المؤسسات المالية الأميركية من يحاسبها ؟

تاريخ الإضافة الإثنين 26 كانون الثاني 2009 - 1:39 م    عدد الزيارات 1565    التعليقات 0

        

 -قلم مروان اسكندر

قبل اسبوع تقريباً، وفي تقرير لجريدة "الفايننشال تايمس"، ظهر ان السلطات الاميركية غرمت بنك لويدز البريطاني مبلغ 350 مليون دولار، وقد سدد المصرف الغرامة والتزم عدم مخالفة القوانين الاميركية التي صدرت لفرض عقوبات على ايران.
ويبدو، استناداً الى المعلومات الواردة في التقرير، ان المصرف البريطاني مارس عمليات فتح اعتمادات لحساب ايران بصورة مستترة، مما جعل السلطات الاميركية تلاحقه وتغرمه لانه خالف قوانين استثنائية اصدرتها الادارة الاميركية من اجل محاصرة ايران ماليا لمنعها من استيراد منتجات اساسية لبرامجها في مجال تطوير صناعة النفط، أو لتأمين منتجات تسهّل تحقيق برنامجها النووي. وكان واضحاً ان المصرف البريطاني لم يساهم في تمويل استيراد ايران منتجات من أجل تعزيز برنامجها النووي.
هنالك نظريات عدة تفيد ان محاصرة ايران مالياً أمر يناهض مستوجبات تنمية التجارة الدولية وحرية التبادل التجاري. علما بان الكثير من مصارف الشرق الاوسط وأوروبا واليابان وكوريا، التي ليست لها مصالح في الولايات المتحدة، مولت ايران في استيراد المنتجات العادية غير النووية.  لكن للمصرف البريطاني مصالح في الولايات المتحدة وقد اراد تغطية الخطأ باقل مقدار من الاعلام.
ان فرض مثل هذه الغرامة على عمليات تمويل تجارية مع ايران يدعو الى التساؤل: كيف ستعاقب المصارف الاميركية على اهمالها قواعد التزام التسليف الموثوق به وتبديد اموال مستثمرين ومودعين من مختلف الجنسيات معها؟
وكان مصرف "ليمان براذرز" للاستثمار الذي توقف عن العمل في 15 ايلول 2008، قد أصدر كفالات لقروض وسندات بقيمة 1100 مليار دولار. نعم، تريليون ومئة مليار دولار! أفلس هذا المصرف ولم يحصل على ضمانات أميركية فيديرالية مثل "السيتي غروب" أو "بنك أوف أميركا".  وجدير بالذكر ان مصرف "ليمان براذرز" كان، على ما يبدو، قد حول في الاسبوعين السابقين لإعلان افلاسه مليارات الدولارات الى اسرائيل!
ان افلاس هذا المصرف الاميركي الذي كان يؤمن السيولة لغالبية عمليات تملّك الشركات ودمج المصارف، أدى الى خسارة مصرف "اتحاد المصارف السويسرية" مبلغ 150 مليار دولار و "بنك الاعتماد السويسري" 50 ملياراً. ولولا تدخل السلطات السويسرية لإنقاذ المصرفين لكانا واجها مصاعب فائقة.  واقتضت عمليات الانقاذ هذه زيادة رؤوس اموال المصرفين عشرات المليارات من الدولارات منها أكثر من 80 مليار دولار من المصرف المركزي السويسري.
ان ازمة الاقراض العقاري، غير المضمون على نحو صحيح، اطاحت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من موارد المصارف في أوروبا والولايات المتحدة. وهذا اكبر مصرف في انكلترا، "ذي رويال بنك أوف اسكوتلاند"، يعلن خسارة سنوية عن عام 2008 مرتبطة بالقروض العقارية تبلغ 28 مليار جنيه استرليني أو أكثر من 40 مليار دولار.
وفي الوقت ذاته، برزت قضية افلاس شركة مادوف للاستثمار.  وتشير التقديرات الى ان صاحب هذه الشركة وعائلته قد بددا اكثر من 50 مليار دولار من اموال المستثمرين، واستطاع هذا الرجل ان يقوم بأكبر عملية نصب احتيالي مالي من خلال مؤسسة صغيرة نسبياً من غير ان تكتشف المؤسسات الرقابية أعماله وحساباته الوهمية، بل كان لدى قيامه بأعماله الاحتيالية أحد رموز الرقابة.
