2011: الأزمة الاقتصادية تطيح حكومات إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا

تاريخ الإضافة الجمعة 6 كانون الثاني 2012 - 6:43 ص    عدد الزيارات 1114    التعليقات 0

        

من روما القديمة الى الاتحاد الأوروبي..المصارعة تستمر وإن اختلفت الأسلحة

2011: الأزمة الاقتصادية تطيح حكومات إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا

 


مراد مراد

في الماضي اقتتل المصارعون في الكولوسيوم الشهير في روما عاصمة الامبراطورية الرومانية ارضاء للجماهير والامبراطور على السواء. اليوم يتصارع السياسيون الاوروبيون في البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ ومجالس الاتحاد الاوروبي في بروكسل ارضاء لمصالحهم الانتخابية في بلدانهم والأخ الأكبر في الولايات المتحدة الاميركية في الوقت عينه.
بين مدرج الكولوسيوم وبرج نمرود في كل من روما وبابل القديمتين ومبنى البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ تشابه هندسي مقصود من مؤسسي الاتحاد الاوروبي، وان تمت الاستعاضة عن الأعمدة العملاقة وبوابات الحديد بالباطون المسلح الناعم والواجهات الزجاجية. وتختلف حضارة الامس التي كانت مبنية على القوة وشريعة الغاب واسالة الدماء، عن حضارة اليوم التي تعتمد على النظام المصرفي والديموقراطية واحترام الحريات وحقوق الانسان كركيزة اساسية لها. وقد لا يرى منتقدو الاتحاد الاوروبي فارقا شاسعا بين سياساته وسياسة روما القديمة لأنه حتى الآن لم يقم بدور حقيقي فاعل على الساحة العالمية بل على العكس ادى في كثير من الاحيان الى احداث فوضى داخلية في الدول الاعضاء فيه بسبب مشاكل اقتصادية جمة التصقت بالعملة الموحدة "اليورو" ونتجت عن عدم قدرة بلدان ضعيفة على السير في المستوى نفسه مع دول اخرى متقدمة في هذا الاتحاد.
المصارعة لا تزال دائرة، وان اختلف السلاح. فالمال حل محل السيف في قطع الرقاب ودفع الناس الى الانتحار. واكبر دليل على استمرار الصراع هو تفشي الفساد السياسي والبطالة وازدياد حدة الازمة الاقتصادية في الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. واليوم تبدو اوروبا الواحدة منقسمة ومتشرذمة، فهناك دول في الاتحاد الاوروبي وليست في منطقة اليورو وهناك بعض الدول فقط هي التي وقعت اتفاق الشينغين لإلغاء تأشيرات السفر مع جيرانها مع بدء صدور اشارات تمهد الى اعادة النظر في هذه الاتفاقية برمتها.
واصبح من الواضح ان صليل السيوف وقعقعتها تشتد بين المتناحرين من البلدان الاوروبية ولا سيما الكبرى منها في كل فترة زمنية تسبق انتخابات مصيرية (رئاسية غالبا) تشهدها تلك البلدان. فمن ناحية يسهل على السياسيين القاء اللوم في مشاكل دولتهم ولا سيما الاقتصادية منها على الشركاء في الاتحاد الاوروبي، ولكسب اصوات الناخبين يرتفع صوت المرشحين متمسكا بالهوية القومية لهذا البلد او ذاك ويرفعون لواء بلدهم اولا واوروبا ثانيا. وهكذا بين هذا الأخذ والرد لا يكاد مجلس الاتحاد الاوروبي يصل الى نتائج ملموسة لهيكلة نفسه وتمكين مؤسساته من لعب دورها الا ويتعرض لهزات من هنا وصفعات من هناك فيصبح في وضع يرثى له يشبه الى حد بعيد القاضي الذي يحكم بين الأطفال.
[الأزمة الاقتصادية

