جديد الأزمة المالية والحركة الاجتماعية في أوروبا

تاريخ الإضافة الأحد 22 نيسان 2012 - 7:45 ص    عدد الزيارات 915    التعليقات 0

        

 

جديد الأزمة المالية والحركة الاجتماعية في أوروبا
د. عصام حداد()
في الواحد والثلاثين من آذار المنصرم، انطلقت حركة الاحتجاج الجماهيري الأوروبية بشكل منسّق في تظاهرات شملت عواصم أوروبية عديدة وذلك ضد السياسة التي تنتهجها الترويكا: مفوضية الاتحاد الأوروبي+ البنك الأوروبي المركزي + صندوق النقد الدولي، لمعالجة التداعيات المالية والاقتصادية الأوروبية نتيجة لإفلاس بنك "ليمان براذرس" الأميركي قبل ثلاث سنوات ونيف.
لا شيء يتحقق من الوعود التي أطلقتها آنذاك حكومات الولايات المتحدة الأميركية والأوروبية (وتبثها مجموعة العشرين) لإعادة تنظيم عمل الأسواق المالية المعولمة وتشديد الرقابة على البنوك لجهة تحديد مهامها وأولوياتها لصالح تمويل الاقتصاد الانتاجي.
فعلى النقيض من ذلك بقيت البنوك "... "To big To Fall". فالبنك الألماني DB (دويتشه بنك) إلتهم منذ ذاك الحين "بنك البريد: (Post Bank= بوست بنك) الألماني وبنك Oppen hein الخاص، كما ابتلع "كوميرتس بنك "Commers Bank" (بنك التجارة) الألماني، وبدعم مالي ضخم من الدولة الألمانية "بنك دريسدن = "Dresden Bank" الشهير في تاريخ ألمانيا، وذلك للحيلولة دون شرائه من قبل الصين!!!.
واستمرت امتيازات هذه البنوك الغنية التي أُغرقت بالقروض الرخيصة (1% لمدة ثلاث سنوات) من قبل المصرف الأوروبي المركزي فبلغت 1 تريليون يورو خلال الشهرين المنصرمين، لتقوم هذه البنوك بدورها بشراء سندات الخزينة من إيطاليا وإسبانيا المهدّدين بالإفلاس لقاء فائدة تتراوح بين 3,5 5%(؟!) الأمر الذي يزيد من أعباء الخزينة وبالتالي حجم المديونية في كل من هاتين الدولتين!!! وهكذا يتضح استمرار نهج الهيمنة المالية المقنن فتفرض الأولويات ونظام العمل: فالمادة 123 من الاتفاقية الأوروبية لتنظيم عمل الاتحاد الأوروبي لا تسمح بأن تقترض إيطاليا وإسبانيا من المصرف المركزي الأوروبي مباشرة ولا أن يقوم هذا الأخير بشراء سندات خزينة (وغيرها) من الدول الأعضاء وبالتالي بفائدة اقل من 3,5 5% فتختزل هذه الدول من أعباء خدمة ديونها عوضاً من أن تختزل من تمويل البرامج والضمانات الاجتماعية كما من الاستثمارات الضرورية ضد انتشار البطالة والفقر..
السيد "ماريو دراغي" (Mario Draghi) رئيس المصرف الأوروبي المركزي يعلن في مقابلته مؤخراً مع "جريدة الوول ستريت": "انتهى نظام الرفاه الاجتماعي... والمهمة الأولى تتلخص في استعادة ثقة الأسواق المالية". وهذا كافٍ لتفسير ما تشير له التقارير والتحليلات الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية من استمرار البنوك في سياساتها المعتادة = (Business as usual) وتشير هنا على سبيل المثال وليس الحصر الى استمرار البنك الألماني (دويتشه بنك) في اختزال مساهمته في تمويل الاقتصاد الانتاجي لحدود 4% فقط من مجموع موازنته، في حين يسرح ما تبقى منها في عالم المضاربات بما في ذلك على المواد الغذائية الأساسية للشعوب مثل الحبوب والذرة والصويا الخ... الأمر الذي حمل "منظمة حماية المستهلك" لتصنيفه "منتجاً للجوع...". ولم تسلم الديمقراطية من تسلط البنوك. ففرض رئيساً للوزراء في كل من اليونان وإيطاليا لم ينتخبهما الشعب بل آتياً من خبراء المال في المفوضية الأوروبية الخ.. وترافق هذا مع تراجع النقد الصارخ في وجه هذه السياسات، فكفكة خيم الاحتجاج في عواصم عدة من العالم بما في ذلك في برلين وفرانكفورت...
موجة الاحتجاج الجديدة إصلاح أم تغيير جذري؟؟
