كلاسيكية التقهقر

تاريخ الإضافة الإثنين 12 كانون الثاني 2009 - 5:33 م    عدد الزيارات 1630    التعليقات 0

        

بقلم مروان اسكندر

أصبح الان لدينا مشروع موازنة ككل المشاريع منذ سنوات، باستثناء محاولة 1999 لادخال اصلاحات جذرية على هيكلية الموازنة والضرائب.
وككل سنة، هدف الموازنة حصر العجز بأدنى نسبة ممكنة، وتاليا ضبط ارتفاع حجم الدين العام الذي بات الثقل الاساسي الذي يؤخّر النمو ولا يسمح بتوقعات تفاؤلية.
الحصيلة ان الرواتب والتعويضات، ودعم الكهرباء، ونفقات عمل الدولة، وخدمة الدين العام (وليس خفضه) ستحظى بـ 82 في المئة من النفقات، فلا يبقى لمخصصات المشاريع الانمائية أو التطورية سوى 18 في المئة من ارقام الموازنة.
في المقابل، لا نلاحظ أي اجراءات لتحسين فاعلية انتاج الكهرباء وتوزيعها، وتطوير الشبكات، أو لتخصيص مبالغ بسيطة انما ذات اهمية لتطوير الانتاج، وتعزيز الطاقة، وتحسين الاداء، أو أي مبالغ لتطوير امدادات المياه للمواطنين وتنقيتها من الجراثيم.
ان ارقام الموازنة معقمة لا علاقة لها بالتحسينات في مجال توفير الخدمات العامة من كهرباء أو ماء أو اتصالات، أو نقل عام، أو رفع مستويات الجامعة اللبنانية.
وثمة اصرار حكومي على اغفال التطوير والابتكار في الحكم وكأنه اعلان صريح ان لبنان غير مرشّح للتقدم.
في ايلول 2004، عندما أتيح لرفيق الحريري مجال التفكير في اصلاح جذري، وان تكن الفرصة أتيحت لإلهائه فقط، أراد وضع تصور لإنهاض الاقتصاد وتطوير أرقام الموازنة شمل الخطوات المعددة ادناه، اضافة الى اجراءات تحفيزية أخرى:
- الغاء ضريبة الدخل، ما عدا ما يصيب منها الشركات الكبرى، وجعلها على مستوى 10 في المئة بصورة مقطوعة وشاملة.
- الغاء ضريبة الدخل على المهنيين، أي الاطباء والمهندسين والمحاسبين والمحامين والخبراء، الخ.
- الغاء ضريبة الدخل على اصحاب الدكاكين وصالونات الحلاقة والتجميل وتجار الجملة والمفرق، الخ.
- الغاء ضريبة الارث.
وكان الرجل يريد اطلاق طاقات اللبنانيين وحماستهم للعمل من دون اخضاعهم لسطوة المحققين الضريبيين التي تجعلهم يخسرون ساعات وساعات لتوفير الارقام المتعلقة بأعمالهم وشرحها.  وكان في رأي الرئيس الراحل ان الوفر الذي يتحقق من اختصار 2200 الى 3000 وظيفة في وزارة المال يعزز اهداف ضبط العجز في الموازنة.
 في المقابل، كان الرئيس الحريري يرى ان موارد الدولة يمكن ان تتعزز برفع معدل الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 16 في المئة.  وحيث ان هذه الضريبة تحصل بصورة أوتوماتيكية، ولا تعادل الضروريات في سلة الاستهلاك، يكون وقع زيادتها على مقدار من العدالة، وخصوصا مع اطلاق طاقات الانتاج والمبادرة لدى اللبنانيين، وتوسيع فرص العمل والنجاح.
وفي هذا الوقت بالذات الذي تزداد فيه المخاوف من انكماش عالمي وتقلص فرص العمل للشباب، وخصوصا أولئك الذين يسعون الى العمل حيث يتوافر، يتناسب هذا البرنامج مع الحاجات والتطلعات، لكنه مرفوض من دون بحث من الوزارة.
