تفشي ظاهرة سداد القرض المقلوب في بعض البنوك الإسلامية أخل بمبدأ الصناعة

تاريخ الإضافة الأربعاء 12 كانون الأول 2012 - 5:23 ص    عدد الزيارات 864    التعليقات 0

        

تفشي ظاهرة سداد القرض المقلوب في بعض البنوك الإسلامية أخل بمبدأ الصناعة
بعد أن أوقع الكثير من العملاء في فخ الإفلاس والتعثر
الرياض: فتح الرحمن يوسف
أثار اتباع بعض البنوك الإسلامية، أسلوب مقلوب مع العميل المقترض منها قرضا بفائدة معينة، بإجباره تسديد الفائدة أو الربح قبل تسديد القرض الأساسي، حفيظة عدد من خبراء المصرفية الإسلامية، الذين وصفوها بالخروج عن المقصد الشرعي ناتج عن خلل رقابي وشرعي.

وأوضح الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الوضع المقلوب، له انعكاساته السالبة على المصرفية الإسلامية، بعدما حققت الكثير من المكتسبات والانتشار في أوروبا وآسيا وزحفت نحو الكثير من الدول الأفريقية والأميركية، حيث إنه يعزز الصورة الذهنية المسبقة عن عدم المصداقية والشفافية في المصرفية الإسلامية.

وحملوا مجلس الخدمات المالية والإسلامية، مسؤولية عدم فرض البنوك المركزية لوائح شرعية على البنوك التي تعمل تحت رقابتها، معتبرين أن فشل هيئات الرقابة الشرعية في القيام بدورها على الوجه الأكمل، إقرار صريح ليس فقط بارتكاب أخطاء وإنما ببرمجة خلل رقابي من داخل البنك ومن خارجه.

ودعا الخبراء إلى ضرورة تكوين هيئة رقابية عليا، تستكشف الأخطاء والمخالفات الشرعية التي تقع فيها هذه البنوك، ومن ثم فرض عقوبات صارمة وملزمة تجد طريقها للتنفيذ، من خلال آلية عمل فعالة، حتى يستقيم العمل المصرفي الإسلامي بصورته التي ينبغي أن يمشي عليها.

وفي هذا السياق أوضح نواف يوسف أبو حجلة الباحث والمحاضر في المصرفية الإسلامية أن البنوك الإسلامية، أصبحت حقيقة واقعة ويظهر ذلك في جوانب عدة منها النمو المتزايد لعددها وحجمها والانتشار الكبير لها، مبينا أنه من أهم العوامل التي ساعدت على ذلك، صفتها الإسلامية التي تعني ممارستها لأعمالها، على أساس أحكام وتوجيهات الشريعة الإسلامية وعلى الأخص عدم التعامل بالفوائد غير المتفقة مع الشريعة، وإحلال المشاركة في الربح محل الفائدة في علاقتها بالمودعين.

وأضاف أنه تكيف هذه العلاقة، على أساس عقد المضاربة الشرعية، التي تعرف بأنها دفع مال إلى آخر ليعمل فيه والربح بينهما على ما اشترطا، مبينا أن المودعين والذين يطلق عليهم في النظام المصرفي الإسلامي: «أصحاب حسابات الاستثمار» هم أرباب الأموال في عقد المضاربة، مشيرا إلى أن المصرف هو المضارب.

وطبيعة عقد المضاربة وفق أبو حجلة، أن يشترك رب المال المضارب في الربح كل لـه حصة شائعة فيما يتحقق من أرباح نتيجة استثمار الأموال، وبالتالي تحتل قضية تحديد الربح وتوزيعه بين المصرف وأصحاب حسابات الاستثمار أهمية كبيرة في العمل المصرفي الإسلامي، مشيرا إلى أنه بقدر الالتزام بالأحكام الشرعية وتحقيق العدالة في تحديد وتوزيع الربح، بقدر ما يتحقق للمصرف صفته الإسلامية.

وزاد أنه توجد عدة مسائل ترتبط بهذه القضية منها، طبيعة حسابات الاستثمار التي تتعدد إلى مئات الألوف، وتفاوت مبالغها من شخص إلى آخر، وتغيرها المستمر بالسحب والإيداع، وتفاوت مدة بقاء كل منها لدى المصرف، وبالتالي تظهر مسألة توزيع الربح بين أصحاب حسابات الاستثمار في ظل هذه التفاوتات.

