القطاع الخاص لا يطلب، كفايةً، يداً عاملة ماهرة

تاريخ الإضافة الإثنين 10 كانون الأول 2012 - 6:41 ص    عدد الزيارات 792    التعليقات 0

        

 
ماري قعوار– زافيريس تزاناتوس

القطاع الخاص لا يطلب، كفايةً، يداً عاملة ماهرة

 

 

 يعاني لبنان من مستوى مرتفع لمعدّل البطالة عند الشباب يصل إلى 24% مما يعوّق النموّ الاقتصادي. وعدم المساواة في النظام التعليمي والسياسات الاقتصادية المتبعة هي من الأسباب الرئيسة التي تقف وراء بطالة الشباب في لبنان.

إن العدد الكبير نسبياً من العمّال غير الاكفياء في لبنان يعود بالدرجة الأولى إلى النظام التعليمي المحفوف بالتفاوتات والذي لا يخدم طلاب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً. فبحسب الإدارة المركزية للإحصاء وقاعدة بيانات الأونيسكو للعام 2009، 5٪ فقط من الطلاب الذين يأتون من عائلات فقيرة يدخلون المدارس الخاصة في مقابل 66٪ من الطلاب من الأسر الأوفر حظاً.
ومن المسلّم به عموماً في لبنان أن المدارس الرسمية هي أقل جودة وغير كافية لخدمة جميع الأطفال. كما أن عدد الطلاب الذين يحصّلون الشهادة الثانوية يبلغ نسبة تسعة فقط في المدارس الرسمية مقابل225 في المدارس الخاصة بحسب دراسة للوزير السابق شربل نحاس تحت عنوان "التمويل والاقتصاد السياسي للتعليم العالي: حالة لبنان" (2011). وهذا يزيد من نسبة الأطفال غير المعدّين للعمل في المستقبل.
من ناحية أخرى يخفي الأداء الجيد نسبياً للطلاب اللبنانيين عيباً مهماً ألا وهو واقع وجود فجوة كبيرة في النتائج ما بين الطلاب الذين ينتمون إلى عائلات من الشريحة الخمسية الأعلى (20%) لتوزيع الدخل ومن هم من الشريحة الخمسية الأدنى، والذي يعدّ الأوسع بين الدول العربية بحسب دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية في القاهرة في العام 2012.
كما أن معدّل التحاق الطلاب من العائلات الميسورة بالجامعات يتخطى أيضاً ضعف معدل الطلاب الذين يأتون من خلفيات أقل يسراً بحسب مؤسسة التدريب الأوروبية (2005)، فتبلغ آثار التفاوتات في الدخل ذروتها على المستوى الجامعي.
فمن الجليّ إذاً أن هناك تفاوتات متعلّقة بالدخل تساهم في عدم تساوي الفرص في التعليم والتوظيف في المستقبل، مما يعوّق تنمية رأس المال البشري ويحدّ من الانتاجية ويؤدي إلى التهميش الاجتماعي. ويساعد ذلك على شرح الازدواجية في القوة العاملة اللبنانية التي تتألّف من جهّة من باحثين عن عمل ذوي مهارات عالية غالباً ما يهاجرون، وباحثين عن عمل ذوي مهارات متدنية غالباً ما يبقون في البلاد ويعملون مقابل رواتب منخفضة من جهة أخرى.
وتبقى المشكلة الأهم في كون الإنفاق المباشر على التعليم في لبنان منخفضاً جداً ويقف، وفقاً لمؤشرات البنك الدولي للتنمية للعام 2012، عند 1.8 %من إجمالي الناتج المحلي (أقل من نصف ما تنفقه البلدان العربية الأخرى). وفي ظل هذا المستوى المتدني من الإنفاق العام على النظام التعليمي، سيبقى حتماً عدد العمّال المتخصّصين وذوي المهارات العالية صغيراً.
بالإضافة إلى النظام التعليمي الذي يفشل في خدمة كل الشباب اللبناني بشكلٍ كافٍ، يشكّل حجم وبنية الاقتصاد إشكالية أخرى.
أولاً، يشهد لبنان، منذ العام 1970، انخفاضاً كبيراً في حصص قطاعي الزراعة والصناعة في إجمالي العمالة وتشكّل الخدمات اليوم ما يزيد عن 70% من سوق العمل بحسب دراسة نشرها البنك الدولي عام 2011. كما نلحظ أرباحاً كبيرة في قطاع النقل والاتصالات (40%) منذ العام 1997. وتالياً فإن هيكلية الانتاج تتجّه نحو انتاج السلع غير التجارية، ويشكّل العمل الحرّ في غير الزراعة حصّة كبيرة من اليد العاملة اللبنانية. لذلك، يعقل القول أن القطاع غير الرسمي في لبنان ربما ليس بحاجة ماسة إلى توظيف إضافي.
ثانياً، في حين يعتبر أصحاب العمل اللبنانيون الأكثر تعبيراً بين البلدان العربية من حيث التذمّر من "غياب المهارات"، تظهر نتائج الاستفتاءات التي أجريت حول شركات مختلفة أن أصحاب العمل اللبنانيين غير مستعدّين لدفع رواتب أعلى مقابل المهارات. بمعنى آخر، يمكن القول "ليس هناك من طلب على المهارات" عوضاً عن القول "ليس هناك مهارات". ووفق مسح أعده البنك الدولي في العام 2010 حول تحديث المناخ الاستثماري في لبنان،  تمثّلت العوائق الخمسة الأولى التي تواجهها الشركات في لبنان بعدم الاستقرار السياسي والإمداد الكهربائي والفساد ومعدلات الضرائب وكلفة التمويل. وفي المرتبة السادسة فقط، جاء كلّ من المهارات والمستوى العلمي للعمّال.