ان الحكم لا يرغب في خوض تجارب الانعاش والتحفيز.  فنفسية الحكام تقليدية ، محافظة، انكماشية لا انمائية، والحاجات هي النقيض تماماً، لكن وسائل الاقناع عاجزة عن استنباط الحلول لدى المسؤولين المعنيين.  ولهذا السبب، نشير بصورة استثنائية الى مثالين عن اختيار الهجرة المؤسسية لتحقيق النجاح خارج نطاق معوقات السوق اللبنانية والنظام اللبناني الضريبي التعسفي.
محمد زيدان من انجح رجال الاعمال اللبنانيين، يعمل في تجارة السيجار الكوبي منذ عشرات السنين، وقد حقق نجاحات كبيرة في عمله إن في لبنان أو في الخارج، وتوصل الى ان يكون ثاني اكبر مسوق للسيجار الكوبي في العالم. نشاطه واسع ويشمل عدداً من البلدان الاوروبية والعربية، وهو يوفّر فرص عمل جيدة لمئات اللبنانيين في لبنان وخارجه.  كما انه معروف بكفاياته ونشاطه ونجاحاته، ورئيس الوزراء يعرف أهمية اعماله، فهما ابنا المدينة الواحدة، صيدا.
ان اجراءات  تحصيل الضرائب والمداخلات الوظيفية دفعت هذا الرجل الى نقل مركز عمله الاساسي الى قبرص حيث أسس شركة قابضة تلاحق أعماله في لبنان وعلى نطاق عالمي.
والسؤال هو: لماذا يهجر رجل اعمال ناجح ومنفتح لبنان الى الخارج؟
الجواب بوضوح هو التعامل مع المسؤولين عن تحصيل الضرائب، سواء منهم من يمثلون وزارة المال أو الجمارك، الخ... علما ان قبرص لم تعد جنة ضريبية بعد انضمامها الى السوق الاوروبية المشتركة، لكن الضريبة على الارباح فيها محددة وواضحة ولا تتجاوز الـ 10 في المئة.
مثال آخر عن تهجير طاقة كبيرة مبادرة  هو موسي فريجي، المهندس الزراعي الطليعي، خريج الجامعة الاميركية الذي اطلق مع فيليب نصر الله حركة مزارع الدجاج الحديثة في البقاع واراد تصنيع منتجات زراعية عدة. فقد عانى هذا الرجل كثيراً من تعسف موظفي وزارة الزراعة واجراءات التحقق من مواصفات العلف، وكأن مصلحته هي في توفير علف مضر بالدجاج، فقرر نقل مركز الثقل في عمله الى الخارج واختار ان يعمل في مصر.
وخلال سنوات، حقق فريجي نجاحات باهرة في مصر، سواء على صعيد زراعة الزيتون وتصنيع الزيت وتصديره، أو انتاج العلف والدجاج، وقد اصبح لديه فريق عمل يشمل آلاف الموظفين، في حين انه عانى الامرين في لبنان.  وجدير بالذكر ان انتاج مؤسساته في الخارج يفوق الـ 250 مليون دولار سنويا، وقد حاز حديثاً جائزة مصرية تقديرية على اعماله ومبادراته.
لماذا لا يسأل الوزراء أنفسهم: ما هو سبب نجاح اللبنانيين في الخارج أكثر من نجاحهم في لبنان في مجالات الاختصاص التي اختاروها لأنفسهم؟ 
وهل على اللبناني ان يعيش دوماً في صراع مع الادارات العامة وممثليها؟  أم ان الوقت قد حان لتحديث الادارة والتخلي عن الاستئثار في تحديد التعيينات التي تعطي الموظفين الكبار القدرة على التحكم بخناق اللبنانيين؟

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,151,965

عدد الزوار: 6,757,387

المتواجدون الآن: 133