ونوه أبو حجلة إلى وسيلة أخرى تتبعها البنوك وهي خلط المصرف أموال حسابات الاستثمار مع بعضها وخلطها بماله واستثمارها جميعا معا دون تمييز، وبالتالي تظهر مسألة توزيع الربح بين الأموال المشاركة في الاستثمار، في حين أنه في حالة أخرى، تتعدد إيرادات المصرف من الاستثمارات ومن الخدمات المصرفية والإيرادات الأخرى، وبالتالي تظهر مسألة مدى استحقاق أصحاب حسابات الاستثمار من هذه الإيرادات.

ومضى في الوسائل التي تتبعها البنوك في مثل هذه الحالة، كوجود حسابات لا يشارك أصحابها في الربح وهي الحسابات الجارية، وبالتالي تظهر مسألة من يختص بعائد هذه الحسابات، أو استثمار البنك الأموال المتاحة لديه بصيغ تمويل واستثمار متعددة مثل المرابحة والمشاركة والمضاربة والسلم والإجارة، لدى عملاء كثيرين، حيث تتم في مراحل متتابعة، وبالتالي تظهر مسألة متى تتحقق الإيرادات من هذه الاستثمارات.

كذلك عدم التوافق بين توقيت توزيع الربح وتوقيت تصفية عمليات الاستثمار وبالتالي تظهر مسألة الربح التقديري ومسألة المخصصات والاحتياطيات، أو أن الأرباح تقاس بالإيرادات مطروحا منها المصروفات، وبالتالي تظهر مسألة تحديد المصروفات التي تخصم من الإيرادات للوصول إلى صافي الربح القابل للتوزيع.

ونظرا لتعدد الآراء حول هذه الأمور وفق أبو حجلة، خاصة أنه توجد عدة سياسات محاسبية بديلة لكل مسألة منها، أبرز عدد من المحددات في هذه المسألة، منها الاختلاف بين البنوك الإسلامية في أسس تحديد وتوزيع الأرباح بما لا يمكن معه المقارنة بينها وبما يؤثر على مدى مصداقية المعلومات، بالإضافة إلى أنه لا توجد معايير موحدة أو عرف مستقر، يمكن الحكم بموجبها على مدى سلامة الطريقة، التي يتبعها أي بنك خاصة في ظل الاختلاف الواضح بين الكتاب والباحثين، حول المسائل المتصلة بتحديد وتوزيع الأرباح.

وقال أبو حجلة: «على الرغم أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أصدرت عدة معايير محاسبية تمثل إرشادات ملزمة لتوحيد السياسات المحاسبية في البنوك وأداة للحكم على أعمالها، فإنها غير ملزمه للتطبيق في المصارف الإسلامية».

كما أبرز استرشاد البنوك الإسلامية، بسعر الفائدة عند تحديد الأرباح وتوزيعها، يفتح باب الاتهام بأن البنوك الإسلامية، مثل البنوك التقليدية ويفقدها أهم خصائصها، في ظل انفراد إدارة البنك، بتقرير أسس وسياسات تحديد وتوزيع الأرباح، وعدم خضوع هذه الأسس، للتقويم بواسطة جهة خارجية محايدة، مثل مراقبي الحسابات، أو الإفصاح عنها، بشكل كاف للحكم على مدى تمشيها مع الأحكام الشرعية، أو تحقيق العدالة بين المصرف والمتعاملين معه.

أما محمد الخنيفر المتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لمجموعة «ادكوم أكاديمي» المصرفية الأميركية، أوضح أنه شاع بين بعض العملاء أن هناك بعض البنوك الإسلامية التي تحاول أن تملي على العميل المقترض منها قرضا بشكل معين، كأن يكون في شكل عقد مرابحة أو منتج قرض لمنزل أو ما شابه ذلك.

وتابع بأن المسمى الدقيق في مثل هذه الحالة، لا يقر بأنها فائدة بقدر ما هي ربح على القرض، حيث يعود الأمر في نهاية المطاف إلى طبيعة العقد الإسلامي الأساسي سواء كان إجارة أو مرابحة.