الأزمة الاقتصادية التي اشتدت وطأتها هذا العام اطاحت بحكومة سيلفيو برلوسكوني في ايطاليا وجاءت بحكومة انقاذ يرأسها الخبير الاقتصادي ماريو مونتي. وحال جاره في اثينا جورج باباندريو لم تكن افضل بعد تعثر خطط اوروبا لإنتشال اليونان من مستنقع الديون ما دفع به الى الإستقالة افساحا بالمجال امام حكومة وحدة وطنية يقودها لوكاس باباديموس تكون قادرة عبر سياسة ينتهجها رئيس الوزراء الجديد المحنك اقتصادياً على تنفيذ خطة الانقاذ الاوروبية المتجددة املا في اعادة الامل الى الاقتصاد اليوناني.
دائما في دول اوروبا الجنوبية، تفشت الازمة غربا لتطيح بحكومة خوسيه لويس رودريغز زاباتيرو في اسبانيا مبدلة اياها في الايام العشرة الاخيرة من السنة بطاقم حكومي جديد يرأسه ماريانو راخوي. ولم تقف موجة التغيير عند اسبانيا بل امتدت الى البرتغال فأقصت خوسيه سوكراتس عن السلطة منتصف 2011 وسلمت الحكومة الجديدة الى بدرو باسوس كويليو. كما اطاحت الأزمة في الربع الاول من العام حكومة بريان كوين في جمهورية ايرلندا وحل مكانه على رأس حكومة وحدة وطنية اندا كيني بهدف التصدي للمشاكل الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. وشهدت الايام الاخيرة من السنة ايضا حلول اليو دي روبيو رئيسا لحكومة جديدة في بلجيكا بدلا من ايف لو تيرم، الا ان دوافع التغيير في بروكسل لم تكن اقتصادية بقدر ما كانت لرأب الصدع الداخلي بين الفرناكوفونيين والفلمنكيين.
الوضع اليوناني المنتكس وازدياد حدة الازمة في البرتغال وايرلندا واسبانيا وايطاليا بدرجات متفاوتة اثر سلبا على "اليورو" واحدث زلزالا في منطقته دفعت بالدول الاوروبية الكبرى الى اجتراح حلول لإنقاذ العملة فبدأت تلوح في الافق ملامح حكومة اقتصادية موحدة مع اجراء تغييرات جوهرية على ابرز الاتفاقيات الموقعة بين الاوروبيين بما فيها معاهدة لشبونة. لكن مع انقضاء آخر ايام العام 2011 لا يزال الاوروبيون عاجزين فعلاً عن الوصول الى اتفاق ينقذ منطقة اليورو والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى اصرار بريطانيا على رفض اتفاقية هندستها فرنسا والمانيا تفرض رقابة على المصارف من قبل المفوضية الاوروبية وتمهد لتعديلات على الاتفاقيات الكبرى في الاتحاد الاوروبي. هذا الوضع جعل الامور عالقة في مكانها بإنتظار تنازلات يقدمها هذا الطرف او ذاك، وتتجه الانظار الى قمة اوروبية يتوقع ان تكون حاسمة كان رئيس الاتحاد الاوروبي هرمان فان رومبوي دعا الى عقدها في بروكسل اواخر شهر كانون الثاني (يناير) ومطلع شباط (فبراير) 2012.
وتنخفض نسبة التوتر الدائرة تحديدا بين العواصم الاوروبية الكبرى الثلاث لندن وباريس وبرلين تارة لتعود وترتفع مجددا بشكل يهدد اسهم البورصة الاوروبية ويعرض السوق الاوروبية لما لا يحمد عقباه. فسياسيا يواجه البريطانيون المدعمين بالدول الاسكندينافية رفضا متواصلا من الدولتين اللتين تعتبرا نواة الاتحاد الاوروبي، اي فرنسا والمانيا، للمنطق الذي يقول بإبعاد اي لون ديني عن الاتحاد وان الديانة المسيحية يجب الا تصبغ اوروبا بطابعها. فلندن واستوكهولم واوسلو تحاول بشتى الطرق ادخال تركيا ذات الغالبية المسلمة الى اسرة الاتحاد الاوروبي لكن الحزبين اليمينيين الحاكمين في المانيا وفرنسا يعارضان بشدة هذا الانضمام على اساس مصالح انتخابية دينية صرف. وتشتعل الامور بين العواصم مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المصيرية وآخر الغيث في هذا الاتجاه كان تمرير حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "الاتحاد من اجل حركة شعبية" قانونا في البرلمان يعاقب تركيا على عدم الاعتراف بمجازر ابادة الارمن التي حصلت منذ اكثر من قرن مضى، ما ادى الى توتر غير مسبوق في العلاقة التركية الفرنسية وزعزع اللحمة بين افراد اسرة شمال الاطلسي واثار بالتالي عدم رضى لدى البريطانيين والاميركيين خاصة في هذا الوقت التي تلتهب فيه منطقة الشرق الاوسط والدور المحوري الذي يعول على ان تركيا ان تلعبه لضمان انتقالات سلمية ديموقراطية في البلدان من حولها.
[ الثنائي ساركوزي ـ ميركل

