العامة في الدولة، انما كان يلفت الى مجموعة مؤشرات تقود كلها الى الاعتقاد ان الوضع اقترب من دائرة الخطر، وان المرحلة المقبلة مفتوحة على احتمالات من نوع آخر.
الآلية التي تتبعها الدولة للتمويل معروفة وواضحة. اذ تشكّل المصارف الخزان المالي الاول لتغطية العجز، وضخ الاموال في الخزينة. هذه الآلية تستند الى مبدأ اساسي لكي تستمر وتنجح، يقوم على واقع ارتفاع حجم الودائع والكتلة النقدية في المصارف لكي تبقى قادرة على التمويل.
 
وتعتمد المصارف بشكل رئيسي على الاموال التي يضخها اللبنانيون العاملون في الخارج، وعلى الودائع الاجنبية، والعربية منها بشكل خاص، والتي تهدف الى تمويل الاستثمارات، او الاستثمار في الفوائد المرتفعة نسبيا على الليرة، او حتى الافادة من السرية المصرفية المتوفرة في النظام المصرفي اللبناني، على رغم الثقوب التي أحدثتها قوانين مكافحة تبييض الاموال في الجدار المصرفي.
 
هذه "الينابيع" الاساسية للمصارف، تراجعت جزئيا، خصوصا ما يتعلق منها بأموال الاستثمارات العربية. وتراجعت نسبة نمو الودائع، في حين ارتفعت نسبة الاقراض. هذا الوضع جعل المصارف اكثر حذرا في الاستمرار في تمويل عجز الدولة.
 
هذه المواقف قد لا تكون جديدة، لكنها بدت اليوم أشدّ خطورة لسببين: اولا، لأن المصارف التي سبق وامتنعت عن الاكتتاب بسندات جديدة، اعتراضاً على سعر الفوائد المتدني، وعلى غياب الاصلاحات، كانت تسجل موقفا وتمارس ضغوطات، ولم تكن متردّدة بسبب مخاوف من الوضع. ثانيا، ان مصرف لبنان المركزي حلّ مكان المصارف في الاكتتاب بالسندات الحكومية، وكان يغطي النقص، فلا يشعر به الرأي العام.
 
هذا الوضعان تبدلا حاليا. بالنسبة الى امتناع المصارف عن الاكتتاب، ألمح وزير المال الى ان المصارف فضلت الانتظار في الاكتتاب في الإصدار الأخير لسندات يوروبوندز إذ "كنا طلبنا تجديد سندات خزينة استحقاق 2013 بقيمة مليار و500 مليون دولار... لكن المصارف لا تريد سندات لمدّة 10 سنوات وبفائدة أقل".
 
وأوضح الصفدي أن الفترة التي نفذ فيها الإصدار كانت "خلال حرب غزة وأحداث أخرى أثارت تخوّف المصارف من التخلي عن سيولتها لعدم قدرتها على استشراف المستقبل، لذلك فضلت المصارف عدم الاكتتاب في السندات الجديدة ريثما تتضح الصورة، ما جعلنا نحصل على نحو 800 مليون دولار، وكنا نرغب في جمع سيولة بقيمة 1.5 مليار دولار".
 
وفي موضوع تدخّل مصرف لبنان لتغطية النقص في اي اكتتاب تطرحه وزارة المال، التزم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بما قرّره قبل فترة حول الامتناع عن تكبير محفظة المصرف من سندات الدين الحكومية. خصوصا ان تضخّم هذه المحفظة في الحقبة السابقة أثار المخاوف، وموجة من الانتقادات في شأن المخاطر التي يشكلها هذا الوضع.
 
واعتبر بعض الاقتصاديين ان دخول مصرف لبنان على خط الاكتتاب بالسندات الحكومية، شكل سابقة غير صحية، على اعتبار ان الاموال الاحتياطية في المصرف موجودة للدفاع عن قيمة النقد وثباته، ولا يجوز استخدامها في تغطية دين الدولة، خصوصا انها اموال تعود في جزء منها الى المصارف نفسها. فاذا كانت ادارات المصارف تمتنع عن الاكتتاب في السندات، فهل يجوز أن يستخدم مصرف لبنان هذه الاموال لحمل جزء من محفظة الدين العام؟
 
في كل الاحوال، ما جرى في اصدار المليار ونصف مليار دولار يختلف عن الحقبة السابقة، لأنه عكس خوفا حقيقيا من الانغماس اكثر في الدين العام. من دون أن نحذف من الحسبان رغبة المصارف في رفع اسعار الفوائد اكثر على الاصدارات الحكومية، لأن أوضاع السوق، والوضع العام بات يحتّم هذا الأمر. كذلك يغمز البعض من قناة مواصلة المصارف الضغط على الحكومة لثنيها عن الانغماس اكثر في سياسة زيادة الانفاق.
 
وبالتالي، فان البعض قرأ في موقف المصارف المتحفّظ، رسالة الى الحكومة مفادها ان مشروع سلسلة الرتب والرواتب يجب أن يسقط في الوقت الراهن، لأن الدولة لا تستطيع أن تزيد انفاقها مليارا ونصف مليار دولار في السنة، اذا كانت عاجزة عن تجديد الاكتتاب في دينها العام الذي وصل الى 56.6 مليار دولار.
 
كذلك فان المصارف التي تعرف ان مصرف لبنان لم يعد قادرا على التدخّل اكثر للاكتتاب في سندات الدين، باتت تعرف أن الضغط في هذا الموضوع صار مجدياً اكثر لفرض تغيير الذهنية في الدولة، وتسريع المشاريع الاصلاحية الموعودة التي لم تتحقق. هذه الاصلاحات الغائبة ابتلعت المكاسب التي تحققت في مؤتمرات باريس 1 و 2 و3.
 
كذلك ابتلعت الفوضى والفساد الفائض في النمو الذي بلغ حوالي 24 في المئة خلال السنوات 2008 و2009 و2010. هذا النمو تفوّق على نسب النمو التي تحققت في المنطقة، وكان يمكن أن يُستفاد من مفاعيله لاطفاء جزء من الدين العام. لكن شيئا من ذلك لم يحصل، بل ان وتيرة الانفاق ارتفعت بشكل عشوائي في غياب موازنات تضبط الوضع.
 
ما قاله الصفدي في مجلس الوزراء هو بمثابة الانذار الاول حول الوضع المالي في البلد. وما قد يسمعه الناس في الايام الطالعة، بعد مرور حقبة الاعياد، قد يكون أخطر واكثر وضوحا، ويؤشر الى الخط الاحمر الذي بدأ المسؤولون يقتنعون بأن البلد اقترب من تجاوزه.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,721,664

عدد الزوار: 6,962,823

المتواجدون الآن: 70