وتشير الأرقام إلى أن قوة العمل اللبناني ككلّ تعدّ متعلمة بصورة عامة. فخمس الرجال اللبنانيين يحملون شهادة جامعية وأربعة من أصل عشر نساء عاملات يحملن شهادة جامعية بحسب مسح أعدته الإدارة المركزية للإحصاء عام 2009. وبالتالي، لا ينقص لبنان الباحثين عن العمل الشباب والمؤهّلين. في الواقع، أعلى معدّلات البطالة تلاحظ لدى المستويين الثانوي والجامعي - 9.7 % و11.1% على التوالي- وهي لا تتعدّى 4.2% لمن هم أميّون بحسب مسح الظروف المعيشية للأسر الذي أعدته الإدارة المركزية للإحصاء (2007). أكثر من ذلك، يبدو أن الوضع قد أصبح أسوأ للباحثين عن العمل المتعلّمين: فعلى سبيل المثال، ارتفع معدّل البطالة لدى خرّيجي الجامعات من 6.1% في العام 1997 إلى 11.1% في العام 2007.
أمّا في ما خصّ المهارات المحدّدة التي تفتقر إليها اليد العاملة، يظهر مسح أعدته شركة InfoPro سنة 2006 أنّ المهارات التقنية والمهنية (التي تشكّل التركيز التقليدي للعديد من مبادرات التدريب) هي أقلّ ما يهمّ الشركات. ما تثمّنه هذه الشركات أكثر هو المهارات القيادية واللغوية والتحليلية والحاسوبية. فتلك هي المهارات التي يتوجّب على النظام التعليمي أن يؤمّنها.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن الشركات اللبنانية من جهتها لا تستثمر في التدريب للرفع من مستوى أداء  اليد العاملة ومهاراتها. فمن بين 142بلداً مدرجاً ضمن مؤشّر المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2012، احتلّ أصحاب العمل اللبنانيون المرتبة 98فقط من حيث الاستثمار في تطوير الموظفين.
أخيراً يمكن القول إن اقتصاد لبنان يعاني من فائض في اليد العاملة في كلا الجانبين،  إذ هناك وفرة في العمّال المتعلّمين تجعل من لبنان أحد أكبر البلدان "المصدّرة" في العالم. كما أن هناك فيضاً في اليد العاملة القليلة المهارات والمؤلّفة بشكل أساسي من عمّال مهاجرين ولبنانيين لم يكملوا تحصيلهم العلمي الأساسي. لذلك، تبقى سوق اليد العاملة اللبناني الصغيرة غير قادرة على استيعاب العدد الكبير من الشباب المؤهّلين للعمل.  من وجهة نظر اجتماعية، ينبغي إعارة اهتمام أكبر للشباب اللبنانيين الأقل حظاً الذين يمضون وقتاً قصيراً جداً في المدارس، ويحصلون على تعليم متدنّي المستوى، و يُتركون في النهاية للتنافس مع عمّال مهاجرين على رواتب منخفضة. وهنا، يمكن التوصية بعدد من التوجّهات السياساتية لمعالجة هذه المسائل.  
في ما يخصّ التعليم، ينبغي على السياسات رفع التحصيل العلمي لمن ينتمون إلى الفئات الاجتماعية الأقل حظاً من خلال زيادة إمكان وصولهم إلى التعليم ذي النوعية الجيدة والحفاظ عليهم في النظام التعليمي لفترة أطول، وذلك من خلال:إعادة توزيع الإنفاق العام على التعليم  في المقام الأول نحو المجالات التي تأتي بالمنفعة على من هم بحاجة بدلاً من الذين يلبّون معايير أخرى (على سبيل المثال، بدلات تعليم تدفع للعاملين في القطاع العام فقط)؛ زيادة الإنفاق العام المنخفض على التعليم وفق المعايير الدولية والإقليمية بالنسبة إلى بلد ذي دخل متوسط مرتفع كلبنان؛ وتحسين الروابط بين نظام التنمية البشرية ومتطلبات الاقتصاد المحلي للمهارات من خلال الإشراك الأوسع لأصحاب العمل في إدارة التعليم والتدريب وتمويلهما.
من ناحية سوق العمل، يجب تشجيع الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية والحدّ من الفرص الريعية ويشمل ذلك سياسات تعنى بالاقتصاد الكلي (على سبيل المثال، سياسات مالية تشمل الإنفاق العام الفعّال والتحصيل العادل للعائدات) وسياسات لها أثر مباشر أكثر على القطاعات الفردية والشركات (على سبيل المثال، التوفير في كلفة خدمتي الكهرباء والاتصالات)، التأمين الفعّال للمنافع العامة بما فيها البنية التحتية، والنقل العام وإدارة شؤون الهجرة مع التركيز على العمال ذوي المهارات المتدنية غير الموثّقين.

المركز اللبناني للدراسات 

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,704,476

عدد الزوار: 6,909,457

المتواجدون الآن: 98