الخيار بين النمو والانكماش التضخمي

تاريخ الإضافة السبت 29 أيلول 2012 - 6:52 ص    عدد الزيارات 743    التعليقات 0

        

 
بقلم مروان اسكندر

الخيار بين النمو والانكماش التضخمي

 

ظاهرة الانكماش مع التضخم واجهها العالم الصناعي اوائل السبعينات حينما ارتفعت أسعار النفط بسرعة من 1,2 دولارين للبرميل الى 11 – 12 دولاراً للبرميل عقب الحرب العربية – الاسرائيلية، وحجب صادرات النفط عن الولايات المتحدة وهولندا لمناصرتهما اسرائيل ثلاثة أشهر.
وقد عجز الاقتصاديون عن تفسير تلك الظاهرة، أي الـStagflation، وهذا التعبير الوصفي اخترع لتعريف القراء بظاهرة تناقض مبادئ علم الاقتصاد. فبموجب هذه المبادئ، يرافق التضخم النمو السريع أو ينتج منه، وزيادة توافر المال للانفاق تساهم في الاسراع في النمو وارتفاع الاسعار. وهكذا انقلبت المعادلة اوائل السبعينات، فارتفعت الاسعار وتراجعت فرص المبادرة والنجاح وتقلص النشاط الاقتصادي وبدأت مؤشرات ارتفاع معدلات البطالة الى مستويات تفوق الخمسة في المئة تترسخ وتتقوى.
وعايشت الولايات المتدة الانكماش التضخمي الى حين تولي رونالد ريغان رئاسة الجمهورية وبدء انقلاب اسعار النفط عن الارتفاع سنة بعد أخرى الى مستوى 38 دولاراً للبرميل عام 1978 ومن ثم ولفترة قصيرة 10 دولارات للبرميل أواسط الثمانينات، وكانت الولايات المتحدة قد تفلتت في عهد ريتشارد نيكسون اوائل السبعينات من أية قيود على قيمة الدولار والتي كانت مرتبطة بتسعيرة للذهب على مستوى 35 دولاراً للأونصة. وكانت الولايات المتحدة ملتزمة بيع الذهب بهذا السعر للمصارف المركزية للدول التي تحقق فوائض على حساب ميزان مدفوعاتها، وبعد الغاء التزام الولايات المتحدة هذا الموجب، والذي كان أساساً من ركائز اتفاقات بريتون وودز التي صاغت قواعد تسيير نظام النقد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد هنالك، ما يحول دون تسارع التضخم وانهيار القيمة الشرائية للعملات وتجذر البطالة وهذا ما حدث حينئذ.
الخوف على لبنان اليوم انه يتجه الى مرحلة الانكماش التضخمي نتيجة اقرار زيادات على الأجور لم تقوّم نتائج وقعها وخصوصاً مع احتساب الالتزامات بالنسبة الى المعاشات التقاعدية. وما يزيد خوف المرحلة المقبلة على لبنان، ان القطاع العام مكلف، وغير فعال، وان اللبناني يدفع ثمناً للكهرباء، والماء، يفوق الكلفة الرسمية للمستحقات لمؤسسة كهرباء لبنان، ولشركات المياه التي هي في غالبها مؤسسات عامة، كما يدفع جزية للموظفين الذين لا ينجزون اي معاملة، دونما نظر الى قانونيتها او لا، من غير ان يتقاضوا رشى لانجاز اعمال يتقاضون عنها رواتب ليست بالقليلة، في مقابل التلكؤ عن العمل، إلا عند توافر حوافز المنافع غير الشرعية.
ان مساوئ الانكماش التضخمي في بلد كلبنان يسيطر فيه القطاع العام والمؤسسات الملحقة به على 50 في المئة من الدخل القومي – الناتج من الانتاج المحلي ومن دون احتساب دور الاغتراب والتحويلات من الخارج – كبيرة جداً وتعزز التصرف الاتكالي والاحتكاري في آن واحد، وينزلق البلد الى أزمات تهجر شبابه، وهم من أفضل اصحاب المواهب والثقافة في الشرق الأوسط.
زيادات الأجور والتعويضات بالقدر الذي اقر معطوفة على ندرة الانتاج في القطاع العام، سيؤدي الى دفع لبنان نحو الانكماش التضخمي، ولن يكون من السهل انتشال البلد من هذا الوضع، خصوصاً انه سيؤدي الى ضعف الليرة اللبنانية، وارتفاع معدلات التضخم، كما الى ارتفاع معدلات الفوائد، الأمر الذي يعرقل مسيرة النمو، ويغتال معدلات النمو الايجابية.
إن انقاذ اللبنانيين والحكم في لبنان من تأثيرات الانكماش التضخمي أمر يستوجب في المقام الاول البدء بتقليص حجم الدولة، ودور الدولة في توفير الخدمات العامة. فعلى سبيل المثال، ليست ثمة وزارات اعلام إلا في البلدان التي تصنف بانها متأخرة، ولا برامج دفع تعويض نهاية الخدمة لموظف أو ضابط في القطاع العام ومتابعة تأمين نسبة 75 في المئة من آخر معاش للزوجة والاولاد، ولا خدمات تحت سيطرة الدولة لتأمين الكهرباء على مستوى السوء الحاصل في لبنان، والأمر ذاته ينسحب على امدادات المياه وبشكل أسوأ بكثير على الاتصالات. ومع ذلك، يكابر الوزراء المعنيون ويؤكدون للبنانيين أن وجودهم هو نور الانقاذ الحالي والمستقبلي.
الاقتصاد اللبناني لا يمكن ان يحقق معدلات نمو واعدة مع سلسلة الرتب والرواتب المقررة، ومع استمرار هيكلية الادارة العامة على ما هي من الاهتراء وتقادم وسائل العمل وبرامجه، وتالياً توفير الموارد المالية للقطاع العام عبر زيادات الضرائب، وارتفاع الرسوم، وتردي الخدمات، أمر يكرس الانحطاط وانهيار الاقتصاد اللبناني.
نكرر للمرة المئة ان تجاوز المحنة التي تصيب قواعد استمرار الاقتصاد الناشط في لبنان تستوجب: - تشذيب القطاع العام وتقليم دوره، وتعديل السيطرة على قراراته.
- معالجة قضية الكهرباء، لأن مفاعيلها التضخمية لا تنحصر بالملياري دولار من الحكومة لمؤسسة كهرباء لبنان، بل هنالك ضريبة جزية يدفعها المواطن اللبناني لأصحاب المولدات الخاصة لتأمين الكهرباء لحاجات أهله، وهذه الكلفة توازي الملياري دولار أو تزيد عليها.
- تحقيق مناخ آمن يستقطب الاستثمار والسياحة الى لبنان.
- اشراك اللبنانيين في تملك وتسيير قرارات انتاج الكهرباء وتأمين المياه، وترفيع الاتصالات، والمحافظة على البيئة.
من أجل بعض المطلوب، يفترض ان تعتمد الحكومة، وبين اعضائها عدد ملحوظ من الموهوبين، خطة انقاذية ملحة لن تحتاج الى مقدار التركيز الذي حازته قضية سلسلة الرتب والرواتب.
دعونا نقدم الأهم على المهم لئلا نغرق في الانكماش التضخمي.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,123,301

عدد الزوار: 6,754,731

المتواجدون الآن: 107