ويعتقد أن بعض البنوك الإسلامية، التي تفضل أن تحصل بشكل أساس على الأرباح، قبل الحصول على رأس المال الخاص بالقرض، يعود إلى محاذير تخشاها جراء اتباع العميل سلوكا قد يخل بالعقد أو بمدته لأسباب تخصه كأن يفسخ العقد قبل تمام مدته، فمثلا إذا كان العقد مدته عشرة أعوام يقوم العميل بإنهاء عقده في أول عام أو ثاني عام له، الأمر الذي يجعل بعض البنوك تتخذ خطوات استباقية تضمن لها حقوقها الربحية كاملة، حتى لو لم يلتزم العميل المقترض بمدة العقد.

ووصف الخنيفر أن مثل هذا التصرف غير أخلاقي من ناحية مهنية، فضلا عن أنه خروج عن شرعية المنتج والذي لا يستغل ظروف العميل أو يكون غير عادل في بعض جوانبه، مشيرا إلى أن مثل هذا السلوك لا ينتشر إلا في بعض البنوك الإسلامية التي تقع خارج دائرة الرقابة الشرعية سواء من داخل البنك أو من قبل البنوك المركزية والتي من المفترض تلتزم بتشريعاتها في مثل هذه الحالات.

وعلى عكس هذا الوضع، يعتقد الخنيفر أن البنوك المركزية في الدول المتقدمة والتي تتوفر فيها تشريعات تنظيمية ورقابية غاية في المهنية والاحترافية لا تقع في مثل هذا السلوك الاستغلالي، لافتا إلى أن هذه البنوك تسلك طريقا يتسم بكثير من المنطقية والعقلانية والعدالة، عندما تقرض عميلها قرضا أيا كانت وجهته.

وأوضح الخنيفر أن البنوك في البلاد المتقدمة رغم تقليديتها، فإنها تقوم على توضيح الصيغة التي تناسب كل عميل حسب ظروفه ومقدراته المالية، مشيرا إلى أنها تجمع هامش الربح مع المال المقروض وتقسمه على مدة دفع الأقساط فيتوزع الربح بعدالة على عدد سنين القرض، وإن لم يستطع العميل تكملة مدة عقده فإنه لن يدفع من الربح إلا ما كان قد استفاد منه قبل في عملية تشغيل القرض في الوقت يشغل فيه.

وعاد الخنيفر وقال: «إنه بالعودة لممارسة بعض البنوك الإسلامية لجني أرباح قروضها عن طريق الهرم المقلوب، فإنه بالإضافة إلى أن تصرف غير مهني فإنه استغلال صارخ في حق العميل وخروج عن المقصد الإسلامي، بل أكثر فجاجة من نظيره التقليدي».

وعزا هذا السلوك إلى إحدى أمرين، إما أنه ناتج عن ضعف الرقابة الشرعية في البنك المعين أو أن البنك يعمل ذلك قصدا مستغلا ظروف العميل وعدم لائحة خارجية رقابية تضبط أعماله وتحاسبه على الخروقات فيه، أو لعدم وجود إدارة للمصرفية الإسلامية ولوائح تحكمها تصدر من قبل البنوك المركزية المفترض فيها مراقبتها ومعاقبتها لو وقعت في مثل هذا الخطأ أو غيره.

وأضاف الخنيفر أن بعض البلاد، التي طورت نظامها المالي الإسلامي كمثل ماليزيا وبريطانيا، استطاعت أن تعالج مثل هذه الأمور من خلال تخصيص إدارة للمصرفية الإسلامية في بنوكها المركزية، تتعامل بكل جدية وشفافية ومسؤولية تجاه البنوك التي تمارس الخروج على تشريعاتها الصادرة عنها بهذا الخصوص، مشيرا إلى أنها تنظم قوي عملها المصرفي بشكل حرفي وتخصص له أو جهات رقابية لضبطه.

وخلص إلى أن بعض البنوك المركزية في البلاد الإسلامية بما فيها مؤسسة النقد العربي السعودي، لم تخصص إدارات خاصة بالمصرفية الإسلامية، فصنعت ثغرة واضحة يجني سوءتها العميل، حيث إنه لا يوجد أي تشريع ملزم لمراقبة ومحاسبة من يخفق أو يقع في مخالفة صريحة، مشيرا إلى أن هذه البنوك المركزية تقوم بخلط المعاملات الشرعية مع المعاملات التقليدية فتكون النتيجة معاملة غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

المستشار الاقتصادي محمد الحمادي، اتفق مع سابقيه على استغلالية بعض البنوك الإسلامية لظروف العميل وجني الأرباح دون اعتبار لأي مسؤولية اجتماعية تجاه العميل، مبينا أن ظاهرة الهرم المقلوب في العقود والقروض التي تصدرها تلك البنوك، أوقعت الكثير من العملاء في فخ الإفلاس والتعثر.