لم يأتِ اللقاء التشاوري في كوبنهاغن لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي في 31 آذار بأية نتيجة ملموسة، في حين أشارت دائرة الاحصاءات الاوروبي (Eurostat) الى ارتفاع معدل البطالة في منطقة اليورو في نهاية شباط الى 10,8% (مقابل 10,7% في نهاية ك2 2012) فبلغت النسبة الأعلى منذ 15 عاماً. كما ارتفعت نسبة البطالة في مجموع الاتحاد الأوروبي الى 10,2% وهي بذلك الأعلى منذ توسيع الاتحاد الى 27 دولة في مطلع عام 2007. ويعني هذا كله بالأرقام: 24,550,000 (أربعة وعشرون مليونا وخمسمائة وخمسون ألفاً) إمرأة ورجلا عاطلون من العمل في الاتحاد الأوروبي، منهم 17,134,000 (سبعة عشر مليونا ومائة وأربعة وثلاثون ألفاً) في منطقة اليورو. وإذ بلغت البطالة في اليونان 21% فلقد تجاوزتها الأرقام في اسبانيا لتصل الى 23,6%. ولذلك أعرب وزير الاقتصاد الاسباني (لويس دي غيندو) في مؤتمر كوبنهاغن الآنف الذكر عن تفهمه لاتساع النقمة والاحتجاج الجماهيري في بلاده التي شهدت في 29/3/2012 سادس إضراب عام منذ سقوط حكم الديكتاتور فرانكو (1976) نفذته النقابات العمالية والمهنية ضد سياسة الإجحاف والتقشف التي تحمل الشعب ثمن سياسة انقاذ البنوك التي أغرقت الدولة في ديون لا طائل لها على خدمتها ناهيك عن سدادها وكل ذلك لطمأنة الأسواق المالية...
وفي موازاة ذلك عبّر السيد رومانو بدودي رئيس وزراء ايطاليا السابق، عن سخطه العميق لتوارد الأشياء عن انتحارعاملين (ايطالي، ومغربي) في مدينتي بولونيا وفيرونا، وثم في أثينا، نتيجة للأوضاع المزرية وفقدان الأمل بمتابعة الحياة الكريمة..
في هذه الأجواء المحمومة تصاعدت اصوات النقاد وتكثفت الدعوات لبذل المزيد من الجهود ولتنسيق الاحتجاج على امتداد دول الاتحاد الأوروبي تمهيداً لنسيج عالمي متفاعل وضاغط بقوة ضد السياسات النيوليبرالية المتطرفة التي تمليها الأسواق المالية، أي شركات التأمين العالمية والـ29 بنك الأضخم في العالم مضافاً اليها الـ157 مجمعاً اقتصادياً التي تهيمن على الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي.
وسارت تظاهرات في أثينا وتسالونيكي، مدريد وبولونيا (ايطاليا) وزغرب وكييف وفرانكفورت/ماين وغيرها من عواصم وحواجز أوروبا، وأنت تعبيراً عن نقلة نوعية جديدة من حالات الاحتجاج المحلي المتضامن مع الشعب اليوناني في محنته الى الاحتجاج المنسق والمنظم في غاياته وشعاراته على الصعيد الأوربي والعالمي: علت المطالبة بتنظيم الأسواق المالية بإعادة الفصل ما بين بيوت الاستثمار وبين بنوك تمويل الاقتصاد الطبيعي الانتاجي: "البلاد تحتاج لبنوك من نمط جديد" الشعار ارتفع الى جانب شعارات أخرى وفي مقدمها: الانتفاضة تتقدم...".
أتت وفود النقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب التي شاركت في التحضير وتنظيم هذه الحملة المنسقة من كافة أنحاء أوروبا في شهر ك1 2011 المنصرم واجتمعت في مدينة فرانكفورت/ ماين عاصمة المال الألمانية ومقر المصرف الأوروبي المركزي ولهذا الأمر دلالاته وحظيت من قبل المجتمع الألماني على تأييد معلن من قبل 250 (مائتين وخمسين) منظمة ومبادرة تؤكد كلها على أهمية الاستمرارية في الاحتجاج وتوسيع نطاقه وتصعيد مفاعيله. وهي تناقش في هذا الأسبوع التحضير والتجهيز للموجة الثانية من التظاهرات: "12م/ 12M" أي في 12 أيار القادم.
تظاهرات تطالب ببدائل: للغنى الفاحش الذي يزداد تمركزاً مقابل الفقر المدقع المتسع باطراد في العالم أولاً وضد استمرار كازينو المضاربات المالية لانتاج المال بالمال ثانياً من خلال الرهانات على أرباح خيالية لا تقل نسبتها عن 25%.
وهم ثالثاً يقدمون بدائل تتلخص في جوهرها في إعادة بناء السوق الأوروبية باتجاه سوق ديمقراطية تفكك وتحل الأسواق المالية المتفلتة من عقالها لصالح تعزيز صرح الاقتصاد الانتاجي الطبيعي مع كل ما يتطلب ذلك من سياسة ضرائبية ومالية حازمة تحفظ للعمل قيمته وتحفز المداخيل والثروات والرساميل نحو الاقتصاد الانتاجي في خدمة صيانة مجتمع الرفاه وتطويره.
() كاتب لبناني مقيم في برلين

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,707,631

عدد الزوار: 6,909,614

المتواجدون الآن: 98