مؤسسات المال الأميركية واستهتارها

تاريخ الإضافة الإثنين 22 أيلول 2008 - 9:13 ص    عدد الزيارات 1884    التعليقات 0

        

ميشال مرقص 

يطرح برنامج الإدارة الأميركية، لإنقاذ اقتصاد البلاد إشكالية، لا تنحصر بالمفاعيل الآنية للبرنامج، وهي مفاعيل إيجابية، بل بمستقبل صناعة المصارف وأسواق المال في العالم. فهي لجأت إلى تأميم الأسهم المريضة، أو الرهون العقارية الرديئة التي تعجز كبرى مؤسسات المال عن تسييلها. وكانت أممت سابقاً، مصرفين كبيرين للرهن العقاري (فاني ماي وفريدي ماك). وتخرج آلية التأميم عن مفهوم مبادئ الاقتصاد الحر، لتدخل في خانة المفهوم الاشتراكي للاقتصاد. والولايات المتحدة لا تؤمن بهذه المدرسة، بل تنتقد الأنظمة العالمية التي تنتهجها، وهي على عداءٍ معها.
وما يُعيب أن بلداً بحجم الولايات المتحدة وقدرتها، يتهاون في تطبيق القوانين والنظم، ويحط من مكانته في ضبط الأمور. فالمؤسسات المالية الأميركية أوجدت أدواتٍ مالية مجازفة ووهمية، تحايلت على النظم المصرفية، فضخّمت حجم أصولها في الأسواق، وعندما تعرّضت لصعوباتٍ، هزُلت وعادت إلى أدنى من حجمها الطبيعي. فخسائر مصرف «ليمان براذرز»، على سبيل المثال، قاربت خسائر الكوارث الطبيعية لعام 2004، عام الموجة المدّية (تسونامي)، التي قدّرت بنحو 630 بليون دولار، وخسائر المصرف 613 بليوناً تكاد توازي مراتب تكلفة حرب أميركا على العراق 648 بليون دولار، وحربها على فيتنام 686 بليوناً. وإذا جُمعت خسائر المصارف والمؤسسات والأصول العقارية بكاملها لبلغت مستوياتٍ مذهلة.
لقد أوجدت المصارف الأميركية، ومن ثم مصارف عالمية حذت حذوها، أدواتٍ مالية، تتسبب في أية لحظة بفقاعة اقتصادية وانهيارات مقلقة. فلجأت إلى تمويل القطاع العقاري بديونٍ هائلة، زادت في قيمة أصوله بصورةٍ وهمية، موفّرةً ما يعرف بـ «الأموال الرخيصة». وارتفعت قيمة الأصول العقارية في الاقتصادات المتقدمة 75 في المئة، بالغةً 75 تريليون دولار أعلى من مستوى الدخل القومي لتلك البلدان، وقدّر صندوق النقد الدولي أن المغالاة في قيمتها 40 في المئة سنة 2005. وأغرت هذه الآلية مصارف عالمية كبرى وصناديق استثمارٍ، فدخلت سوق القروض العقارية في أميركا، ما أدى إلى توسيع نشر أخطارها. وشكّلت محافظ المصارف ثروة وهمية كبيرة، لكن جزءاً كبيراً منها أوراق مالية غير مسيّلة.
ومن الأدوات المالية التي شكّلت أخطاراً على أسواق المال، استثمار السندات المستأجرة، بحيث يعمد المستثمر إلى استئجار السندات بسعرها الفعلي، فيبيعها، وينتظر تراجع سعرها ليعود ويشتريها محققاً أرباحاً من فارق المبيع والشراء. ما يعني فعلياً أن المستثمر قادر على التحكم في عمل البورصات ويضمر مسبقاً خفض أسعار الأسهم ليحقق الأرباح. لذا أخطرت الإدارة المالية الأميركية بيع الأوراق المالية المستأجرة لـ 799 شركة.
تجاه وقائع التسارع نحو تحقيق الثروات الوهمية في دورات مالٍ قصيرة، تبدو الولايات المتحدة المبتكر الأول والأوسع نطاقاً على مستوى العالم، في ابتداع أدوات مالٍ غير أكيدة، تفتقد الثقة. وهي، في ابتكارها، تبدو راهناً المقترض الأكبر من الصناديق السيادية بمعدل بليوني دولار يومياً، تغطي بها نفقاتها في الموازنة العامة، وربما نفقات حروبها. وستضاف إلى ديونها، تكلفة برنامج الإنقاذ على مدى سنتين، ما يزيد حاجتها إلى أسواق المال العالمية. فللآن تبدو الإدارة الأميركية، عاجزة عن تدبير إجراءاتٍ «استثنائية» تموّلها ذاتياً، إنها تموّل الحلول بمال غيرها من البلدان، فواردات موازنتها العامة تراجعت من فائضٍ، بداية عهد الإدارة الحالية، إلى عجزٍ بقيمة 10.6 تريليون دولار، مطلوبٌ رفعه إلى 11.3 تريليون. علماً أن دور الولايات المتحدة الاقتصادي تراجع كثيراً. ففي عام 2000 كانت البورصات الأميركية تمثل نصف القيمة السوقية للبورصات العالمية، ومع بداية السنة الراهنة لم تكن تتعدى 33 في المئة.
يكتب دانييل غروس في «نيوزويك»: «مع انتشار المعرفة المالية والاقتصادية في العالم «تقوّضت مكانة أميركا كرائدة عالمية في الحد من الأخطار المالية، بسبب الأزمة العقارية في وول ستريت. وأجبر تبخر المدّخرات، المصرفيين الأميركيين، على الاستنجاد بصناديق استثمار حكومية في آسيا والخليج. وتحاول أكبر ثلاث شركات مصنّعة للسيارات، الحصول على ضمانات فيديرالية على قروضها. وتحوّل تالياً، مجتمعُ المُلكية إلى مجتمع مستنجِد».
ولعلّ الاستنجاد الأكبر، أن تدعم ستة مصارف مركزية في أوروبا وآسيا، المصرف المركزي الأميركي بمبلغ 247 بليون دولار.
يبدو لغاية الآن أن الولايات المتحدة تستهتر بالعالم، تضع ذاتها فوق مستوى النظم والقوانين والضوابط، وهي تجذب الاقتصاد العالمي إلى مدارها، تستفيد منه وتدمره.
فهل يضع العالم معايير جديدة لسلامة اقتصاده؟

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,139,532

عدد الزوار: 6,756,454

المتواجدون الآن: 131