اقتصاديا حبك ساركوزي مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل اتفاقية جديدة في القمة الاوروبية الاخيرة التي عقدت في بروكسل في التاسع من كانون الاول (ديسمبر) 2011 ورفضها بشدة رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون لعدم مراعاتها مصالح المصارف والمؤسسات البريطانية. وسرعان ما ازدادت حدة التوتر بين باريس ولندن على خلفية هذا الرفض الذي جاء شبيها بقيادة السيارة في بريطانيا عكس باقي الدول الاوروبية الاخرى التي وافقت على الخطة الالمانية الفرنسية.
وادى التوتر المتصاعد بين البلدين، الى اندلاع حرب كلامية بعدما ثارت حفيظة الفرنسيين اثر وضع وكالة التصنيف المالية العالمية "فيتش" التصنيف الفرنسي المالي الذي يحتل مرتبة "آي آي آي" تحت الخطر نظرا الى أنه أوصل الى اتفاقية صعبة المنال في محادثات انقاذ اليورو التي شهدتها القمة الاوروبية الاخيرة. وهذا ما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي فرنسوا باروان الى التعبير عن غضبه مطالبا بأنه اذا كان هناك بلد يجب ان يفقد تصنيف ال"آي آي آي" فيجب ان يكون بريطانيا وليس فرنسا. وقال في كلمات اثارت حنق الشارع المالي البريطاني "ان الوضع الاقتصادي في بريطانيا اليوم مقلق جدا. وانه من الافضل للانسان اليوم ان يكون فرنسيا وليس بريطانيا". ولم يتأخر الرد البريطاني في الوصول الى باريس عبر اتصال هاتفي اجراه نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ مع رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون طالبا اليه "تهدئة الاجواء" واصفاً كلام باروان بأنه "غير مقبول". وكانت اسبوعية "لو كانار انشينيه" الفرنسية نسبت الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وصفه رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون بـ"الطفل المشاكس" عقب اصرار الاخير على النأي ببريطانيا عن الاتفاقية الجديدة التي حاكها الفرنسيون والالمان ووافقت عليها جميع الدول الاوروبية الاخرى.
وحذر وزراء اوروبيون من مغبة إمعان فرنسا في تصعيدها الخطابي بما يهدد بإخراج بريطانيا تماما من اي حكومة اوروبية اقتصادية موحدة يسعى لبنائها ساركوزي. في المقابل تحاول دول مثل الدانمارك، التي شأنها كبريطانيا لا تزال خارج منطقة اليورو وهي ستستلم الرئاسة الدورية للإتحاد الاوروبي العام المقبل، العمل على اعادة الوحدة بين دول الاتحاد التابعة لليورو والدول الاخرى التي تحافظ على عملاتها المستقلة
وبهدف رأب الصدع الحاصل ولمّ الشمل دعا رئيس الاتحاد الاوروبي هرمان فان رومبوي الى عقد قمة اوروبية جديدة اواخر شهر كانون الثاني (يناير) مطلع شباط (فبراير) 2012 آملا في ايجاد حلول ناجعة بين البلدان المتخاصمة. ويبدو ان الجميع يدركون ضمناً انه كي تعيش اتفاقية مالية جديدة بشكل فعلي فلا بد ان يكون البريطانيون راضين عنها. ولهذا السبب بقيت النافذة مفتوحة للندن للمشاركة في الجلسات الاوروبية المقبلة المتعلقة بالاتفاقية المطروحة التي رفضتها.
[ المعاهدة الجديدة

