فــــرص قــــد لا تعـــــــوّض

تاريخ الإضافة الإثنين 2 آذار 2009 - 6:46 م    عدد الزيارات 1507    التعليقات 0

        

مروان اسكندر  

أعلن اتحاد المصارف السويسرية، اكبر مصرف سويسري، موافقته على دفع غرامة قيمتها 780 مليون دولار لوزارة المال الاميركية لان زمرة من موظفيه خالفت قواعد الانتظام في المعاملات المصرفية، كما أبدى رئيس مجلس ادارة المصرف أسفه لارتكاب هذه الاخطاء.
وعقب هذا الاعلان، وتصريح المصرف عن خسائر كبيرة خلال الفصل الرابع من عام 2008، أكدت السلطات الاميركية ان المطلوب من المصرف أكثر من ذلك بكثير، فهم يطالبون بكشوف حسابات 52000 زبون يحملون الجنسية الاميركية، وفي المناسبة عدد قليل منهم يحمل أصلاً الجنسية اللبنانية.
في البدء، أبدى اكبر مصرف في سويسرا يحتوي على نسبة 60 في المئة من ودائع المواطنين السويسريين، ممانعة في استجابة الطلب الاميركي متذرعا بقانون السرية المصرفية، لكن خط الدفاع هذا لن يحول دون توفير كشوف الحسابات كما حصل بالنسبة الى المخالفات المشار اليها سابقاً، وقد عاد المصرف بعد ايام وأكد التزامه تقديم كل المستندات المطلوبة.
ومعلوم ان ثمة تذمراً واسعاً من عشرات الآلاف من اصحاب الودائع الائتمانية مع المصرف الذين عبروا عن استيائهم من خسارة جزء ملحوظ من ودائعهم بسبب الادارة المتهورة للموجودات.  والواقع المرير ان سويسرا فقدت، خلال الاشهر المنصرمة منذ حزيران 2008، هالة البلد الموثوق به لإيداع الثروات الكبرى التي يرغب اصحابها في حماية اصولها وتحقيق بعض المردود. وللتذكير فقط، نشير الى ان سمعة سويسرا الجيدة بالنسبة الى الحفاظ على الودائع مكنت المصارف السويسرية منذ زمن من فرض فائدة سلبية على الودائع الاجنبية في مقابل قبولها.  واليوم، انقلب الوضع تماما، فأصحاب الودائع يودون سحبها، كما ان هناك مشاريع جدولة للحسابات الكبيرة تثير حفيظة المودعين الاجانب ومنهم لبنانيون وعرب يزيد حجم حساباتهم على 150 مليار دولار.  وتشير آخر الارقام المتوافرة من المؤسسات المتخصصة ان حجم الودائع الائتمانية في سويسرا تبلغ 2000 مليار دولار.
في المقابل، تمكنت المصارف اللبنانية من تجاوز الازمة النقدية، واكتسبت العملة اللبنانية قوة، ولولا اقبال مصرف لبنان على شراء الدولار بكثافة، لكان سعر الليرة قد تحسن، حتى ازاء الدولار الذي تحسن سعره قياساً بالاورو بنسبة 20 في المئة، وبالاسترليني بنسبة 28 في المئة.
وساهم الاطمئنان الى وضع المصارف اللبنانية في زيادة الودائع عام 2008 بنسبة تفوق الـ 15 في المئة، ونتج من تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج وتدفق الودائع، فائض على حساب ميزان المدفوعات تجاوز ثلاثة مليارات و 400 مليون دولار، وهو أعلى رقم تحقق في تاريخ لبنان الحديث، مع العلم بان كلفة المستوردات النفطية كانت قد ارتفعت بقوة بسبب الارتفاع العالمي لأسعار النفط الخام ومشتقاته حتى شهر ايلول من العام المنصرم.
والاهم من ذلك بكثير هو ان الديناميكية اللبنانية، في لبنان والخارج، ساهمت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة بنسبة سبعة في المئة عام 2007 وبنسبة ثمانية في المئة عام 2008، بحسب تقديرات الهيئات الدولية. وهذا النمو تجاوز بالقيمة حاجات الاقتراض العام، الامر الذي ساهم في انخفاض نسبة الدين العام الى الدخل القومي من 180 في المئة الى 162 في المئة، ونسبة هذا الانخفاض وقيمته تجاوزتا الانخفاض الاول الذي تحقق عام 2004 نتيجة توافر الجزء الاكبر من معونات مؤتمر باريس 2، وتأمين القطاع المصرفي ما يساوي 10 في المئة من مجمل ودائعه للدولة اللبنانية على شكل قروض من دون فائدة لفترة سنتين.
هناك فرصة حقيقية متاحة للبنان كي يحتل جزءاً ملحوظاً من موقع سويسرا بالنسبة الى أصحاب الثروات الكبرى، سواء أكانوا لبنانيين، عرباً أم أوروبيين. والفرصة متاحة لان النظام المصرفي اللبناني أبرز قدرات ادارية واحترازية ملحوظة، وكذلك لأن لبنان يتمتع بقانون سرية مصرفية يفوق صرامة النظام السويسري والتزامه، والفضل في ذلك يعود الى الغائب الكبير العميد ريمون اده.
