الإقتصاد العربي... في سبات عميق!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 20 تشرين الثاني 2012 - 6:24 ص    عدد الزيارات 815    التعليقات 0

        

 

الإقتصاد العربي... في سبات عميق!
بقلم د. ماجد منيمنة
كثيرة هي الأمور التي تُنعت بالعربية، فهناك أمة عربية، وكذلك تاريخ عربي، وأيضاً ثقافة عربية، وكما لغة عربية... إلخ، ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه، هل هناك اقتصاد عربي؟! ولعل الإجابة السريعة على هذا التساؤل هي لا!! بل هنالك اقتصاديات عربية متفرقة, متباعدة عن بعضها البعض، ويقوم بينها نوع من العلاقات الاقتصادية الخجولة، لا ترقى إلى المستوى الذي نقول فيه أن هناك اقتصاداً عربياً يتسم بالتكامل والترابط المتين.
وإذا كانت مساحة الوطن العربي تزيد قليلاً عن 14 مليون كم2، أي حوالى 10% من مساحة الأرض المسكونة، ويبلغ عدد سكانه حوالي 300 مليون نسمة، أي حوالى 5% من سكان الأرض، إلا أن حجم الناتج الإجمالي لجملة الدول العربية يمثل حوالى 3% فقط من الناتج الإجمالي العالمي. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى انخفاض إنتاجية الفرد العربي مقارنة بغيره من بني جلده.
وصحيح أن العالم العربي يقع في منطقة صحراوية، قد تكون أقله غير مناسبة للحياة البشرية، حيث النقص الشديد في مصادر المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ولكن من جهة أخرى، نجد في هذه المنطقة الجغرافية التي قد أكرمها الله تعالى بوفرة هائلة في موارد الطاقة التي تتمثل في الغاز والنفط ، إذ تنتج المنطقة العربية حالياً حوالي 20% من الإنتاج العالمي من النفط ، وتمتلك احتياطيات تتجاوز 60% من الاحتياطي العالمي. أما من حيث الطاقة الشمسية، فهي نعمة ربانية أخرى، فالمنطقة العربية تعتبر من أكثر مناطق العالم تعرضاً لأشعة الشمس، الأمر الذي يجعلها مؤهلة, أكثر من غيرها للاستفادة من هذه الطاقة غير الناضبة.
وفي الوقت الذي تجني فيه الدول الأوروبية ثمار نجاحها في إقامة كيان اقتصادي راسخ البُنى، يزداد الشعور العربي بالمرارة إزاء الإخفاق في التوصل إلى تجسيد ملموس لشعارات رُفعت منذ خمسينيات القرن الماضي. فعلى الرغم من الحديث عن الوحدة العربية والتعاون الاقتصادي، ورغم إنشاء المجلس الاقتصادي في عام 1953، وإنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية عام 1957، وتوقيع أول اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري عام 1953، والاتفاق على إنشاء منطقة التجارة الحرة الكبرى عام 1998، إلا أن علاقات التبادل التجاري العربية لا تزال متواضعة إلى حد بعيد، إذ تُقدّر التجارة العربية البينية بأقل من 10%، وهذا يعني أن 90% من التجارة الخارجية للدول العربية مندمجة اقتصادياً مع العالم الخارجي.
لا شك أن التعاون الاقتصادي العربي لا يقتصر على تعزيز التجارة البينية بين الدول العربية، ولا على مجرد فتح الحدود، وإزالة القيود الجمركية وغير الجمركية، وإنما يعني وضع العديد من القيود والضوابط على حرية البلدان في الكثير من قراراتها الاقتصادية، بل وربما حتى السياسية. إذ يُطلب التنازل عن السيادة الوطنية من حيث السيادة المالية والنقدية، وترتيب مصرف مركزي موحد ومستقل عن الحكومات، يختص بوضع السياسة النقدية للمنطقة. علاوة على تبنّي وتنسيق العديد من الإجراءات والقواعد الضابطة للعمل.
وهكذا يتضح أن الوحدة الاقتصادية, رغم ما لها من إيجابيات ليست مجانية، بل ترافقها تكاليف سياسية واقتصادية, فقد نجد أن بعض الفئات الحاكمة تعتبر أكثر تأثراً بالوحدة الاقتصادية، خاصة إذا كان شكل الحكم يغلب عليه العنصر الفردي، وتقل المظاهر المؤسساتية والديمقراطية، ويصبح قيد ممارسة السيادة هنا، هو أقرب ما يكون قيداً على سلطات الحاكم الشخصية وامتيازاته الخاصة ونفوذه في بلاده، إذ أن البعض يتصرف في اقتصاد الدولة وفقاً لأهوائه وقناعاته الشخصية.