وترتكز المعاهدة الجديدة على تعزيز الانضباط المالي داخل البلدان الاوروبية. وتقوم على فرض ضرائب جديدة والعمل في اطار ميثاق للموازنات يحترمه الجميع دون استثناء. وخلال القمة الاخيرة قرر الزعماء أيضا ان يحدد حجم صندوق الانقاذ الدائم لمنطقة اليورو عند 500 مليار يورو (666 مليار دولار) وهو ما اصرت عليه المانيا تحديدا. ولن يحصل الصندوق على صلاحيات بنك ما كان من شأنه ان يتيح له السحب من أموال البنك المركزي الأوروبي لزيادة حائط الحماية وهي خطوة أخرى اعترضت عليها ألمانيا. وابرز نقطتين تضمنهما الاتفاق: اولاً الالتزام ب"ميزانيات متوازنة" لبلدان منطقة اليورو يعرف بأنه عجز هيكلي لا يزيد عن 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وأن يدرج ذلك في الدساتير الوطنية لكل بلد. ثانيا عقوبات تلقائية على أي دولة في منطقة اليورو يتجاوز عجزها 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي شرط أن تقدم ميزانياتها الوطنية إلى المفوضية الأوروبية، التي سيكون لها القدرة على أن تطلب مراجعتها.
وتضم منطقة اليورو 17 بلدا كلها اعضاء في الاتحاد الاوروبي هي "فرنسا، المانيا، ايطاليا، اسبانيا، البرتغال، النمسا، بلجيكا، قبرص، استونيا، فنلندا، اليونان، ايرلندا، اللوكسمبورغ، مالطا، هولندا، سلوفاكيا وسلوفينيا". كما وافق على المعاهدة الجديدة تسعة بلدان من العشرة المتبقين في الاتحاد الاوروبي وليس اليورو عملتهم الرسمية وهم "الدنمارك، بولندا، رومانيا، بلغاريا، لاتفيا، ليتوانيا، السويد، هنغاريا وتشيكيا". في حين غردت بريطانيا وحدها خارجة السرب رافضة المنظومة المالية الجديدة. وبما ان المصرفيين البريطانيين لا يحبذون فكرة القيود المفروضة كان من الطبيعي ان ينتهي بهم الامر خارج المنظومة الجديدة التي نقضها كاميرون بإستخدامه الفيتو ضد المعاهدة.
ورحبت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بالمعاهدة واصفة اياها ب"الخطوة العملاقة في اتجاه استقرار اوروبا". واعربت عن املها في ان تغير لندن رايها في اللحظة الاخيرة قبل ادخال المعاهدة الجديدة حيز التنفيذ. ورأى مراقبون ماليون ان عدم وجود بريطانيا ضمن هذه المنظومة سيعرض الاتفاقية للأخطار لكنهم اشاروا ايضا الى ان العزلة التي وضعت بريطانيا فيها نفسها برفضها الاتفاقية ليست جيدة لها على المدى الطويل. لكن الاشارات المقلقة لألمانيا وفرنسا التي اصدرتها وكالات التصنيف المالي العالمية في الاسبوعين الاخيرين من 2011 بدت شديدة الوضوح ان لا معاهدات جديدة يمكن ان تبصر النور في اوروبا او ان تدخل حيز التنفيذ دون رضا بريطانيا وهذا ما ستسعى اليه الاطراف في القمة المقبلة.
على الصعيد السياسي، بدا الاتحاد الاوروبي جديا الى حد ما في التعاطي مع الثورات العربية المتلاحقة، وبعد تدخل الدول الاوروبية التابعة للناتو في ليبيا وسيعها الى اقتسام الغلال الاقتصادية في ليبيا المستقبل لم تنجح الديبلوماسية الاوروبية بقيادة كاثرين آشتون من تغيير وجهة نظر روسيا بشأن الوضع المأسوي الذي يتعرض له المتظاهرون السوريون على ايدي نظام بشار الأسد. وجل ما قام به الاوروبيون بالنسبة لسوريا هو مشروع قرار افشلته روسيا والصين بالفيتو في مجلس الامن الدولي، وتنفيذ عقوبات تجارية واقتصادية ومالية على النظام السوري وادراج رئيسه وحاشيته على لائحة سوداء تحظر سفرهم الى الدول الاوروبية وتجمد اصولهم المصرفية فيها.
وفي الشق الايراني، استمرت طهران في سياسة المماطلة في الحوار وواصل الاوروبيون تشديد العقوبات الاقتصادية الى ان توصلوا في نهاية العام الى دراسة خطوة جدية من العقوبات بدقة بالغة يتوقع ان تستهدف الصادرات النفطية الايرانية. وهي خطوة لا يمكن تحقيقها الا اذا نفذت دول الخليج العربي وعدها للمجتمع الدولي بتكثيف انتاجها النفطي لتعويض اي فراغ يسببه غياب الصادرات النفطية الايرانية.


ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,066,045

عدد الزوار: 6,932,937

المتواجدون الآن: 87