هل فشلت أوروبا؟

تاريخ الإضافة الخميس 30 آب 2012 - 6:21 ص    عدد الزيارات 837    التعليقات 0

        

 

هل فشلت أوروبا؟

نيكولاس سامبانيس

التقى قادة أوروبا الأسبوع الماضي في برلين وسط مؤشرات جديدة على ركود وشيك وتوافق حول إمكانية انفصال اليونان عن منطقة اليورو في غضون عام، الخطوة التي سيكون لها عواقب وخيمة على مستقبل العملة.
هناك كثير من الأسباب التي تقف خلف الأزمة بدءا من الفساد وانعدام المسؤولية الجمعية في اليونان إلى الجمود المؤسسي الأوروبي، والمفهوم الخاطئ للاتحاد النقدي دون اتحاد مالي. لكن هذه ليست مجرد قصة بشأن إسراف مالي وسياسة مالية صارمة، فأزمة الديون الأوروبية ليست مجرد أزمة اقتصادية، بل هي صراع هوية متنام أو بالأحرى صراع عرقي.
كان الاتحاد الأوروبي فكرة سياسية تهدف إلى ترويض ألمانيا العدوانية، وكان يعتقد أن الترابط الاقتصادي القوي والهوية الأوروبية المشتركة سينموان عبر مؤسسات الاتحاد؛ حيث استفاد الأوروبيون من الرخاء الاقتصادي الذي سيخلقه التكامل.
كان بمقدور النخبة السياسية تسويق هذه الفكرة لمواطنيهم في ظل الازدهار والمكانة الدولية العالية التي تمتعت بها أوروبا، لكن الاتحاد فقد بريقه، وبدأ حليفه العتيد، الولايات المتحدة، التوجه إلى شرق آسيا، ناهيك عن سطحية سياستها الدفاعية.
مع تراجع مكانة أوروبا ستشهد الهوية الأوروبية الهشة بالفعل مزيدا من الضعف، وسيصبح مواطنو الدول الأوروبية أكثر رغبة في استخدام الهوية القومية أكثر منهم كأوروبيين، كألمان أو فرنسيين، وهو ما سيزيد من ترددهم في استخدام ضرائبهم لخطط إنقاذ دول جنوب أوروبا المختلفين عرقيا، وبخاصة اليونانيون البعيدون ثقافيا، وستقوض أي آمال في اتحاد مالي يمكن أن يسهم في إنقاذ اليورو.
ستكون النتيجة حلقة مفرغة، حيث تعود الهويات والخلافات العرقية أكثر وضوحا، وترتد كل الأطراف إلى القوالب النمطية والحط من قدر الخصوم باستخدام اللغة أو إجراءات تهدف إلى الإذلال، وهو ما من شأنه تبرير الأعمال العدائية. هذا هو النمط الشائع في الصراعات العرقية حول العالم، وهو واضح أيضا في أوروبا اليوم.
هذا الانزلاق إلى الصراع العرقي في أوروبا ليس عنيفا، لكنه على الرغم من ذلك يمكن أن يكون مدمرا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. خذ على سبيل المثال التوترات الدائرة بين اليونان وألمانيا؛ حيث وجد المسح الذي أجري مؤخرا أن غالبية الألمان يريدون خروج اليونانيين من اليورو إن لم تصلح بلادهم من نفسها سريعا، على الرغم من تأكيدات المحللين أن خروج اليونان سيكون له تكلفة باهظة بالنسبة لألمانيا. لكن الواضح أن هناك شيئا أكثر عمقا يحرك الشعب الألماني.
ووجدت الدراسة التي أجراها مؤخرا علماء السياسة مايكل بيكتل وجينس هاينمولر ويوتام مارغاليت أن مواقف الناخبين الألمان تجاه الإنقاذ المالي يفسرها نوع «الكونية» أو إلى أي مدى يتعاطفون مع المجموعات البعيدة ثقافياً وجغرافياً. الأفراد الأكثر كونية هم الأكثر عرضة لدعم خطط إنقاذ جيران ألمانيا.
لسوء الحظ يمكن للعالمية أن تكون الضحية الأولى لزيادة التوترات العرقية؛ حيث يتخذ الأفراد موقفا سلبيا تجاه الغوغائية السياسية المتزايدة، وتعزيز قوى المتشددين. أمثلة هذه المعاملة السيئة كثيرة في أوروبا، بدءا من الاختصار المهين (PIGS) لوصف الاقتصادات المضطربة في كل من البرتغال وإيطاليا واليونان وإسبانيا إلى المقارنات الطبية المبتذلة حول عدوى الشمال من الجنوب حامل المرض. ويملي الألمان على اليونانيين كيفية العيش، ويرد عليهم اليونانيون بوصفهم بالنازيين.
هذا ليس مجرد نتيجة للإرهاق الاقتصادي أو الخوف، بل هو عودة متوقعة للهويات القومية التي لا تقبل المساومة، التي كان الاتحاد الأوروبي يأمل أن تختفي. ولا يزال كثير من اليونانيين، وبخاصة الذين يعيشون في الخارج، يبدون رغبة في التزام بلادهم بخطة الاتحاد الأوروبي لـ«تجرع الدواء» الذي وصفه «أطباء» أوروبا مهما كان مؤلما.
لماذا؟ يخشى البعض من الاضطرابات الاجتماعية التي يمكن أن يحدثها الانتقال إلى الدرخمة، ويبدي آخرون قلقهم من تخلي السياسيين الاشتراكيين عن جميع الإصلاحات الهيكلية دون إشراف أوروبي. لكن علم النفس الاجتماعي يشير إلى أن كثيرا من اليونانيين ربما يتشبثون باستماتة بالرمق الأخير من هويتهم الأوروبية؛ لأن ذلك يعطيهم تقديرا أكثر للذات من البديل، الشرق الأدنى أو دول البلقان التي يحاولون التخلص منها منذ عقود. وقد جعلت سمعة اليونان الجريحة بعض اليونانيين يتعلقون بهويتهم الأوروبية، لكن حتى ذلك قد لا يدوم طويلا.
ينبغي أن يتحدث الألمان صراحة عما يعنيه أن تكون أوروبيا، وكيف يتصرف مواطنو أوروبا الشرفاء تجاه مواطني القارة الآخرين، ولماذا تصب أوروبا القوية في صالح ألمانيا في عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين والقوى الناشئة مثل الهند والبرازيل. وبدون مثل هذه المناقشات وتقديم امتيازات حقيقية لليونان سيكون خروج اليونان أمرا لا مفر منه، ومعه انتصار ضيق الأفق لأوروبا.
* أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج السياسة والاقتصاد والأخلاق في جامعة ييل الأميركية
* خدمة «نيويورك تايمز»
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,163,911

عدد الزوار: 6,758,252

المتواجدون الآن: 116