تشي جينبنغ: الرجل الذي يجدر به تغيير الصين

تاريخ الإضافة الجمعة 9 تشرين الثاني 2012 - 6:36 ص    عدد الزيارات 848    التعليقات 0

        

تشي جينبنغ: الرجل الذي يجدر به تغيير الصين
بقلم "الايكونوميست"

 

عقب المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي يبدأ في بيجينغ في الثامن من تشرين الثاني الجاري، سوف يسير صف قصير من رجال يرتدون بذلات سوداً، وربما امرأة واحدة، على سجادة حمراء في غرفة في قاعة الشعب الكبرى، ويلتقون الصحافة العالمية. وسيكون على رأسهم تشي جينبنغ، رئيس الحزب المعيَّن حديثاً، الذي سيتسلّم أيضاً الرئاسة الصينية في آذار المقبل.

سوف يصطف خلفه الأعضاء الجدد في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي يشكّل الهيئة العليا في الصين. ستكون الابتسامات خشبية، والوقفة شديدة الانتصاب. لكن إدارة المسرح مختلفة تماماً عن الالتباسات العاصفة للحكم الفعلي. فسوف يكون على تشي جينبنغ، بصفته حاكم مركز الثقل الاقتصادي الجديد في العالم، أن يسير على خطى أسلافه القريبين في محاولة الجمع بين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي. لكن يتبيّن أن هذه المهمّة تزداد صعوبة. فالاقتصاد المتباطئ والفساد والمشكلات الاجتماعية المتعدّدة تتسبّب بتعاظم الإحباط لدى الصينيين والقلق في أوساط المسؤولين.
ويستطيع تشي جينبنغ في تعامله مع هذه التشنّجات، أن يواصل قمع التململ، كما يمكنه أن يبدأ بالتخفيف من سيطرة الحزب الشيوعي. سوف يتحدّد مستقبل الصين عبر الإجابة عن السؤال الآتي: هل يتحلّى تشي جينبنغ بالشجاعة والرؤية ليدرك أن ضمان ازدهار بلاده واستقرارها في المستقبل يقتضي منه القطيعة مع الماضي؟

 

من هو تشي جينبنغ؟
 

بالنسبة إلى العالم الثري الذي يرزح تحت وطأة الديون والخلل الوظيفي السياسي، قد تبدو عدم ثقة الصين بنفسها أمراً مستهجناً. فقد أسفرت إعادة إطلاق دينغ سياو بينغ للإصلاحات الاقتصادية عام 1992 عن نموّ استثنائي لمدّة عقدَين. وفي الأعوام العشرة الماضية، تضاعف حجم الاقتصاد أربع مرّات بالدولار الأميركي في ظل الرئيس الحالي هيو جينتاو. تؤمّن شبكة أمان اجتماعي جديدة (ولو كانت بدائية) نوعاً من التغطية الصحية لـ95 في المئة من الصينيين، بعدما كانت النسبة 15 في المئة عام 2000. تُعتبَر الصين في مختلف أنحاء العالم بأنها تحتل المرتبة الثانية بعد أميركا في المكانة والتأثير.
قبل فترة قصيرة، كان الصينيون يزدادون ثراء بسرعة كبيرة إلى درجة أن معظمهم كانوا منهمكين بأمور أفضل من الانشغال بالطريقة التي يُحكَمون بها. لكن الصين تواجه اليوم مجموعة من التهديدات التي تصفها دوريّة رسمية بأنها "متشابكة مثل أسنان الكلب". فالفقراء مستاؤون من عدم المساواة والفساد والتلف البيئي واستيلاء المسؤولين على الأراضي. وتتخوّف الطبقة الوسطى من الطعام الملوَّث، ويسعى كثرٌ إلى حماية مدّخراتهم عبر إرسال الأموال إلى الخارج والتقدّم بطلبات للحصول على جوازات سفر أجنبية. يتنافس الأثرياء والنافذون للسيطرة على الثروة الاقتصادية الهائلة. وقد اختصر باحثون في مؤتمر حكومي عُقِد أخيراً الوضع جيداً: الصين "غير مستقرّة عند مستوى القواعد الشعبية، ومغتمّة عند مستوى الطبقة الوسطى، وخارجة عن السيطرة في أعلى الهرمية".
في السابق، كان بإمكان الحزب الشيوعي لجم المعارضة. أما اليوم فالأشخاص العاديون يحتجّون في العلن. يؤلّفون كتباً عن مواضيع كانت تُعتبَر من المحرّمات في السابق، ويعلّقون على كل شيء لحظةً بلحظة عبر الإعلام الاجتماعي الجديد والنابض بالحياة في الصين. فالشكاوى التي كانت تبقى في السابق محصورة في الإطار المحلي تُناقَش الآن على صعيد البلاد. وقد حذّر خبير اقتصادي كبير في تقرير سرّي من أنه إذا أساء القادة الصينيون التعامل مع الاستياء، فقد يتسبّب بـ"ردّ فعل تسلسلي يؤدّي إلى اضطرابات اجتماعية أو ثورة عنيفة".
لكن لا داعي للاعتقاد بأن الصين على شفا الثورة لنصدّق أن عليها استخدام العقد المقبل من أجل تحقيق التغيير. لقد وصف رئيس الوزراء وين جياباو الذي يستعدّ لمغادرة منصبه، أكثر من مرّة التنمية الصينية بأنها "غير متوازنة، وغير منسَّقة، وغير مستدامة". والأسبوع الماضي، دعت دورية Qiushi، كبرى دوريات الحزب الشيوعي في مجال النظريات، الحكومة إلى "المضي قدماً بإعادة هيكلة النظام السياسي".
يصف تشي جينبنغ نفسه بأنه رجل الشعب، ولا يزال الحزب الشيوعي يقول إنه يمثّل الجماهير، لكنه ليس "مريتوقراطية"، أي قائماً على الكفاءات، كما يزعم بعض المراقبين الغربيين. فمن ليس لديهم "صلات" يبقون في معظم الأحيان في أسفل الهرم. يحتاج الحزب الذي خسر الشرعية الأيديولوجية منذ وقت طويل، ويُقوِّض التباطؤ في النمو شرعيّته الاقتصادية، إلى أن يكسب من جديد ولاء المواطنين الصينيين.