إن نقص الديمقراطية من ناحية، وشيوع الريبة حول نوايا بعض النظم السياسية العربية فيما بينها من جهة أخرى، حث على إضعاف الحوافز لدى الكثير من الحكام على الاستجابة لدعوات التوحيد الاقتصادي. ناهيك عن التردد السياسي لدى الدول العربية النفطية حيال معنى الوحدة الاقتصادية، الأمر الذي دعا كثيراً من أبناء الدول النفطية إلى التمسك بمزيد من «الوطنية المحلية».
لذلك, يحقق التعاون الاقتصادي العربي مصلحة كبرى للدول العربية في مجموعها، ولكل دولة على حدة، ولكن هذا التعاون ليس مجرد منحة مجانية. والمطلوب ليس تجاهل هذه المصالح أو التغاضي عنها، وإنما التعامل معها بأكثر قدر من العقلانية. كما يتطلب الأمر الاعتراف بأن التقارب الاقتصادي ليس هدية بلا ثمن، بل سيحدث تعارض بين مزيد من التعاون الاقتصادي العربي، وبعض المصالح المحلية، وهو تعارض لا ينبغي التجاوز عنه، علاوة على أن هناك بعض القطاعات التي يمكن أن تضار، وينبغي تعويضها وتأهيلها لقبول هذا التقارب الاقتصادي المأمول. ويشترط أن تتخذ هذه الإجراءات المناسبة، ووضع الآليات السليمة لتحقيق هذا الهدف الكبير.
إن الحالة الاقتصادية العربية، حالة مؤسفة فعلاً، وهي جديرة بأن نلتفت إليها أكثر مما نفعل في الواقع. إن أي سوق مشتركة, لكي تنجح, لا بد أن تتضمن سلسلة من الآليات، وإذ لم يتم ذلك، فالفشل هو مصير أي مسعى نحو سوق عربية مشتركة. فشرط نجاح السوق العربية المشتركة هو جعل المعطيات والظروف والمقومات الاقتصادية والاجتماعية متشابهة بين الدول العربية.
يتعين تغيير مجرى التفكير العربي في موضوع القضية الاقتصادية، فهناك وهن اقتصادي عربي قد يتعذّر القضاء عليه في المدى المنظور، حيث نجد الاقتصاد العربي داخل كل دولة عربية، يتسم بتدني مستوى الأداء. وهناك أيضاً وضع مفكك يتمثل في جامعات لا اتصال لها مع القطاع الخاص، ولا تُجرى الأبحاث فيها للتطور، وهناك قطاع خاص يتصل بالحكومات فقط للحصول على امتيازات، أو حماية، أو احتكارات، أو خصخصة.
مثل هذه الوقائع المؤلمة، يجب أن نأخذ علماً بها ونستفيد منها. إن بداية الوعي الاقتصادي هو أخذ العلم بعوارض المرض وبدايته، وأي تركيز منا على الظواهر السياسية لن يجدي في غياب الاهتمام بالجانب الاقتصادي. نحن عندما نستورد كل شيء من الخارج، لسنا في حال الاقتصاد الساكن، بل في حال الاقتصاد ذي الأداء السلبي. وكلما استوردنا من الخارج، قضينا على فرص العمل في الداخل. ومن هذا المنطلق، أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في الأدبيات الاقتصادية العربية، وإجراء حوار معمّق بين من يفكر في الاقتصاد، ومن يفكر في السياسة، بسبب عدم وجود رابط بين الاثنين حتى اللحظة. وما دمنا نفصل بين السياسة والاقتصاد والمال وعلم المجتمع، فسنبقى نتخبط عشوائيا، في حال العجز عن دخول عالم الإنتاج الحديث في جميع أوجهه.
إن كيان الاقتصاد الغربي الذي نتعامل معه اليوم, لم يتأت نتيجة لتطور تلقائي في العلاقات الاقتصادية بين الدول، وإنما جاء وليد «إرادة سياسية» بإنشاء وحدة اقتصادية متكاملة. وعلى الرغم من أن المنطقة العربية لا تختلف عن ذلك، وعلى الرغم من التقارب الثقافي والجغرافي والتاريخي، واللغة والدين بين الدول العربية، إلا أن الوحدة الاقتصادية لا تزال حلماً وبعيدة المنال، أكثر من أن تكون حقيقة على أرض الواقع.
إن القضية الاقتصادية في الفكر النهضوي العربي الحديث، لم تنل حظها الذي تستحقه، فالهموم السياسية والدينية كانت سيدة الموقف. ولم يجرؤ العرب على تطوير أي نوع من أنواع ما يسمى بـ «القومية الاقتصادية» التي ظهرت في اليابان، وكوريا الجنوبية، وبقية الدول الآسيوية التي تعرف بـ «النمور الآسيوية». وهذه ثغرة كبيرة جداً في الأوضاع العربية بشكل عام، في الوقت الذي نعرف أن الأوطان تُبنى باقتصاداتها، والبريق الحضاري لا يمكن أن يُستعاد إلا بقاعدة علمية تكنولوجية، وديناميكية إبداعية في الاقتصاد والعلم. وفي غياب هذه الديناميكية، فإن أي إصلاحات سياسية فقط ، مصيرها الفشل لا محالة!!.
 
* خبير مالي واقتصادي
* دكتوراه في المالية الدولية

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,259,706

عدد الزوار: 6,942,553

المتواجدون الآن: 133