وأكد أن بعض البنوك الإسلامية تتبع بالفعل أسلوبا مقلوبا مع العميل المقترض منها قرضا بفائدة معينة، حيث تعمل أولا على إجبار المقترض تسديد الفائدة قبل تسديد القرض الأساسي، والذي يعني رأس المال المقروض للعميل أولا، حتى لو امتد تسديدها لسنوات ثم تجبره بعد ذلك على تسديد القرض الأساسي.

ويعتقد الحمادي أن ما سماه بالخروقات، تعود في المقام الأول لغياب الدور الرقابي في بعض البنوك الإسلامية سواء بقصد أو دون قصد، مبينا أن تحكيم عنصر الرقابة الشرعية مسؤولية مشتركة بين البنك وأجهزته الشرعية والرقابية والبنوك المركزية التي من المفترض أنها تنظم عملها وفق الشريعة الإسلامية.

ويرى أن مثل هذا السلوك غير الأخلاقي، سيساهم في تكوين فكرة خاطئة عن القوانين الإسلامية وكأنها هذا جزء من طبيعتها وليس من طبيعة البشر، مشيرا إلى أن ذلك يعكس سلبية المصرفية الإسلامية لدى البلاد غير المعتنقة للدين الإسلامي، حيث يعزز الصورة الذهنية المسبقة عن عدم المصداقية والشفافية في المصرفية الإسلامية.

وشدد على ضرورة أن تقوم البنوك المركزية بدورها الرقابي والشرعي، حتى لا تستفحل مثل هذه الظواهر السالبة، مؤكدا الحاجة الماسة لسن تشريعات وقرارات محاسبية للمساءلة والشفافية فضلا عن تأسيس هيئات شرعية ملتزمة تقوم بمراقبة المنتجات والعقود الإسلامية أيا كان طبيعتها، لمتابعة سلامة تنفيذ العمليات ومعرفة إن كانت ملتزمة بالشريعة أم غير ملتزمة لمحاسبتها وتقييدها بالضوابط الشرعية.

وحمل الحمادي مجلس الخدمات المالية والإسلامية، مسؤولية عدم فرض البنوك المركزية لوائح شرعية على البنوك التي تعمل تحت رقابتها، معتبرا أن فشل هيئات الرقابة الشرعية في القيام بدورها على الوجه الأكمل، إقرار صريح ليس فقط بارتكاب أخطاء وإنما ببرمجة خلل رقابي من داخل البنك ومن خارجه.

واقترح على مجلس الخدمات المالية الإسلامية، تكوين هيئة رقابية عليا تكون مهمتها في المقام الأول مدى قدرتها على استكشاف الأخطاء والمخالفات الشرعية التي تقع فيها البنوك المركزية أولا ومن بعدها البنوك الإسلامية التي تقع تحت عينها مع فرض عقوبات صارمة وملزمة تجد طريقها للتنفيذ من خلال آلية عمل فعالة، حتى يستقيم العمل المصرفي الإسلامي بصورته التي ينبغي أن يمشي عليها.

كما اقترح الحمادي على مجمع الفقه الإسلامي، أن يقوم بتخصيص مركز للدراسات والاستشارات الشرعية تكون مواكبة للمتغيرات ومطلعة على المخالفات الشرعية، وذلك بغرض تكوين قاعدة معلومات مستوفية البحث والتدقيق، ينجم عنها دراسة تشخص واقع الحال بمنتهى المسؤولية والشفافية.

وشدد على أهمية رصد الأضرار التي تقع على العميل الذي يقع ضحية في مثل هذه الحالات، لبحث فكرة البحث عن استرداد حقوقه بشكل عادل يرضي كافة الأطراف ولا يخرج عن السياق الشرعي.

ولفت الحمادي إلى أنه يقع على العميل هو الآخر، دور مهم وهو مهمة التبليغ بشكل موثوق عن أي مخالفة شرعية صريحة ممن لا يلتزم بمتطلبات المراقب الشرعي، مقترحا ضرورة إصدار قرار من جهة عليا بتخصيص إدارة للمصرفية الإسلامية داخل البنوك المركزية تساعد على تحقيق هذا الهدف.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,050,778

عدد الزوار: 6,749,966

المتواجدون الآن: 107