اضافة الى امكان استقطاب نسبة كبيرة من ودائع اللبنانيين والعرب من سويسرا الى لبنان، هناك امكانات لاستقطاب اموال ملحوظة في الحسابات الاستثمارية التي كانت تديرها بيوت ادارة الاموال، وخصوصا المؤسسات الاميركية التي انطوى بعضها، والكثير منها اصبح ملكاً لمؤسسات مصرفية تجارية تداعت قيمها السوقية.  فعلى سبيل المثال، المصارف الاستثمارية الاهم في الولايات المتحدة التي استمرت تعمل، باتت قيمها السوقية – الى مجموع سعر اسهمها في السوق الاميركي- على مستوى 33 في المئة مما كانت في نهاية عام 2007.
ان تحقيق هذه النتيجة يرتهن بتحقق شروط ليس للقطاع المصرفي تأثير فيها، أهمها ما يأتي:
- تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وانتقاؤهم من عناصر كفية ومؤهلة مهنياً واخلاقياً، فالتأخير الحاصل يؤخر الانطلاقة المطلوبة في ظرف دولي مؤات للبنان.
-تجاوز الاعتبارات السياسية في التعيينات وادراك ما يخسره البلد من مواقف تعنت السياسيين في انتقاء الاكفياء، ونحن لا نعتبر ان المعارضة وحدها هي سبب تأخير التعيينات، فهناك مواقف غير مفهومة وغير مبررة من بعض رموز الاكثرية.
- تأمين انظمة تحكيم فعالة لفض الخلافات المتعلقة بالحسابات المصرفية، ومن المعلوم ان بعض المحامين اللبنانيين تميزوا في ملاحقة قضايا كهذه، سواء في سويسرا او فرنسا او انكلترا أو الولايات المتحدة، لكن الاطار التشريعي والتنظيمي غير متوافر حتى تاريخه.
- التزام المصارف الرئيسية والناجحة في لبنان تدريب كادرات من الشباب والشابات لتقديم أفضل الخدمات للزبائن سواء لحاجاتهم التجارية أو الادخارية أو، في المستقبل وبعد تطوير النظام النقدي الدولي، لادارة الاموال والتركات.
ان التوجهات السياسية الحالية تحول دون تحقيق قفزة نوعية، وربما هناك فئات لا ترغب في تطور لبنان بسرعة ولا تريد ترسيخ اقتناع الشباب بمستقبل بلدهم وقد صاروا يعبرون عن قلقهم من المستقبل وخوفهم على الاستقرار.
لذا كان أهم شرط للنجاح الذي من دونه لن يكون ثمة تقدم على الاطلاق، هو استقرار صورة مستقبل لبنان وابتعاد الزعماء عن التهويل والمبالغة في المطالب، ووضع العصي في دواليب الانجاز.
هنا يبرز دور رئيس الجمهورية، فهو المؤتمن على الدستور، وهو المحكم الاول من حيث مسيرة لبنان وشروط تحقيقها.  لقد أبدى الرئيس حتى تاريخه مزايا كثيراً ما اردنا الاحساس بها في قمة المسؤولية، فهو يحترم نفسه والآخرين، وقد أظهر وجها للبنان أمام العالم يسمح للبنانيين بالاطمئنان واستعادة روح الاعتزاز بوطنهم، والاطمئنان الى مستقبله.
والرئيس، وهو ابو الجمهورية وحاضن جميع مواطنيها، مطلوب منه ان يعمل على اطلاق ورش العمل الكبرى التي تساهم في توسيع فرص الاستثمار وتأمين مجالات العمل المجدية لآلاف اللبنانيين الشباب، سواء منهم العائدين الى بلدهم محملين خبرات وعلاقات، أم المتخرجين حديثا من الجامعات.
لكن استقطاب الودائع والموارد المالية من الخارج، وهو أمر ممكن، يصير عبئاً على المصارف اللبنانية اذا لم تتوافر فرص التوظيف والاستثمار المفيدة، وهذا الامر شرط لازم للنجاح. هناك فرص كبيرة تنتظر الانجاز في مجال مشاريع المياه على نطاق وطني، وتطوير مصادر الكهرباء وخصوصا من طريق استعمال الطاقة الشمسية وقوة الرياح، وبرنامج تطوير موجودات مصرف لبنان العقارية، كما توسيع نشاط شبكات الهاتف الثابت والخليوي ومردودهما، وتطوير شركة طيران الشرق الاوسط المرشحة للتوسع على نطاق كبير في حال استقرار الاوضاع واقبال الزوار على لبنان.
ان كل المشاريع المشار اليها تحتاج الى قطاع عام ناشط، والى تشريعات ملائمة، وقد شهدنا بسبب التلكؤ، الانكفاء عن توسيع منشآت مرفأ طرابلس، وتوجه شركة لبنانية للنقل البحري الى المشاركة في توسيع منشآت وتجهيزات مرفأ رئيسي في سوريا، وتأخير بت موضوع انشاء مصفاة لتكرير مشتقات النفط لكفاية حاجات لبنان وللتصدير، وذلك عن سبيل انشاء شركة مشتركة بين القطاع الخاص والقطاع العام.
ربما المطلوب من رئيس الجمهورية أبعد مما هو متوقع من رئيس بعد اتفاق الطائف، لكن الفرص المتاحة والتحديات التي برزت بعد الازمة النقدية والاقتصادية العالمية وتأثيراتها السلبية على اقتصادات بلدان الاغتراب واكتساب اللبنانيين تفرض اخذ زمام الامور بيد صاحب المسؤولية الكبرى عن مستقبل اللبنانيين.   

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,769,931

عدد الزوار: 6,914,102

المتواجدون الآن: 117