ان الازمة المالية العالمية التي توسّعت لتصيب غالبية الدول المتطورة بأزمة انكماش وتقلص مداخيلها القومية، تفجّرت لأسباب عدة، من اهمها: تلكؤ السلطات الفيديرالية (المصرف المركزي الاميركي) وهيئة ادارة بورصة نيويورك عن الرقابة الفاعلة على اعمال المؤسسات المالية. كما ساهمت تصنيفات مؤسسات التقويم في اعطاء صورة خاطئة عن صحة الشركات والمصارف الخاضعة للتقويم، أي ان المستثمر كان يخصص أمواله لشراء أسهم أو لتكليف شركات شبه مفلسة، أو شركات ومؤسسات تتعاطى الغش والخداع وتصنّف على انها ممتازة، إدارة هذه الاموال.
يضاف الى ذلك ان عقود الايداع أو ادارة الاموال كانت تصوغها شركات قانونية همها الاول والاخير حماية زبائنها، اي المؤسسات المعنية، وليس الضحايا، أي المودعين والمستثمرين من مختلف بقاع العالم في الأسواق الاميركية والبريطانية والسويسرية التي كانت تشكل نسبة 75 في المئة من حركة المبادلات المالية عالمياً.
ان تكاليف ملاحقة الحقوق المالية والاستثمارية لدى المحاكم الاميركية او السويسرية كثيراً ما تفوق المبالغ المطالب بها. ومن المعلوم ان عدد المحامين بالنسبة الى السكان في الولايات المتحدة هو الاعلى بين الدول الصناعية، كما ان تكاليف التقاضي تمثّل نسبة من الدخل القومي تفوق مثيلاتها في الدول المتقدمة ضعفين على الاقل.
السؤال الذي يطرح على الادارة الاميركية الجديدة هو: كيف ستلتزم الولايات المتحدة تعويض حقوق المودعين والمستثمرين في مؤسساتها المالية الضخمة التي اهملت اسس الاحتراز والانصاف بسبب ضعف الرقابة؟ وباراك أوباما محام بدأ حياته المهنية بالدفاع عن حقوق المستضعفين، وكان أول قرار اتخذه الثلثاء الماضي، أول أيام ولايته، ايقاف المحاكمات العسكرية في معتقل غوانتانامو والتي كانت تسير بحسب قواعد تخالف متطلبات الدستور الاميركي، واقفال هذا المعتقل خلال سنة.
في خطاب القسم أكد الرئيس اوباما ان الرقابة ستكون منظمة ومتشددة في المستقبل، فماذا عن الماضي؟ كيف للولايات المتحدة ان تعاقب مصرفاً بريطانياً كبيراً على عدم التزامه شروط محاصرة ايران مالياً، وفي الوقت ذاته لا نشهد أي مبادرة أو توجّه نحو المحافظة على حقوق الملايين ممن فقدوا مدخراتهم كاملة أو جزءاً ملحوظاً من ثرواتهم بسبب تقاعس سلطات الرقابة الاميركية عن المراقبة الفاعلة، وبسبب اسراف شركات التصنيف في اعطاء شهادات حسن الاداء لمؤسسات كانت في الواقع على حافة الافلاس؟
لا شك في ان أكبر خسارة للولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش تمثلت في اقصائها عن سدة الاخلاقية في التعامل الدولي، السياسي والمالي والاقتصادي، فهل سنشهد محاولة لرأب الصدع المفجع في صورة الولايات المتحدة، ام سنشهد اعادة السيناريو السابق؟
ان اعادة السيناريو نفسه تعني ان الولايات المتحدة سوف تتجاوز ازمتها قبل غيرها من البلدان الصناعية، وتعمل لتحوز استثمارات الصين، وشرق آسيا، ودول النفط العربي، لان الدولار سيستمر في تقمص دور العملة الاساسية في نظام النقد الدولي، حتى بعد تعديله في نيسان المقبل عندما تجتمع الدول العشرون لمتابعة ما اتفق عليه في واشنطن في 15 تشرين الاول 2008، أي تعديل نظام النقد الدولي وتعزيز قدرات هيئات الرقابة وفاعلياتها، ومقاربة اجراءات الاحتراز والعقاب بين الدول الرئيسية على ممارسات تفلت مديري الشركات المالية ورؤسائها في مختلف الاسواق الناشطة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,173,491

عدد الزوار: 6,758,847

المتواجدون الآن: 120