 

خذوا نفساً عميقاً
 

يمكن أن يبدأ تشي جينبنغ بمنح مزيد من السلطة للشعب الصيني. يجب تخصيص الأراضي الريفية التي تخضع الآن للملكية الجماعية، ومنحها للمزارعين؛ وعلى النظام القضائي أن يجد حلاً لشكاوى الناس؛ ويجب أيضاً إلغاء نظام تسجيل الأسر، "الهوكو"، على مراحل من أجل السماح لعائلات النازحين من الأرياف بالإفادة من الرعاية الصحية والتعليم المموَّلَين كما يجب في المدن. وفي الوقت نفسه، على تشي جينبنغ أن يبدأ بالتخفيف من قبضة الحزب الشيوعي. يجب تعريض المصارف المملوكة من الدولة والمدلّلة في الصين، لقسوة المنافسة؛ ويجب أن تتجاوب الأسواق المالية مع المؤشّرات الاقتصادية وليس مع الضوابط الرسمية؛ ومن شأن الصحافة الحرّة أن تشكّل حليفاً أساسياً في المعركة ضد الفساد. هذا المسار لن يتقبّله أولئك الأشخاص في "اليسار" الصيني الذين ينظرون بعين الازدراء إلى الغرب ويصرّون على حقّ الحزب الشيوعي في الإبقاء على احتكار السلطة، لا بل يعتبرون أنّه واجب مفروض عليه. حتى إن عدداً كبيراً ممّن هم في "اليمين" الليبرالي، والذين يطالبون بالتغيير، ليسوا مستعدّين للقبول بأكثر من نظام يسيطر عليه الحزب الواحد على طريقة سنغافورة. لكن على تشي جينبنغ الذهاب أبعد من ذلك بكثير.  قد يبدو ذلك غير قابل للتطبيق، لكن في ثمانينات القرن العشرين، تحدّث دينغ سياو بينغ نفسه عن حصول الصين على قيادة مركزية منتخَبة مباشرة من الشعب بعد سنة 2050 - ولم يكن ليتخيّل آنذاك التحوّل الذي ستشهده بلاده في الأعوام اللاحقة. وقال تشو رونغ جي الذي كان يتولّى رئاسة الوزراء قبل وين جياباو، إنه يجب توسيع الانتخابات التنافسية لتشمل المناصب الأعلى "وكلما أسرعنا في ذلك، كان هذا أفضل". على الرغم من أن الحزب وضع مزيداً من العراقيل أمام تحقيق التغيير السياسي عبر تقييد نمو المجتمع الأهلي، على من يعتقدون أن التغيير مستحيل أن ينظروا إلى تايوان التي مرّت بتجربة مماثلة، ولو في ظل حزب "كومينتانغ" المناهض للشيوعية.
أخيراً، تأمل هذه المجلّة أن يجعل الإصلاح السياسي الحزب الشيوعي خاضعاً للمساءلة أمام المحاكم، ويعمد في أصدق تعبير عن هذا الأمر، إلى تحرير السجناء السياسيين. عليه التخلّي عن شرط العضوية في الحزب لتعيين الأشخاص في مناصب رسمية، وإلغاء اللجان الحزبية في الوزارات.
لا شك في أن تشي جينبنغ سوف يُبدي ممانعة. لكن على العظماء أن يتحلّوا بالجرأة.
يجب تحديد جدول زمني لانتخاب رؤساء الحكومات بطريقة مباشرة، بدءاً من البلدات في الأرياف والأحياء في المدن، مع منح فترة خمس سنوات على الأرجح لترسيخ تلك التجارب، قبل الانتقال إلى الانتخاب المباشر على مستوى البلاد في المناطق الريفية، ثم المقاطعات ولاحقاً المحافظات، وصولاً إلى تنظيم انتخابات تنافسية لاختيار قادة البلاد.
يبرز تشي جينبنغ على الساحة السياسية في مرحلة حسّاسة بالنسبة إلى الصين، حيث لا يزال المتشدّدون ينكرون الحاجة إلى التغيير السياسي ويصرّون على أنه بإمكان الدولة قمع المعارضة عبر اللجوء إلى القوّة. وسوف يكون للخيار الذي سيتّخذه شي جين بينع تأثير قوي على كل البلدان الأخرى أيضاً. فالصين الضعيفة وغير المستقرّة تُخيف العالم أكثر بكثير من الصين القويّة.

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,152,077

عدد الزوار: 6,757,399

المتواجدون الآن: 136